منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 33 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 33 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    الإستدلال بالمعجزات

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    من كتاب الفرائد لأبى الفضائل

    . [إعلم يا حضرة الشيخ وفقنا الله وإياكم على ما يحب ويرضى] إنّ عقيدة أهل البهاء هي أنّ الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله أجمعين هم مظاهر القدرة الإلهيّة بل مطالع جميع صفات الحضرة الأحديّة وأسمائه وهم قادرون على كلّ شيئ بإذن الله ومسيطرون على عوالم التكوين بإرادة الله. وإنّ جميع أفعالهم وأطوارهم تفوق الطاقة البشريّة وجميع حركاتهم وسكناتهم مظاهر للقدرة والسلطنة والحكمة الإلهيّة ولكن حيث أنّ دليل المعجزات وخوارق العادات من الأدلّة الثانويّة المؤيّدة الّتي لا تدلّ بحدّ ذاتها على صدق المدّعي بخلاف الكتاب السماوي الّذي يرتبط دليله على صدق الإدّعاء إرتباطاً وثيقاً بالأدلّة الأصليّة الأوّليّة لهذا فإنّ الله جلّ جلاله إعتبر آيات الكتاب حجّة بالغة أودع فيها هداية عباده وبهذا البرهان المحكم جعل الحجّة بالغة كاملة على أهل العالم.

    وأعرض لمزيد الإيضاح إنّه من الثابت لدى أولي العلم أنّ ارتباط الدليل بالدعوى إرتباطاً صحيحاً هو الشرط الأوّل لصحّة الإستنتاج ليتمّ بذلك إثبات المطلوب ولو لم يكن هناك إرتباط بين الدليل والدعوى فإنّ ذلك الدليل لن يثبت المطلوب أبداً مهما كان ذلك الدليل مدهشاً محيّراً. مثلاً لو قال إنسان إني طبيب ودليلي على ذلك أنني أستطيع الطيران في الهواء أو أستطيع إنطاق الحجر فإنّ دليله هذا لدى أولي العلم لا ينطبق على صدق دعواه لأنّ شفاء الأمراض وإبراء المرضى هو الدليل على صدق دعوى الطبّ لا الطيران إلى السماء أو إنطاق الصخرة الصمّاء. إذ ليس هناك إرتباط بين الدليل والدعوى. فقد قال الأستاذ الشهير في الجزء الثامن من (كتاب النقش في الحجر): "وبما أنّ الإنسان معرّض للخطأ في الأمور العقليّة يوافقه أن يستعين بآلة قانونيّة تعصمه من الخطأ وترشده إلى الصحيح حتى لا يحسب علّةً ما ليس بعلّة ولا نتيجة ما ليس بنتيجة ولا يبني على أساس فاسد ولا يعدّ برهاناً ما ليس ببرهان –قال الإمام الغزالي: "لو قال قائلٌ أربعة أكثر من عشرة وأنا أبرهن ذلك بإحالة هذه العصا حيّة ثم فعل وتحوّلت العصاء حيّةً لكنتُ أندهش من حيلة العامل ولكنّي كنت أبقى على يقيني بأنّ أربعة أقل من عشرة ... إلى آخر قوله" معناه لا تَعَلّق بين البرهان والأمر المبرهن وإذ ذاك فلا يعد برهاناً".

    فلمّا تمّ الإطّلاع على هذه المقدمة أعرض إنّ الإنسان البصير يفهم بتأملٍ قليل أنّه لا إرتباط أبداً بين إدّعاء الرسالة وبين قدرة الرسول على الأمور الخارقة للعادة لأنّ الرسول يقول إنني جئت لكم من الله برسالة فكيف يستوجب هذا الإدّعاء أن يكون المدّعي قادراً على إحياء الموتى وإنطاق الأحجار وفلق البحار وغيرها. والواقع إنّ طلب خوارق العادات من مدّعي الرسالة يشبه طلب أمور من رسول الملِك تتعلّق بالملِك نفسه. فمثلاً لو يقول إنسان إنني رسول من جانب الملِك وقد جئت اليكم برسالة من الملِك فكم يكون الجواب عليه جواباً سخيفاً لو يقال له "إن كنت رسول الملِك فاعمل لنا أموراً يعملها الملِك لنصدّق رسالتك عنه كأن تقود جيشاً جرّاراً وتفتح به الممالك وتقتل خلقاً من الناس" في حين أنّ إدّعاءه بأنّه رسول الملِك لا يستوجب هذه القوّة على إظهار كلّ هذه الأمور المذكورة. أو مثلاً لو عيّن الأمبراطور والياً على تفليس وسألنا هذا الوالي: "ما هو دليل صدق إدّعائك الولاية لنخضع لك ولنطيع أوامرك؟" فمن البديهي أن يتمسّك بفرمان الأمبراطور الّذي هوالكتاب المحكم من الدولة وبه يستدلّ. فلو يُقال له في الجواب: "إننا لا نكتفي بمثل هذا الكتاب الّذي يستطيع كلّ إنسان أن يكتب مثله ولا نصدّق إدّعاءك بأنك نائب عن الأمبراطور تقوم مقامه إلاّ بعد أن تُظهر لنا أموراً تخصّ الأمبراطور مثل تجهيز الجيوش وفتح البلاد وقتل النفوس وهدم الحصون وعمران البلاد ليدلّ ذلك على صدق دعواك ويثبت إمارتك وولايتك" فمن الواضح أنّه سوف لا يعتني أبداً بهذه الإقتراحات ولا يتمسّك أبداّ بغير الفرمان الّذي يحمله ولا يظهر أيّ أمر من الأمور الّتي يقترحها عليه القوم ولو أنّه يستطيع إظهارها "وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إلاّ العَالمِونْ" .

    وخلاصة القول فإنّه بناءً على عدم وجود رابطة بين إدّعاء الرسالة وبين القدرة على الأمور الخارقة للعادة فقد أصدر سيّد الأنام الخطاب التالي في سورة الإنعام: "‏‏قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ" .

    ومضمون هذه الآية يُعلّم الدليل العقلي على عدم الإرتباط بين إدّعاء النبوّة وبين القدرة على إظهار المعجزات وخوارق العادات. إذ من الواضح لدى كلّ عالم أنّ خاتم الأنبياء عليه آلاف التحيّة والبهاء كان مظهر العلم ومخزن القدرة الإلهيّة وكان قادراً على كلّ شيئ بإذن الله وعالماً بجميع ما كان وما يكون بوحي الله. إذاً فليس المقصود بهذه الآية نفي العلم والقدرة عن حضرته بل المقصود إظهار عدم إرتباط دعوى الرسالة بالقدرة على الأمور الخارقة للعادات وعدم دلالة المعجزات والمقترحات على صدق إدّعاء النبوّة.

    وقد قال القاضي العلامة محمّد بن أحمد بن رشد الأندلسي وهو أعظم علماء القرن السادس الهجري بل يعتبره جميع فلاسفة أوروبّا أعظم فيلسوف ظهر في الإسلام ويعتبرون مؤلّفاته نفيسة جدّاً- قال في كتابه (الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة) المطبوع في مصر في المبحث السادس بعد كلام مفصّل قي عدم دلالة المعجزات وحدها على صحّة النبوّة: "ولما كان هذا كلّه غنما فُضّل فيه صلى الله عليه وآله وسلّم لأنّه فَضَلَهم في الوحي الّذي به إستحقّ النبيّ إسم النبوّة قال عليه السلام منبّهاً على هذا المعنى الّذي خصّه الله به: "مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الأنْبِيَاءِ إلاّ وَقَدْ أوتِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا عَلَى مِثْلِهِ أمِنَ جَمِيعُ البَشَرِ وَإنَّمَا كَانَ الّذِي أوتِيتُهُ وَحْياً وَإنِّي لأرْجُو أنْ أكُونَ أكْثَرُهُمْ تَبَعاً يَوْمَ القِيَامَةِ". وإذا كان هذا كلّه كما وصفنا فقد تبيّن أن دلالة القرآن على نبوته صلى الله عليه وسلّم ليست هي مثل دلالة انقلاب العصا حيّة على نبوّة موسى علية السلام ولا إحياء الموتى على نبوّة عيسى وإبراء الأكمه والأبرص. فإنّ تلك وإن كانت أفعالاً لا تظهر إلاّ على أيدي الأنبياء وهي مقنعة عند الجمهور فليست تدلّ دلالة قطعية إذا إنفردت لأنّها ليست من أفعال الصفة الّتي بها سُمّي النبيّ نبيّاً. وأمّا القرآن فدلالته على هذه الصفة مثل دلالة الإبراء على الطبّ ... إلى آخر قوله".

    ولو تصفّح الإنسان جميع القرآن الكريم لما وجد آية إستدلّ بها رسول الله عليه الصّلاة والسلام بدليل المعجزات وخوارق العادات بل على العكس من ذلك رفض الإستدلال بالمعجزات في عدّة مواضع حين طُلبت المعجزات من حضرته وكلّما قالوا: "لَوْلا يَأتينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ" فإنّه عليه السلام كان يسكتهم بالأكتفاء بالكتاب لعدم كفاءة المعجزات وبأن خوارق العادات موجبة للهلاك. وإنا نتلو عليك من آيات القرآن الكريم وإنباء الرحمن ما فيه مزدجر للخائفين وكفاية للمتبصّرين وذكرى وموعظة للمتّقين:

    منها في سورة بني إسرائيل: "‏وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيات إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيات إِلَّا تَخْوِيفًا" ، ومراده تعالى من هذه الآية هو أننا لا نرسل معجزة ولا نجعلها برهاناً لك إلاّ لأن الأمم الماضية مثل عاد وثمود وغيرهما قد كذّبوا معجزات الأنبياء وحملوا الآيات الإلهيّة محمل السحر وإنّا قد أهلكنا تلك الأقوام الطاغية ومحوناهم بإنزال السخط والغضب عليهم لأننا لا نرسل المعجزات إلاّ للإرهاب والإنذار بنـزول العذاب والهلاك وحيث أنّ وجود محمّد خاتم النبيّين كان رحمة للعالمين وإن إرادة الله أرادت بقاء نسل قريش وإنقراض نسل اليهود وسائر الأحزاب المعادية لحضرته وظهور أهل الإيمان من نسل قريش والقبائل المؤمنة، لهذا أبى الله إظهار المعجزات والآيات القهريّة ولم يرض هلاكهم وحصر الحجّة بالكتاب الّذي أودع فيه رحمته وهدايته والّذي لن يستطيع أحد الإتيان بمثله.

    ومنها في سورة الأنعام: " ‏قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ. ‏قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ" وقد نزلت هذه الآية الكريمة في وقت كان فيه الكفّار من أهل الكتاب ومن غيرهم يطلبون في كلّ يوم معجزة وينادون دائماً بكلمة: "لَوْلا يَأتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ" لهذا نزل في هذه الآية أن قل لهم إنني جئتكم بالبيّنة الإلهيّة وهو القرآن وأنتم كذّبتم به وليس لديّ ما تستعجلون به من العذاب أي المعجزات والمقترحات لأنّ المعجزات لو ظهرت فلن ينتج عنها غير هلاككم ويتحتّم بعدها الحكم عليكم بالهلاك والإنقراض مثل ما حُكم على قبائل عاد وثمود.

    ومنها في سورة الأنعام: " ‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيات عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ. ‏وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ. ‏وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ" .

    وإني لا أعلم هل هناك من قلب مدرك فيفكّر في مضمون هذه الآيات الكريمة! فإنّ الله جلّ جلاله قد صرّح فيها بأنّ المعجزات لن تكون سبب الإيمان ولو ظهرت لهم معجزة فإنّ الله تعالى يقلّب قلوبهم وأبصارهم ويتركهم في حال من الشكّ والإرتياب وكذلك يتفضّل بأنّه لو ظهرت في الظاهر آيات عظيمة مثل نزول الملائكة وتكلّم الموتى وحشر الأشياء فإنّها لن تكون سبباً في إيمان إنسان إلاّ إذا أرادت الإرادة الإلهيّة إيمانه وكانت مشيئة الله جلّ جلاله سبباً في هدايته ففي هذه الحال ما فائدة طلب المعجزة وما أهميّة خوارق العادات في الدليل والبرهان. نعم إنّ الله جلّ جلاله قد أودع هداية عباده في الكتاب وقرّر شفاء القلوب في الوحي السماوي ولكنّ الخلق الجهلاء يلتمسون الهداية من مواطن الضلالة ويرجون الشفاء من موجبات الهلاك والفرق بين اليوم والأمس هو أنّ الناس بالأمس كانوا يتشرّفون في حضور خاتم النبيّين عليه الصّلاة والسلام ويسمعون أمثال هذه الأجوبة عند طلبهم المعجزات أما الناس اليوم فهم جالسون في بيوتهم وفي بلادهم البعيدة ويتوقّعون من صاحب الأمر أن يرسل إليهم المعجزات الّتي عرفتم آثارها وفهمتم فوائدها ويوفّر عليهم مشاقّ السفر ونفقات الطريق.

    ومنها ما نزل في سورة الأنعام أيضاً: قوله جل ذكره وتعالت عظمته: "‏قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ. ‏وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ. ‏وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ" وسبب نزول هذه الآية الكريمة هو أنّ رسول الله وخاتم النبيّين عليه وعلى آله آلاف التحيّة والثناء قد أحاطت به الأحزان الشديدة من كثرة إقتراحات أهل الهوى وشدّة إعراض الأعداء لأنّهم كانوا يعتبرون القرآن المجيد شعراً وإفتراءً وكانوا يشيحون بأوجههم عن قبول أعظم دليل إلهي ويجرحون قلبه المبارك بالكلمات الجارحة أمثال قولهم "أئِنّا لَتَارِكُو آلِهَتَنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونْ" وكانوا في كلّ يوم يقترحون آية ويطلبون معجزة بحيث ظهرت آثار الأحزان على وجهه المبارك وتضوّعت روائح الألم من وجنات حاله فنـزلت في الحال ورقاء الروح الأمين من غصون سدرة العليّين وتغنّت بهذا اللحن القدسي وبهذه النغمة الملكوتيّة وأمرت حضرته بالصبر والجلد والتحمّل والإستقرار وهذه الآيات النازلة تعني أنّ الله لا يريد هدايتهم بسبب كبريائهم ونخوتهم وظلمهم وشرورهم ولا يريد أن يزيّن رؤوسهم بالعزّة الأبديّة بسبب الإيمان لأنّ السنّة الألهيّة في الظهورات الكلّية قد جرت على أن الله جلّ جلاله يحرم المتكبّرين والمغرورين من نعمة الهداية جزاء أعمالهم ويزيّن رؤوس المتواضعين وأنقياء القلوب بتاج الإيمان وشرف الإذعان. وهذه سنّة الله ولن تجد لها تبديلاً. ولو يفكّر أولو البصائر قليلاً في هذه الآيات الكريمة وفي مقدار التهديد والتوبيخ الّذي أودعه الله جلّ جلاله فيها فإنّهم يطّلعون على مراتب إبتعاد الخلق عن الحقائق لأنّ الآيات العظيمة الّتي قدّر الله في ظهور واحد منها إهلاكاً وإفناءً للقبائل ووبّخ وهدّد طالبيها قد صار الجهلاء من الناس نتيجة سوء تربية العلماء والرؤساء ينسبون صدورها إلى كلّ شيخ حشّاش ويتوقّعون ظهورها من قدرة كلّ قذرٍ من الأوباش ولكن ما الفائدة وقد إعتاد الناس على قراءة القرآن الكريم دون فهمه والبهجة بأوهامهم وأباطيلهم؟ وهذه الحال نفسها علامة من علامات يوم الظهور وإمارة من إمارات يوم النشور.

    ومنها في سورة البقرة: "‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيات لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" وقول الكفّار في هذه الآية يرتبط بما ورد في الباب (19) و (20) من سفر الخروج من أسفار التوراة المقدّسة والّتي جاء فيها أنّ الله تعالى كلّم بني إسرائيل في برّية سيناء وأظهر لهم آيات باهرة ومعجزات ظاهرة ولهذا كان اليهود يقولون: "لو كان محمّد نبيّاً فلماذا لا يكلّمنا الله أو يظهر لنا معجزة لنفهم حقيقته ولنؤمن به؟ فيتفضّل في الجواب عليهم بأنّ الكفّار فى السابق قد قالوا مثل هذا القول وبسبب هذه الأوهام لم يؤمنوا بالأنبياء وقد تشابهت قلوبهم وتماثلت إعتراضاتهم. والواقع إنّ الإنسان لو نظر بدقّة فإنّه يشاهد بأنّ المعارضين لمظاهر أمر الله يتشبّثون دائماً بنوع واحد من الشبهات فيقول آخرهم نفس ما قال أوّلهم ويسير متأخرهم على الدرب الّذي سار فيه متقدّمهم كما سنبيّن ذلك بصورة مفصّلة إن شاء الله في غضون الأبحاث القادمة.

    ومنها في سورة آل عمران: "‏الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ" وسبب نزول هذه الآية المباركة هو أنّ قوماً من اليهود تشرّفوا بحضور رسول الله وخاتم النبيّين عليه وآله أطيب التحيّة والثناء وعرضوا أنّ الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول إلاّ أن يأتينا بقربان تنـزل عليه نار من السماء فتحرقه وتكون هذه المعجزة بنـزول النار دليلاً على قبول القربان وعلى صدق النبوّة وكان إقتراح اليهود هذا مبنيّاً على حكاية قربان هابيل إبن آدم عليه السلام وعلى حادثة محاكمة إيليّا النبيّ (إلياس) مع الأنبياء الوثنيّين. فقد جاء في الفصل (18) من كتاب الملوك الأوّل من كتب التوراة أنّ إيليّا عليه السلام قد تعاهد مع أنبياء بعل أحد أوثان مدينة السامرة أن يذبح كلّ منهما ذبيحة يضعها على مذبح الله ويسألونه تعالى أن ينـزل ناراً من السماء على ذبيحة الصادق ويحرق قربانه وأخيراً وفقاً لما هو المسطور قَبِلَ الله قربان إيليّا النبيّ ورفض قربان أنبياء بعل وأظهر كذبهم فلمّا طلب اليهود هذه المعجزة من رسول الله عليه السلام قال الله تعالى في الجواب عليهم قل لقد جاءتكم البينات مني سابقاً وجاءتكم هذه المعجزة فلو كنتم صادقين في إيمانكم بمجرّد ظهور تلك المعجزة فلماذا قتلتموهم؟ وإني لا أعلم ماذا كان يقول جناب شيخ الإسلام لو شاهد هذا الجواب في كتاب الإيقان الشريف؟ وكم كان غضبه شديداً بحيث لن يرغب أبداً في النظر إلى كتاب الإيقان؟ لأن هذا الجواب لليهود مثل جواب حضرة الباب الأعظم لشخص مسلم يخاطبه قائلاً "لو كنتَ أنت المهدي الموعود لشققت لنا القمر كما هو مأثور عن رسول الله" فيجيبه حضرة الباب الأعظم قائلاً "لقد سبق أن جاءتك رسل من قبلي بمثل هذه المعجزة فلماذا قتلتهم إن كنت صادقاً؟" ولا شكّ أنّ ذلك الشخص يتحيّر لدى سماع هذا الجواب ويقول "لا أنا كنت في زمن الأنبياء السابقين ولا أنا أنكرت رسالتهم حتى أستحقّ هذا اللوم ولا الرسول عليه السلام الّذي نُسبت إليه معجزة إنشقاق القمر كان قد قُتل حتى تصحّ تهمة القتل بحقّي فكيف ينطبق هذا الجواب على سؤالي؟ وبأيّ دليل أُدان بذنبٍ عمله غيري قبل ألف ومائتي سنة؟" وكذلك يطابق هذا المثال جواب رسول الله عليه الصّلاة والسلام لليهود: لأنّه قد مضى أكثر من ألف وخمسمائة سنة بين زمان إلياس النبيّ عليه السلام وبين رسول الله وخاتم النبيّين عليه الصّلاة والسلام ولم يدوَّن في أي تاريخ أنّ إلياس النبيّ عليه السلام قد إستشهد بل إنّ اليهود والنصارى والمسلمين متّفقون على أنّه حيّ باقٍ إلى يومنا هذا ويعتبر اليهود جميعهم إلياس نبيّاً صادقاً ونبيّ حقّ من جانب الله سبحانه وتعالى ولهذا لما نزل الجواب لليهود على هذه الصورة الّتي لاحظتموها أطلق الجميع ألسنة الإعتراض وقالوا بصراحة "يا للعجب إننا ما كنّا في زمان إيليّا النبيّ حتى يُنسب إلينا تكذيب حضرته وردّه. ولا هو بمقتول حتى تصحّ تهمة القتل ولا كنّا في زمان سائر الأنبياء الّذين إستشهدوا حتى نؤاخَذ بهذه الجرائم ولا نحن بمنكرين أيّ نبيّ من الأنبياء السلف حتى ينطبق علينا أيّ إنتقاد مماثل وكلّ ما نريده الآن هو معجزة تميّز النبيّ الصادق عن الكاذب نراها فنؤمن. فبأيّ دليل نؤاخذ بذنوب الأقدمين ونكلّف بالإيمان بدون مشاهدة معجزة؟" وأخيراً لا مفرّ لحضرة شيخ الإسلام إلاّ أن يحمل ألفاظ الموت والحياة والبعث والرجع والسماء والنجوم وغيرها محمل المعاني النازلة في كتاب الإيقان الشريف حتى يطّلع على المعاني البديعة في آيات القرآن المجيد والكتاب الحميد. وحتى يستطيع دفع إعتراضات اليهود وسائر الملل الأخرى وبعكس ذلك يجد نفسه عاجزاً عن الإجابة على إعتراضات الأجانب "ولا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرْ" ولعلّ حضرة شيخ الإسلام قد سمع أنّ جماعة كبيرة من بني إسرائيل قد دخلت اليوم شريعة الله المقدّسة وبسبب إذعانها لهذا الأمر الأقدس إعترفت بحقيّة رسالة عيسى عليه السلام ورسالة رسول الله وخاتم النبيّين عليه الصّلاة والسلام. أفليس السبب في ذلك غير إدراكهم معاني الألفاظ المختومة بواسطة كتاب الإيقان الشريف وسائر الألواح المقدّسة؟ فإمتلكوا القدرة على حلّ غوامض الكلمات الإلهيّة وتوصّلوا إلى البرهان الحقيقي للأنبياء والرسل حتى صارت الصدور الّتي كانت مظلمة ومكدّرة ومملؤة ببغض عيسى عليه السلام ومحمّد خاتم النبيّين وأئمّة الهدى عليهم أطيب التحيّة والثناء عامرة اليوم بحب هذه الأنوار المقدّسة ومنوّرة بالولاء إليها وصارت الألسنة الّتي كانت ناطقة بالإنكار والإعتراض على هذه المظاهر الإلهيّة مترنّمة اليوم بمدحهم وثنائهم وهذا قليل من آثار ألواح هذا الظهور الأعظم الّذي ظهر في العالم [وسوف تظهر آثارها أشدّ وأقوى] "‏فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى" .

    ومنها في سورة القصص: "‏فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ. ‏قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" ومعنى الآية هو إنّ "الحقّ" أي "رسول الله" عليه السلام لما جاءهم من عندنا قالوا "لماذا لم يُعط ما أُعطي موسى" أي أنّ الكفّار كانوا يقولون "لو أنّ محمّداً نبيّ من جانب الله لماذا لم تُعط له المعجزات الّتي أعطيت لموسى مثل فلق البحر وتبديل العصا حيّة واليد البيضاء والدخان وإهلاك فرعون؟" وغير ذلك من الأوهام الّتي يؤمن بها اليهود وغيرهم من الّذين لا يؤمنون برسول الله وخاتم النبيّين عليه الصّلاة والسلام، ولكنّ الله تعالى أجابهم بقوله لهم: "ألم تكفروا بمعجزات موسى الّتي أوتيها قبلك وقلتم باطلان تعاونا؟" ثم أمر الله رسوله عليه الصّلاة والسلام أن قل لهم يأتوا بكتاب أهدى من كتاب موسى حتى أتّبعه إن كنتم صادقين. وهذه الآية صرسحة على أنّ الكفّار إعترضوا على رسول الله قائلين: "إن كان نبيّاً فلماذا لم يُعط ما أُعطي موسى من المعجزات؟" فأجابهم حضرته: "بما أنكم كفرتم بمعجزات موسى فلم يبق لكم حقّ في طلب معجزة أخرى مني" ومنعهم بذلك من طلب المعجزات ودلّهم على الكتاب الّذي يهدي العالمين. ولو أنصف أهل هذا الزمان فإنّهم يشهدون بأنفسهم بأنّ كلّ واحد منهم قدسمع بأذنه من المعترضين على هذا الظهور الأعظم نفس هذه الإعتراضات ولا يزال يسمع بأنّ صاحب هذا الأمر لو كان المهدي الموعود فلماذا لم يأت بمعجزات مثل معجزات رسول الله وعيسى وموسى عليهم السلام؟ "فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ" .

    ومنها ما نزل في سورة الرّعد: "‏وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ. ‏الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" .

    ومنها في سورة بني إسرائيل: "‏وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا. ‏أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا. ‏أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. ‏أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا" . وهذه الآية تعني إنني لم أدّع غير البشريّة والرسالة، فالبشريّة لا تستلزم القدرة على إتيان هذه الأمور كما أنّ الرسالة لا تستلزم إظهار خوارق العادات.

    هذا وإنّ أمثال هذه الآيات كثير في القرآن الكريم وكلّها يصرّح بأنّ رسول الله وخاتم النبيّين عليه وآله آلاف التحيّة والثناء لم يقبل بإقتراحات القوم ولم يُجب أبداً طالبي المعجزات. ولو فتّشتم جميع القرآن المجيد لما وجدتم آية تدلّ على أنّه استدلّ بمعجزة غير القرآن أو أجاب إقتراحاً إقترحه عليه القوم. نعم لقد إستدلّ بعض العلماء في إثبات معجزات خاتم النبيّين عليه الصّلاة والسلام بآية إنشقاق القمر وبآية الإخبار بإنتصار الروم على إيران. وواضح لدى أهل العلم والإدراك إنّ هذا الإستدلال ليس بنافع هنا أبداً لأنّ أهل البهاء لا يذكرون أبداً معجزات خاتم الأنبياء كما صرّحنا بذلك في بداية الفصل ولكنّ بحثنا يدور حول أنّ المعجزات ليست فيها دلالة مستقلّة في إثبات صدق إدّعاء النبوّة وحول كون رسول الله لم يستدلّ بالمعجزات في إثبات حقيّته ولم يحتجّ أبداً بغلبة الروم وكلّما نادى الكفّار قائلين: "لَوْلا يَأتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ" فإنّه حضرته لم يتمسّك بدليل وبرهان غير القرآن المجيد.وقد تمسّك بعض العلماء ببعض الأحاديث والروايات في إثبات المعجزات، وجوابنا عليهم واضح جدّاً كذلك لأنّ الحديث النبوي يكون مقبولاً إذا لم يتناقض مع القرآن المجيد فإذا ناقض القرآن المجيد فإنّه مرفوض حتماً وقد ثبت في هذا الفصل أن القرآن المجيد قد رفض كلّ المقترحات الخاصّة بالمعجزات وإعتبر ظهور المعجزات بل طلبها سبباً في إزدياد الشكّ والريب ومنذرة بالعذاب والهلاك وصرّح بأنّه لما كذّبت الأمم السابقة بمعجزات الأنبياء وهلكت نتيجة تكذيبها لهذا فإنّ تكذيبها ورفضها منعنا عن إتيان المعجزات ففي هذه الحال إن وُجدت أحاديث تدلّ على ظهور معجزة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم بدون إقتراح الكفّار وطلبهم فإنّ ذلك الحديث صحيح وموافق للقرآن الكريم ونحن به مؤمنون وإن دلّ الحديث على ظهور معجزة بطلب الكفّار وإقتراحهم فإنّ ذلك الحديث موضوع لأنّه يخالف صريح القرآن المجيد والكتاب الكريم. وإن الّذي عرضناه في هذا الباب يلائم عامّة طبقات الخلق ويستطيع كلّ واحد فهمه أما الخاصّة من أهل العلم والفلسفة فإنّهم يعتقدون أنّ معجزات الأنبياء قد نُسبت إليهم على العموم وكلّ ما يدلّ على القوّة والغلبة الكلّية لروح القدس النازل على قلوب الأنبياء المباركة فإنّه حقّ ومعقول وكلّ ما لا يدلّ على هذا فهو خرافة وموضوع. ولكنّ هذه المسألة دقيقة جدّاً ولا يستطيع إدراكها غير القلوب الصافية وأولو العلوم والمعارف العالية ويكفي أن نقول حول غموض ودقّة فهم حقيقة المعجزات أنّ هذه المسألة المعضلة كانت ولا زالت شِباكاً لهلاك الملل القويّة ومصيدة لبوار الأمم الكبيرة ودمارها ولو تأمّل إنسان بصير في إنّ معجزات كلّ رسول مقبولة فقط داخل أمّته لا خارجها لإستطاع أن يعرف مواقع ظهور المعجزات ويفهم أسباب نفيها وإثباتها في الخارج والداخل. فمثلاً معجزات موسى عليه السلام، فإنّ الزردشتيّين لا يؤمنون بها أبداً ويعتبرونها جميعاً كذباً وإفتراءً وكذلك معجزات عيسى عليه السلام لا يقبلها اليهود مطلقاً ويعتبرونها مختلقة موضوعة وكذلك معجزات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لا يؤمن بها الزردشتيّون واليهود والنصارى ويعتبرونها من أكاذيب المسلمين ولهذا فليس من المستبعد أن لا يصدّق المسلمون معجزات حضرة بهاء الله وينكرونها ليتمّ فيهم حديث رسول الله عليه السلام: "لَتَسْلُكُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلِكُمْ شِبْراً فَشِبْرٍ وَذِرَاعاً فَذِرَاعاً".

    والآن بعد أن إطّلعنا على قيمة دليل المعجزات والمآخذ الّتي تؤخذ عليه وكيفيّة إجابة الرسول عليه الصّلاة والسلام للطالبين للمعجزات، أعرض بأنّ الإنسان الّذي يريد أن يتمسّك بالمعجزات في سبيل معرفة مظاهر أمر الله يجدها في هذا الظهور على أعظم مقياس وأقواه وأتمّه لأنّ الزمان أقرب بنا منه والوسائط معروفة أكثر وإختبار أحوال الرواة أسهل بخلاف المعجزات المنسوبة إلى سائر الأنبياء. فبقطع النظر عن أنّ بياناتهم تتنافى وصدور تلك المعجزات كما يتّضح من آيات القرآن المجيد نرى أنّ رواة هذه المعجزات مجهولو الهوية وغير ممكن إختبار أحوالهم وليس هناك غير روايات رويت عن رواة عديدين وبوسائط مجهولة قبلتها كلّ أمّة بعد ألف سنة وألفي سنة وثلاثة آلاف سنة عن حسن ظنّها وتقليداً للآباء والأجداد، وقد نسب أهل كلّ مذهب مع تناقض المذاهب وتباين المشارب لرؤساء مذهبهم بل لمشايخ طريقتهم خوارق عادات كثيرة والنقطة الواضحة هنا هي أنّه ليس من الممكن أن يُظهر صاحب الأمر لكلّ شخص معجزة ويجيب على الفور إقتراح كلّ إنسان لأنّ عامة أفراد الناس سوف يجتمعون كلّ يوم إن لم يكن من أجل فهم الدين فمن أجل التفرّج والتسلية ويطلبون في كلّ إجتماع إظهار أمرٍ غريب ومعجزة عجيبة يقترحونها على صاحب الأمر وتنقضي سنوات العمر ولا تنقضي مقترحات الخلق ويتبدّل مجلس النبوّة والرسالة إلى مسرح تمثيل وألعاب ويتجلّى سرّ الآية الكريمة: "‏وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ " . لهذا فقد إقتضت الحكمة الإلهيّة في الأزمان الغابرة أنّه كلّما أوقفت أمّة من الأمم تصديق رسولها المبعوث على نزول معجزة من السماء وإشترطت لإيمانها شرط ظهور تلك المعجزة كان رؤساء تلك الأمّة يجتمعون ويختارون معجزة من المعجزات العظيمة ويعيّنون ميعاد يوم معيّن ويخبرون الأمّة بذلك فعند ذلك يُظهر لهم رسول ذلك الزمان المعجزة المطلوبة أمام جمعٍ منهم وعند ذلك تكون الحجّة الإلهيّة بالغة على جميع الخلق كما هو المذكور في الكتب الدينيّة من قصص عاد وثمود وفرعون وقد سُطّرت في جميع الأسفار كيفيّة ظهور تلك المعجزات. ونظراً لوضوح هذه المسألة إلتمس رجالات الأمّة البهائيّة مراراً من رؤساء الدولة وعظماء الملّة في مجالس المناظرة أن يعقدوا مجلساً وينظروا بنظر الإنصاف والعدل في أوامر هذا الظهور وإذا إنتهى بهم الأمر أخيراً إلى طلب المعجزات فليتّفقوا وليعلنوا مثل الأمم الماضية حتى يظهر الحقّ من الباطل ويمتاز الثابت عن الزائل وتزول الإختلافات والتفرقة من بين الأمّة. ففي إحدى المرات عندما كانت شمس جمال الله جلّ جلاله مشرقة ومتلئلئة من أفق دار السلام (بغداد) كان يقيم في العراق الشيخ عبد الحسين المجتهد الطهراني من علماء هذا القرن الممتازين بعلوّ جاههم وعزّتهم وفخامتهم مبعوثاً من جانب الدولة الإيرانيّة العليّة لتعمير العتبات المقدّسة في العراق وقد حرّكت ملاحظته لقوّة أمر الله ونفوذه وغلبته عِرْقَ تعصّبه وعناده فسعى سعياً حثيثاً متوهّماً بخياله الواهي أنّه يستطيع إزالة أمر الله عن طريق إثارة الفتنة والتحريض والمعارضة، وإستطاع أن يجمع حوله رؤساء الدين في العراق ووجهاءه وأخيراً عقد في الكاظميّة مجلساً كبيراً إجتمع فيه العلماء والوجهاء من النجف وكربلاء والكاظمين كما دعا إليه [الشيخ الأجلّ الشيخ مرتضى الأنصاري أفاض الله على تربته وابل الرحمة والمغفرة] إلى ذلك المجلس بإسم دعوته إلى وليمة، ولما إنعقد محفلهم وإستقرّ كلّ واحد في مكانه من المجلس رفع الشيخ عبد الحسين الستار عن هدفه وأعلن بغضب البيان وجرأة الجنان الّتي يملكهما وجوب إبادة هذه الفئة المظلومة، فنهض الشيخ الأجلّ الشيخ مرتضى الأنصاري خارجاً وكلّما إجتهدوا في إقناعه بالجلوس لم يرضى بل خرج في الحال من ذلك المجمع وسافر توّاً إلى النجف الأشرف. ومع أنّ إنتصال الشيخ الأجلّ قد سبّب وهن عزائم أهل العمائم إلاّ أنّهم لم ييأسوا نظراً لمكانة رئيس المجلس ولإتّفاق سائر أعضائه على تنفيذ مقصدهم الفاسد، فقرّروا بعد المشاورة أن يرسلوا أوّلاً أحد أرباب الفضل إلى الحضور المبارك وبعد أن ينكشف مقصودهم ويتجلّى وعدهم ووعيدهم يقومون بإتمام مقاصدهم، وإختاروا أخيراً الملا حسن عمو الّذي كان معروفاً بالفضل والعلم وفصاحة اللسان وقوّة الجناب وشيخاً موثوقاً كاملاً ليقوم بحمل هذه الرسالة وتنفيذ هذه المهمّة فتوجّه إلى بغداد وتشرّف بالحضور المبارك بتوسّط زين العابدين خان فخر الدولة الّذي كان من وجهاء الإيرانيّين وساكناً حينذاك في العراق وعرض المهمّة الّتي جاء بها من قِبل العلماء فشرع الجمال الأقدس الأبهى في إثبات الأمر المبارك للنقطة الأولى ببيانات محيّرة للعقول جاذبة للألباب لا تستطيع أقلام هذا العبد الضعيف وصف بلاغتها وفصاحتها وقوّتها ومتانتها بأتمّ بيان وأكمل برهان وأثبت حقيقة الظهور المقدّس بمقالات علميّة وبراهين عقليّة ونقليّة فتحيّر الملا حسن وكان قد شاهد كبار علماء العراق وإيران وأفاضل أهل السنّة والشّيعة وكان هو نفسه فاضلاً نحريراً وخطيباً لا نظير له وبُهت من حسن تقرير الجمال المبارك ورشاقة بيانه وقوّة دليله ومتانة برهانه ولم يجد جواباً غير أن يعرض في نهاية الخضوع أنّه لا يمكن والحقّ يقال تصوّر بيان أتمّ وأكمل من هذا الإحتجاج من حيث العلم والبرهان ولكنّ حضرتكم تعرفون حال العلماء إذ لم يكتفوا بالبيانات العلميّة والدلائل القرآنيّة وطلبوا معجزة سماويّة وإحدى خوارق العادات فماذا أجيبهم؟ فتفضّل: "ليجتمعوا حضراتهم ويطلبوا معجزة من المعجزات ويتفّقوا عليها حتى يظهرها لهم الله جلّ جلاله وبها تنفصم حبائل التسويف والإنكار لأرباب المكابرة والإستكبار". فبعد أن سمع الملا حسن هذا الجواب رجع إلى الكاظميّة وعرض في مجمع العلماء شرحاً لما سمعه ورآه في المحضر المبارك والوعد المبارك بإظهار المعجزة وعرض لهم بالصراحة إنّ الأمر ليس كما سمعوا به أو وفق ما يتصوّرونه ومن الأحسن ختم هذه المسألة وفقاً للمحبّة والإنصاف وسدّ أبواب المعاندة والمشاحنة الّتي لا فائدة منها. ولكنّ مراتب الكبرياء والتجبّر حرفت العلماء عن الطريق المستقيم وشرع الشيخ عبد الحسين باللجوء إلى أرباب السلطة الظالمين ظنّاً منه بأنّ معارضة أمر الله أمر سهل ويسير، وصرف النظر عن طلب معجزة سماويّة وتوسّل بالوساوس الدنيويّة والدسائس السياسيّة [فخابت آماله وحبطت أعماله وبقيت قصّته عبرة للناظرين وموعظة وذكرى للمتبصّرين].

    هذا وقد حدثت في إيران سنة (1300) هجرية حوادث جسيمة عمّت جميع أنحاء المملكة وتعرّضت الطائفة البهائيّة بلا ذنب إلى أنواع من الإضطهاد والحبس في كلّ بلدة ومنها طهران حيث أمر وليّ العهد (كامران ميرزا) الّذي كان يشغل منصب وزارة الحربيّة والحاكم العسكري العام لطهران ومازندران بإلقاء القبض على جمعٍ من أهل البهاء وحبسهم وكان فيهم أربعة من أهل العلم والفضل وكان الباقون من التجّار والعمّال ومن هؤلاء الأربعة جناب الميرزا محمّد رضا بن محمّد آبادي اليزدي الّذي كان معروفاً بإستقامته وبكبر سنّه. ولو أنّ مقصود وليّ العهد كان في البداية إصلاح الحال وإسكات مفاسد أرباب العناد ولكنّه تبدّل شيئاً فشيئاً بسبب قيام الفقهاء ومعاضدة الرؤساء وكثرة التشويقات الملكيّة وإحاطة التسويلات النفسيّة فإشتدّ الأمر وأدّى هياج زوابع التعصّب إلى أن يصرف العظماء النّظر عن خير الدولة والملّة وإلى أن يعقد كبار الرجال العزم على إستئصال هذه الفئة المظلومة وعلى التشبث بكلّ الوسائل والدسائس لإجراء مقاصدهم الفاسدة المستحيلة. وكانت تنعقد في تلك الأوقات مراراً في مقر الحكومة مجالس للمناظرة يجري فيها أنواع الإستدلال والإحتجاج ومن المألوف من عادات القوم أنّهم يتمسّكون أوّلاً بالضرورات الدينيّة والمذهبيّة في مقام المعارضة والإحتجاج وعندما يسمعون جواباً مسكناً ويرون أنفسهم عاجزين أذلاء في إقامة الدليل والبرهان يلجأون إلى طلب المعجزات وإقتراح خوارق العادات وعندما يُغلبون كذلك في هذا الصّراع يتوسّلون بآخر براهين أهل العلم والعدوان وهو قتل المظلومين وحبس المساكين. وهكذا إنتهت مجالس المناظرة بعد مناظرات طويلة ومناقشات مفصّلة إلى طلب المعجزات. فعرض أكابر الأحبّاء بالإجماع الجواب بأنّ هذا نعم المطلوب وأنّ السبيل مفتوح وأنّ وسائل الطلب بالبرق والبريد في منتهى السهولة وما دامت شمس الحقيقة مشرقة والوجود الأقدس لمظهر أمر الله موجوداً فما أبدع أن يتّفق علماء الملّة وأمناء الدولة ويختاروا معجزة من المعجزات وآية من الآيات العظيمة ويعيّنوا يوماً ويخبروا أهل طهران ثم يطلبوا برقيّاً من الحضور المبارك إظهار المعجزة حتى يتّضح الحقّ ويزول الإختلاف من بين الملّة. وفي يوم من أيّام المجالس المذكور طلب الأمير الكبير حضور هذا العبد إلى ذلك المجلس الّذي كان يشهده جمع من أولياء الأمر وكبار المملكة. وبعد أن أذن الأمير الكبير لي بالجلوس توجّه نحوي وقال: "يا أبا الفضل! إن الميرزا محمّد رضا اليزدي يقول لنا أنكم إذا تريدون أية معجزة فعيّنوها وأعلنوا وإسألوا من المحضر الأقدس برقيّاً ولا شكّ أنّ الحقّ جلّ جلاله سيجيب هذا السؤال وسيظهر ويكشف قدرته على الأمّة وإن لم تظهر المعجزة على فرض الحال فإنني أساعدكم وأعلن الردّ على الطائفة البابية في جميع المدن" فعرضت في الجواب: "إنّ جناب الميرزا محمّد رضا اليزدي ولا شكّ معروف في محضر الأمير بصدقه وإستقامته في أمر الله ولا شكّ أنّه واثق من حصول المعجزة حتى وعدكم بمثل هذا التأكيد والتشديد ولم يخطر بباله أدنى شكّ أو تردّد" فأجابني الأمير قائلاً: "وأنت ماذا تقول في هذا الموضوع؟ وماذا تشير علينا؟" فعرضت "إني أسأل ما هو سبب تردّدكم؟ وما هو سبب إنتظاركم؟ فأنتم في جميع المجالس تتمسّكون بالمعجزات بعد إنقطاع جميع وسائل البحث وتقولون بصورة متواصلة بأنّ هذا الظهور لو كان ظهور الموعود فلماذا لا يأتي بمعجزة؟ والآن ترون رؤساء هذا الأمر حاضرين بمثل هذا النحو من الإستقامة ويعدونكم بإظهارها فما سبب إنتظاركم وما المانع لديكم؟ لعمر الله قد أتمّوا الحجّة عليكم وبيدهم وسائل قويّة وقويمة في الحجّة والبرهان وأنتم تغفلون ولا ترعون جانب الحزم في هذه الأمور الخطيرة من أجل قوم تعتبرونهم في الحقيقة ألدّ أعداء الدولة" ثم جرت بيننا أحاديث هي عبرة وحيرة لأولي الألباب ومشرحها هنا ينافي الإختصار ومنها إنني عرضت قائلاً: "يا مولاي لا تظنّوا أن الحبس والقتل يمنع نفوذ هذا الأمر لأنّ العقائد الدينيّة لا يمكن تغييرها بالمنع والزجر. ولو نظرتم بإمعان لوجدتم أنّ قتل النفوس في هذا الأمر صار سبباً لزيادة إشتهاره وإحترامه وإنّ شدّة المنع صارت سبباً في إزدياد تفحّص الخلق وإستفسارهم. فإن أردتم خير الناس وخير أنفسكم فتمسّكوا بوسائل العدل والإنصاف وأنظروا في هذا الأمر بنظر التحقيق لا بنظر المعاندة فيبقى في صفحات التاريخ لكم ذكر حسن وإسم طيب ولا يُقال بحقّكم ما قيل في وصف المكذّبين السالفين". وخلاصة القول فقد عرضت كثيراً من أمثال هذه النصائح ولكنّ رسوخ الحسد ومعاندة رؤساء الدين وهجوم الهواجس والتصوّرات الوهميّة صارت مانعاً دون مشاهدة العواقب ودون النصائح إلى أن طوى ربك القدير ذلك البساط وترك التصوّرات الوهميّة مبتورة وبقيت الحقيقة المؤكّدة وهي أنّه لا نفوذ الأمر الإلهي يمكن صدّه بالظلم والإضطهاد ولا ذكر هذه الحوادث والقصص يمكن محوه وزواله من متون الكتب والسجلات.

    وإنّ أتمّ دليل وأكمل برهان من جميع ما عرضته هو لوح السلطان الّذي بنـزوله تمّت حجّة الله جلّ جلاله على الأمّة الإسلاميّة وسُدّت على وجه أفراد هذه الأمّة طرق الإنكار والإعتذار من جميع الوجوه وبعد أن نزل هذا الكتاب المبارك من القلم الأعلى في مدينة أدرنة سنة (1286) هجرية أُرسل إلى شاه إيران بيد حضرة بديع وبصورة صريحة إلتمس حضرته من السلطان أن يصدر الإرادة السلطانيّة بإحضار العلماء الأعلام وبحضور الشاه تجري المناظرة مع مظهر أمر الله وليكشفوا جميع ما في مكنونات قلوبهم حتى يتّضح الطريق الإلهي وينكشف سبيل الهداية. وبعد أن إستلم السلطان هذا الكتاب سلّمه إلى علماء طهران ولكنّ كبرياء أصحاب التفقّه وشموخ أنوفهم وخوفهم من الخذلان ومن ظهور عجزهم في الميدان حال دون صدور الأمر السلطاني ودون كشف الحقائق المستورة. وإنّ كتاب السلطان موجود في أكثر عواصم آسيا وأوروبّا مخطوطا ومطبوعاً ومنتشراً وقد إشتهرت حادثة إستشهاد الرسول الحامل لكتاب السلطان في أكثر البلاد.

    [وأمّا المعجزات الخصوصيّة والبيّنات الإلهيّة والأخبار عن الأمور الآتية المصرّح بها في الألواح المقدّسة فهي أكثر من أن تُحصى في هذا المختصر ومن أراد العلم بها والإطّلاع عليها فليطلبها من مكانها ومراجعها.

    ولنختم هذا الفصل بتلاوة آيات الذكر الحكيم والسفر الكريم حيث قال جلّ ذكره وجلّت عظمته] "‏فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ. ‏أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. ‏وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" .

    هذا وقد إنتهينا من بيان الأدلّة والبراهين بكلّ اختصار وما عرضناه يكفي النفوس المنصفة. وإن أراد الإنسان بحثاً أكثر بسطاً وتفصيلاً فيمكنه الرجوع إلى كتب هذه الفئة المفصّلة الإستدلاليّة لأنّ رسائل متعدّدة قد كُتبت على أثر التماس رؤساء الملل الموجودة وقد تمّت الحجّة على الجميع بحكم الآية الكريمة "كُلُّ أمّةٍ تُدْعَى إلى كِتَابِهَا" . ويستطيع الإنسان أن يفهم قوّة أدلّة هذه الطائفة وبراهينها التامّة حينما يقوم بإثبات حقيقة دينه للأجانب في مقام الإحتجاج وإقامة البراهين ويطلع على مواضع الإنتقاد والإعتراض وأسباب توقف جميع الأمم وإعتراضها.

    وخلاصة القول لما تمّ البحث في بيان الأدلّة نشرع الآن في تأليف المبحث الثاني في الجواب على شبهات شيخ الإسلام بصورة مفصّلة وسوف نذكر نفس عباراته بالرغم من أن ذلك يؤدّي إلى طول البحث ولكنّه يفيد فائدة أتمّ إذ إنّ الأثر يدلّ على المؤثّر ويوضح لأرباب البصائر والإدراك مقدار معرفة كلّ نفس في المسائل الدينيّة [ونسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ويثبّت أقدامنا على صراطه المستقيم ونهجه القويم إنّه هو الرؤوف العطوف الغفور الرحيم].

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى