منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 39 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 39 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    الرد على الشبهات 2

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    من كتاب الفرائد لابى الفضائل

    . في بيان كيفيّة إنتشار الديانة النصرانيّة وتفرّقها إلى مذاهب مختلفة:

    أما كيفيّة إنتشار الديانة النصرانيّة وتفرّقها إلى مذاهب، فمجمل ذلك أنّه لمّا صعد عيسى عليه أطيب التحيّة والبهاء إلى الرفيق الأعلى بظلم اليهود كان عدد المؤمنين به حينذاك ما يقارب المائة والعشرين شخصاً وقد قام اليهود الّذين كانوا في تلك الأيّام تحت حكم بيلاطس الوالي الروماني بمنتهى الإضطهاد والأذى على معارضة أصحاب حضرته إلى أن شرب كأس الشهادة إستيفانوس ويعقوب إبن زيدي ويعقوب البار بحكم علماء اليهود والرؤساء بشكل فجيع. وأخيراً تشتّت أصحاب حضرته إلى المدن والأطراف خوفاً من اليهود وقام علماء اليهود عن طريق الرسل والمراسلة من مدينة القدس الشريفة أورشليم بتحريض سائر البلاد والممالك ضدّ المسيحيّين وإتّهموا أولئك المظلومين الّذين كانوا لا يضمرون لليهود غير خيرهم وصلاحهم بفساد العقيدة وبالرغبة بالإستيلاء على الحكم وإتّهموهم بهذه التهم الشنيعة لدى ولاة البلاد وأمراء الرومان إلى أنْ نزل الغضب الإلهي على اليهود. فبعد سبعين سنة من ميلاد المسيح هجم طيطوس القيصر الروماني على الأراضي المقدّسة وأذلّ اليهود وشتّتهم وقتل ما يزيد على المليون من يهود مدينة القدس الشريفة وهدم المدينة. وزادت هذه الحادثة في تشتّت المسيحيّين أيضاً، فتشتّت أتباع عيسى عليه السلام الّذين كانوا أقلّة وأذلّة في جميع البلاد المجاورة والبعيدة، ولكنّهم قاموا بكلّ همّة وإخلاص على تبليغ أمر حضرة المسيح. ولما بدأ الأمر المبارك المسيحي ينفذ إلى داخل الأمّة الرومانيّة الوثنيّة إتّفق علماء الرّومان مع علماء اليهود وإتّهموا أولئك المظلومين أمام القياصرة ورجال الدولة بأنواع التهم والفساد. ولما أمر القيصر الروماني نيرون الظالم بإحراق عاصمة أوروبّا وهي مدينة روما العظيمة حينما كان سكراناً فأحرق مثل تلك المدينة الكبيرة في ساعة سكرٍ جنونيّة وألقى في الصباح تهمة هذا الحادث الشنيع على جماعة المسيحيّين الصغيرة في روما إبتُليت تلك الفئة المظلومة بأنواع العذاب والإضطهاد. ومن المعروف لدى النصارى أن بطرس وبولس شربا كأس الشهادة في العاصمة روما وصعدا إلى مقرّ التقديس والرفيق الأعلى من فوق أعواد الصليب. وإنتهى الأمر أخيراً بالأمّة النصرانيّة نتيجة ظلم الوثنيّة إلى أنّهم لم يجدوا في أنحاء تلك المملكة الفسيحة مقر أمن ٍ يعيشون فيه فالتجأ أكثرهم إلى شعاب الجبال والقرى النائية عن العواصم ولاذوا بالرهبانيّة وشُغلوا بعبادة الله. ومعلوم لدى الأمّة النصرانيّة أيضاً أنّ هذه الأمّة إبتُليت بظلم الوثنيّة مدّة ثلثمائة سنة فتعرّضت خلالها عشرات المرّات إلى القتل العام بأمر القياصرة الرهيب وجرت أنهار دماء أولئك البائسين ولكنّ كلمة الله إنتصرت بالرّغم من كلّ هذه المظالم وزاد عدد هذه الأمّة يوماً بعد يوم إلى أنْ إهتدى قسطنطين الكبير في أواخر القرن الثالث بنور الهداية وتشرّف بإعتناق الديانة النصرانيّة. وفي أوائل القرن الرابع أعلن حريّة النصارى وقام بكلّ همة على إعلاء كلمة النصرانيّة وهدم الديانة الوثنيّة. ومنذ بداية إنتشار الديانة المسيحيّة في أوروبّا وآسيا وأفريقيا كان الحبر الأعظم في روما رئيساً لجميع الأساقفة وتشرّف بلقب البابا وإدّعى وراثته لمقام خلافة بطرس الرسول. ولما إنتقل قسطنطين الكبير من مدينة روما العظيمة إلى مدينة (بيزنطية) الّتي تدعى اليوم بإسم إستنبول وإتّخذها عاصمة له منح أسقف إستنبول كلّ إحترام ورعاية وعزة وسلطة وأولاه شرف كلّ عناية وتوجّهٍ وإعتبارٍ حتى لم يجد أسقف إستنبول نفسه مجبراً على إطاعة الحبر الأعظم في روما بل إعتبر جميع أساقفة أورشليم والإسكندريّة وأنطاكية وبيزنطية وروما متساوين وصارت هذه النقطة في الأخير سبب إنشقاق الكنيسة الشرقيّة عن الكنيسة الغربيّة وصارت سبباً إلى إنقسام المسيحيّة إلى مذهبين كبيرين: الكاثوليك والأرثوذكس. وفي هذا القرن إنتشرت المسيحيّة بهمّة قسطنطين الكبير وشجاعته إلى ممالك آسيا وأفريقيا. فمثلاً إنتقلت مملكة أرمينيا من الديانة الوثنيّة إلى الديانة المسيحيّة بواسطة كريكوريوس بن أنكَس بمساعدة تيريدات وإعتنقت مملكة كرجستان المسيحيّة بواسطة إمرأة. وتشرّفت ممالك (تراقيا) و (ميسياوداسيا) في شمال شرقي الروملي وبلغاريا بإعتناق المسيحيّة. وفي أفريقية إعتنقت مملكة الحبشة الديانة المسيحيّة بواسطة (فرومنتيوس) الّذي سافر من مصر إليها وصارت تابعة لكنيسة الإسكندريّة. وفي القرون الاخيرة حينما ظهر الإنشقاق بين الكنائس الشرقيّة والكنائس الغربيّة إتبعت أغلب الممالك أسقف القسطنطينيّة والمذهب الأرثوذكسي ما عدا كنيسة أرمينيا. وفي القرن الثالث والرابع حصلت بعض الإختلافات العلميّة بين رؤساء المسيحيّة وصارت سبباً إلى إنقسام الكنائس وإنشقاق العقائد وأهم هذه الإنشقاقات الّتي يسمّيها المسيحيّون الهرطقات أي البدع إنشقاق (الدوناتيّين) و (السيسيليّين). ومجمل ذلك أن أسقف قرطاجنة (منسوريوس) توفّي سنة (311) ميلاديّة وحصل إختلاف بين أساقفة (قرطاجنة) و (نوميدية) في تعيين أسقف مكانه وقد تطوّر هذا الإختلاف إلى عداوة ومنازعة بين الطرفين وجرت وقائع دمويّة مُحزنة ولم يتحقّق الصلح بسعي قسطنطين الكبير ورؤساء القياصرة وإتّهم كلّ واحد الآخر بفساد العقيدة ولم يكن هذا الإختلاف قد أصلح حين ظهر إختلاف أشدّ وأصعب وهو إختلاف (آريوس) و (الأورثوذكس) حول الأقانيم الثلاثة. ومجمل هذا الإختلاف هو أنّ علماء اللاهوت كانوا حتى أوائل القرن الرابع يبحثون مسألة الأقانيم الثلاثة: (الآب والإبن وارّوح القدس) الّتي هي من المسائل المهمّة في الديانة المسيحيّة بحثاً موجزاً وكانوا يعلّمون الناس بصورة مجملة أنّ أقنوم الإبن في أقنوم الآب مثل العقل في الإنسان وأنّ الروح القدس هو القوّة الإلهيّة الفاعلة في هذين الأقنومين، ولم يزيدوا الشرح في هذه المسألة وكانوا يقنعون الناس بهذا الإجمال حتى قام القس (آريوس) وكان رجلاً مخيفاً ذلق اللسان فردّ على تعليمات أسقف الإسكندريّة الّذي كان يعلّم الناس بصورة مجملة تساوي الأقانيم الثلاثة جوهراً وذاتاً ورتبةًً وأعلن أنّ أقنوم الإبن مختلف إختلافاً كلّياً من حيث الجوهر مع أقنوم الآب ولم يصدر جوهر الإبن في البداية إلاّ من جوهر الآب وهو أشرف المخلوقات وهو بمثابة آلة إستعملها الإله الآب في إيجاد العالم الهيولي وجعله الصّادر الأوّل والواسطة الأولى بين الخالق والمخلوقات. ولما إشتهرت تعليمات (آريوس) وإعتنقها خلق كثير حدث بين الملّة إنشقاق كبير لأنّ هذا التعليم ينافي عقيدة الحبر الأعظم وعقيدة معظم الأساقفة الّذين كانوا يعتبرون جوهر الإبن مساويا لجوهر الآب من كلّ الجهات فتحوّلت المناظرات العلميّة إلى خصومات مذهبيّة إنتهت أخيراً بتكفير بعضهم البعض الآخر وتحريمه وطرده وكان قسطنطين الكبير في بداية الأمر يعتبر أنّ هذه المسألة طفيفة ولكنّه لما وجد العاقبة وخيمة كتب رسالة ودّية للتآخي بين الطرفين وأمرهم بالمودّة والإئتلاف وترك العناد والإختلاف. ولكنّ هذه النصائح لم تنفع في رفع العائلة بل إزداد الإختلاف والتنافر يوماً فيوماً وإنتشر الهياج والإضطراب في جميع الممالك فإضطرّ القيصر الكبير إلى الأمر بإجتماع جميع الأساقفة في مدينة نيقية سنة (325) ميلاديّة. وهكذا عُقد المجمع النيقاوي الشهير الّذي هو (المجمع المسكوني الأوّل) في الديانة النصرانيّة والمكان الّذي فيه تأسّست العقيدة الدينيّة الكبرى في هذا الدين، وبعد المناظرة والمجادلة إتّفق الأساقفة في هذا المجمع على تحريم (آريوس) وحكموا بطرد ونفي (أوبليركوم) وإجبار أتباعه على ترك تعاليم آريوس والإلتحاق بالكنيسة الأرثوذكسيّة. وفي هذا المجمع صدر الحكم الصريح بتساوي أقنوم الإبن مع أقنوم الآب الإله ذاتاً ورتبة وفعلاً وكرامة ً. ولو أنّ هذه المسألة قد حُلّت بإنعقاد المجمع النيقاوي ولكنّ مسألة كيفيّة إنبثاق أقنوم الإبن من أقنوم الآب قد طُرحت أمام القِسس ورجال المسيحيّة وأخيراً صارت هذه المسألة سبب إنقسام الكنائس وسبب تعدّد المذاهب إلى يومنا هذا. وفي هذا القرن ظهرت فيما عدا شيعة آريوس شيع صغيرة وكبيرة أخرى بسبب الإختلافات العلميّة بين النصارى وسبّبت إنقلابات داخل الملّة وشرح كلّ واحدة من هذه العقائد مدون بصورة مفصلة في كتاب تاريخ الكنيسة تأليف يعقوب مردوك الأمريكاني وغيره من أفاضل المؤرّخين وهي كلّها مشهورة بين جمهور الناس من العالم والجاهل بإسم (الفرق المسيحيّة). وفي القرن الرابع أنكر أسقف اللاذقيّة (أيوليناريس الأصغر) ناسوت المسيح وأعلن ألوهيّته المطلقة وكان رجلاً فاضلاً وعدوّاً للآريوسيّين فإنتشرت تعليماته في أكثر بلاد الشرق. لهذا صدر الأمر الملكي من (ثيودوسيوس) بعقد المجمع القسطنطيني سنة (381) ميلاديّة وهو (المجمع المسكوني الثاني) وقد إجتمع في هذا المجمع مائة وعشرون أسقفاً وحكموا على حقيّة الأقانيم الثلاثة في إله واحد وطردوا (أيوليناريس الأصغر) وحرّموه. وفي القرن الخامس ظهرت في المسيحيّة الفرقة (النسطوريّة) وسبب ظهورها هو أنّ عيسى عليه السلام كان يسمّي نفسه في الإنجيل مرّة (بإبن الله) و أخرى (بإبن الإنسان) لهذا صار التوفيق بين هذين المقامين أو التفريق بينهما سبباً في حدوث إختلافات مكيّة بين النصارى وإعتبر علماء سوريّة وبلاد الشرق عيسى عليه السلام حائزاً لطبيعتين ومشيئتين وهي المشيئة اللاهوتيّة والمشيئة الناسوتيّة أي الألوهيّة والبشريّة فتفرّع من هذا أنّهم كانوا يسمّون مريم العذراء مرّة بإسم (أم الله) ومرّة بإسم (أم المسيح) بينما إعتبر علماء الأسكندريّة والكنائس التابعة لها حضرة المسيح حائزاً على طبيعة واحدة فتفرّع من هذا أنّهم صاروا يسمّون مريم العذراء بإسم (أم الإله) ولم يجيزوا تسميتها بإسم (أم المسيح). ولما كان (نسطوريوس) الأسقف السوري رجلاً عظيماً وفصيحاً ولم يستصوب تسمية مريم العذراء بإسم (أم الإله) خلافاً للسوريّين والشرقيّين وكان يجهر في المجامع والكنائس بعقيدته هذه لذا هاج علماء القسطنطينيّة ورهبانها وكان يُخشى أن تنتهي المجادلات العلميّة إلى حرب دمويّة قأصدر القيصر الروماني (ثيودوسيوس الثاني) أمره سنة (431) ميلاديّة بإجتماع (مجمع أفسس) وهو (المجمع المسكوني الثالث) وقد حكم في هذا المجمع بطرد (نسطوريوس) وتحريمه. ومع أن هذا الحكم قد نُفِّذ بصورة صارمة قاسية لكنّ شيعته لم تضمحل بل إنتشر مذهب النسطوريّة بجهود (برصوماس) وبمساعدة (فيروز) شاه إيران في بلاد إيران والعراق. وحيث ظهرت في القرن الخامس إختلافات أخرى بين القسس والرهبان بنتيجة إنتشار مذهب النسطوريّة تكوّنت فرق منها فرقة (أفيتخوس) التي سببت هياجاً شديداً. وفي عام (451) وبمرسوم وتعليمات مارسيانس إنعقد "مجمع خلكيدون" الذي أصبح "المجمع المسكوني الرابع"، وفي هذا المجمع أُقرّت صياغة البابا ليو للنظام الإكليروسي كما أُقرّ طرد ديكوسكوروس وأفتيخوس، وكذلك المدّعين المعارضين للحبر الأعظم. وفي هذا القرن أيضاً ظهر مذهب اليعقوبيّة من المدّعين بالمشيئة الواحدة، وهذا المذهب أعلنه جو يعقوب الملقّب بالبرادعي. وكان جو يعقوب راهباً متواضعاً ولكنه كرّس جهده ونشاطه سائراً على الأقدام إلى المدن الكبرى الشرقيّة، فأنعش في كلّ مدينة قلوب أتباع مذهب المشيئة الواحدة، وإستطاع بفصاحته وبلاغته أن يؤسّس عقيدة هذا المذهب في قلوب المسيحين في برّ الشام وبلاد ما بين النهرين وأرمينية ومصر والنوبة والحبشة وغيرها. وأصبح بذلك مذهب اليعقوبيّة معروفاً بإسمه وتقّرر ثباته. وفي القرن السادس الميلادي نفذت الديانة المسيحيّة في بعض البلدان الأوروبيّه التي كانت حتى ذلك القرن باقية على وثنيّتها مثل بريطانيا وصكصون وبعض ممالك آسيا الواقعة على سواحل البحر الأسود ونهر الدانوب. وبعد أن قويت الشيع والمذاهب المذكورة في الداخل شُكّل بأمر جوستنيانس "الجامع المسكوني الخامس" في عام 553. وقد صدر في هذا المجمع حكماً ضدّ أوريجانس، مما زرع بذور التنافر والكراهية بين أسقف القسطنطينيّة وأسقف روما (أي الحبر الأعظم الروماني) المتشدّد، والتي أدّت إلى هياجٍ شديدٍ جعل أكثر المؤرّخين للكنيسة يعتبروا ذلك القرن بداية ظهور الإختلاف والإنشقاق في الديانة المسيحيّة وقيام مذهب يوناني ومذهب لاتيني أو بعبارة أخرى المذهب الأرثوذكسي والمذهب الكاثوليكي. وفي أوائل القرن السابع الميلادي، أعني عام (609) ظهرت الديانة المقدّسة الإسلاميّة، ومنذ ذلك الوقت بدأت الديانتين الإسلاميّة والمسيحيّة تتصادما كسيلان منحدران شديدا الجريان ويقاوم كلّ منهما الآخر بأقصى أنواع العنف في أقطار شاسعة من آسيا وأوروبا وأفريقيا. وفي عام (680) من ذلك القرن، وبأمر من قسطنطين فوغوناطوس والحبر الأعظم، إنعقد "المجمع السادس المسكوني" وصدر الحكم ضدّ أصحاب المشيئة الواحدة. وفي القرن الثامن الميلادي ظهر الإختلاف في طريقة عبادة الأيقونات بين المسيحيّين. وكلمة أيقونة في اللغة اليونانيّة تعني الصورة، وتعني التمثال في اللغة العربيّة. ومختصر هذه الحوادث العجيبة أنه بعد إيمان قسطنطين الكبير حاول قياصرة روما وأساقفة ورهبان ذلك الزمان وبكمال الهمّة تطبيق الدين ونشر الشريعة المسيحيّة بين الملل والقبائل الوثنيّة، وعن ذلك كتب المؤرّخ المشهور يوحنّا لورنس: "إنّ أكثر المبشّرين من القبائل وأهل الأرياف في البحر الأسود وجبال قوقاز وقبائل أخرى أصبحوا راضين بتبديل الصور والتماثيل القديمة التي كانت عندهم بصور عيسى والقدّيسين والشهداء. وهذه القبائل التي كانت معروفة قبلاً بالبداوة والتوحّش وقلّة المعارف والمدنيّة لم ترى في تغيير الصور تأثيراً على مصلحتها وذلك إرضاءً لقياصرة روما". ومن جهة أخرى إلتزم أفاضل النصارى بالصمت حيال هذه الصور والتماثيل باعتبارها تذكّر بآلام حضرة المسيح ومصائبه والشدائد التي وردت على أولياء الدين المسيحي، حتى أصبحت عبادة الصور والتماثيل في الديانة المسيحيّة أمراً مشهوراً ودخلت جمع الكنائس. وحين ظهرت الديانة الإسلاميّة قام رؤساء مسلمين مع علماء من اليهود والنصارى بإنتقاد عبادة الأيقونات وإعتبروها كعبادة الأوثان. ولذلك، في عام (712)، أصدر الملك اليوناني فيليبكوس من باردانس، وبأمر البطريرك يوحنّا، حكماً بإزالة الصور من كنيسة آيا صوفيا كما أمر المجمع المسكوني السادس بمحوها. ولذلك أصدر الحبر الأعظم في روما حكمه بإرتداد الملك اليوناني وإعتبره خارجاً عن الدين المسيحي وحكم بوضع صور جميع المجامع في كنيسة القدّيس بطرس وإنتهت هذه الفئة بخلع الملك اليوناني من عرشه. ولكنّ هذه الفتنة عادت فإشتدّت في عهد (ليون الأيصوري) الّذي كان مشهوراً بشجاعته فأدّت الفتنة إلى نشوب حروب دمويّة في الأمّة لأنّ هذا الملك بسبب تقريع المسلمين واليهود الشديد وخوفاً من أن تؤدّي عبادة التماثيل شيئاً فشيئاً إلى ظهور البدع والخرافات اليونانيّة القديمة في الديانة المسيحيّة أصدر سنة (726) ميلاديّة حكماً عاماً بمحو جميع تماثيل الشهداء والقدّيسين من الكنائس ما عدا تمثال المسيح على الصليب ولهذا إشتعلت نار الحرب بين أفراد الأمّة وتجدّد القتال في جزر الأرخبيل وبعدها إنتقل إلى إيطاليا وذلك لأنّ عامّة الملّة بحسب العادة الّتي إعتادوها في عبادة الصور والتماثيل رأوا في إزالتها مخالفة للديانة بينما الرؤساء والكهنة كانوا مدفوعين بالمنفعة الماديّة الّتي يكسبونها من بقاء الصور والتماثيل وإعتبروا الملك مرتدّاً عن دين المسيحيّة وطردوا سفراءه من بلاد إيطاليا. فعزم الملك لذلك على محاربة الحبر الأعظم. ونظراً لحوادث الشرق وجد نفسه عاجزاً عن الحرب فعاقب في ساعة غضبه عابدي الصور والتماثيل عقاباً صارماً وعزل أسقف القسطنطينيّة (جرمانوس) لأنّه كان يحب التماثيل وعيّن مكانه (أنسطاسيوس) لمنصب الأسقفيّة وأمر بإحراق جميع التماثيل ومعاقبة وتعذيب محبّي الأيقونات وكانت نتيجة هذه الشدّة والقسوة أن إنقسمت الملّة النصرانيّة إلى قسمين (أيكونودولي) أي العابدين للصور والتماثيل، و(أيكونوماكي) أي المحطّمين للصور والتماثيل. وعندما قُتل الملك (ليون) مسموماً بدسائس زوجته (أيريني) وكان إبنه (قسطنطين) صغيراً تقلّدت أيريني وصاية العرش ونصرت محبّي الأيقونات وبتدابير هذه المرأة إنعقد (المجمع المسكوني السابع) في مدينة نيقية سنة (786) ميلاديّة وإجتمع فيه (350) أسقفاً وحكموا فيه بجواز عبادة التماثيل. وفي أثناء هذه الحروب الأهليّة والخصومات الدمويّة الّتي إمتدّت مدّة طويلة بين المسيحيّين وكانت خلالها كلّ فرقة تعتبر الفرقة الأخرى كافرة ومشركة ظهر إختلاف جديد بين الملّة في كيفيّة إنبثاق الروح القدس من الإبن والآب بينما كانت الفرقة اليونانيّة تعتقد بإنبثاق الروح القدس من الآب وحده. ودامت هذه المنازعة أيضا مدّة طويلة حتى أصبحت سببا أخر لإنفصال الكنائس الشرقيّة عن الكنائس الغربيّة وفي القرن التاسع أمر الملك المكدوني (باسيليوس) سنة (869) ميلاديّة بإنعقاد (المجمع المسكوني الثامن) في مدينة القسطنطينيّة وقد حضر (318) أسقفاً وحكموا ضدّ المعتقدين بالمشيئة الواحدة وضد المنكرين لعبادة التماثيل ولكنّ اليونانيّين يعتبرون المجمع الّذي عُقد في هذه المدينة نفسها سنة (879) ميلاديّة برئاسة (فوتيوس) هو (المجمع المسكوني الثامن) وقد حكم فيه بعدم إقرار مطاليب البابا ومع أنّ الديانة المسيحيّة إبتليت بإنشقاقات وبدع داخليّة أخرى أمثال كيفيّة عبادة التماثيل وحيازة الذخائر يعني عظام القديسين وجثثهم وشفاعتها كما إبتليت بهجمات خارجيّة حربيّة ولكنّها إنتصرت في القرن التاسع والقرن العاشر على الوثنيّة في بقيّة ممالك أوروبّا مثل المجر وبولندا وأقسام روسيا الّتي كانت حتى ذلك الحين على دياناتها الوثنيّة وأدخلتها في حظيرة الدين المسيحي. وفي أواخر القرن الحادي عشر شبّت الحروب الصليبيّة بين المسلمين والمسيحيّين وكان سببها سفر الراهب الفرنسي بطرس أرميطة أي بطرس الناسك لزيارة البقاع المقدّسة في مدينة القدس الشريفة، ووجد بزعمه النصارى يعامَلون في فلسطين بمنتهى الذلّ والتحقير. فلمّا رجع إلى أوروبّا قام بحماس شديد بتحريض الحبر الأعظم الّذي كان يسيطر على أغلب ملوك أوروبّا سيطرة مطلقة على محاربة المسلمين وإنقاذ الأراضي المقدّسة من بين أيديهم. وقد خلقت تحريضات هذا الراهب الناسك هياجاً وإضطراباً عجيبين في أوروبّا وإتّفق جميع ملوك أوروبّا على محاربة المسلمين. وبعد أخذٍ وردّ تحرّك الجيش المسيحي سنة (1096) ميلاديّة بإتّجاه الممالك الإسلاميّة وإستعدّ ملوك الشام الّذين كانوا مشهورين أيضاً بشجاعتهم العسكريّة للحرب والطغيان. وقد إستمرّت المعارك في بلاد سوريّة وفلسطين مدّة قرنين وجرت خلالها أنهار من الدماء وفنت أنفس لا يعرف عدّتها إلاّ الله. وأخيراً تحرّرت البلاد المقدّسة بشجاعة صلاح الدين الأيوبي وبسالة الملك الظاهر بيرس بعد أنْ كانت مدّة مائتي سنة ساحة حرب ومدّة سبعين سنة عاصمة المملكة المسيحيّة في الأراضي المقدّسة. ولم يُسمع خلال هاتين المائتي سنة في داخل المسيحيّة غير المناظرات والمخاصمات الدمويّة حول عبادة التماثيل وحول العشاء الربّاني وهل يتبدّل فيه الخبز والخمر حقيقة إلى جسد المسيح. وفي سنة (1123) ميلاديّة إنعقد (المجمع التاسع المسكوني) في مدينة روما في قصر لاتران. وفي سنة (1139) إنعقد (المحمع العاشر المسكوني) في قصر لاتران أيضاً وفي هذين المجمعين جرت المذاكرة حول حقّ الامبراطور في إنتخاب الحبر الأعظم وكيفيّة إتّحاد الكنائس الغربيّة والشرقيّة أي المذهب الكاثوليكي اللاتيني والمذهب الأرثوذوكسي اليوناني. وفي سنة (1179) ميلاديّة إنعقد (المجمع الحادي عشر المسكوني) تحت رئاسة الحبر الأعظم اسكندر الثالث في قصر لاتران أيضا وقد ثبت في هذا المجمع إستقلال كنيسة روما والسلطة المطلقة للبابا. وفي سنة (1215) ميلاديّة إنعقد (المجمع الثاني عشر المسكوني) كذلك في مدينة روما. وفي سنة (1245) إنعقد (المجمع الثالث عشر المسكوني) في مدينة ليونس. وفي سنة (1274) إنعقد (المجمع الرابع عشر المسكوني) في مدينة ليون وجرت المذاكرة في هذه المجامع على الأغلب حول إتّحاد كنائس روما والكنائس اللاتينيّة وفي سنة (1311) إنعقد (المجمع الخامس عشر المسكوني) في مدينة فيان. وفي سنة (1414-1418) إنعقد (المجمع السادس عشر المسكوني) في مدينة كنستانس وفي سنة (1430-1439) إنعقد (المجمع السابع عشر المسكوني) في مدينة بازل وفي هذا المجمع جرت المذاكرة حول إصلاح الأحزاب الفرنسيّة والإيطاليّة وإتّحاد الكنائس الشرقيّة والغربيّة. وفي سنة (1412-1517) إنعقد (المجمع الثامن عشر المسكوني) في روما في قصر لاتران بأمر الحبر الأعظم. وفي سنة (1545) إنعقد (المجمع التلسع عشر المسكوني) في مدينة ترنت وكان هذا آخر المجامع المسكونيّة، وهذه المجامع الّتي ذكرناها على الترتيب كانت من جهة سبب حدوث المذاهب والإنشقاقات في الديانة النصرانيّة كما كانت من جهة أخرى سبب إنتظام الأنظمة الدينيّة المسيحيّة. وخلال هذه القرون بلغت سلطة الحبر الأعظم إلى أعلى منـزلة من القوّة والهيبة ورسخت مخافته في قلوب الملوك والأمراء في أوروبّا. وبعد إنتهاء الحروب الصليبيّة لم يحدث في بحر المسيحيّة غير حدوث مذاهب مختلفة. وكان معظمها يدور حول مقاومة سلطة الحبر الأعظم المطلقة. ومعظم هذه المذاهب كان يحارب الرهبان الدومينيكيّين الّذين كانوا بأمر الحبر الأعظم يعذّبون ويحرقون ويقتلون كلّ من كان يخرج عن سلطته. وقد كانت أعمال هؤلاء الرهبان سببا لإستعداد العالم المسيحي لمجابهة تغييرات كبيرة فيه إلى أن قام لوثر السكسوني المشهور من مدينة إيسكين في القرن السادس عشر وأسّس المذهب البروتستانتي الإنجيلي الّذي محا الطقوس الخارجة عن الإنجيل المقدّس مثل الإعتراف بسلطة الحبر الأعظم المطلقة وغفران الخطايا والصوم وعبادة الأيقونات والإحتفالات الزائدة ولبس البدلات وأمثالها. ولو أنّ قيام هذا الرجل الّذي نشأ راهباً صغيراً ثم أصبح مصلحاً كبيراً كان في البداية سبب فتن داخليّة وحروب أهليّة إلاّ أنّه أدّى إلى حدوث تغييرات كبرى في عالم الديانة النصرانيّة. فتنوّرت الأقطار المسيحيّة بأنوار العلوم والتمدّن أوّلاً بسبب إقتباسها العلوم من المسلمين في الأندلس وثانياً بمسعى الطائفة البروتستانيّة الإنجيليّة حتى إنقشعت غيوم الجهل والتوحّش وإشتدّ المذهب البروتستانتي الإنجيلي في القرن السابع عشر والثامن عشر قوّة ورسوخاً وصار من المذاهب الكبيرة حتى الوقت الحاضر. ومما ذكرناه بصورة مجملة يفهم أنّ المذاهب النصرانيّة حتى الوقت الحاضر وهو أواخر القرن التاسع عشر هي: المذهب الكاثوليكي والمذهب الأرثوذكسي والمذهب البروتستانتي والمذهب اليعقوبي والمذهب النسطوري والمذهب الماروني والمذهب الملكاني. أمّا بقيّة الشعب مثل الأقباط والسريان والكلدان والأرمن والأحباش فإنّها تابعة للمذاهب المذكورة.

    14. في كيفيّة نشوء المذاهب في الإسلام:

    ومجمل ذلك أنّه لما أشرق جمال خاتم الأنبياء عليه الاف التحيّة والبهاء من أفق البطحاء ونوّر أوّلاً مدّة ثلاث عشرة سنة قلوب عدد من أهالي مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة بأنوار الديانة الإلهيّة وفي أواخر إقامته عليه السلام في مكّة توفّي أبو طالب بن عبد المطلب الّذي كان الحارس الكبير لرسول الله والزعيم العظيم لقبيلة بني هاشم فإتّفق كفّار مكّة الّذين كانوا أمراء العرب على قتله عليه السلام ولم تكن لأهل الإيمان قوّة لحراسته من شر أولي البغضاء لهذا فقد قام رسول الله وخاتم النبيّين بالهجرة من مكّة إلى المدينة بعهدٍ من أشراف المدينة وقام فيها بدعوة القبائل العربيّة إلى الشريعة الإسلاميّة. وقد حدث في السنة الثانية من الهجرة أن جرت أوّل معركة بينه عليه السلام وبين كفّار قريش في موقعة (بدر) وشملت النصرة الإلهيّة جيش المسلمين وقُتل في هذه الموقعة عدد كبير من قريش كان بينهم أربع وعشرون رجلاً من صناديد قريش. وفي السنة الثالثة من الهجرة وقعت موقعة (أحُدْ) وفيها إنكسر جيش المسلمين وإستشهد سبعون من صحابة رسول الله منهم الحمزة سيّد الشهداء. وفي السنة الثامنة من الهجرة وقعت (موقعة سؤتة) وبدأت الحرب بين المسلمين والنصارى وفي هذه الموقعة إستشهد من كبار الصحابة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب الملقّب بذي الجناحين، أو بلقب جعفر الطيّار، كما إستشهد عبدالله بن رواحة. وفي هذه السنة فُتحت مكّة المكرّمة ولم يبق أمام كفّار قريش ملجأ وملاذ إلاّ إعلان طاعتهم للشريعة الإسلاميّة ودخولهم في جيش المسلمين وسمّوا بإسم (الطلقاء) وبإسم (المؤلّفة قلوبهم). وفي السنة التاسعة والعاشرة من الهجرة أعلنت القبائل المحيطة بمكّة والمدينة خضوعها وإسلامها. وفي أوائل السنة الحادية عشر كانت وفاة رسول الله وخاتم النبيّين عليه وآله اطيب التحيّة والبهاء وبوفاته فُتحت أبواب الإختلافات والتفرقة على وجه المسلمين. ومجمل ذلك أنّه لما لحق رسول الله بالرفيق الأعلى لم تتأسّس الخلافة الّتي هي أعظم أساسٍ لقوام الأمّة وتربية بناء الملّة حسب تنصيص رسول الله ولا حسب شورى ورضاء العموم بل تأسّست على العكس من ذلك على المنافسة. وكما هو مدوّن في كتب التاريخ تقرّرت الخلافة فلتة إلى عبدالله بن أبي قحافة المعروف بأبي بكر وكان من كبار الصحابة ومن أوائل المسلمين فكان إنتخابه سبباً في تذمّر وعدم رضاء بعض أكابر الصحابة وبصورة خاصّة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الّذي كان يرى نفسه أحقّ بالخلافة وبتولّي أمر الأمّة بسبب قرابته لرسول الله ولسبقه في الإسلام وأعماله وعلمه ورفعته. ولكنّ أكابر الصحابة من المهاجرين الأوّلين والأنصار لما شاهدوا إرتداد أكثر القبائل العربيّة عن الإسلام بعد وفاة خاتم الأنبياء وإمتناعهم عن أداء الزكاة رجّحوا حفظ الإسلام على أغراضهم الشخصيّة ومنافعهم الذاتيّة ورأوا نصرة الإسلام أهمّ فريضة من فرائضهم. ونظراً لخوفهم من أنّ الإختلاف يسبّب نصرة الكفّار لذا فقد نبذوا تذمّرهم السرّي وعدم رضائهم على إنتخاب أبي بكر جانباً ولم يجاهروا بمخالفتهم على إنتخابه بل إتّحدوا وإتّفقوا بكلّ تآزر على إعلاء كلمة الإسلام وإرجاع أهل الردّة إلى شريعة سيّد الأنام وإستولى دين الإسلام خلال سنتي خلافة الخليفة الأوّل بالسيف على الجزيرة العربيّة كلّها وعلى بعض أجزاء سوريّة. وفي أيّام الخليفة الثاني إستولت الجيوش الإسلاميّة على العراق وسوريّة ومصر وإيران حتى حدود خراسان. وعندما طُعن الخليفة الثاني حين صلاة الصبح في مسجد الرسول بطعنة فيروز الديلمي وجُعل أمرُ الخلافة شورى بين ستّة من كبار الصحابة عادت في هذه الشورى المنافسات القديمة وإزدادت المنافرات القلبيّة بين الرؤساء وعهدت الخلافة على كلّ حال إلى الخليفة الثالث ذي النورين فعَزَلَ كبار الصحابة وعهد برئاسة الجيوش وولاية البلاد إلى كبار بني أميّة من أقربائه. ولو أنّ الفتوحات الإسلاميّة إستمرّت أيّام خلافته إلى أواسط إفريقية وأنحاء إيران لكنّ ظلم بني أميّة وخروجهم المتطرّف على سيرة الخلفاء الراشدين أدّى إلى تذمّر الناس فتوجّهت أخيراً وفود من البصرة والكوفة ومصر إلى المدينة المنورة تطلب عزل الولاة وتعرض مطالبها على الخليفة الثالث وتتوسّل بكبار الصحابة ليشفعوا لهم لدى الخليفة في طلبهم الإصلاح وإزالة مفاسد الحكم. ومن بين الّذين توسّلوا إليهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فذهب ذات يوم إلى لقاء ذي النورين إستجابة لطلب كبار الصحابة ورؤساء الوفود وخاطبه بهذه الخطابة البليغة الّتي قال فيها عليه السلام: "إنَّ النَاسَ وَرَائِي وَقَدْ إسْتَسْفَرُونِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ. وَاللهِ مَا أدْرِي مَا أقُولَ لَكَ. مَا أعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ وَلا أدُلُّكَ عَلَى شَيْئٍ لا تَعْرِفُهُ. إنَّكَ لَتَعْلَمَ مَا نَعْلَمُ. مَا سَبَقْنَاكَ إلى شَيْئٍ فَنُخْبِرُكَ عَنْهُ وَلا خَلَوْنَا بِشَيْئٍ فَنُبَلِّغَكَهُ. وَقَدْ رَأيْتَ كَمَا رَأيْنَا وَسَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهَ كَمَا صَحِبْنَا وَمَا إبْنُ قُحَافَةِ وَلا إبْنُ الخَطَّابِ أوْلَى بِعَمَلِ الحَقِّ مِنْكَ وَأنْتَ أقْرَبُ إلى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشِيجَةُ رَحِمٍ مِنْهُمَا وَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالا فَاللهِ اللهِ في نَفْسِكَ فَإنَّكَ وَاللهِ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمَى وَلا تُعلَّمُ مِنْ جَهْلٍ وَإنَّ الطُرُقَ لَوَاضِحَةٌ وَإنَّ أعْلامَ الدِينِ قَائِمَةٌ. فَاعْلَمْ إنَّ أفْضَلَ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ إمَامٌ عَادِلٌ هُدِيَ وَهَدَى فَأقَامَ سُنَّة ً مَعْلُومَةً وَأمَاتَ بِدْعَةًً مَجْهُولَةً وَإنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أعْلامٌ وَإنَّ البِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أعْلامٌ. وَإنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ إمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ فَأمَاتَ سُنَّةً مَأخُوذَةً وَأحْيَى بِدْعَةً مَتْرُوكَةً. وَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَقُولُ يُؤْتَى يَوْمَ القِيَامَةَ بَالإمَامَ الجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلا عَازِزٌ فيُلْقَى في نَارِ جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرُّحَى ثُمَّ يَرْتَبِطُ في قَعْرِهَا. وَإنِّي أُنْشِدُكَ اللهَ أنْ لا تَكُونَ إمَامَ هَذِهِ الأمَّةِ الْمَقْتُولَ. فَإنَّهُ كَانَ يُقَالُ: يُقْتلُ في هَذِهِ الأمَّةِ إمَامٌ يُفْتَحُ عَلَيْهَا القَتْلُُ وَالقِتَالُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ ويُلْبَسُ أمُورُهَا عَلَيْهَا وَيُثْبَتُ الفِتَنُ فِيهَا فَلا يَبْصُرُونَ الحَقَّ مِنَ البَاطِلَ. يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجاً وَيَمْرَحُونَ فِيهَا مَرَحاً. فَلا تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سيقَة ً لِيَسُوقَكَ حَيْثُ شَارَ بَعْدَ جَلالِ السِّنِّ وَتَقَضِّي العُمْرِ".

    ومقصودي من هذه الخطبة الشريفة هو أن يفهم أهل البصيرة إنّ عقيدة الصحابة رضي الله عنهم بعضهم بحقّ البعض الآخر كانت على هذه الصورة وهذا ما يعتقده المسلمون عامّة بحقّهم وبعدها يتّضح سبب الإختلافات الإسلاميّة ويتّضح بأنّ الإختلافات الحاضرة جميعها مهما كان إسمها تتنافى مع أساس العقيدة الإسلاميّة النقيّة. ولم تثمر شفاعة كبار الصحابة لدى ذي النورين ولم ينتفع بنصائحهم ولا رضيت الوفود بالرجوع إلى أوطانها، وأخيراً إتّفقت على خلعه ولما إبتعد كبار الصحابة عنه إنتهى الأمر بمقتله وظهر ما أراده الله تعالى بعد ظهور الفتن لأنّ الخلافة عُهدت بعد مقتل ذي النورين إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فدبّت الهواجس إلى القلوب ورأى كبار الصحابة وأمراء العرب الّذين كان أكثرهم من الطلقاء ومن المؤلّفة قلوبهم أنّهم محقّون بالخلافة ولائقون للوصول إلى قيادة الأمّة وخاصة معاوية بن أبي سفيان من أمراء بني أميّة الّذين كانت لهم صلة قرابة شديدة ببني هاشم ولهم عداوة شديدة أيضاً معهم وكانوا دائماً يرفعون راية النخوة والعصبيّة الجاهليّة ومعاداة آل البيت الطاهرين. وكان معاوية زعيم قومه وأمير قبيلته يمتاز بدهائه وعلمه بالإدارة والسياسة. وكان والياً على بلاد الشام سنين عديدة وله جيش كبير ويحيط به قادة أكفّاء، وكانت مواقع بدر وأحُد والأحزاب الّتي فيها قُتل الكثيرون من بني أميّة بسيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تحزّ في نفسه ويضمر في قلبه عداء دفيناً راسخاً يملأ جوانحه لذا لم يطأطئ رأسه لخلافة أمير المؤمنين بعد أن شاهد ما لديه من وسائل الحكم والإستيلاء على الخلافة بل صمّم أن لا ينقاد للخليفة ما دام حيّاً ولكنّه صار يتذرّع بذريعة ليخالف أمير المؤمنين الّذي كان يمتلك جلالة وهيمنة ووقاراً ليعلن عليه الحرب. فلمّا خرج طلحة والزبير من المدينة إلى مكّة وإتّفقوا فيها مع عائشة أمّ المؤمنين ومع بعض أمراء بني أميّة وإتّهموا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام برضائه عن مقتل ذي النورين وأجازوا محاربته مطالبين بدم عثمان، إنتهى الأمر إلى موقعة الجمل المدوّنة في كتب التاريخ. وقد إنتهت هذه الحادثة العجيبة والمعركة الإسلاميّة الّتي كانت فاتحة الحروب الأهليّة بين المسلمين بمقتل طلحة والزبير وإنتصار أمير المؤمنين عليه السلام. وبعد إنتهاء معركة الجمل رفع معاوية في الشام راية المطالبة بدم عثمان وأعلن مقاصده في مخالفة أمير المؤمنين أشدّ مما أعلنه طلحة والزبير، فإتّفق أمراء الشام المعروفون بنخوتهم وقوتهم وصلابتهم على محاربة أمير المؤمنين وخرجوا بجيش عدده حسب أصحّ الروايات تسعون ألف مقاتل من الشام نحو العراق وجمع أمير المؤمنين جيشاً يرأسه كبار اصحابه وأهل الإيمان الّذي كان جلّهم من صحابة رسول الله وإستعدّت هذه الجيوش لخوض المعركة وإصطدم هذان البحران الزاخران في أطراف صفّين وهو مكان بين الشام والعراق. ولكنّ رجال المسلمين الّذين إجتمعوا في هذا المكان لم يرضوا بشروع القتال مخافة أن يكون فيه زوال الإسلام وإنتصار الأجانب وفناء العرب وإكتفوا بتبادل الرسائل وبالمناوشات العسكريّة الطفيفة وإستمرّت الحال خمسة أشهر على هذا المنوال ولم يجد الطرفان طريقاً للإصلاح ونفذ صبرهما وخاصّة عندما إستشهد من كبار الصحابة رجال أمثال عمار بن ياسر وذي الشهادتين كما قتل من رجال معاوية وكبار أمرائه أمثال عبيدالله بن عمر وشرحبيل بن ذي القلاع وصرعتهم الأغراض الشخصيّة والمقاصد الأمويّة مما زادت في الأحقاد الدفينة وإنسدّ باب الصلح نهائيّاً حتى وقعت المعركة العظيمة الّتي يسمّيها المؤرّخون بليلة الهرير وقتل في هذه المعركة الكبرى سبع وثلاثون ألفاً من الطرفين فضجّت النفوس وسئمت القلوب هذه المجزرة وقرّروا الهدنة أربعة أشهر حتى تظهر نتيجة التحكيم. وفي هذه الأشهر الأربعة أظهر كبار الزهاد وقرّاء القرآن إشمئزازهم من الحرب وإعتبروا أمير المؤمنين عليه السلام سبباً في إختلاف كلمة المسلمين وإرهاق الدماء البريئة ونسبوا إليه وإلى معاوية وإلى ذي النورين أسباب ظهور هذه المفاسد و خاصّة عندما إنتهى أمر التحكيم إلى سبيل الإحتيال لا سبيل الصدق والصّلاح. لهذا أجاز نسّاك العراق محاربة أمير المؤمنين وكان أغلبهم جاهلاً بليداً وبعد الأخذ والردّ وقعت موقعة النهروان وفيها قُتل أيضاً ما يقارب الأربعة آلاف من العرب وأمرائهم. وهذه الموقعة زادت من غلظة القلوب وفي وسائل الإختلاف حتى كان إستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام في السنة الثلاثين من وفاة الرسول المطابقة للسنة الأربعين من هجرته عليه الصّلاة والسلام فجزعت قلوب أحبائه جزعاً شديداً. ومما ذكرناه يتّضح أنّ بذور ثلاثة إختلافات عظيمة قد بذرت في تلك الحديقة الغنّاء والشريعة البيضاء وإستعدّت الجامعة الإسلاميّة لظهور ثلاث إنشقاقات كبيرة. ومنشأ كلّ هذه الإختلافات هو كيفيّة تأسيس الخلافة والطمع في بلوغ مقام السلطنة والإمارة. فإنّ جماعة كبيرة من رؤساء المسلمين إعتبروا الخلافة منحصرة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده بسبب قرابتهم وأثبتوا حقّهم بالخلافة بنصّ النبيّ الإمامة لمن يتولّى شؤون المسلمين من بعده، وقد سُمّيت هذه الفرقة فيما بعد بإسم (الشيعة)، بينما عهدت جماعة كبيرة أخرى أمر الخلافة إلى أهل الحلّ والعقد وإلى إتّفاق وإجماع الأمّة وقد سُمّيت هذه الفرقة فيما بعد بإسم (أهل السنّة والجماعة) بينما لم تر جماعة كبيرة إنساناً يستحقّ الخلافة ولم يعتبروا أحداً بعد الشيخين يستحقّ الخلافة وقالوا: "لا حُكمَ إلاّ لله" وإعتبروا في نفس الوقت محاربة أهل الإستبداد نفس الجهاد وأهم الفرائض وقد سُمّيت هذه الفرقة فيما بعد بإسم (الخوارج). وأخيراً بعد إستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام ومصالحة الإمام الحسن عليه السلام إنتقلت الخلافة إلى معاوية وتمكّنت له الأمور. وقد لاحظ معاوية الّذي كان مشهوراً بدهائه وسياسته أنّ الخلافة الأمويّة لن يستقرّ أمرها ولا بدّ أن ترجع إنْ عاجلاً أو آجلاً إلى آل البيت الطاهرين نظراً لفضائلهم الباهرة الظاهرة عليهم السلام ونظراً لقرابتهم من رسول الله عليه الصّلاة والسلام لهذا قام بتقريب أعداء آل البيت وإبعاد أحبّائهم من المناصب والإمارات وأمر جماعة بوضع أحاديث كاذبة عن رسول الله ونسبة أمور غير لائقة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده حتى تتنفّر قلوب المسلمين منهم وأمرهم كذلك بوضع أحاديث في فضائل غيرهم لهذا راجت سوق إختلاق النفاق وإنتشرت بين المسلمين أحاديث موضوعة مختلفة رواها البعض حبّاً للمال وتقرّباً للأمويّين ورواها آخرون بسبب التقوى والزهد وقد رووا ما سمعوه حقّاً وصدقاً ففتح باب الحديث وإنصرفت الوجوه عن المبيّن الحقيقي والمنصوص بحكم حديث رسول الله عليه الصّلاة والسلام: "إنّي تَارَكُ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنْ"، وصار سبّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من أعلى المنابر سُنّة مألوفة. وبلغت الفتوحات الإسلاميّة في خلافة معاوية شرقاً إلى جيحون وغرباً إلى القيروان وتوفّي معاوية في سنة الستّين من الهجرة وإنتقلت الخلافة إلى يزيد وحدثت الحادثة الهائلة بإستشهاد سيّد الشهداء عليه أطيب التحيّة والثناء. وقد زادت هذه الحادثة الأليمة في تنافر القلوب وإنشقاق الأمّة لأنّ مثل هذه الحادثة الشنيعة لم تحدث في أيّة أمّة من الأمم السابقة حيث كان ورود آل البيت الطاهرين إلى الشام مفجوعين عيداً لبني أميّة وإزدانت دمشق بأسباب الزينة وهنّأ الأمويّون بعضهم بعضاً. وفي خلافة يزيد دارت رؤوس الشهداء في سوريّة من مدينة إلى مدينة وكانوا يمنعون دفنها. ولما توفّي يزيد وكان إبنه معاوية الثاني يتبرّأ من أفعال والده وأقربائه تنحّى عن الخلافة وظهرت من جديد قلاقل وإضطرابات بسبب تعيين خليفة جديد فإتّفق أهالي الحرمين على خلافة عبدالله بن الزبير وإستولوا على الجزيرة العربيّة والعراق وإختلف أهل الشام حول تعيين الخليفة. وفي هذه الأثناء جاء من مكّة إلى العراق المختار بن أبي عبيدة الثقفي ودعا أهل العراق المشهورين بولائهم لآل البيت إلى خلافة محمّد بن علي المعروف بإبن الحنفيّة ودعاهم إلى الثأر للشهداء وإستولى على الكوفة وبلاد ما بين النهرين حتى حدود آذربيجان وقتل إثنين وثمانين ألفاً من قتلة سيّد الشهداء ومن أنصار الأمويّين. وبعد حكم ستّ سنوات قُتل في حربه مع مصعب بن الزبير. وبعد وفاة الخليفة مروان بن الحكم إتّفق أهل الشام على خلافة إبنه عبد الملك. وكان عبد الملك أعظم الخلفاء الأمويّين وإنتصروا أوّلاً على مصعب بن الزبير وبعد مقتله إنتصر على عبدالله بن الزبير. وتوطّدت الخلافة الإسلاميّة في بيت بني أميّة ومع أنّ الحرب كانت مستمرّة بين الخوارج والأمويّين لكنّ الفتوحات الإسلاميّة بلغت شرقاً حدود فرغانة وغرباً الأندلس المسمّاة اليوم بأسبانيا. وفي هذه الأيّام إنقسم آل البيت الّذين كانوا مهانين مظلومين على أيدي أمراء بني أميّة إلى فرقتين: فرقة رأت الخلافة بعد إستشهاد سيّد الشهداء من حقّ محمّد بن الحنفيّة ومن بعده من حقّ أبي هاشم بن محمّد بن الحنفيّة ورأت الفرقة الثانية أنّ الإمامة من حقّ علي بن الحسين عليه السلام. ولما رجع أبو هاشم من بلاد الشام وأحسّ بالسمّ الّذي دسّه الخليفة الأموي له إستدعى علي بن عبدالله بن عباس من أشراف بني هاشم وإختلى به وقال له أنّه سمع من جده العظيم علي بن أبي طالب عليه السلام أنّ الخلافة تنتقل إلى أولاد العباس وينقرض حكم الأمويّين على يدهم وجعله وصيّاً من بهده على الخلافة وأوصاه بكتمان الأمر وإتّخاذ الحيطة والحزم وأمره بإرسال الدعاة والنوّاب إلى خراسان. ومن هذا الإنشقاق ظهرت خلافة بني العباس الكبرى. أما الّذين كانوا يرون الخلافة من حقّ علي بن الحسين عليه السلام فقد إختلفوا أيضاً بعد وفاته عليه السلام فجماعة رأت أنّ الخلافة من حقّ زيد بن علي بن الحسين عليه السلام لأنّه كان ممتازاً بين الأشراف العلويّين بشجاعته وشهامته وتقواه. ومن هذه الجماعة نشأ مذهب الزيديّة بينما أرسل علي بن عبدالله بن العباس وفقاً لوصيّة أبي هاشم بن محمّد بن الحنفيّة جماعة من أولي الكياسة والحزم إلى خراسان للدعوة لآل البيت دون تعيين إسم الإمام بل الدعوة لتأسيس خلافة هاشميّة. وقد تحمّلوا من ولاة خراسان الأمويّين صنوف العذاب من القتل والحبس والنفي ولكنّ دعوتهم إنتشرت يوماً فيوماً نظراً لظلم بني أميّة ونظراً لحبّ الناس أقرباء النبيّ عليه السلام حتى إنحاز للدعوة أكثر رجالات خراسان. وكان أبو مسلم المروزي الخرساني رئيس الدعاة في خراسان بأمر إبراهيم الإمام وكان والي الخليفة على المشرق نصر بن سيّار وكانت الأحوال في دمشق مضطربة بسبب المشاحنات النـزاريّة واليمانيّة ولمقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك لهذا إغتنم أبو مسلم المروزي الخراساني الفرصة وكان مشهوراً بحزمه وقدرته وحنكته وأعلن الدعوة جهاراً سنة (139) هجريّة في مدينة مرو وإستولى على عاصمة خراسان وحارب الأمراء الأمويّين وخاصّة نصر بن سيّار والي خراسان وإنتصر في جميع المعارك. وبعد أن إستولى على جميع خراسان وجه القوّاد نحو الإستيلاء على العراق وقد إنتصر على الأمويّين في جميع الجبهات كما هو مسطور في جميع كتب التاريخ. وبعد هزيمة والي الأمويّين في العراق يزيد بن هبيرة إستولوا على الكوفة عاصمة العراق. وفي صباح الجمعة الثاني عشر من شهر ... سنة (132) هجريّة جلس على عرش الخلافة عبدالله بن محمّد بن علي بن عبدالله العباس الملقّب بالسفّاح وهو أوّل الخلفاء العباسيّين وقد أرسل عمّه (عبدالله بن علي) لمحاربة مروان بن محمّد الملقّب بالحمار آخر الخلفاء الأمويّين. وإنهزم مروان قرب الزاب أمام جيوش عبدالله بن علي وأخيراً قُتل في بوصير إحدى قرى مصر وبمقتله زالت الخلافة الأمويّة من الممالك الشرقيّة وتأسّست في الاندلس غرباً بهمّة عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الملقّب بالداخل. وفي هذا الوقت كانت الجيوش وقادتها معروفة بحبّها آل البيت فرسخ في قلوب السادات العلويّين أمر المطالبة بالخلافة وبرزت من أشرافهم دواعي المطالبة بحقّ الوراثة لأنّ بني العباس توصّلوا إلى الخلافة بقرابتهم إلى الرسول عليه الصّلاة والسلام وكان العلويّون يعتبرون قرابتهم أقرب وحقّهم في الخلافة أولى خاصة وقد إمتاز أكثر الأشراف العلويّين بالعلم والفضل والشجاعة والتقوى. لهذا فقد طالب الكثيرون منهم بالخلافة في القرن الثاني الهجري وقُتل أكثرهم في حربهم مع بني العباس أمثال محمّد وإبراهيم أولاد عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب الّذين خرجا أيّام خلافة المنصور العباسي ونالا رتبة الشهادة وهما من أئمّة الفرقة (الزيديّة). ولما إشتدّ الخلاف حول الخلافة بين العلويّين والعباسيّين وإشتدّ حبّ الناس لآل البيت وكان المنصور شبيهاً لمعاوية بالدهاء وبالإدارة والسياسة فشاهد من المصلحة الإشادة بفضائل الشيخين وترجيحها على فضائل أهل البيت. ومعروف لدى المطّلعين على التواريخ أنّ المنصور كان قبل تسلّمه الخلافة منكراً لفضائل الشيخين وراوياً لمناقب آل البيت ولكنّه بعد وصوله إلى الخلافة إضطرّ إلى التغاضي عن عقيدته القلبيّة وقال يوماً في مجلسه: "والله لأرغِمَنَّ أنْفِي وَأُنُوفِهِمْ وَلَأرْقعَنَّ عَلَيْهِمْ بَنِي تَيْمْ وَبَنِي عُدَيّ"، وكان الخليفة الأوّل من بني تيْم والخليفة الثاني من بني عديّ فظهرت من أجل هذا في الأمّة الإسلاميّة مناظرات إنتهت إلى أنهار من الدماء بين العباسيّين والعلويّين. ولو أنّ الكثيرين من السادات العلويّين قد إستشهدوا إلاّ أنهم لم ييأسوا إلى أن تأسّست خلافة علويّة ووقفت تجاه الخلافة العباسيّة. ومن الحوادث المهمّة في القرن الثاني والثالث والرابع الهجري ظهور نتائج الإختلافات السابقة بتشكيل مذاهب مختلفة أصوليّة وفروعيّة وكذلك إنتشار المعارف والعلوم بين الأمّة الإسلاميّة وكذلك إنقسام الخلافة إلى ثلاثة أمويّة وعباسيّة وعلويّة وكذلك ظهور دول مستقلّة تعترف بسيادة الخلافة العربيّة. وكذلك ظهور التصوّف والطرائق الّتي هي عند العقلاء بمثابة الشلل الّذي يصيب جسم الأديان الإلهيّة.

    أمّا كيفيّة ظهور نتائج الإختلافات السابقة بإسم المذاهب الأصليّة وظهور

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى