منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 34 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 34 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    خطب حضرة عبد البهاء فى أوروبا وأمريكا 1

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    صوت السّلام العامّ
    هو الله
    إنّ هذا المسجون بعد أن قضى أربعين عامًا في السّجن قام مدّة ثلاث سنين بعد إطلاقه –أي منذ (1910) إلى نهاية سنة (1913) – بالسّفر والتّجوال في أوروبّا وفي قارّة أمريكا الواسعة.
    ومع ضعفه وعجزه نادى في المحافل العظمى والكنائس الكبرى وألقى خطبًا مفصَّلة، ونشر كلّ ما جاء في ألواح حضرة بهاء الله وتعاليمه حول مسألة الحرب والصّلح.
    ولقد نشر حضرة بهاء الله قبل ما يقارب الخمسين سنة تعاليمه، ونادى بنغمة الصّلح العموميّ في جميع ألواحه ورسائله، وأخبر بصريح العبارة بهذه الوقائع الحاليّة، وبأنّ العالم الإنسانيّ في خطر عظيم وعلى أبواب حرب عامّة محتومة فالمواد الملتهبة في خزائن أوروبّا الجهنّميّة سوف تنفجّر بشرارة واحدة، ومنها سيكون انفجار بركان البلقان وتغيير خريطة أوروبّا، ولهذا دعا العالم الإنسانيّ إلى الصّلح العموميّ.
    وكتب إلى الملوك والسّلاطين ألواحًا بيَّن فيها أضرار الحرب الجسيمة وأوضح فوائد الصّلح العموميّ ومنافعه، وبأنّ الحرب هادمة للبنيان الإنسانيّ، وأنّ الإنسان بنيان إلهيّ وأنّ الصّلح حياة مجسّمة والحرب ممات مصوَّر، وأنّ الصّلح روح إلهيّة وأنّ الحرب نفثات شيطانيّة، وأنّ الصّلح نور الآفاق وأنّ الحرب ظلمة على الإطلاق، وأنّ

    الأنبياء العظام والفلاسفة القدماء والكتب الإلهيّة كلّها كانت بشيرة الصّلح والوفاء ونذيرة الحرب والجفاء، وأنّ هذا هو الأساس الإلهيّ والفيض السّماويّ وأساس الشّرائع الإلهيّة.
    وخلاصة القول إنّني ناديت في جميع المجامع بأعلى صوتي قائلاً: يا عقلاء العالم، ويا فلاسفة الغرب، ويا علماء الأرض إنّ وراءكم سحابًا مظلمًا يحيط بالأفق الإنسانيّ ويلحقكم طوفان شديد يعصف بسفن حياة البشر وعن قريب سيحيط بمدن أوروبّا وديارها سيل شديد فانتبهوا انتبهوا واستيقظوا استيقظوا لنقوم جميعنا بمنتهى الألفة ونرفع بعون الله وعنايته علم وحدة العالم الإنسانيّ ونروّج الصّلح العمومي حتّى ننجي العالم الإنسانيّ من هذا الخطر العظيم.
    ولقد قابلت في أمريكا وأوروبّا نفوسًا مقدّسة كانت متعاونة ومتجاوبة معنا في قضيّة الصّلح العموميّ وكانت متّفقة متوافقة اللّحن في عقيدة وحدة العالم الإنسانيّ إلا أنّها ويا للأسف كانت قليلة العدد وكان أعاظم الرّجال يظنّون بأنّ تجهيز الجيوش ومضاعفة القوى الحربيّة سبب لحفظ الصّلح والسّلام ولقد صرَّحت لهم ببيان صريح أنّ الأمر ليس كذلك، فهذه الجيوش الجرّارة لا بدّ أن تتقدّم يومًا من الأيّام إلى الميدان، وهذه المواد الملتهبة لا بدّ أن تنفجر وأنَّ انفجارها يتوقّف على شرارة واحدة تشعل العالم بغتة ولكنّهم لم يذعنوا لهذا البيان لعدم اتّساع الأفكار ولعمى الأبصار إلى أن آلت شرارة البلقان إلى بركان.
    وفي بداية حرب البلقان سألتنا نفوس مهمّة قائلة: "هل حرب البلقان هذه حرب عالميّة؟" فقلنا في الجواب: إنّها تنتهي إلى حرب عالميّة.
    وخلاصة القول: إنّ حضرة بهاء الله تفضّل قبل خمسين سنة وحذّر من هذا الخطر العظيم.

    ومع أنّ أضرار الحروب كانت واضحة لدى أهل العرفان ولكنّها الآن اتّضحت لعموم النّاس وعلم أنّ الحروب هي آفة العالم الإنسانيّ وهادمة للبنيان الإلهيّ وسبب الموت الأبديّ وهادمة للمدن المعمورة، ونار تحيط بالعالمين، ومصيبة كبرى ولهذا يتعالى الصّراخ إلى الأوج من جميع الأطراف، وزلزلت الدّنيا من الويل والحنين وانطمرت أقاليم معمورة.
    لقد سالت العيون بالعبرات من ضجيج الأيتام من الأطفال واحترقت القلوب وذابت من صراخ الأيامى من النّساء البائسات وارتفعت صرخة: واويلاه، وواأسفاه من قلوب الأمّهات، وارتفع إلى الأوج أنين وتأوّه الآباء الطّاعنين في السّنّ. فعالم الخليقة محروم اليوم من الرّاحة والأمان وتصل أصوات المدافع والبنادق كأصوات الرّعد وقد حوّلت المواد الملتهبة ساحات الحرب إلى مقابر للشّبان اليافعين والوضع أسوأ مما أسرده لكم.
    فيا دول العالم ارحموا العالم الإنسانيّ ويا مِلَلَ العالم توجّهوا بنظرة عطف على ساحات الحرب، ويا علماء البشر تفقّدوا حال المظلومين، ويا فلاسفة الغرب تعمّقوا في هذه البليّة العظمى، ويا رؤساء العالم تفكّروا في دفع هذه الآفة الكبرى، ويا أيّها الجنس البشريّ تدبّر في منع هذه البربريّة والافتراس فلقد حان الوقت أن ترفعوا عَلَم الصّلح العموميّ وأن تقاوموا هذا السّيل العظيم الّذي هو الآفة الكبرى.
    ومع أنّ هذا المسجون كان مدّة أربعين سنة في سجن الاستبداد ولكنّه لم يتأثّر، ولم ينحسر، كما تأثّر في هذه الأيّام، فالرّوح في احتراق وذوبان، القلب في نهاية الأسف والالتهاب والعين دامعة والقلب محترق فابكوا ونوحوا وأسرعوا حتّى تلقوا ماء على هذه النّار

    الملتهبة لعلّ بهمّتكم تخمد هذه النّار المحرقة للعالمين.
    ويا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد، ويا رحمن يا رحيم ارحم أعين الآباء الدّامعة وقلوبهم المحترقة وسكّن هذا الطّوفان وبدّل هذه الحرب العالميّة إلى صلح وسلام وإخاء. إنّك أنت المقتدر القدير وإنّك أنت السّميع البصير.
    عبد البهاء عبّاس
    هو الله
    يا أهل العالم،
    إذا سرتم في الأرض ومشيتم في مناكبها وجدتم أنّ كلّ ما هو معمور سببه الألفة والمحبّة، وأنّ كلّ ما هو مطمور ناتج عن العداوة والبغضاء. ومع ذلك لم ينتبه الجنس البشريّ إلى ذلك ولم يفق من سبات الغفلة، وما زال البشر يفكّرون في الخلاف والنّزاع والجدال وحشد الجيوش لتصول وتجول في ميادين النّزال والقتال.
    وإذا نظرتم إلى الكون والفساد والوجود والعدم وجدتم أنّ كلّ كائن مركّب من أجزاء متنوّعة متعدّدة، وأنّ وجود الشّيء ناتج عن التّركيب بمعنى أنّ الإيجاد الإلهيّ إذا أحدث تركيبًا معيّنًا بين العناصر البسيطة تشكّل من هذا التّركيب كائن معيّن. وجميع الموجودات على هذا المنوال. فإذا حدث في هذا التّركيب خلاف أو تحلّلت أجزاؤه وتفرّقت انعدم هذا الكائن. ومعنى ذلك أنّ انعدام الشّيء ناتج عن تحليل عناصره وتفرّقها. وعلى هذا فكلّ تركيب وتآلف يتمّ بين العناصر

    هو سبب الحياة، وكلّ اختلاف وتحلّل وتفرّق يدبّ بينها هو علّة الممات. وبالاختصار إنّ تجاذب الأشياء وتوافقها سبب لحصول النّتائج المفيدة والثّمار الطّيّبة، وإنّ تنافر الأشياء واختلافها سبب للاضمحلال والاضطراب.
    فمن التّآلف والتّجاذب تتحقّق جميع الكائنات ذات الحياة مثل النّبات والحيوان والإنسان، ومن التّنافر والخلاف يحصل الانحلال ويدبّ الاضمحلال. ولهذا فإنّ كلّ ما ينتج عنه الائتلاف والتّجاذب والاتّحاد بين عامّة البشر هو علّة حياة العالم الإنسانيّ، وكلّ ما ينتج عنه التّنافر والاختلاف والتّباعد هو علّة ممات النّوع البشريّ.
    وكلّما مررتم بإحدى المزارع ولاحظتم الزّرع والنّبات والورد والرّيحان ينمو منسجمًا متآلفًا كان ذلك دليلاً على أنّ هذه الحديقة نمت على يد بستانيّ كامل تعهّدها بالتّهذيب والإنبات، أمّا إذا شاهدتم الحديقة مشعّثة مضطربة بلا ترتيب ولا نظام استنتجتم أنّها حرمت من عناية البستانيّ الماهر فنمت فيها الأعشاب الضّارّة فأتلفتها.
    من ذلك يتّضح أنّ الألفة والالتئام دليل على تربية المربّي الحقيقيّ، وأنّ الفرقة والتّشتت برهان على الحرمان من التّربية الإلهيّة والبعد عنها.
    ولعلّ معترضًا يقول: إنّ لأمم العالم وشعوبه وملله آدابًا ورسومًا مختلفة، وأذواقًا متباينة، وطبائع وأخلاقًا متعدّدة، وإنّ العقول والأفكار والآراء متفاوتة فكيف تتجلّى الوحدة الحقيقيّة ويتمّ الاتّحاد التّام بين البشر؟ فنقول: إنّ الاختلاف نوعان: أحدهما: الاختلاف المسبّب للانعدام والهلاك، كالاختلاف بين الشّعوب المتنازعة والملل المتقاتلة تمحو إحداها الأخرى وتخرّب وطنها وتسلبها الأمن والرّاحة وتعمل فيها القتل وسفك الدّماء. فهذا النّوع من الاختلاف مذموم. أمّا النّوع

    الآخر من الاختلاف فهو التّنوّع. وهذا هو عين الكمال وموهبة ذي الجلال.
    لاحظوا أزهار الحدائق: فمهما اختلف نوعها وتفاوتت ألوانها وتباينت صورها وتعدّدت أشكالها إنّها لمّا كانت تُسقى من ماء واحد، وتنمو من هواء واحد، وتترعرع من حرارة وضياء شمس واحدة فإنّ تنوّعها واختلافها يكون سببًا في ازدياد رونقها وجمالها. وكذلك الحال إذا برز إلى حيّز الوجود أمر جامع – وهو نفوذ كلمة الله – أصبح اختلاف البشر في الآداب والرّسوم والعادات والأفكار والآراء والطّبائع سببًا لزينة العالم الإنسانيّ.
    أضف إلى هذا أنّ هذا التّنوّع والاختلاف سبب لظهور الجمال والكمال، مثله في ذلك مثل التّفاوت الفطريّ والتّنوّع الخلقيّ بين أعضاء الإنسان الواقعة تحت نفوذ الرّوح وسلطانها. فإذا كانت الرّوح مسيطرة على جميع الأعضاء والأجزاء، وكان حكمها نافذًا في العروق والشّرايين كان اختلاف الأعضاء وتنوّع الأجزاء مؤيّدا للائتلاف والمحبّة وكانت هذه الكثرة أعظم قوى للوحدة.
    ولو كانت أزهار الحديقة ورياحينها وبراعمها وأثمارها وأوراقها وأغصانها وأشجارها من نوع واحد ولون واحد وتركيب واحد وترتيب واحد لما توفر لمثل تلك الحديقة أيّ رونق ولا جمال بأيّ وجه من الوجوه. أمّا إذا تعدّدت ألوانها واختلفت أوراقها وتباينت أزهارها وتنوّعت أثمارها تسبّب كلّ لون في زينة سائر الألوان وإبراز جمالها وبرزت الحديقة في غاية الأناقة والرّونق والحلاوة والجمال. كذلك الحال في تفاوت الأفكار، وتنوّع الآراء والطّبائع والأخلاق في عالم الإنسان. فإنّها إذا استظلّت بظلّ قوّة واحدة، ونفذت فيها كلمة الوحدانيّة تجلّت وهي في نهاية العظمة والجمال والعلويّة والكمال.

    ولا شيء اليوم يستطيع أن يجمع عقول بني الإنسان وأفكارهم وقلوبهم وأرواحهم تحت ظلّ شجرة واحدة غير قوّة كلمة الله المحيطة بحقائق الأشياء. فكلمة الله هي النّافذّة في كلّ الأشياء. وكلمة الله هي المحرّكة للنّفوس. وكلمة الله هي الضّابطة لروابط عالم الإنسان.
    والحمد لله أن قد أشرقت اليوم نورانيّة كلمة الله على جميع الآفاق، وأن استظلّ بظلّ كلمة الوحدانيّة قبيل من كلّ الفرق والطّوائف والملل والشّعوب والقبائل والأديان، وهم مجتمعون ومتّحدون ومتّفقون وفي غاية الائتلاف.
    يا أهل العالم،
    إنّ طلوع شمس الحقيقة نورانيّة خالصة للعالم، وظهور للرّحمانيّة في مجمع بني آدم. ولهذه الشّمس نتيجة طيّبة وثمرة مشكورة. وبها تتوفّر السّنوحات لكلّ فيض. وهذه الشّمس رحمة خالصة وموهبة بحتة. ونورانيّة العالم وأهله هي الائتلاف والوئام والمحبّة والارتباط والتّراحم والاتّحاد وإزالة التّباعد وتحقيق الوحدة بين جميع من على الأرض بنهاية الحرّيّة وغاية الشّهامة. وقد تفضّل الجمال المبارك فقال: "كلّكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غضن واحد". فشبّهَ عالم الوجود بشجرة واحدة، وجميع النّاس بالأوراق والأزهار والأثمار. ولهذا وجب أن يكون الجميع – من الغصن إلى الورق إلى البراعم إلى الثّمر- في غاية الطّراوة واللّطف. وحصول هذه الطّراوة وهذا اللّطف منوط بالألفة والارتباط. لهذا يجب أن يحافظ بعضكم على بعض بغاية القوّة، ويدعو بعضكم لبعض بالحياة الأبديّة.
    ومن ثَمَّ وجب على أحبّاء الله أن يكونوا في عالم الوجود مثالاً لرحمة الرّبّ الودود، وموهبة مليك الغيب والشّهود، وينبغي لهم أن لا يلتفتوا إلى العصيان ولا الطّغيان، ولا ينظروا إلى الظّلم ولا العدوان،

    وأن ينزّهوا أبصارهم ليروا الجنس البشريّ أوراقًا وبراعم وثمارًا لشجر الوجود، وأن يحصروا فكرهم دائمًا في تقديم الخير وإبداء المحبّة والرّعاية والمودّة والعون لغيرهم. لا يرون في أحد عدوًّا، ولا يفترضون في أحد سوءًا بل يعتقدون أنّ جميع من على الأرض أصدقاء، ويعتبرون الغرباء أحبّاء، ويعدّون المجهولين معروفين. ويجب عليهم ألاّ يقيّدهم قيد، بل عليهم أن يتخلّصوا من كلّ رباط.
    إنّ المقرّب اليوم لدى باب الله ذي الكبرياء لهو الشّخص الّذي يقدّم للأعداء كأس الوفاء، ويبذل لهم العطاء، ويعين العاجز المظلوم، ويحوّل الخصم اللّدود إلى وليّ ودود.
    تلك هي وصايا جمال المبارك، تلك هي نصائح الاسم الأعظم!
    أيّها الأحبّاء الأعزّاء!
    إنّ العالم في حرب وجدال. والنّوع الإنسانيّ في غاية الخصومة والوبال. أحاطت ظلمة الجفاء، واستترت نورانيّة الوفاء. إذ أنشبت جميع ملل العالم مخالبها الحادّة في رقاب بعضها البعض، وما زالت تتنازع وتتقاتل، بحيث تزعزع بنيان البشريّة وتزلزل. فكم من نفوس باتت شريدة بلا مأوى ولا وطن. وآلاف مؤلّفة من الرّجال يسقطون- كلّ عام- على الغبراء صرعى في ميادين الحرب والقتال مضرّجين بدمائهم، حتّى لقد طويت خيمة السّعادة والحياة وما زال القادة يتزعّمون ويقودون ويفتخرون بسفك الدّماء ويتباهون بإثارة الفتن. يقول قائل منهم: لقد حكّمت السّيف في رقاب هذه الأمة. ويقول ثانٍ: لقد سوّيت بالتّراب هذه المملكة. ويقول ثالث: لقد اقتطعت تلك الدّولة من أساسها. ذلك مدار فخرهم ومباهاتهم بين الجنس البشريّ. لقد أصبح الصّدق والصّداقة –في جميع الجهات- مذمومين، وأصبح الأمن وعبادة الحقّ مقدوحين. وإنّ منادي الصّلح والصّلاح والمحبّة والسّلام

    لهو دين الجمال المبارك الّذي ضرب في قطب الوجود خيمته، ويدعو إلى نفسه الأقوام.
    فيا أحبّاء الله! اعرفوا قدر هذا الدّين المتين، واعملوا في الحياة بموجبه، وأظهروه للخلائق أجمعين. وأنشدوا بألحان الملكوت، وانشروا تعاليم الرّب الودود ووصاياه، حتّى تصبح الدّنيا غير الدّنيا، ويستنير العالم الظّلماني، وتسري في جسد الخلق الميت روح حياة جديدة وتلتمس كلّ نفس لأختها الحياة الأبديّة وتتحوّل إلى نفس رحمانيّة.
    إنّ الحياة في هذا العالم الفاني تنتهي في مدّة قصيرة، وتفنى العزّة والثّروة، وتزول الرّاحة والسّرور التّرابيّان. فنادوا الخلق إلى الخالق، وادعوا النّاس إلى سلوك الملأ الأعلى. كونوا للأيتام أبًا عطوفًا، وللمساكين ملجأً وملاذًا، وللفقراء كنز الغنى وللمرضى الدّواء والشّفاء. كونوا معين كلّ مظلوم، ومجير كلّ محروم. واحصروا فكركم في تقديم الخدمة لكلّ إنسان. ولا تلقوا بالاً إلى الإعراض ولا الإنكار ولا الاستكبار؛ ولا تأبهوا للظّلم ولا العدوان. بل على النّقيض! عاملوا النّاس وكونوا عطوفين عطفًا حقيقيًّا لا صوريًّا ولا ظاهريًّا. ويجب على كلّ فرد من أحبّاء الله أن يحصر فكره في أن يكون رحمة الرّﺤﻤن وموهبة المنّان، فما اتّصل بأحد إلاّ قدّم له الخير والمنفعة، وكان سببًا لتحسين الأخلاق وتعديل الأفكار حتّى يشعّ نور الهداية وتحيط بالعالم موهبة الرّحمن.
    المحبّة نور يضيء في كلّ منزل، والعداوة ظلمة تأوي إلى كلّ كهف!
    فيا أحبّاء الله ابذلوا الهمّة عسى أن تزول هذه الظّلمة تمامًا فينكشف السّرّ المستور وتبدو حقائق الأشياء وتتجلّى للعيان.

    جناب البروفسور المحترم الدّكتور فورال المعظّم عليه بهاء الله الأبهى
    هو الله
    أيّها الشّخص المحترم المفتون بالحقيقة.
    وصلت رسالتك المؤرّخة في الثّامن والعشرين من تمّوز 1921 وكانت مضامينها الطّيّبة دليلاً على أنّك ما زلت شابًّا تتحرّى الحقيقة وأنّ قواك الفكريّة شديدة واكتشافاتك العقليّة ظاهرة. إنّ الرّسالة الّتي كتبتها للدّكتور فيشر قد انتشرت ويعرف الجميع أنّها كتبت سنة 1910 وفضلاً عن هذه الرّسالة فقد كتبت رسائل متعدّدة بهذا المضمون قبل الحرب وقد أشير إلى هذه المسائل كذلك في جريدة جامعة سان فرانسيسكو وتاريخ تلك الجريدة يعرفه الجميع وكذلك الخطابة الّتي ألقيتها في الجامعة فيها الثّناء على الفلاسفة بعيدي النّظر في منتهى البلاغة وإنّا لنرسل إليكم نسخة من تلك الجريدة مع هذه الرّسالة.
    هذا وإنّ مؤلفاتكم لا شكّ مفيدة لهذا نرجو إذا ما طبعت أن ترسلوا لنا نسخة من كلّ واحد منها.
    إنَّ المقصود بالطّبيعيّين الّذين ذكرت عقائدهم حول مسألة الألوهيّة هم فئة من الطّبيعيّين ضيّقي النّظر عبدة المحسوسات المقيّدون بالحواس الخمس والّذين عندهم ميزان الإدراك هو ميزان الحسّ فقد اعتبروا المحسوس محتومًا وغير المحسوس معدومًا أو مشبوهًا حتّى إنّهم يعتبرون وجود الألوهيّة أمرًا مشكوكًا فيه بصورة كلّيّة وليس هذا رأي جميع الفلاسفة بصورة عامّة كما ذكرتم بل المقصود هم قصيرو النّظر من الطّبيعيّين أمّا الفلاسفة الإلهيّون أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو فإنّهم جديرون بالاحترام ويستحقّون أقصى الثّناء لأنّهم قدّموا خدمات فائقة إلى العالم الإنسانيّ وكذلك الفلاسفة الطّبيعيّون المعتدلون

    الجهابذة ونحن نعتبر العلم والحكمة أساس ترقّي العالم الإنسانيّ ونثني على الفلاسفة ذوي النّظر البعيد فأمعنوا النّظر في جريدة سان فرانسيسكو حتّى تتجلّى لكم الحقيقة.
    أمّا القوى العقليّة فهي من خصائص الرّوح كالشّعاع الّذي هو من خصائص الشّمس فأشعّة الشّمس هي في تجدّد مستمرّ ولكنّ نفس الشّمس باقية دون تغيير لاحظوا أنّ العقل الإنسانيّ في تزايد وتناقص ولربّما يزول العقل تمامًا ولكنّ الرّوح على حالة واحدة وأنّ ظهور العقل منوط بسلامة الجسم فالجسم السّليم فيه عقل سليم لكنّ الرّوح غير مشروطة بهذا الشّرط فالعقل يدرك ويتصوّر بقوّة الرّوح ولكنّ الرّوح قوّة طليقة والعقل يدرك المعقولات بواسطة المحسوسات لكنّ الرّوح لها انكشافات غير محدودة فالعقل محدود في دائرة والرّوح غير محدودة والعقل له إدراكات بواسطة قوى الحسّ مثل قوّة البصر وقوّة السّمع وقوّة الذّوق وقوّة الشّم وقوّة اللّمس لكنّ الرّوح حرّة طليقة كما تلاحظون أنّها تسير في حالتي اليقظة والنّوم ولربّما حلّت في عالم الرّؤيا مسألة من المسائل الغامضة الّتي كانت عند اليقظة مسألة مجهولة ويتعطّل العقل عن الإدراك بتعطّل الحواس الخمس والعقل مفقود تمامًا في حالة الجنين وحالة الطّفولة ولكنّ الرّوح في نهاية القوّة.
    وخلاصة القول إنّ هناك أدلّة كثيرة على بقاء قوّة الرّوح بفقدان العقل. ولكنّ الرّوح لها مراتب ومقامات فهناك روح جماديّة ومن المسلّم به أنّ الجماد له روح وله حياة ولكنّه في حدود عالم الجماد كما اتّضح هذا السّرّ المجهول للطّبيعيّين وهو أنّ جميع الكائنات لها حياة كما قال تعالى في القرآن الكريم "وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ" وكذلك في عالم النّبات هناك قوّة النّمو وقوّة النّمو هي الرّوح وفي عالم الحيوان هناك قوّة الحسّ ولكن عالم الإنسان فيه قوّة محيطة وفي جميع هذه المراتب المذكورة ترى العقل مفقودًا لكنّك ترى ظهور الرّوح

    وبروزها وأنّ قوى الحسّ لا تدرك الرّوح لكنّ القوّة العاقلة تستدلّ على وجودها وكذلك يستدلّ العقل على وجود حقيقة غير مرئيّة ومحيطة بالكائنات ولها ظهور وبروز في كلّ مرتبة من المراتب لكنّ حقيقتها فوق إدراك العقول. فرتبة الجماد لا تدرك حقيقة النّبات والكمال النّباتيّ وكذلك النّبات لا يستطيع إدراك حقيقة الحيوان. والحيوان لا يستطيع إدراك حقيقة الإنسان الكاشفة الّتي تحيط بسائر الأشياء. والحيوان أسير للطّبيعة ولا يتجاوز عن قوانين الطّبيعة ونواميسها لكن ثمّة قوّة كاشفة في الإنسان محيطة بالطّبيعة تحطّم قوانينها. فمثلاً إنّ جميع الجمادات والنّباتات والحيوانات أسيرة للطّبيعة، وهذه الشّمس على عظمتها أسيرة للطّبيعة إلى درجة لا إرادة لها مطلقًا ولا تستطيع أن تتجاوز عن قوانين الطّبيعة قيد شعرة. وكذلك سائر الكائنات من الجماد والنّبات والحيوان لا يستطيع أيّ واحد منها أن يتجاوز عن قوانين الطّبيعة بل إنّها جميعها أسيرة للطّبيعة ولكنّ الإنسان ولو أنّ جسمه أسير للطّبيعة ولكنّ روحه وعقله طليقان وحاكمان على الطّبيعة. لاحظوا الإنسان تروه مخلوقًا ترابيًّا متحرّكًا ذا روح لكنّ روح الإنسان وعقله يكسران قانون الطّبيعة فيصبح طيرًا ويطير في الهواء أو يشقّ صفحات البحار بكمال السّرعة ويسير في أعماق البحار كالأسماك ويقوم باكتشافات بحرّيّة. وهذا كسر عظيم لقوانين الطّبيعة. وكذلك القوّة الكهربائيّة فهذه القوّة العاتية العاصية الّتي تشقّ الجبل شقًّا قد حبسها الإنسان داخل زجاجة وفي هذا خرق لقانون الطّبيعة. وكذلك أسرار الطّبيعة المكنونة الّتي ينبغي أن تبقى مخفيّة بحكم الطّبيعة قد كشفها الإنسان وجاء بها من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود. وهذا كذلك خرق لقانون الطّبيعة وكذلك خواص الأشياء هي من أسرار الطّبيعة الّتي يكشفها الإنسان، وكذلك الحوادث الماضية الّتي فقدت من عالم الطّبيعة صار يكشفها الإنسان، وكذلك الحوادث المقبلة الّتي صار

    يكشفها الإنسان عن طريق الاستدلال في حين أنّها لا تزال مفقودة في عالم الطّبيعة، وأنّ المخابرة والمراسلة تنحصر بالمسافات القريبة وفقًا لقانون الطّبيعة ولكنّ الإنسان صار بتلك القوّة المعنويّة الكاشفة لحقائق الأشياء يتخابر من الشّرق إلى الغرب فهذا أيضًا خرق لقانون الطّبيعة، وكذلك الظّلّ شيء زائل وفقًا لقانون الطّبيعة ولكنّ الإنسان صار يثبت هذا الظّلّ في الزّجاج وهذا خرق لقانون الطّبيعة، فأمعنوا النّظر تروا أنّ جميع العلوم والفنون والصّناعات والاختراعات والاكتشافات كانت من أسرار الطّبيعة ويجب أن تبقى مستورة وفقًا لقانون الطّبيعة ولكنّ الإنسان بقوّته الكاشفة يخرق قانون الطّبيعة ويأتي بهذه الأسرار المكنونة من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود وهذا خرق لقانون الطّبيعة، وخلاصة القول إنّ تلك القوّة المعنويّة غير المرئيّة في الإنسان تأخذ السّيف من يد الطّبيعة وتضرب به هامة الطّبيعة، وإنّ سائر الكائنات على ما هي عليه من العظمة محرومة من هذه الكمالات، وللإنسان قوّة إرادة وشعور ولكنّ الطّبيعة محرومة من ذلك والطّبيعة مجبرة والإنسان مختار والطّبيعة تجهل الحوادث الماضيّة ولكنّ الإنسان عليم بها والطّبيعة تجهل الحوادث المستقبلة ولكنّ الإنسان بقوّته الكاشفة لعالم الطّبيعة يعلم بكلّ شيء. ولو يخطر على بال شخص سؤال بأنّ الإنسان جزء من عالم الطّبيعة وهو جامع لهذه الكمالات الّتي هي صور لعالم الطّبيعة. إذًا فالطّبيعة مالكة لهذه الكمالات لا فاقدة لها فنقول له في الجواب: "إنّ الجزء تابع للكلّ وليس من الممكن أن تكون في الجزء كمالات محروم منها الكلّ والطّبيعة هي عبارة عن الخواص والرّوابط الضّروريّة المنبعثة من حقائق الأشياء، وهذه الحقائق مهما كانت في نهاية الاختلاف ولكنّها على غاية الارتباط، وهذه الحقائق المختلفة تلزمها جهة جامعة لها تربطها جميعها ببعضها فمثلاً أركان الإنسان وأعضاؤه وأجزاؤه وعناصره في نهاية

    الاختلاف، ولكنّ الجهة الجامعة المعبّر عنها بالرّوح الإنسانيّ تربطها بعضها ببعض جميعًا ليتمّ التّعاون والتّعاضد بينها بصورة منتظمة وتتمّ جميع الأعضاء تحت قوانين منتظمة هي سبب بقاء الوجود لكنّ جسم الإنسان لا علم له بهذه الجهة الجامعة أبدًا في حين أنّه يقوم بإرادتها على إيفاء وظيفته.
    أمّا الفلاسفة فهم قسمان، ومنهم سقراط الحكيم الّذي كان يؤمن بالوحدانيّة الإلهيّة وببقاء الرّوح بعد الموت. ولمّا كانت عقيدته تخالف آراء العوام ضيّقي النّظر لذا فقد أشربوه السّمّ. وعندما نَظَرَ جميع الفلاسفة الإلهيّين والعقلاء والعلماء إلى هذه الكائنات الّتي لا نهاية لها لاحظوا أنّ نهاية هذا الكون الأعظم تنتهي إلى عالم الجماد وتنتهي نهاية عالم الجماد إلى عالم النّبات وتنتهي نهاية عالم النّبات إلى عالم الحيوان وتنتهي نهاية عالم الحيوان إلى عالم الإنسان، وأنّ هذا الكون الوسيع الّذي لا نهاية له تنتهي نهايته إلى الإنسان، وهذا الإنسان بعد أيّام المحن والآلام الّتي تتناهى في النّشأة الإنسانيّة يتلاشى ويزول دون أثر أو ثمر. وإذا كان الأمر كذلك فإنّ هذا الكون الّذي لا يتناهى مع جميع كمالاته ينتهي إلى اللّغو والهذيان دون أيّة نتيجة. إذن أيقنوا على أنّ الأمر ليس كذلك ولن ينتهي هذا المصنع على ما هو عليه من العظمة والشّوكة المحيّرة للعقول وعلى ما هو عليه من هذه الكمالات إلى الهذيان. ومن المؤكّد أنّ هناك نشاة أخرى، فكما أنّ عالم النّبات ليس له خبر عن نشاة عالم الإنسان فكذلك نحن لا خبر لنا عن تلك النّشأة الكبرى بعد النّشأة الإنسانيّة، ولكن عدم الاطّلاع ليس بدليل على عدم الوجود، وكما أنّ عالم الجماد لا خبر له تمامًا عن عالم الإنسان ويستحيل عليه إدراكه فإنّ عدم إدراكه ليس بدليل على عدم الوجود. وهناك دلائل قاطعة متعدّدة على أنّ هذا العالم غير المتناهي لا ينتهي إلى الحياة الإنسانيّة. أمّا حقيقة الألوهيّة فهي في الواقع حقيقة مجرّدة

    تجرّدًا حقيقيًّا فهذا يعني أنّ إدراكها مستحيل لأنّ كلّ ما يقع تحت التّصوّر إنّما هو حقيقة محدودة لا حقيقة غير متناهية ومحاط وليس بمحيط ويكون إدراك الإنسان فائقًا عليه ومحيطًا به. ومن المؤكّد كذلك أنّ التّصوّرات الإنسانيّة حادثة لا قديمة ولها وجود ذهنيّ لا وجود عينيّ وفضلاً عن هذا فإنّ تفاوت المراتب في حيّز الحدوث مانع للإدراك إذن فكيف يدرك الحادث الحقيقة القديمة؟ وكما قلنا إنّ تفاوت المراتب في حيّز الحدوث مانع للإدراك فالجماد والنّبات والحيوان لا خَبَرَ لها عن قوى الإنسان العقليّة الكاشفة لحقائق الأشياء ولكنّ الإنسان مطّلع على هذه المراتب جميعها فكلّ مرتبة عالية محيطة بالمرتبة الدّانية وكاشفة لحقيقتها ولكنّ المرتبة الدّانية لا خَبَرَ لها بالمرتبة العالية ومستحيل عليها الاطّلاع عليها.
    لهذا فالإنسان لا يستطيع أن يتصوّر حقيقة الألوهيّة ولكنّه يعتقد بحقيقة حضرة الألوهيّة عن طريق القواعد العقليّة والنّظريّة والمنطقيّة والاستنتاجات الفكريّة والاكتشافات الوجدانيّة ويكشف الفيوضات الإلهيّة ويوقن بأنّ حقيقة الألوهيّة مهما كانت غير مرئيّة ومهما كان وجود الألوهيّة غير محسوس فإنّ هناك أدلّة قاطعة إلهيّة تحكم بوجود تلك الحقيقة غير المرئيّة. لكن تلك الحقيقة كما هي، مجهولة النّعت فمثلاً المادّة الأثيريّة موجودة ولكنّ حقيقتها مجهولة وهي محتومة بآثارها والحرارة والضوء والكهرباء هي تموّجاتها، ومن هذه التّموّجات يثبت وجود المادّة الأثيريّة. ونحن عندما ننظر إلى الفيوضات الإلهيّة نوقن بوجود الألوهيّة، فمثلاً نلاحظ أنّ وجود الكائنات عبارة عن تركيب العناصر الفرديّة وأنّ فناء الكائنات عبارة عن تحليل عناصرها لأنّ التّحليل سبب تفريق العناصر الفرديّة. إذن فنحن عندما ننظر إلى تركيب العناصر نشاهد أنّ كائنًا من الكائنات جاء للوجود من كلّ تركيب وأنّ الكائنات غير متناهية وأنّ المعلولات غير متناهية إذن فكيف تصبح العلّة فانية؟

    إنّ التّركيب ينحصر في ثلاثة أقسام لا رابع لها: تركيب تصادفيّ وتركيب إلزاميّ وتركيب إراديّ. أمّا تركيب عناصر الكائنات فليس تركيبًا تصادفيًّا لأنّ المعلول لا يأتي للوجود بدون علّة، ثمّ إنّ تركيب عناصر الكائنات ليس تركيبًا إلزاميًّا لأنّ التّركيب الإلزاميّ هو ذاك التّركيب الّذي ينتج من اللّوازم الضّروريّة للأجزاء المركّبة واللّزوم الذّاتيّ لأيّ شيء لا ينفكّ عنه النّور الّذي يظهر الأشياء وكذلك الحرارة الّتي تمدّد العناصر وشعاع الشّمس هما من لوازم الشّمس الذّاتيّة. وعلى هذه الصّورة يكون تحليل كلّ تركيب مستحيلاً لأنّ اللّزوم الذّاتيّ لا ينفكّ عن كلّ كائن. والآن بقي النّوع الثّالث من التّركيب وهو التّركيب الإراديّ وهو أن تكون فيه قوّة غير مرئيّة يسمّونها القدرة القديمة هي السّبب في تركيب هذه العناصر ويحصل من كلّ تركيب كائن من الكائنات. وأمّا الإرادة والعلم والقدرة والصّفات القديمة الّتي نعتبرها من كمالات تلك الحقيقة اللاّهوتيّة هي من مقتضيات آثار وجوده في حيّز الشّهود وليست الكمالات الحقيقيّة للألوهيّة المطلقة الّتي لا يمكن إدراك كنهها. فمثلاً عندما نلاحظ في الكائنات كمالات غير متناهية وندرك أنّ الكائنات على شأن كبير من الانتظام والكمال نقول إنّ تلك القدرة القديمة الّتي نسب إليها وجود هذه الكائنات قوّة ليست جاهلة إذن فهي عالمة وهي لا شكّ غير عاجزة إذن فهي قديرة وهي لا شكّ غير فقيرة إذن فهي غنيّة وهي لا شكّ غير معدومة إذن فهي موجودة.
    وخلاصة القول إنّ هذه النّعوت الّتي نحسبها لتلك الحقيقة الكلّيّة هي مجرد سلب النّقائص عنها لا ثبوت للكمالات الّتي يتصوّرها الإنسان في حيّز إدراكه ولهذا نقول إنّها مجهولة النّعت. والخلاصة أنّ تلك الحقيقة الكلّيّة مع جميع نعوتها وأوصافها الّتي نحصيها مقدّسة ومنزّهة عن العقول والإدراكات، ولكنّنا عندما ننظر في هذا الكون غير المتناهي نظرة شاملة دقيقة نلاحظ أنّ الحركة والمتحرّك

    أشياء مستحيلة بدون المحرّك وأنّ المعلول ممتنع ومحال بدون العلّة وأنّ كلّ كائن من الكائنات قد يكون تحت تأثير مؤثّرات عديدة متفاعلة بعضها مع بعض دائمًا، وتلك المؤثّرات حصلت كذلك بتأثير مؤثّرات أخرى فمثلاً النّبات حصل بفيض سحابة الرّبيع وتمّ إنباته ولكن السّحابة نفسها حصلت من تدابير مؤثّرات أخرى وتلك المؤثّرات كذلك من تأثير مؤثّرات أخرى فمثلاً النّباتات والحيوانات نشأت ونمت من عنصري النّار والماء اللّذين يسمّيهما فلاسفة هذه الأيّام باسمي الأوكسيجين والهيدروجين، أي أنّها وجدت من تربية وتأثير هذين المؤثّرين ونفس هذين العنصرين هما تحت تأثير مؤثّرات أخرى، وكذلك سائر الكائنات لها هذا التّسلسل من المؤثّرات والمتاثّرات. ومن الثّابت بالبراهين بطلان التّسلسل إذن فلا بدّ أن تنتهي هذه المؤثّرات والمتاثّرات إلى الحيّ القدير الّذي هو الغنيّ المطلق والمقدّس عن المؤثّرات. وتلك الحقيقة الكلّيّة غير محسوسة وغير مرئيّة ويجب أن تكون كذلك لأنّها محيطة لا محاطة. ومثل هذه الأوصاف صفات للمعلول لا للعلّة وعندما ندقّق النّظر نلاحظ أنّ الإنسان كالميكروب الصّغير الموجود في الفاكهة، فتلك الفاكهة وجدت من برعم والبرعم نبت من الشّجرة والشّجرة نشأت ونمت من مادّة سائلة وتلك المادّة السّائلة حصلت من التّراب والماء. ولكن كيف يستطيع هذا الجرثوم الصّغير أن يدرك حقائق ذلك البستان ويفهم البستانيّ ويدرك حقيقة ذلك البستانيّ ومن الواضح أنّ هذا مستحيل. ولكنّ ذلك الميكروب لو كان ذكيًّا لفهم أنّ هذا البستان وهذه الشّجرة وهذا البرعم وهذه الثّمرة لم تحصل بهذا الانتظام والكمال من نفسها لنفسها. وبمثل هذا يوقن الإنسان العاقل الذّكيّ أنّ هذا الكون الّذي لا نهاية له لم يحصل بهذه العظمة والانتظام من نفسه لنفسه، وكذلك وجدت القوى غير المرئيّة في حيّز الإمكان ومنها القوّة الأثيريّة وهي كما مرَّ ذكره غير محسوسة وغير مرئيّة ولكنّها

    ظاهرة ثابتة من آثارها أي من تموّجات ومن اهتزازات الضّوء والحرارة والكهرباء، وكذلك قوّة النّمو وقوّة الإحساس وقوّة العقل وقوّة التّفكير وقوّة الحفظ وقوّة التّخيّل وقوّة الكشف. فهذه القوى المعنويّة كلّها غير مرئيّة وغير محسوسة ولكنّها ظاهرة ثابتة بآثارها.
    وأمّا القوّة غير المحدودة فإنّ نفس المحدود دليل على وجود غير المحدود لأنّ المحدود ولا شكّ يعرف بغير المحدود، كما أنّ نفس العجز دليل على وجود القدرة ونفس الجهل دليل على وجود العلم ونفس الفقر دليل على وجود الغنى فلو لم يكن الغنى لما كان الفقر أيضًا ولو لم يكن العلم لما كان الجهل ولو لم يكن النّور لما كانت الظّلمة فنفس الظّلمة دليل على النّور لأنّ الظّلمة هي عدم النّور. أمّا الطّبيعة فهي عبارة عن الخواص والرّوابط الضّروريّة المنبعثة من حقائق الأشياء وهذه الحقائق غير متناهيّة ومهما كانت في منتهى الاختلاف في ما بينها لكنّها في غاية الائتلاف وفي أقصى الارتباط من جهة أخرى. وعندما توسّع نظرتك وتلاحظ ملاحظة دقيقة توقن أنّ كلّ حقيقة هي من اللّوازم الضّروريّة لسائر الحقائق. إذًا فيستلزم هذا وجود جهة جامعة لارتباط هذه الحقائق المختلفة وائتلافها حتّى يوفي كلّ جزء من أجزاء الكائنات وظيفته بمنتهى الانتظام. فمثلاً لاحظوا الإنسان واستدلّوا من الجزء على الكلّ لاحظوا هذه الأعضاء والأجزاء المختلفة في الهيكل الإنسانيّ تروا ما أعظم ارتباطها وائتلافها بعضها ببعض وكلّ جزء هو من اللّوازم الضّروريّة لسائر الأجزاء وله وظيفة مستقلّة، ولكنّ الجهة الجامعة وهي العقل يربطها جميعًا ربطًا بدرجة تفي بوظائفها وفاءً منتظمًا ويحصل التّعاون والتّعاضد والتّفاعل بينها، وأنّ حركتها جميعًا تحت قوانين هي من اللّوازم الوجوديّة لها. فإذا حصل في تلك الجهة الجامعة الّتي هي مدبّرة لهذه الأجزاء خلل وفتور فلا شكّ أن تحرم الأعضاء والأجزاء من إيفاء وظائفها إيفاءً منتظمًا ومع أنّ تلك القوّة

    الجامعة في الهيكل الإنسانيّ غير محسوسة وغير منظورة وحقيقتها مجهولة ولكنّها من حيث الآثار ظاهرة باهرة بكلّ قوّة. إذن ثبت واتّضح أنّ هذه الكائنات غير المتناهية في العالم العظيم كلّ واحد منها يتوفّق في أداء وظيفته عندما يكون تحت إدارة حقيقيّة كلّيّة حتّى ينتظم هذا العالم. وخذ مثلاً التّفاعل والتّعاضد والتّعاون بين الأجزاء المكوّنة للوجود الإنسانيّ فإنّ هذا شيء مشهود لا يقبل النّكران لكنّ هذا التّفاعل والتّعاضد والتّعاون غير كافٍ بل يحتاج جهة جامعة تدير هذه الأجزاء وتدبّرها حتّى تقوم هذه الأجزاء المركّبة بإيفاء وظائفها اللاّزمة بالتّعاون والتّفاعل والتّعاضد إيفاءً منتظمًا. وأنتم ولله الحمد مطّلعون على أنّ بين جميع الكائنات تفاعلاً وتعاضدًا كلّيًّا وجزئيًّا ولكنّ التّفاعل بين الكائنات العظيمة واضح وضوح الشّمس ولو أنّ التّفاعل مجهول بين الكائنات الجزئيّة ولكنّ الجزء قياس للكلّ إذن فجميع هذه التّفاعلات مرتبطة بقوّة محيطة هي المحور والمركز والمحرّك لهذه التّفاعلات. وكما قلنا إنّ التّعاون والتّعاضد بين أجزاء الهيكل الإنسانيّ شيء ثابت وإنّ هذه الأعضاء والأجزاء تخدم جميع الأعضاء والأجزاء الأخرى فمثلاً اليد والقدم والعين والأذن والفكر والتّصوّر تساعد جميع الأعضاء والأجزاء لكنّ جميع هذه التّفاعلات ترتبط بقوّة واحدة غير مرئيّة محيطة بها تحصل هذه التّفاعلات بصورة منتظمة وتلك هي القوّة المعنويّة في الإنسان وهي عبارة عن الرّوح والعقل وهي غير مرئيّة. وكذلك لاحظوا المعامل والمصانع تروا تفاعل جميع الآلات والأدوات وارتباطها بعضها ببعض ولكنّ جميع هذه الرّوابط والتّفاعلات مرتبطة بقوّة عموميّة هي المحرّك والمحور والمصدر لهذه التّفاعلات وتلك القوّة هي قوّة البخار أو مهارة العامل. إذن اتضح وتحقّق أنّ التّفاعل والتّعاضد والارتباط بين الكائنات هو تحت إدارة وإرادة قويّة محرّكة واحدة هي المصدر والمحرّك والمحور للتّفاعل بين الكائنات وكذلك

    كلّ تركيب وترتيب لا نراه مرتّبًا ومنظّمًا نسمّيه تركيبًا تصادفيًّا ونسمي كلّ تركيب وترتيب منظّم ومرتّب وفي منتهى الكمال في الارتباط أي يقع كلّ جزء منه في موقع ضروريّ لسائر الأشياء نسمّيه تركيبًا تركّب وترتّب بإرادة وبشعور. ولا شكّ أنّ هذه الكائنات غير متناهية وأنّ تركيب هذه العناصر الفرديّة الّتي انحلّت في صور غير متناهية صدر عن حقيقة ليست فاقدة الشّعور ولا مسلوبة الإرادة. وهذا شيء ثابت وواضح لدى العقل وليس هناك مجال للإنكار ولكنّ مقصودنا هو أنّنا أدركنا تلك الحقيقة الكلّيّة عن طريق الصّفات ولكنّنا لم ندرك الحقيقة ذاتها ولا صفاتها الحقيقيّة ومع هذا نقول إنّ هذه الكائنات غير متناهية وهي روابط ضروريّة وإنّ هذا التّركيب التّام الكامل غير صادر عن مصدر فاقد للإرادة والشّعور وإنّ هذا التّركيب غير المتناهي الّذي انحلّ في صور غير متناهية مبنيّ على حكمة كلّيّة وهذه قضيّة غير قابلة للنّكران اللّهم إلا أنّ يقوم الإنسان على إنكار المعاني الواضحة الباهرة بالعناد واللّجاج ويكون مصداق الآية الكريمة "صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون".
    أمّا القول بأنّ القوى العقليّة والرّوح الإنسانيّ شيء واحد فإنّ القوى العقليّة من خصائص الرّوح مثل قوّة التّخيّل ومثل قوّة التّفكير ومثل القوّة المدركة فهي من خصائص الحقيقة الإنسانيّة كما أنّ شعاع الشّمس من خصائص الشّمس والهيكل الإنسانيّ بمثابة مرآة والرّوح بمثابة الشّمس والقوى العقليّة بمثابة الأشعّة الّتي هي فيض من فيوضات الشّمس ولربما تنقطع الأشعّة عن المرآة وتنفكّ عنها لكنّ أشعّة الشّمس لا تنفكّ عن الشّمس. وخلاصة القول إنّ مقصودنا هو أنّ العالم الإنسانيّ بالنّسبة لعالم النّبات كنسبة عالم ما وراء الطّبيعة إلى عالمنا وفي الحقيقة لا نسبة له بما وراء الطّبيعة ولكنّ حقيقة الإنسان وقوّة سمعه وبصره بالنّسبة للنّبات هي بمثابة ما وراء الطّبيعة ومن المستحيل

    على النّبات أن يدرك حقيقة الإنسان وماهيّة القوّة العاقلة وكذلك يستحيل على البشر إدراك حقيقة الألوهيّة وحقيقة نشأة الحياة بعد الموت. لكنّ فيوضات الحقيقة الرّحمانيّة تشمل جميع الكائنات ويجب على الإنسان أن يفكّر ويتأمّل في الفيوضات الإلهيّة الّتي منها الرّوح لا في حقيقة الألوهيّة فإنّ هذا منتهى إدراكات العالم الإنسانيّ وكما سبق أن ذكرنا أنّ هذه الأوصاف والكمالات الّتي نحصيها لحقيقة الألوهيّة إنّما نقتبسها من وجود الكائنات وشهودها لا أنَّنا أدركنا الحقيقة الإلهيّة. فإذا قلنا إنّ حقيقة الألوهيّة مدركة ومختارة فليس ذلك يعني أنّنا اكتشفنا إرادة الألوهيّة واختيارها بل اقتبسنا ذلك من فيوضات الألوهيّة الظّاهرة في حقائق الأشياء. أمّا مسائلنا الاجتماعيّة أي تعاليم حضرة بهاء الله الّتي انتشرت قبل خمسين سنة فإنّها جامعة لجميع المبادئ ومن الواضح أنّ نجاح العالم الإنسانيّ وفلاحه مستحيل بدون هذه التّعاليم كلّ الاستحالة وكلّ فرقة من الفرق في العالم الإنسانيّ ترى نهاية آمالها موجودة في هذه التّعاليم السّماويّة وهذه التّعاليم بمثابة شجرة تحمل جميع الأثمار بصورة أكمل وأتمّ، فمثلاً يشاهد الفلاسفة المسائل الاجتماعيّة بصورة أكمل وأتمّ في هذه التّعاليم السّماويّة وكذلك يشاهدون فيها المسائل الفلسفيّة بصورة أسمى وأشرف وبصورة مطابقة للحقيقة، وكذلك يشاهد أهل الأديان حقيقة الدّين في هذه التّعاليم السّماويّة مشاهدة العيان وتثبت لهم بالأدلّة القاطعة والحجج الواضحة أنّها العلاج الحقيقيّ لعلل وأمراض الهيئة الاجتماعيّة في العالم الإنسانيّ وعند انتشار هذه التّعاليم العظيمة تنجو الهيئة الاجتماعيّة بأسرها من جميع الأخطار والعلل والأمراض المزمنة.
    وكذلك مسألة الاقتصاد البهائيّ فهي منتهى آمال العمّال ومنتهى مقصود الأحزاب الاقتصاديّة والخلاصة أنّ جميع الأحزاب تنال نصيبها من تعاليم حضرة بهاء الله وعندما تعلن هذه التّعاليم في الكنائس

    والمساجد وسائر معابد الملل الأخرى حتّى البوذيّين والكونفوشيوسيّين ونوادي الأحزاب المختلفة حتّى المادّيّين ترى الكلّ يعترفون بأنّ هذه التّعاليم سبب الحياة الجديدة للعالم الإنسانيّ وهي العلاج الفوريّ لجميع أمراض الهيئة الاجتماعيّة ولا ينتقدها أيّ إنسان بل بمجرّد الاستماع إليها تطرب النّفوس وتذعن بأهميّة هذه التّعاليم وتقول: "هذا هو الحقّ وما بعد الحقّ إلاّ الضّلال المبين".
    وفي ختام الكلام أكتب إليكم الكلمات التّالية وهي الحجّة والبرهان القاطع على الجميع فأمعنوا النّظر فيها: إنّ قوّة إرادة كلّ ملك مستقلّ تنفذ في أيّام حياته وكذلك قوّة إرادة كلّ فيلسوف تؤثّر في أيّام حياته في نفر قليل من تلامذته أمّا قوّة الرّوح القدس الظّاهرة الباهرة في حقائق الأنبياء وقوّة إرادة الأنبياء هي على شأن من النّفوذ بحيث تراها نافذة الآف السّنين في ملّة عظيمة وتراها تؤسّس خلقًا جديدًا وتنقل العالم الإنسانيّ من عالم قديم إلى عالم آخر جديد فلاحظوا أيّة قوّة هذه القوّة الخارقة للعادة فإنّه برهان وافٍ على حقيقة الأنبياء وحجّة بالغة على قوّة الوحي وعليكم البهاء الأبهى.
    حيفا 21 أيلول 1921
    عبد البهاء عبّاس
    هولندا جناب السّيّد أ.أ. دان زيدكز عليه التّحيّة والثّناء
    هو الله
    أيّها الشّخص المحترم المتحرّي عن الحقيقة إنّ الرّسالة المؤرّخة بتاريخ الرّابع من نيسان 1921 قد وصلت وتلوتها بكمال المحبّة.
    أمّا وجود الألوهيّة فثابت بالدّلائل العقليّة ولكن حقيقة الألوهيّة

    ممتنعة الإدراك لأنّكم حينما تنظرون بنظر دقيق تجدون أنّ كلّ رتبة دانية لا تدرك الرّتبة العالية فمثلاً عالم الجماد، الّذي هو في المرتبة الدّانية، يستحيل عليه إدراك عالم النّبات، ومثل هذا الإدراك ممتنع ومحال لديه وكذا عالم النّبات مهما ارتقى فلن يكون له خبر عن عالم الحيوان بل إنّ الإدراك له مستحيل عليه لأنّ الرّتبة الحيوانيّة فوق الرّتبة النّباتيّة وهذا الشّجر لا يستطيع تصوّر السّمع والبصر وإنّ عالم الحيوان مهما ارتقى لن يستطيع تصوّر حقيقة العقل الكاشف للأشياء والمدرك للحقائق غير المرئيّة لأنّ مرتبة الإنسان عالية بالنّسبة لمرتبة الحيوان ومع أنّ جميع هذه الكائنات هي في حيّز الحدوث إلا أنّ التّفاوت في المراتب مانع للإدراك فكلّ مرتبة أدنى من غيرها لا تستطيع إدراك المرتبة الأعلى منها بل إنّ ذلك مستحيل ولكن كلّ مرتبة أعلى تستطيع إدراك المرتبة الأدنى مثال ذلك الحيوان فإنّه يدرك مرتبة النّبات والجماد وكذا الإنسان يدرك مرتبة الحيوان والنّبات والجماد ولكن الجماد مستحيل عليه إدراك عوالم الإنسان وهذه الحقائق هي في حيّز الحدوث ومع ذلك لا تستطيع أيّة مرتبة أدنى من غيرها إدراك مرتبة أعلى منها ومن المستحيل ذلك إذًا فكيف يمكن أن تدرك الحقيقة الحادثة (أي الإنسان) حقيقة الألوهيّة الّتي هي حقيقة قديمة؟ وتفاوت المراتب بين الإنسان وبين حقيقة الألوهيّة هو مائة ألف مرّة أعظم من التّفاوت بين النّبات والحيوان وكلّ ما يتصوّره الإنسان هو صورة موهومة توهّمها الإنسان وهي محاطة لا محيطة أي أنّ الإنسان محيط بتلك الصّور الموهومة في حين أنّ حقيقة الألوهيّة لا يمكن الإحاطة بها بل إنّها محيطة بجميع الكائنات وإنّ الكائنات محاطة وحقيقة الألوهيّة الّتي يتصوّرها الإنسان لها وجود ذهني لا وجود حقيقيّ في حين أنّ الإنسان له وجود ذهني ووجود حقيقيّ في نفس الوقت. إذًا فالإنسان أعظم من تلك الحقيقة الموهومة الّتي يمكن تصوّرها، وكلّ ما في الأمر هو أنّ الطّير التّرابي يستطيع أن يطير ويقطع

    في طيرانه قليلاً من هذا البعد الّذي لا يتناهى، ولكنّ الوصول إلى أوج الشّمس مستحيل عليه. ولكن يجب إقامة أدلّة عقليّة أو أدلّة إلهاميّة على وجود الألوهيّة أي على قدر الإدراك الإنسانيّ.
    من الواضح أنّ جميع الكائنات مرتبط بعضها بالبعض الآخر ارتباطًا تامًّا مثل ارتباط أعضاء الهيكل الإنسانيّ فكما أنّ أعضاء وأجزاء الهيكل الإنسانيّ مرتبط بعضها بالبعض الآخر فكذلك يكون ارتباط أجزاء هذا الكون اللاّمتناهي ببعضها على هذا النّحو فمثلاً القدم والرّجل مرتبطتان بالسّمع والبصر ويجب أن ترى العين حتّى تستطيع القدم أن تخطو خطوة ويجب أن تسمع الأذن حتّى ينظر البصر نظرة دقيقة وكلّ جزء من الأجزاء الإنسانيّة إذا نقص حصل النّقص والفتور في سائر الأجزاء والدّماغ مرتبط بالقلب وبالمعدة، والرّئة مرتبطة بجميع الأعضاء. وكذا بقيّة الأعضاء لكلّ منها وظيفته فالقوّة العاقلة سواء أقلنا إنّها قديمة أو قلنا إنّها حادثة إنّما هي مديرة ومدبّرة لجميع أعضاء الإنسان ليقوم كلّ عضو بوظيفته بنهاية الانتظام ولكن لو حدث خلل في تلك القوّة العقليّة فإنّ جميع الأعضاء تتوقّف عن إجراء وظائفها الأصليّة وتظهر أعراض الخلل في هيكل الإنسان وفي تصرّفات أعضائه ولا تظهر الفائدة المطلوبة.
    وكذلك لاحظوا هذا الكون الّذي لا يتناهى فلا بدّ من وجود قوّة كلّيّة فيه تكون محيطة ومديرة ومدبّرة لجميع أجزاء هذا الكون الّذي لا نهاية له ولو لم يكن هذا المدير والمدبّر موجودًا لاختلّ عالم الكون ولأصبح كالمجنون وحيث إنّكم تلاحظون أنّ هذا الكون الّذي لا يتناهى في غاية الانتظام وكلّ جزء من أجزائه يقوم بوظائفه بكلّ إتقان وليس هناك أيّ خلل فمن الواضح المشهود أنّ هناك قوّة كلّيّة موجودة هي المدبّرة والمديرة لهذا الكون الّذي لا يتناهى وأنّ كلّ عاقل يدرك هذا ثمّ إنّ جميع الكائنات ولو أنّها تنمو وتتكامل تدريجيًّا إلاّ أنّها تحت

    مؤثّرات خارجيّة، مثال ذلك الشّمس تهب الحرارة وتسقط مطرًا وتهب نسيمًا منعشًا للأرواح حتّى ينمو الإنسان ويتكامل. إذًا فقد اتّضح أنّ الهيكل الإنسانيّ هو تحت مؤثّرات خارجيّة ولا ينمو ولا يتكامل بدون

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى