منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 31 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 31 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    من كتاب المفاوضات لحضرة عبد البهاء 5

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي

    بيان المقصود من عتاب الله لحضرات الأنبياء
    في الكتب المقدّسة

    السّؤال: ورد في الكتب المقدّسة بعض خطابات زجر وعتاب موجّهة لحضرات الأنبياء، فمن المخاطب بذلك ولمن وجّه العتاب؟

    الجواب: إنّ الجميع الخطابات الإلهيّة التي عوتب بها حضرات الأنبياء إنّما المقصود بها أممهم، ولو أنّها بحسب الظّاهر موجّهة إلى حضراتهم، وحكمة ذلك محض الشّفقة والرّحمة بالأمم، حتّى لا تتألّم نفوسهم ولا تتكدّر خواطرهم ولا يكون الخطاب والعتاب ثقيلاً عليهم، لهذا كان الخطاب بحسب الظّاهر موجّهاً إلى الأنبياء ولكنّه في الحقيقة للأمم، وفضلاً عن هذا فالسّلطان المقتدر المستقلّ في مملكته إنّما يمثّل شعبه ورعيّته، يعني قوله قول الجميع، وكل معاهدة يبرمها هي معاهدتهم، لأنّ إرادة شعبه ورعيّته فانية في إدارته ومشيئته، كذلك كلّ نبيّ إنّما يمثّل أمّته وملّته، لهذا فعهد الله وخطابه مع النّبيّ هو عهد وخطاب مع كلّ الأمّة والغالب أنّ خطاب الزّجر والعتاب يثقل على النّفوس ويسبّب انكسار القلوب.

    لهذا اقتضت الحكمة البالغة توجيه الخطاب في الظّاهر لحضرات الأنبياء، وذلك يتوضّح من التّوراة نفسها حيث أنّ بني إسرائيل عصوا

    وقالوا لحضرة موسى نحن لا نقدر أن نحارب العمالقة، لأنّهم أقوياء أشدّاء شجعان، فعاتب الله موسى وهارون، مع أنّ حضرة موسى لم يكن عاصياً، بل كان في نهاية الطّاعة، ولا شكّ أنّ شخصاً جليلاً كحضرة موسى الّذي هو واسطة الفيض الإلهيّ والمبلّغ لشريعة الله لا بدّ وأن يكون مطيعاً لأمر الله، فهذه النّفوس المباركة إنّما هم كأوراق الشجرة المتحرّكة بهبوب النّسيم لا بإرادتها، لأنّ هذه النّفوس المباركة منجذبة بنفحات محبّة الله ومسلوبة الإرادة بالكلّيّة، فقولهم قول الله، وأمرهم أمر الله، ونهيهم نهي الله، وهم بمثابة هذا الزّجاج ضوؤه من السّراج ومهما سطع الشّعاع من الزّجاج بحسب الظّاهر فهو في الحقيقة إنّما يسطع من السّراج، وكذلك حركة أنبياء الله ومظاهر الظّهور وسكونهم بوحي إلهيّ لا عن هوى نفساني، فإن لم يكن هكذا كيف يكون ذلك النّبيّ أميناً وكيف يكون سفيراً للحقّ ومبلّغاً لأوامره ونواهيه، إذاً فكلّ ما جاء في الكتب المقدّسة عتاباً لمظاهر الظّهور هو من هذا القبيل.

    الحمد لله أنت أتيت إلى هنا وتلاقيت بعباد الله فهل وجدت منهم غير رائحة رضا الحقّ، لا والله، فقد رأيت بعينيك أنّهم باللّيل والنّهار في سعي واجتهاد. وليس لهم من قصد سوى إعلاء كلمة الله وتربية النّفوس وإصلاح الأمم والتّرقّيات الرّوحانيّة وترويج الصّلح العموميّ وحبّ الخير للنّوع الإنسانيّ والمحبّة لجميع الملل والتّضحية لخير البشر والانقطاع عن المنافع الذّاتيّة والخدمة لنشر الفضائل بين العالم الإنسانيّ. ولنرجع إلى ما كنّا فيه، مثلاً يقول في التّوراة في كتاب إشعيا في أصحاح 48 آية 12 "اسمع لي يا يعقوب وإسرائيل الّذي دعوته أنا هو أنا الأوّل وأنا الآخر" ومن المعلوم أنّه ما كان مراده يعقوب أي إسرائيل بل المقصود بنو إسرائيل، وكذلك

    يقول في كتاب إشعيا أصحاح 43 في الآية الأولى "والآن هكذا يقول الرّب خالقك يا يعقوب وجابلك يا إسرائيل لا تخف لأنّي فديتك دعوتك باسمك أنت لي" وفضلاً عن هذا فإنّه يقول في سفر الأعداد من التّوراة في الأصحاح 20 في الآية 23 "وكلّم الرّبّ موسى وهارون في جبل هور على تخم أرض أدوم قائلاً يضمّ هارون إلى قومه لأنّه لا يدخل الأرض الّتي أعطيت لبني إسرائيل لأنّكم عصيتم قولي عند ماء مريبة" ويقول في الآية 13 "هذا ماء مريبة حيث خاصم بنو إسرائيل الرّبّ فتقدّس فيهم" لاحظوا فقد عصى بنو إسرائيل ولكن بحسب الظّاهر عوتب موسى وهارون كما يقول في الأصحاح الثّالث آية 26 في سفر التّثنية من التّوراة "لكنّ الرّبّ غضب عليَّ بسببكم ولم يسمع لي بل قال لي الرّبّ كفاك لا تعد تكلّمني أيضاً في هذا الأمر" بينما هذا الخطاب والعتاب في الحقيقة موجّه لأمّة إسرائيل الّتي بعصيانها الأمر الإلهيّ بقيت أسيرة مدّة مديدة في صحراء التّيه المجاورة للأردن حتّى زمن يوشع عليه السّلام، ومع أن هذا الخطاب والعتاب في الظّاهر كان لحضرة موسى وهارون، ولكنّه في الحقيقة لأمّة إسرائيل، وكذلك تفضّل في القرآن بقوله خطاباً لحضرة محمّد "إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر" يعني نحن فتحنا لك فتحاً واضحاً لنغفر لك الذّنوب المتقدّمة والمتأخّرة، ولو أنّ هذا الخطاب كان بحسب الظّاهر لحضرة محمّد ولكنّه في الحقيقة خطاب لعموم الملّة، وهذا محض الحكمة البالغة الإلهيّة كما سبق حتّى لا تضطرب القلوب ولا تتكدّر، فكثيراً ما اعترف أنبياء الله ومظاهر الظّهور الكلّي في مناجاتهم بالقصور والذّنب، وهذا من باب التّعليم لسائر النّفوس وللتّشويق والحضّ على الخضوع والخشوع والاعتراف بالذّنب والقصور ليس إلاّ. فتلك النّفوس المقدّسة طاهرة من كلّ ذنب،

    ومنزّهة عن كلّ خطأ، مثلاً يقول في الإنجيل إنّ شخصاً حضر لدى حضرة المسيح فقال أيّها المعلّم البارّ فأجابه حضرة المسيح لماذا خاطبتني بالبارّ، لأنّ البارّ ذات واحدة وهو الله، فليس المقصود من هذا أن حضرة المسيح معاذ الله كان مذنباً بل كان المراد تعليم الخضوع والخشوع والتّواضع والانكسار لذلك الشّخص المخاطب، فهذه النّفوس المباركة أنوار ولا يجتمع النّور مع الظّلمة، حياة ولا تجتمع الحياة مع الموت، هداية ولا تجتمع الهداية مع الضّلالة، حقيقة الطّاعة ولا تجتمع الطّاعة مع العصيان، وخلاصة القول أنّ العتاب الوارد في الكتب المقدّسة الموجّه بحسب الظّاهر للأنبياء أي المظاهر الإلهيّة إنّما يقصد به في الحقيقة الأمّة، وإذا تتبّعت الكتب المقدسة تجد ذلك واضحاً جليّاً والسّلام.

    (41)
    بيان الآية الواردة في الكتاب الأقدس

    السّؤال: يقول في الآية المباركة "ليس لمطلع الأمر شريك في العصمة الكبرى إنّه لمظهر يفعل ما يشاء في ملكوت الإنشاء قد خصّ الله هذا المقام لنفسه وما قدّر لأحد نصيباً من هذا الشّأن المنيع" فما تفسيرها؟

    الجواب: اعلم أنّ العصمة على قسمين، عصمة ذاتيّة وعصمة صفاتيّة، وهكذا سائر الأسماء والصّفات كالعلم الذّاتيّ والعلم الصّفاتيّ، فالعصمة الذّاتيّة مختصّة بالمظهر الكلّي، لأنّ العصمة من لزومه الذّاتيّ، ولا ينفكّ اللّزوم الذّاتيّ عن الشّيء، فالشّعاع لازم ذاتيّ للشّمس ولا

    ينفكّ عنها، والعلم لازم ذاتيّ للحقّ ولا ينفكّ عنه، والقدرة لازم ذاتيّ للحقّ ولا تنفكّ عنه، فلو تقبل الانفكاك لا يكون الحقّ حقّاً، ولو انفكّ الشّعاع عن الشّمس لا تكون الشّمس شمساً، لهذا لو يتصوّر الانفكاك في العصمة الكبرى عن المظاهر الكلّيّة فلا يكون مظهراً كلّيّاً ويسقط عن كماله الذّاتيّ.

    أمّا العصمة الصّفاتيّة فليست من اللّوازم الذّاتيّة للشّيء، بل هي شعاع العصمة الّذي يسطع من شمس الحقيقة على القلوب ويعطي لتلك النّفوس قسطاً ونصيباً، فهذه النّفوس وإن لم تكن لهم العصمة الذّاتيّة، ولكنّهم تحت حفظ الحقّ وعصمته وحمايته، يعني أنّ الحقّ يحفظ هؤلاء من الخطأ، مثلاً لم يكن كثير من النّفوس المقدّسة مظاهر العصمة الكبرى، ولكن كانوا محفوظين مصونين عن الخطأ في ظلّ الله وحفظه وحمايته، لأنّهم كانوا واسطة الفيض بين الحقّ والخلق، فإذا لم يحفظ الحقّ هؤلاء من الخطأ لأدّى خطأهم إلى وقوع كلّ النّفوس المؤمنة في الخطأ، فينهدم أساس الدّين الإلهيّ بالكلّيّة وهذا لا يليق بحضرة الأحديّة.

    وخلاصة القول إنّ العصمة الذّاتيّة محصورة في المظاهر الكلّيّة، والعصمة الصّفاتيّة موهوبة لكلّ نفس مقدّسة، مثلاً لو يتشكّل بيت العدل العموميّ بالشّرائط اللاّزمة أي بانتخاب جميع الملّة فإنّه يكون تحت عصمة الحقّ وحمايته، وكلّ ما لم ينصّ عليه في الكتاب ويقرّره بيت العدل باتّفاق الآراء أو الأكثريّة، فإنّ ذلك القرار والحكم يكون محفوظاً من الخطأ، والحال أنه ليس لكلّ فرد من أعضاء بيت العدل العصمة الذّاتيّة، ولكن هيئة بيت العدل تحت حماية الحقّ وعصمته، وهذه تسمّى بالعصمة الموهوبة، والخلاصة إنّه يقول أنّ مطلع الأمر

    مظهر يفعل ما يشاء، وهذا المقام مختصّ بالذّات الأقدس وليس لغيره نصيب من هذا الكمال الذّاتيّ، يعني لمّا تحقّقت العصمة الذّاتيّة للمظاهر الكلّيّة فكلّ ما يصدر عنهم هو عين الحقيقة ومطابق للواقع، فهؤلاء ليسوا تحت ظلّ الشّريعة السّابقة، وكلّ ما يقولون هو قول الحقّ، وكلّ ما يعملون فهو العمل الصّحيح، وليس لأيّ مؤمن حقّ الاعتراض، وفي هذا المقام يجب التّسليم المحض، لأنّ مظهر الظّهور قائم بالحكمة البالغة، وقد تعجز العقول عن إدراك الحكمة الخفيّة في بعض الأمور، لهذا فكلّ ما يقوله مظهر الظّهور الكلّيّ وما يعمله هو محض الحكمة ومطابق للواقع، وإذا لم يهتدِ بعض النّفوس إلى الأسرار الخفيّة لحكم من الأحكام أو عمل من الأعمال فلا يجوز لها الاعتراض، حيث أنّ المظهر الكلّيّ مظهر يفعل ما يشاء، فكثيراً ما حدث أن صدر أمر من شخص عاقل كامل عالم ثمّ اعترض النّاس عليه لعجزهم عن إدراك حكمته، واستغربوا كيف أنّ هذا الشّخص الحكيم قال أو عمل مثل هذا، إنّ هذا الاعتراض صادر عن جهل هؤلاء، أمّا حكمة الحكيم فهي مقدّسة عن الخطأ ومنزّهة عنه، وكذلك الطّبيب الحاذق في علاج المريض فإنّه يفعل ما يشاء، وليس للمريض حقّ الاعتراض، وكلّ ما يصفه له الطّبيب ويشير به فهو الصّحيح، فينبغي للكلّ أن يعدّوه مظهر يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا بدّ أنّ رأي الطّبيب في علاج المريض يكون مخالفاً لآراء الآخرين، فهل يجوز إذاً الاعتراض من نفوس لم تدرس الطّبّ وليس لها دراية بالحكمة؟ لا والله، فيجب على الكلّ الخضوع والتّسليم وإجراء كلّ ما يقوله الطّبيب الحاذق، فالطّبيب الحاذق له أن يفعل ما يشاء وليس للمريض نصيب من هذا المقام، ولا بدّ من ثبوت حذق الطّبيب، وحيث ثبت حذق الطّبيب فله أن يفعل

    ما يشاء، كذلك قائد الجنود من حيث أنّه تفرّد بالفنون الحربيّة فله أن يفعل ما يشاء في كلّ ما يقوله ويأمر به، وربّان السّفينة من حيث أنّ الكلّ يقرّ بإلمامه فنّ الملاحة فله أن يفعل ما يشاء في كلّ ما يقوله ويأمر به.

    وحيث أنّ المربّي الحقيقيّ هو شخص كامل فله أن يفعل ما يشاء في كلّ ما يقوله ويأمر، والخلاصة أنّ المقصود من يفعل ما يشاء أنّه قد يصدر مظهر الظّهور أمراً أو يجري حكماً أو عملاً يعجز المؤمنون عن إدراك حكمة ذلك، فلا يجوز أن يخطر الاعتراض بخاطر أحد ويقول لماذا أمر بكذا ولِمَ أجرى كذا؟ أمّا سائر النّفوس الّذين استظلّوا بظلّ المظهر الكلّيّ، فهم تحت حكم شريعة الله ولا يجوز لهم التّجاوز قيد شعرة عن الشّريعة، ويجب أن يطبّقوا جميع الأعمال والأفعال على شريعة الله، وإذا تجاوزوا عنها كانوا مسؤولين لدى الله ومؤاخذين، وليس لهؤلاء قسط ولا نصيب من حكم يفعل ما يشاء ألبتّة، لأنّ هذا المقام مختصّ بالمظهر الكلّيّ، مثلاً حضرة المسيح روحي له الفداء كان مظهر يفعل ما يشاء ولم يكن للحواريّين نصيب من هذا المقام، لأنّهم كانوا في ظلّ حضرة المسيح فيجب ألاّ يتجاوزوا عن أمره وإرادته والسّلام.
    ***

    هوامش القسم الثالث


    صفحة خالية




    القسم الرّابع

    مقالات في المبدأ والمعاد وقوى الإنسان
    وحالاته وكمالاته المختلفة

    (محادثات على المائدة)


    صفحة خالية
    (42)
    تغيير الأنواع

    ولنتكلّم الآن في مسألة تغيير النّوع وترقّي الأعضاء أي فيما إذا كان أصل الإنسان من عالم الحيوان.

    إنّ هذه النّظريّة تمكّنت من عقول بعض الفلاسفة في أوروبا وليس من السّهل الآن تفهيم بطلانها، ولكنّها في المستقبل ستتّضح وتظهر ويهتدي فلاسفة أوروبا بأنفسهم إلى بطلان هذه المسألة، لأنّها في الحقيقة بديهيّ البطلان، ولو ينظر الإنسان في الكائنات نظرة إمعان ويهتدي إلى دقائق أحوال الموجودات وينظر نظام عالم الوجود ووضعه وكماله ليتيقّن أنّه (ليس في الإمكان أبدع ممّا كان)، لأنّ جميع الكائنات سواء أكانت علويّة أو أرضيّة وحتّى هذا الفضاء الذّي لا يتناهى وجميع ما فيه خُلق ونُظّم وتركّب وترتّب وتكامل كما يليق وينبغي، لا نقصان فيه أبداً بحيث لو صارت جميع الكائنات عقلاً صرفاً، وتفكّر إلى أبد الآباد لا يمكنه أن يتصوّر أحسن ممّا كان، ولو لم تكن الخليقة منذ القدم على هذا الكمال وفي نهاية الإبداع أي كانت أقلّ وأدنى لكان الوجود حينئذ مهملاً وناقصاً، أي لم يكن كاملاً، إذاً فهذه المسألة تحتاج إلى نهاية الدّقّة والتّفكير، مثلاً تصوّر عالم الإمكان أي عالم الوجود بصفةٍ عامّة أنه يشبه هيكل إنسان، فلو كان هذا التّركيب والتّرتيب وهذا الجمال والكمال الموجود الآن في الهيكل البشريّ على غير ذلك لكان نقصاً محضاً، لهذا لو يتصوّر أنّ الإنسان زمناً ما كان في عالم الحيوان يعني كان حيواناً محضاً لكان الوجود ناقصاً، لأنّ معنى هذا أنّه لم يكن هناك إنسان، وهذا العضو الأعظم الذّي

    هو في هيكل العالم بمنزلة الرّأس والمخّ كان مفقوداً، إذاً فالعالم كان نقصاً محضاً، وبذلك ثبت أنّه لو كان الإنسان وقتاً ما في حيّز الحيوان لكان كمال الوجود مختلاً، لأنّ الإنسان هو العضو الأعظم في هذا العالم، ولو لم يكن العضو الأعظم في هذا الهيكل موجوداً فلا شك أنّ الهيكل ناقص، ونحن نعدّ الإنسان العضو الأعظم لأنّه جامع كمالات الوجود بين الكائنات، والمقصود من الإنسان هو الفرد الكامل أي أكمل شخصٍ في العالم جامع الكمالات المعنويّة والظّاهريّة كالشّمس بين الكائنات، ولو نتصوّر أنّ الشّمس لم تكن موجودة وقتاً ما أو كانت كأحد النّجوم لاختلّت حينئذٍ روابط الوجود من غير شكّ، فكيف يمكن أن يتصوّر الإنسان شيئاً كهذا، وفي ذلك كفاية لمن يتبصّر في عالم الوجود.

    وهاك برهاناً آخر أدقّ وهو، أنّ هذه الكائنات الموجودة الّتي لا تتناهى في عالم الوجود، سواء كانت إنساناً أم حيواناً أم نباتاً أم جماداً مهما كانت فإنّها مركّبة من العناصر، وهذا الكمال الموجود في كلّ كائن من الكائنات لا شكّ أنّه وجد بصنع إلهيّ ومنبعث من تركيب العناصر وحسن الامتزاج وتحقّق من تناسب مقادير العناصر وكيّفيّة التّركيب وتأثيرات سائر الكائنات، إذاً فجميع الكائنات كسلسلة مرتبط بعضها ببعض، وإنّ التّعاون والتّعاضد والتّفاعل من خواصّ الكائنات وسبب وجودها ونشوئها ونموّها، وثبت بالدّلائل والبراهين أنّ كلّ كائن من هذه الكائنات عامّةً له فعلٌ وتأثيرٌ في بقيّة الكائنات إمّا بالاستقلال أو بالتّعاون مع الغير.

    والخلاصة أنّ كمال كلّ كائن من الكائنات أيّ أنّ الكمال الذّي نراه في الإنسان ودونه من الكائنات من حيث الأجزاء والأعضاء والقوّة



    هو منبعث من تركيب العناصر ومقاديرها وموازينها وكيفيّة امتزاجها وتفاعلاتها والتّأثير الذّي للكائنات السّائرة في الإنسان، وحيثما اجتمعت هذه يظهر هذا الإنسان، ولما أن كان هذا الكمال حاصلاً من تركيب أجزاء العناصر بمقادير متناسبة ومن كيفيّة الامتزاج وتفاعل الكائنات المختلفة ولكون تركيب الإنسان قبل عشرة آلاف سنة أو مائة ألف سنة إنّما هو من هذه العناصر التّرابيّة وبهذه المقادير والموازين وعلى هذا النّحو من التّركيب والامتزاج ومن تفاعل سائر هذه الكائنات كان إنسان ذلك اليوم هو عين هذا الإنسان.

    وهذا أمر بديهيّ لا يقبل التّردّد، يعني لو اجتمعت هذه العناصر الإنسانيّة بعد ألف مليون سنة وتخصّصت بهذه المقادير والتّراكيب وحصل امتزاج العناصر على هذا النّحو وتأثّرت بهذه التّفاعلات من سائر الكائنات لوجد هذا البشر الموجود بعينه.

    مثلاً لو يوجد بعد مائة ألف سنة مثل هذا الدّهن والنّار والفتيل والمشكاة ومن يوقدها، وبالاختصار يتكامل جميع ما يلزم للإضاءة الآن يوجد هذا السّراج بعينه، وهذه مسألة قطعيّة الدّلالة وأمر واضح، وأمّا الدّلائل الّتي ذكرها حضرات الفلاسفة فهي ظنّيّة الدّلالة وليست قطعيّة الدّلالة.


    ليس لعالم الوجود بداية
    مبدأ الإنسان

    اعلم أنّ إحدى غوامض المسائل الإلهيّة هي أنّ هذا الكون الذّي لا يتناهى لا أوّل له، ولقد سبق بيان أنّ نفس أسماء وصفات الذّات

    الإلهيّة تقتضي وجود الكائنات، ومع أنّ ما قد بيّنّاه كان مفصّلاً إلاّ أنّنا سنتكلّم عنه الآن ثانية باختصار.

    فاعلم أنّه لا يمكن أن يتصوّر ربّ بلا مربوب، ولا يتحقّق وجود ملك بلا رعيّة، ولا معلّم بغير متعلّم، ولا يمكن وجود خالق بدون مخلوق، ولا يخطر بالبال رازق من غير مرزوق، لأنّ جميع الأسماء والصّفات الإلهيّة تستدعي وجود الكائنات، فلو نتصوّر أنّ الكائنات عامّة لم تكن موجودة وقتاً ما، فهذا التّصوّر إنكار لألوهيّة الله، وفضلاً عن هذا فالعدم المطلق غير قابل للوجود، فلو كانت الكائنات عدماً مطلقاً لما تحقّق الوجود، ولما كان وجود ذات الأحديّة أي الوجود الإلهيّ أزليّاً سرمديّاً يعني لا أوّل له ولا آخر، فلا بدّ وأنّ عالم الوجود يعني هذا الكون الذّي لا يتناهى لم تكن قطّ له بداية.

    نعم قد يصحّ ويمكن أن يحدث وجود جزء من أجزاء الممكنات أي جرم من الأجرام أو أن يتلاشى، غير أنّ سائر الأجرام اللامتناهيّة تظلّ موجودة، فعالم الوجود أبديٌّ لا ينعدم، وحيث أنّ لكلّ جرم من هذه الأجرام بداية فلا بدّ له من نهاية، لأنّ كلّ تركيب سواء كان جزئيّاً أم كلّيّاً لا بدّ له من أن يتحلّل، وغاية ما هنالك هو أنّ بعض المركبات سريع التّحليل وبعضها بطيء التّحليل، فمن المستحيل أن يتركّب شيء وثمّ لا يتحلّل، إذاً يجب أن نعلم كيف كان كلّ موجود من الموجودات العظيمة في أوّل أمره، ولا مريَة أنّه في البدء كان الأصل واحداً ولا يمكن أن يكون اثنين، لأنّ مبدأ جميع الأعداد واحد لا اثنان، فالاثنان محتاجة إلى المبدأ. إذاً صار من المعلوم أنّ المادّة في الأصل واحدة، وتلك المادّة الواحدة تحوّلت في كلّ عنصر بصور مختلفة، ولهذا ظهرت صور متنوّعة، ولمّا ظهرت هذه الصّور المتنوّعة

    أخذ كلّ منها شكلاً خاصّاً وصار عنصراً مستقلاً، ولم يتحقّق استقلال العنصر ولم يتمّ تكوينه إلاّ بعد مدّة مديدة، ثمّ إنّ هذه العناصر تركّبت وترتّبت وامتزجت بصور غير متناهية، يعني ظهرت الكائنات الّتي لا تتناهى من تركيب وامتزاج هذه العناصر، وحصل هذا التّركيب والتّرتيب بحكمة الله وقدرته القديمة بنظمٍ طبيعيٍّ واحدٍ، ومن حيث أنّها تركّبت وامتزجت بهذا النّظم الطّبيعيّ في كمال الإتقان ومطابقة للحكمة تحت قانون كلّيّ، فمن الواضح أنّها إيجاد إلهيّ وليس تركيبها وترتيبها صدفة، لأنّ معنى الإيجاد أن يوجد من كلّ تركيب كائن، أمّا من التّركيب التّصادفيّ فلا يوجد أيّ كائن، مثلاً لو أنّ الإنسان مع عقله وذكائه يجمع عناصر ويركبّها فلا يمكن أن يوجد منها كائن حيّ، لأنّها أتت على غير النّظم الطّبيعيّ، وهذا جواب عن سؤال مقدّر وهو من حيث أنّ هذه الكائنات حادثة من تركيب وامتزاج هذه العناصر، فنحن أيضاً نجمع هذه العناصر ونمزجها لإيجاد كائن حيّ، فلو نتصوّر مثل هذا لكان هذا التّصوّر خطأ، لأنّ أصل هذا التّركيب تركيب وامتزاج إلهيّ على نظم طبيعيّ، وبذلك يوجد كائن ويتحقّق وجود، أما من التّركيب البشريّ فلا يحصل ثمر، لأنّ البشر لا يقدر على الإيجاد، والخلاصة أنّنا قلنا قد ظهرت الصّور والحقائق الّتي لا تتناهى والكائنات الّتي لا تنحصر من تركيب العناصر وامتزاجها وكيفيّتها وتراكيبها وموازينها وتأثير بعضها على بعض.

    أمّا هذه الكرة الأرضية فمن الواضح أنّها لم تتكوّن دفعة واحدة على هيئتها الحاضرة، بل إنّ هذا الموجود الكلّيّ اجتاز أطواراً مختلفة بالتّدريج حتّى بلغ هذا الكمال، والموجودات الكلّيّة تقاس بالموجودات الجزئيّة وتطبّق عليها، لأنّ الموجود الكلّيّ والموجود الجزئيّ كليهما

    تحت نظم طبيعيّ واحد وقانون كلّيّ وترتيب إلهيّ، مثلاً تجد الكائنات الذرّيّة ينطبق عليها في النّظام العامّ ما ينطبق على أعظم الكائنات، فمن الواضح أنّها تكوّنت في مصنع قدرة واحدة على نظم طبيعيّ واحد وقانون عامّ واحد، فلهذا يقاس بعضها ببعض، مثلاً إنّ نطفة الإنسان نشأت ونمت في رحم الأمّ بالتّدريج وأخذت صوراً من أطوار مختلفة حتّى وصلت إلى البلوغ في نهاية درجة من الجمال وتجلّت بهيئة كاملة في نهاية اللّطافة، وعلى هذا المنوال بذر هذه الزّهرة الّتي نشاهدها، فقد كان في بدايته شيئاً حقيراً في نهاية الصّغر ثمّ نشأ ونما في بطن الأرض ومرّ بصورٍ مختلفة إلى أن تجلّى بكمال الطّراوة واللّطافة في هذه الرّتبة. وكذلك من الواضح أنّ هذه الكرة الأرضيّة تكوّنت في رحم العالم، ونشأت ونمت ومرّت بصور وحالات مختلفة حتّى وصلت بالتّدريج إلى كمالها وزيّنت بمكوّنات غير متناهيّة وتجلّت في نهاية الإتقان.

    إذاً اتّضح أنّ تلك المادة الأصليّة الّتي هي بمنزلة النّطفة كانت عناصرها المركّبة الممتزجة الأوّليّة موجودة، وهذا التّركيب نشأ ونما بالتّدريج في الأعصار والقرون، وانتقل من شكل وهيئة إلى شكل وهيئة أخرى حتّى بلغ هذا الكمال والنّظام والتّرتيب والإتقان بحكمة الله البالغة.

    والآن فلنرجع إلى مسألة أنّ الإنسان في بدء الوجود نشأ ونما تدريجيّاً في رحم الكرة الأرضيّة كالنّطفة في رحم الأمّ، وانتقل من صورة إلى صورة ومن هيئة إلى هيئة حتّى تجلّى بهذا الجمال والكمال وهذه القوى والأركان، ويقيناً أنّه ما كان في البداية بهذه اللّطافة والجمال والكمال، بل وصل بالتّدريج إلى هذه الهيئة والشّمائل والحُسن والملاحة كنطفة الإنسان في رحم الأمّ، ولا شكّ أنّ النّطفة

    البشريّة ما أخذت هذه الصّورة دفعة واحدة وما كانت مظهر قوله تعالى "فتبارك الله أحسن الخالقين" . لهذا أخذت حالات متنوّعة بالتّدريج وظهرت في هيئات مختلفة حتّى تجلّت بهذه الشّمائل وهذا الجمال والكمال والحسن واللّطافة، إذاً صار من الواضح المبرهن أنّ نشوء الإنسان ونموّه على الكرة الأرضيّة حتّى بلوغه هذا الكمال كان مطابقاً لنشوء الإنسان ونموّه في رحم الأمّ بالتّدريج وانتقاله من حال إلى حال ومن هيئة وصورة إلى هيئة وصورة أخرى، حيث أنّ ذلك تمّ بمقتضى النّظام العامّ والقانون الإلهيّ الكلّيّ، يعني تمرّ نطفة الإنسان بحالات مختلفة ودرجات متعدّدة حتّى ينطبق عليها قوله تعالى "فتبارك الله أحسن الخالقين" وتظهر فيها آثار الرّشد والبلوغ.

    وعلى هذا المنوال كان وجود الإنسان على هذه الكرة الأرضيّة من البدء حتّى وصل إلى هذه الحال من الهيئة وجمال الأخلاق، بعد أن مضت عليه مدّة طويلة واجتاز درجات مختلفة، ولكنّه من بدء وجوده كان نوعاً ممتازاً.

    كذلك نطفة الإنسان في رحم الأمّ كانت في أوّل أمرها بهيئة عجيبة، فانتقل هذا الهيكل من تركيب إلى تركيب ومن هيئة إلى هيئة ومن صورة إلى صورة حتّى تجلّت النّطفة في نهاية الجمال والكمال، ولكنّها عندما كانت في رحم الأمّ وفي تلك الهيئة العجيبة – الّتي تغاير تماماً ما هي عليه الآن من الشّكل والشّمائل – كانت نطفة نوع ممتاز لا نطفة حيوان، وما تغيّرت نوعيّتها وماهيّتها أبداً، وعلى فرض تحقّق وجود أثر لأعضاء تلاشت فإنّ هذا لا يكون دليلاً على عدم استقلال النّوع وأصالته، وغاية ما هنالك أنّ الهيئة والشّمائل والأعضاء الإنسانيّة قد ترقّت ولكنّها مع ذلك التّحوّل كانت نوعاً ممتازاً، وكان إنساناً لا

    حيواناً، مثلاً لو انتقلت نطفة الإنسان في رحم الأمّ من هيئة إلى هيئة بحيث لا تشابه الهيئة الأولى بأيّ وجه من الوجوه فهل يكون ذلك دليلاً على أنّ النّوعيّة تغيّرت بأن كانت في البداية حيواناً ثمّ نشأت أعضاؤها وترقّت حتّى صارت إنساناً!! لا والله.

    والخلاصة إنّ هذه النّظريّة في غاية من الضّعف وواهيّة الأساس لأنّ أصالة نوع الإنسان واستقلال ماهيّته واضحة مشهودة والسّلام.


    الفرق بين الإنسان والحيوان

    تكلّمنا غير مرّة في مسألة الرّوح لكنّ أقوالنا لم تُدوّن، فاعلم أنّ أهل العالم قسمان قسم ينكر وجود الرّوح ويقول إنّ الإنسان أيضاً نوع من الحيوان، لأنّنا نرى الحيوان مشتركاً مع الإنسان في القوى والحواسّ، وهذه العناصر البسيطة المفردة الّتي تملأ هذا الفضاء تتركّب بتراكيب غير متناهية ويظهر من كلّ تركيب كائن من الكائنات، ومن جملتها الكائنات ذوات الأرواح الّتي لها القوى والإحساس، وكلّما كان التّركيب أكمل كان ذلك الكائن أشرف، وإنّ تركيب العناصر في وجود الإنسان أكمل من تركيب جميع الكائنات، وامتزاجها في نهاية الاعتدال، لذا كان أشرف وأكمل، ويقولون إنّه ليس للإنسان قوّة وروح مخصوصة محروم منها سائر الحيوان، ويقولون إنّ الحيوان جسم حسّاس وأمّا الإنسان فأكثر منه إحساساً في بعض القوى (مع أنّ الحيوان أقوى من الإنسان إحساساً في القوى الظّاهرة الحسّاسّة

    كالسّمع والبصر والذّوق والشّمّ واللّمس حتّى في بعض القوى الباطنيّة كالحافظة) ويقولون إنّ الحيوان له إدراك وشعور، غاية ما هنالك أنّ شعور الإنسان أكثر، وهذه أقوال الفلاسفة في هذا العصر.

    هكذا قولهم وذلك زعمهم وبذا حكمت أوهامهم، وبعد شدّة البحث والاستدلال قالوا بأنّ الإنسان من سلالة الحيوان، يعني أنّ الإنسان كان وقتاً ما حيواناً ثمّ تغيّر نوعه وترقّى شيئاً فشيئاً حتّى وصل إلى درجة الإنسان، وأمّا الإلهيّون فيقولون إنّ الأمر ليس كذلك، فإنّه مهما كان الإنسان مشتركاً مع الحيوان في القوى والحواس الظّاهرة غير أنّه توجد في الإنسان قوّة خارقة للعادة محروم منها الحيوان، فهذه العلوم والفنون والاكتشافات والصّنائع وكشف الحقائق من نتائج تلك القوّة المجرّدة، وهذه القوّة قوّة محيطة بجميع الأشياء ومدركة لحقائقها وتكشف أسرار الكائنات المكنونة وتتصرّف فيها، حتّى تدرك الحقائق المعقولة وغير المحسوسة الّتي ليس لها وجود خارجيّ بل الذّي هو غيب كحقيقة العقل والرّوح والصّفات والأخلاق والحبّ والحزن الّتي هي جميعاً من الحقائق المعقولة، وفضلاً عن ذلك فهذه العلوم الموجودة والصّنائع المشهودة والمشروعات ومكتشفات الإنسان الّتي لا تتناهى كانت وقتاً ما سرّاً مكنوناً وغيباً مستوراً، كشفتها تلك القوّة المحيطة الإنسانيّة وأخرجتها من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود، ومن جملتها البرق (التّلغراف) والحاكي وآلة التّصوير، فجميع هذه الاكتشافات والصّنائع العظيمة كانت وقتاً ما سرّاً مكنوناً كشفته تلك الحقيقة الإنسانيّة وأخرجته من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود، حتّى كانت وقتاً ما خواصّ هذا الحديد الذّي نشاهده بل جميع المعادن سرّاً مكنوناً.

    فالحقيقة الإنسانيّة كشفت هذه المعادن وصاغتها على هذه الهيّئات الصّناعيّة، وقس على ذلك جميع الأشياء من اكتشافات واختراعات بشريّة غير متناهية، وهذه مسألة لا سبيل لإنكارها ولا يمكننا أن ننكرها، ولو نقول إنّ هذه من آثار القوى الحيوانيّة والحواسّ الجسمانيّة نرى ونشهد بوضوح أنّ الحيوان أعظم من الإنسان في هذه القوى، مثلاً بصر الحيوان أحدّ بكثير من بصر الإنسان، وقوّة سمعه أرهف بكثير من قوّة سمع الإنسان، وكذلك قوى الشّم والذّوق، والخلاصة إنّ أكثر الحيوان أشدّ قوّة في جميع القوى المشتركة بين الحيوان والإنسان، فلنضرب لك مثلاً في القوّة الحافظة، لو فرضنا أنّك أخذت حَمَامَاً من هنا إلى إقليم بعيد جدّاً وأطلقته هناك فإنّه يرجع إلى هنا وتبقى الطّرق مرتسمة فى حافظته، أو خذ كلباً من هنا إلى أواسط آسيا وأطلقه هناك فإنّه يرجع إلى هنا ولا يضلّ الطّريق أبداً، وكذلك قُل في سائر القوى كالسّمع والبصر والشّمّ والذّوق واللّمس.

    إذاً اتّضح أنّه لو لم يكن في الإنسان قوّة غير القوّة الحيوانيّة لوجب أن يكون الحيوان أعظم من الإنسان في إدراك الحقائق والاكتشافات العظيمة، فتبيَّن من هذا الدّليل أنّ في الإنسان موهبة لا توجد في الحيوان، وفضلاً عن هذا فالحيوان يدرك الأشياء المحسوسة، وأمّا الحقائق المعقولة فلا يدركها، مثلاً يرى الحيوان كلّ ما يدخل تحت مدّ البصر، أمّا ما كان خارجاً عن مدّ البصر فلا يمكنه إدراكه ولا تصوّره، مثلاً لا يمكن للحيوان أن يدرك كرويّة الأرض، لأنّ الإنسان يستدلّ بالأمور المعلومة على الأمور المجهولة ويكشف الحقائق المجهولة، ومن ذلك أنّه يستنتج كرويّة الأرض من رؤية الآفاق المائلة (المنحنية) على الأرض، مثلاً إنّ النّجمة القطبيّة في عكّاء على

    33° يعني مرتفعة عن الأفق 33°، وعندما يتّجه الإنسان نحو القطب الشّمالي فإنّه كلّما يقطع مسافة درجة يجد النّجمة القطبيّة تصعد درجة في الأفق، يعني يجد ارتفاع النّجمة 34° حتّى يصل ارتفاعها إلى 40°، 50°، 60°، 70°، ولو يصل إلى قطب الأرض يصل ارتفاع القطب إلى 90°. ويكون سمت الرّأس وارتفاع هذا القطب فوق الرّأس أمراً محسوساً، وهذا الصّعود أيضاً أمر محسوس لأنّه كلّما اتجه نحو القطب يكون النّجم أرفع، فيكشف من هذين الأمرين المعلومين أمراً مجهولاً، وهو أنّ الأفق مائل يعني أنّ أفق كلّ درجة من الأرض غير أفق الدّرجة الأخرى، وهذه الكيفيّة يدركها الإنسان ويستدلّ بها على أمر مجهول وهو كروّية الأرض.

    أمّا الحيوان فلا يمكنه إدراك هذا، وكذلك لا يمكن للحيوان أن يدرك أنّ الشّمس مركز والأرض تتحرّك حولها، لأن الحيوان أسير الحواسّ ومقيّد بها ولا يمكنه إدراك ما وراء الحسّ أيّ الأشياء الّتي لا تدركها الحواسّ، والحال أنّ الحيوان أعظم من الإنسان في القوى والحواسّ الظّاهرة، إذاً ثبت وتحقّق أنّ في الإنسان قوّة كاشفة بها امتاز عن الحيوان وهي الرّوح الإنسانيّ.

    سبحان الله، الإنسان متوجّه دائماً إلى العُلا وهمّته عالية ويريد دائماً أن يصل إلى عالم أعظم من العالم الذّي هو فيه وأن يصعد إلى درجة أرقى من درجته الّتي هو فيها، فحُبّ الرّفعة والعلوّ من خصائص الإنسان، وإنّي لمتحيّر من بعض فلاسفة أميركا وأوروبا كيف رضوا أن يتدنّوا بأنفسهم إلى عالم الحيوان ويطلبوا الرّقيّ المعكوس، مع أنّ الوجود يجب أن يكون توجّهه نحو العلوّ، والحال أنّك لو قلت له أنّك حيوان يتكدّر خاطره كثيراً ويتبرّم جدّاً، فأين عالم الإنسان

    من عالم الحيوان، وأين الكمالات الإنسانيّة من الجهالة الحيوانيّة، وأين نورانيّة الإنسان من الظّلمانيّة الحيوانيّة، وأين العزّة الإنسانيّة من الذلّة الحيوانيّة، إنّ طفلاً عربيّاً في سنّ العاشرة يستطيع أن يرعى ويقود مائتين أو ثلثمائة من الإبل في البادية بصيحة واحدة منه، كما أنّ هنديّاً نحيفاً يقدر أن يخضع الفيل مع عظمته بحيث ينقاد له ويكون في نهاية الطّاعة، فجميع الأشياء مسخّرة للإنسان والإنسان يقاوم الطّبيعة بينما جميع الكائنات أسيرة للطّبيعة، وليس لأحدها أن ينفكّ عن مقتضياتها إلاّ الإنسان، فإنّه هو الّذي يقاوم الطّبيعة، فالطّبيعة تجذب الأجسام نحو مركز الأرض بينما الإنسان بالوسائط يبتعد عن المركز ويطير في الهواء، الطّبيعة مانعة للإنسان من عبور البحر ولكنّ الإنسان يصنع السّفينة ويسير في عرض المحيط الأعظم وقس على ذلك.

    إنّ هذا الموضوع مترامي الأطراف، فمثلاً الإنسان بالمخترعات يصعد الجبال ويخترق الصّحارى ويحيط بأخبار الشّرق والغرب وهو في نقطة واحدة، وكلّ هذا مضادّ للطّبيعة، فالبحر بعظمته لا يمكنه أن يخرج قيد شعرة عن حكم الطّبيعة، والشّمس مع عظمتها لا يمكنها الخروج عن حكم الطّبيعة رأس إبرة، ولا يمكنها أبداً أن تدرك شؤون الإنسان وأحواله وطبيعته وخواصّه وحركاته، فما هي إذاً هذه القوّة الّتي توجد في الجسم الإنسانيّ الصّغير المحيطة بجميع هذه الأشياء، وما هي هذه القوّة القاهرة الّتي تجعل جميع الأشياء مسخّرة له.

    بقي شيء واحد وهو أنّ الفلاسفة الحديثين يقولون إنّنا لم نشاهد الرّوح مطلقاً في الإنسان، وكلّما تحريّنا في خفايا الجسد الإنسانيّ

    لا نحسّ بقوّة معنويّة فكيف نتصوّر تلك القوى الّتي لا نحسّها، فيقول الإلهيّون في الجواب، إنّ روح الحيوان أيضاً غير محسوس ولا يدرك بهذه القوى الجسمانيّة، فبأيّ شيء نستدلّ على وجود روح الحيوان، لا شك أنّك تستدل بالآثار على أنّ في هذا الحيوان قوّة ليست في النّبات وهي القوّة الحسّاسّة، يعني الباصرة والسّامعة إلى غير ذلك من القوى، ومن هذا يستدلّ على وجود الرّوح الحيوانيّ، وبمثل ذلك يعلم من تلك الدّلائل والآثار الّتي سبق ذكرها وجود الرّوح الإنسانيّ، ولمّا كانت في الحيوان آثار لا توجد في النّبات إذاً نقول إنّ هذه القوّة الحسّيّة من خصائص الرّوح الحيوانيّ، وكذلك ترى في الإنسان آثاراً وقوى وكمالات لا توجد في الحيوان، فتستدلّ أنّ في الإنسان قوّة محروم منها الحيوان، ولو أنّنا ننكر كلّ شيء غير محسوس للزم أن ننكر الحقائق المسلّمة الوجود، مثلاً إنّ المادّة الأثيريّة غير محسوسّة والحال أنّها محقّقة الوجود، والقوّة الجاذبة ليست بمحسوسّة وهي محقّقة الوجود، فبأيّ شيء نحكم على وجودها أليس ذلك بآثارها؟ فمثلاً هذا النّور هو تموّجات المادّة الأثيريّة ومن هذه التّموّجات نستدلّ على وجودها.

    مسألة النّشوء والارتقاء للكائنات

    السّؤال: ماذا ترون فيما يقوله بعض فلاسفة أوروبا في مسألة النّشوء والارتقاء للكائنات؟

    الجواب: سبق أن تكلّمنا عن هذه المسألة ولكنّنا سنتكلّم فيها

    مرّةً أخرى، مجمل القول أنّ الكلام في هذه المسألة سينتهي إلى تقرير أصالة النّوع الإنسانيّ أو عدم أصالته، يعني هل النّوع الإنسانيّ كان أصلاً مستقلاً بنفسه أم تفرّع بعدئذ عن الحيوان، فبعض فلاسفة أوروبا متّفقون على أنّ للنّوع نشوءاً وارتقاءً بل إنّ التّبديل والتّغيير ممكن أيضاً، ومن جملة الأدلّة الّتي يقيمونها لإثبات هذه النّظريّة أنّه بواسطة علم طبقات الأرض والتّدقيق والتّحقيق فيها ظهر واتّضح لهم أسبقيّة وجود النّبات على الحيوان وأسبقيّة وجود الحيوان على الإنسان، واتّفقوا على أنّ جنس الحيوان والنّبات كليهما تغيّر، لأنّه اكتشف في بعض طبقات الأرض نباتات كانت موجودة في القديم وهي الآن مفقودة، بمعنى أنّها ترقّت وصارت أقوى وتبدّلت هيئتها وشكلها، لهذا تبدّل النّوع، وكذلك وجد في طبقات الأرض أنواع من الحيوان تغيّرت وتبدّلت، ومن جملة الأنواع الحيوانيّة الثّعبان الذّي توجد له أعضاء يستدلّ منها أنّه كان يوماً ما ذا أرجل، ولكنّها تلاشت بمرور الزّمان وبقيت آثارها محفوظة، وكذلك توجد آثار في العمود الفقريّ للإنسان ويستدلّ منها على أنّه كان يوماً ما له ذيل كسائر الحيوان، ومتّفقون على أنّ آثاره لا تزال باقية، وكان ذلك العضو مفيداً وقتاً ما، ولمّا ترقّى الإنسان لم يبقَ لذلك العضو فائدة وتلاشى بالتّدريج، ولمّا اتّخذ الثّعبان مأواه في باطن الأرض وصار من الحيوان الزّاحف أصبح في غنى عن الأرجل، ولذلك تلاشت ولكن آثارها باقية، وأعظم برهان لديهم هو أنّ وجود آثار هذه الأعضاء يدلّ على أنّها كانت موجودة وانمحت تدريجيّاً لعدم فائدتها، وليس لتلك الأجزاء الأثريّة الآن من حكمة أو فائدة، فبناءً عليه بقيت الأعضاء اللاّزمة الكاملة وزالت بالتّدريج الأعضاء الّتي لا لزوم لها لتغيّر النّوع ولكنّ أثرها باقٍ.

    والجواب: أوّلاً إنّ أسبقيّة الحيوان على الإنسان ليست دليلاً على ترقّي النّوع وتغييره وتبديله وعلى أنّه تطوّر من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان، لأنّه ما دام حدوث الكائنات المختلفة مسلّماً به فمن الجائز أن يكون وجود الإنسان بعد وجود الحيوان، كما أنّنا نلاحظ في عالم النّبات أنّ أثمار الأشجار المختلفة لا توجد كلّها دفعة واحدة، بل ينضج بعضها قبل البعض الآخر، فتلك الأسبقيّة ليست دليلاً على أنّ ثمرة متأخرّة النّضوج لشجرة ما إنّما نتجت من ثمرة مبكّرة النّضوج لشجرة أخرى.

    ثانياً إنّ هذه الإمارات الصّغيرة والأجزاء الأثريّة ربّما تكون لها حكمة عظيمة لم تصل إليها العقول حتّى الآن، وكم من موجود لم تعلم حكمة وجوده إلى الآن، كما أنّه مذكور في علم الفيسيولوجيا (يعني معرفة تركيب الأعضاء) أنّ حكمة اختلاف ألوان الحيوان وشعر الإنسان واحمرار الشّفاه وتنوّع ألوان الطّيور غير معلومة إلى الآن بل هي مخفيّة مستورة، ولكنّ حكمة سواد حدقة العين فقد عُلِمَ أنّها لجذب أشعّة الشّمس، لأنّها لو كانت لوناً آخر أبيض ناصعاً مثلاً ما جذبت أشعّة الشّمس، إذاً ما دامت حكمة هذه الأمور المذكورة مجهولة، فجائز أن تكون حكمة الأجزاء الأثريّة وعلّتها سواء في الحيوان أو الإنسان أيضاً غير معلومة ولكن لا بدّ لها من حكمة ولو أنّها لم تعلم الآن.

    ثالثاً نفرض أنّه كان في وقت ما لبعض الحيوان حتّى الإنسان عضو وزال الآن، فليس هذا ببرهان كافٍ على تغيّر النّوع وترقيته، لأنّ الإنسان من بداية انعقاد النّطفة حتّى يصل إلى درجة البلوغ يأخذ هيئات وأشكال متنوّعة، تتغيّر فيها سيماه وهيئته وشكله ولونه

    بالكلّيّة، يعني يتحوّل من هيئة إلى هيئة أخرى ومن شكل إلى شكل آخر، ومع ذلك فإنّه من بداية انعقاد النّطفة كان من نوع الإنسان، يعني أنّ تلك النّطفة كانت نطفة إنسان لا حيوان، ولكنّها كانت مخفيّة ثمّ ظهرت وبرزت، مثلاً نفرض أنّ الإنسان كان مشابهاً للحيوان وقتاً ما وترقّى الآن وتغيّر، فعلى فرض التّسليم بهذا القول لا يكون دليلاً على تغيّر النّوع بل يكون بمثابة تغيّر نطفة الإنسان وتبدّلها حتّى تصل إلى درجة الرّشد والكمال كما ذكر، وبأوضح من هذا نقول لنفرض أنّ الإنسان كان يمشي على أربع (يديه ورجليه) أو كان له ذنب فهذا التّغيّر والتّبدّل كتغيّر الجنين وتبدّله في رحم أمّه، فمهما تغيّر في نشوئه وترقّيه من جميع الجهات حتّى وصل إلى هذه الهيئة التّامة فإنّه في البداية كان نوعاً مخصوصاً، كما أنّنا نلاحظ أيضاً في عالم النّبات أنّ نوعيّة الفصيلة الأصليّة لا تتغيّر ولا تتبدّل، ولكنّ الهيئة واللّون والحجم هي الّتي تتغيّر وتتبدّل أو تترقّى.

    وخلاصة القول أنّ الإنسان ولو أنّه انتقل في رحم الأمّ من شكل إلى آخر ومن هيئة إلى أخرى متغيّراً مترقّياً، فإنّه مع ذلك كان من بداية النّطفة نوع الإنسان، وكذلك الإنسان من بدء تكوينه في رحم العالم كان نوعاً ممتازاً أيضاً، أي كان إنساناً وانتقل من هيئة إلى هيئة أخرى بالتّدريج، إذاً فتغيّر الهيئة وترقّي الأعضاء والنّشوء والنّمو لا يكون مانعاً من أصالة النّوع واستقلاله، هذا على فرض تصديق نشوء الأنواع وترقّيها، والحال أنّ الإنسان كان من البداية على هذه الهيئة والتّركيب الكامل، وكانت له قابليّة واستعداد لاكتساب الكمالات الصّوريّة والمعنويّة، وكان مظهر (لنعملنّ إنساناً على صورتنا ومثالنا) وغاية ما هنالك أنّه صار أحسن وأظرف وأجمل، وصارت المدنيّة سبباً

    في إخراجه من حالته الوحشيّة كأثمار الغابات الّتي تتربى بواسطة البستانيّ وتصير ألذّ وأشهى وأكثر لطافة وطراوة، وبستانيّو العالم الإنسانيّ هم أنبياء الله.


    البراهين الإلهيّة على أصل الإنسان ومبدئه

    إنّ الدّلائل الّتي أقمناها على أصالة نوع الإنسان كانت أدلّة عقليّة، فلنشرع الآن في الأدلّة الإلهيّة وهي أصل الدّليل، لأنّنا أثبتنا الألوهيّة بالأدلّة العقليّة، وكذلك ثبت بالأدلّة العقليّة أنّ الإنسان كان إنساناً من أصله ومبدئه ونوعيّته قديمة، فلنقم الآن البراهين الإلهيّة على لزوم الوجود الإنسانيّ أي وجود نوعه، إذ بدون وجود الإنسان لا تتجلّى الكمالات الرّبانيّة، أمّا هذه الدّلائل فهي إلهيّة لا عقليّة، لأنّه قد ثبت بالدّلائل والبراهين مرّات عديدة أنّ الإنسان أشرف الممكنات وجامع جميع الكمالات، وإنّ جميع الكائنات والموجودات مواقع التّجلّيّات الإلهيّة، يعني أنّ آثار ألوهيّة الله ظاهرة في حقائق الموجودات وفي جميع الكائنات، فكما أنّ أشعّة الشّمس تسطع على الكرة الأرضيّة، يعني نور الشّمس وحرارتها وتأثيرها ظاهر باهر في كلّ ذرّات الكرة الأرضيّة، كذلك ذرّات عموم الكائنات في هذا الفضاء الذّي لا يتناهى كلّ منها يدلّ وينطق عن كمال من الكمالات الإلهيّة، وليس هناك كائن محروم من هذا، فهو إمّا أن يكون آية رحمة الحقّ يعني يدلّ على رحمة الله، أو آية قدرة الحقّ، أو آية عظمة الحقّ، أو آية عدل الحقّ، أو آية ربّانيّة الحقّ الذّي يربّي، أو آية كرم الحقّ، أو آية بصر الحقّ،

    أو آية سمع الحقّ، أو آية علم الحقّ، أو آية نعمة الحقّ، وقس على ذلك.

    والمراد من هذا أنّه لا بدّ لكلّ كائن من الكائنات أن يكون مركزاً للتّجلّيّات الرّبانيّة، أي تظهر وتتجلّى فيه الكمالات الإلهيّة، مثلما تتجلّى الشّمس على الصّحارى والبحار والأشجار والأثمار والأزهار وكلّ الكائنات الأرضيّة، فعالم الكائنات أي كلّ كائن من الموجودات يحكي عن اسم من أسماء الله، وأمّا الحقيقة الإنسانيّة فهي حقيقة جامعة، حقيقة كلّيّة تتجلّى فيها جميع الكمالات الإلهيّة، يعني أنّ كلّ اسمٍ وصفةٍ وكمالٍ نثبّته للحقّ ففي الإنسان آية وأثر منه، لأنّها لو لم تكن موجودة في الإنسان لما أمكنه أن يتصوّر هذه الكمالات أو يدركها، مثلاً نقول أنّ الله بصير فهذه العين هي آية بصره، ولو لم يكن هذا البصر في الإنسان فكيف يمكننا أن نتصوّر البصيرة الإلهيّة، لأنّ الأكمه الذّي ولد أعمى لا يمكنه أن يتصوّر البصر، والأصمّ الذّي ولد أصمّ لا يمكنه تصوّر السّمع، والميِّت لا يتصوّر الحياة، لذا تجلّت الرّبوبيّة الإلهيّة الجامعة لجميع الكمالات في حقيقة الإنسان، يعني أنّ الذّات الأحديّة الجامعة لكلّ الكمالات تجلت من هذا المقام تجلّياً على حقيقة الإنسانيّة، يعني أشرقت شمس الحقيقة في هذه المرآة وإذاً فالإنسان هو المرآة الكاملة المقابلة لشمس الحقيقة ومحلّ سطوعها، وتجلّي الكمالات الإلهيّة ظاهر في حقيقة الإنسان، لهذا أصبح خليفة الله ورسول الله، إذ لولا الإنسان لما كان لعالم الوجود نتيجة، فالمقصود إذاً من الوجود هو ظهور الكمالات الإلهيّة، ولهذا لا يمكن أن نقول أنّه كان زمن ولم يكن فيه إنسان، وكلّ ما يمكن أن نقول هو أنّ هذه الكرة الأرضيّة لم تكن موجودة في زمن ما، ولكنّ هذا المظهر الكامل موجود من الأوّل الذّي

    لا أوّل له، ويكون إلى الآخر الذّي لا آخر له، وهذا الإنسان الذّي نتكلّم عنه ليس المقصود منه كلّ إنسان بل المقصود الإنسان الكامل، لأنّ أشرف عضو في الشّجرة هو الثّمر وهو المقصود الأصليّ، وإن لم يكن للشّجرة ثمر فهي مهملة لا قيمة لها، لهذا لا يمكن أن يتصوّر أنّ عالم الوجود سواء أكان علويّاً أم سفليّاً كان معموراً بالحمار والبقر والفأر والقطّ ومحروماً من الإنسان، فهذا التّصوّر باطل ومهمل، وكلام الحقّ واضح كالشّمس، وهذا دليل إلهيّ لكن لا تمكن إقامته للمادّيّين في أوّل القول بل يجب أوّلاً ذكر الدّليل العقليّ ثمّ الدّليل الإلهيّ.


    الرّوح والعقل يظهران في الإنسان حين ولادته

    السّؤال: هل للإنسان عند ولادته عقل وروح؟ أم أنّهما يظهران تدريجيّاً تبعاً لنموّه. أو أنّه لا يحصل عليهما إلاّ بعد كمال نموّه؟

    الجواب: إنّ ابتداء تكوين الإنسان على سطح الكرة الأرضيّة يشبه تكوينه في رحم الأمّ، فالنّطفة تنشأ وتنمو في رحم الأمّ بالتّدريج حتّى الولادة ثمّ تستمرّ في النّمو والنّشوء حتّى تصل إلى درجة الرّشد والبلوغ، ولو أنّه في دور الطّفولة يظهر للعقل والرّوح آثار في الإنسان إلا أنّهما ليسا في رتبة الكمال بل يكونان ناقصين، وعندما يصل إلى درجة البلوغ يظهر العقل والرّوح في نهاية الكمال، وكذلك كان تكوين الإنسان في رحم العالم في أوّل أمره كتكوين النّطفة، ثمّ ترقّى تدريجيّاً في مراتبه ونما ونشأ حتّى وصل إلى رتبة البلوغ، وحينئذ


    ظهر العقل والرّوح في الإنسان في نهاية الكمال، وكان العقل والرّوح موجودين أيضاً في بداية تكوينه ولكنّهما كانا مكنونين ثمّ ظهرا، لأنّ العقل والرّوح موجودان أيضاً في النّطفة في عالم الرّحم، ولكنّهما مكنونان ثمّ يظهران، كالحبّة إذ توجد فيها الشّجرة ولكنّها مكنونة مستورة، حتّى إذا نشأت ونمت تظهر الشّجرة بتمامها، كذلك نشوء ونمو جميع الكائنات يكون تدريجيّاً ، هذا هو القانون الكلّيّ الإلهيّ والنّظم الطّبيعيّ، فالحبّة لا تكون شجرة بغتة، ولا تكون النّطفة إنساناً دفعة واحدة، ولا يكون الجماد حجراً مرّة واحدة، بل بالنّشوء والنّمو بالتّدريج حتّى تصل إلى حدّ الكمال. فجميع الكائنات من كلّيّات وجزئيّات خلقت من مبدئها تامّة كاملة، غير أنّ كمالها يظهر بالتّدريج، والقانون الإلهيّ واحد وترقّيات الوجود واحدة، والنّظام الإلهيّ واحد في جميع الكائنات، صغيراً كان أم كبيراً، والكلّ تحت قانون واحد، ونظام واحد، وكلّ حبّة مودع فيها من البداية جميع الكمالات النّباتيّة، فمثلاً هذه الحبّة موجود فيها من البداية جميع الكمالات النّباتيّة ولكنّها كانت مخفيّة ثمّ ظهرت بعد بالتّدريج، مثلاً ظهر من الحبّة أوّلاً السّاق ثمّ الأغصان ثمّ الأوراق ثمّ البراعم ثمّ ظ

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى