منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 26 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 26 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    خطب حضرة عبد البهاء فى أوروبا وأمريكا 6

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    الوحدة
    ألقيت في يوم الجمعة الموافق 18 أيّار
    1912 في مجمع التّياصفة في نيويورك
    هو الله
    إنّني ممتن جدًّا من إحساسات جناب الرّئيس وكذلك مسرور جدًّا من إحساسات نائبة حضرته.
    إنّ مقصودنا واحد وأملنا واحد. أملنا وحدة العالم الإنسانيّ وهدفنا الصّلح العمومي. إذن فنحن في الهدف والأمل متّحدون وليست في عالم الوجود مسائل أهمّ من هاتين المسألتين لأنّ وحدة العالم الإنسانيّ سبب عزّة النّوع البشريّ وأنّ الصّلح العمومي سبب راحة جميع من على الأرض ولهذا فنحن متّحدون في هذين الهدفين وليس هناك هدف أعظم من هذه الأهداف.
    لهذا أرجو أن تحدث بين البهائيّين والتّياصفة منتهى الألفة والمحبّة لأنّ أهدافهم واحدة وآمالهم واحدة وهم مشتركون في الإحساسات الرّوحانيّة ومتّفقون في توحيد الملكوت الإلهيّ.
    في هذا اليوم لا بدّ من وجود قوّة عظيمة لإجراء هذه الأهداف الجليلة وحضراتكم تعلمون أنّ قضيّة الصّلح الأكبر قضيّة عظيمة جدًّا وأنّ جميع قوى الآفاق اليوم مخالفة لاستقرار هذا الأمر وهذه الأمم

    تظنّ أنّ الحرب سبب السّرور وتظنّ أنّ التّفرّقة سبب العزّة لأنّها تظنّ أنّه لو هجمت أمّة على أمّة وفتحت فتحًا مبينًا وغلبت على مملكة ودولة فإنّ هذا يكون سببًا في رقيّ تلك الملّة والدّولة والحال أنّ هذا خطأ محض ونستطيع أن نقيس الملل بأفراد عائلة واحدة فالعائلة تتألّف من أفراد وكلّ أمة كذلك تتألف من أفراد وأشخاص ولو اجتمعت جميع الأمم فإنّها ستكون عائلة عظيمة واحدة.
    وواضح أنّ النّزاع والجدال بين أفراد العائلة الواحدة يؤدّيان إلى فنائها. وهكذا تؤدّي الحروب إلى فناء الأمم وانهدامها.
    إنّ خلاصة منطوق جميع الكتب الإلهيّة وكلام جميع أنبياء الله وجميع عقلاء البشر هي أنّهم جميعًا متّفقون على أنّ الحرب سبب الخراب وأنّ الصّلح سبب العمران وكلّهم متّفقون على أنّ الحرب تهدم البنيان الإنسانيّ إلاّ أنّه لا بدّ من وجود قوّة عظيمة لإجراء هذا الصّلح فتمنع الحرب وتعلن وحدة العالم الإنسانيّ.
    إنّ مجرد العلم بالشّيء لا يكفي فالإنسان لا يصبح غنيًّا بمجرد أن يعلم أنّ الغنى شيء طيّب ولا يصبح عالمًا بمجرد أن يعلم أنّ العلم ممدوح ولا يصبح عزيزًا بمجرد أن يعلم أنّ العزّة مقبولة، وقس على هذا. فالعلم بالشّيء لا يكون سببًا في حصوله وأكرّر القول إنّ الإنسان لا يكسب الصحّة من مجرد علمه بفائدة الصحّة بل يحتاج إلى العلاج وإلى استعمال الأدوية وإلى طبيب حاذق مطّلع على جميع أسرار الأمراض ومطّلع على جميع العلاجات فيعطي العلاج بحكمة تامّة حتّى تحصل الصحّة الكاملة. فمجرّد معرفتنا أنّ الصحّة شيء مفيد لا يؤدّي إلى حصولنا على الصحّة بل لا بدّ من وجود عمل وجهد وقوّة.
    ثمّ إنّ حصول كلّ شيء مشروط بثلاثة شروط أوّلها العلم وثانيها الإرادة وثالثها العمل ولأجل تحقّق أيّة مسألة يجب اجتماع هذه الأمور

    الثّلاثة. فأوّل شيء يقتضي لبناء بيت هو وضع خريطة للبيت ثمّ وجود الإرادة للبناء وبعد ذلك العمل والعمل يتوقّف على الثّروة وعندئذٍ يتحقّق الأمل.
    لهذا فنحن نحتاج إلى قوّة عظيمة لتحقيق هذه الآمال وواضح أنّ هذه الآمال والمقاصد لا تتحقّق بالقوى المادّيّة فلو قلنا إنّها تتحقّق بالقوّة القوميّة فالأقوام مختلفة. ولو نقول بالقوّة الوطنيّة فالأوطان مختلفة. ولو نقول إنّ إيجاد وحدة العالم الإنسانيّ والصّلح العمومي يتحقّق بالقوّة السّياسيّة فإنّ سياسات الملوك مختلفة بسبب اختلاف منافع الدّول والملل. ولو نقول إنّ وحدة العالم الإنسانيّ تتأسّس بقوّة التّقاليد الدينيّة فإنّ هذه التّقاليد مختلفة.
    إذن فقد اتّضح أنّ جميع هذه القوّات مختلفة ومحدودة وأنّ هذا الأمر لا يمكن أن يتحقّق إلا بالقوّة المعنويّة وبالقوّة الرّوحانيّة وبالفتوحات الإلهيّة وبنفثات الرّوح القدس الّتي ظهرت في هذا القرن العظيم. وبغير هذا فإنّ هذا الهدف يبقى في حيّز القول ولا يخرج إلى حيّز العمل.
    لاحظوا التّاريخ وشاهدوا أيّ شيء وحَّد الأمم وأيّ شيء عدَّل الأخلاق العامّة وأيّ شيء سبّب رقي جميع البشر. ولو دقّقنا وحقّقنا في جميع التّواريخ لشاهدنا أنّ أساس الاتّحاد والاتّفاق كان الدّين الإلهيّ دائمًا وأنّه كان أعظم سبب لوحدة البشر ونقصد بالدّين الإلهيّ أساس الأديان الإلهيّة لا التّقاليد الموجودة في أيدي النّاس لأنّ هذه التّقاليد الموجودة الآن بين أيدي النّاس يخالف بعضها البعض الآخر ولهذا فإنّها سبب النّزاع وسبب الحرب وسبب البغضاء وسبب العداء ولكنّنا نعني أساس الأديان الإلهيّة.
    فلننظر الآن ما هي أسس الأديان الإلهيّة؟

    أوّل أساس هو وحدة الخلق وثاني أساس هو وحدة الأجناس وثالث أساس هو وحدة الأوطان ورابع أساس هو الوحدة السّياسيّة فلا تبقى بعد هذا امتيازات شخصيّة ولا امتيازات عنصريّة ولا امتيازات وطنيّة ولا امتيازات سياسيّة.
    لاحظوا لمّا ظهر حضرة المسيح جمع أممًا مختلفة وصالح بين أمم متحاربة وروّج وحدة العالم الإنسانيّ وجمع أمّة الرّومان الّتي كانت أمّة قاهرة وأمّة اليونان الّتي كانت أمّة ذات فلسفة وأمّة مصر الّتي كانت أمة متمدّنة وسائر الأمم من سريانيّين وآشوريّين وكلدانيّين وغيرهم وقد كانوا في منتهى الاختلاف والنّزاع والجدال فجمع حضرة المسيح هذه الأقوام المختلفة ورفع الاختلاف والنّزاع والجدال من بينها ولم يعمل هذا العمل بالقوّة القوميّة ولا بالقوّة الوطنيّة ولا بالقوّة السّياسيّة بل بالقوّة الإلهيّة وحقّقها بقوّة الرّوح القدس ولهذا فليس من الممكن تحقيق ذلك إلاّ بهذا الوسائط. وبغير ذلك يبقى هذا الاختلاف وهذا التّنازع إلى الأبد.
    ولكن قد يخطر على البال هذا السّؤال: من أين نأتي بالقوّة الإلهيّة وبنفثات الرّوح القدس وبالفيوضات الرّبانيّة الّتي يتوقّف عليها تحقّق هذه الأمور العظيمة؟
    في الحقيقة إنّ هذا السّؤال يخطر على البال وفي الجواب نقول فقط إنّ هذا الإله إله قديم وليس إلهًا جديدًا وإنّ سلطنة الله سلطنة قديمة وليست سلطنة جديدة وليست هذه السّلطنة سلطنة ستّة آلاف سنة. فإنّ هذا الكون لا يتناهى ولاحظوا أنّ هذا التّرتيب بهذه العظمة وهذه السّلطنة بهذه الشّوكة ليسا عمل بضعة قرون فإنّ أسماء الله وصفاته قديمة ونفس أسماء الله وصفاته تستلزم وجود الكائنات وتستلزم الخلقة وتستلزم جميع الحقائق الكونيّة. نحن نسمّي الله خالقًا. حسن

    جدًّا. إنّ الخالقيّة تتوقّف على وجود المخلوق فإن لم يكن هناك مخلوق فكيف تتحقّق خالقيّة الله؟ ونقول إنّه رازق فإذا لم يعطِ رزقًا فكيف يكون رازقًا؟ ونقول إنّه ربّ فإن لم يكن هناك مربوب فكيف يكون ربًّا؟ وإذًا فالله خالق من القديم ورازق من القديم وربّ من القديم وكان له من القديم مخلوق ومن القديم مرزوق ومن القديم مربوب. إذًا فلا شبهة في أنّ السّلطنة الإلهيّة سلطنة قديمة.
    والسّلطنة تريد الرّعيّة وتريد الجيش وتريد الخزائن والذّخائر وتريد وزراء وتريد منتدبين وهل يمكن تصوّر السّلطنة بدون مملكة وبدون رعيّة وبدون جيش وبدون وزراء؟ وأولئك الّذين يقولون إنّ هناك وقتًا لم يكن لله فيه خلق ولا كان له جيش ولا كان له رعيّة فإنّهم في الحقيقة يعزلون الله أي أنّه قد نصّب حديثًا وأنّه أسّس سرير سلطنته حديثًا. إنّ هذا كلام لا يقوله طفل رضيع ولهذا فإنّ الباري تعالى كان دائمًا خالقًا وكان رازقًا وكان محييًا وكان سميعًا وبصيرًا. وكما أنّ الذّات الإلهيّة قديمة فإنّ الفيض الإلهيّ قديم أيضًا وقد أحاطت فيوضاته من على الأرض إحاطة تامّة.
    وحيث إنّ الله غير محدود من حيث الذّات فكذلك أسماؤه وصفاته غير محدودة وحيث إنّ حقيقة الألوهيّة غير محدودة فكذلك فيضه غير محدود. والألوهيّة قديمة لا نهاية لها وكمالاته قديمة لا نهاية لها وربوبيّته قديمة لا نهاية لها فكما أنّ نفثات الرّوح القدس وهبت عالم الوجود الفيض قديمًا فكذلك فيض الرّوح القدس مستمرّ لا انتهاء له ولا نستطيع أن نقول إنّ فيضه نفد وانتهى فلو نقول إنّ فيضه ينفد فإنّ ألوهيته تنتهي أيضًا وفيض الشّمس وحرارتها شيء أبديّ وسرمديّ ولو يأتي يوم ينقطع فيه فيض الشّمس وحرارتها فإنّ الشّمس لن تعود شمسًا بل تكون شيئًا مظلمًا لأنّ الشّمس بدون حرارة وضياء ليست بشمس بل ظلمة.

    إذن فإن أردنا تحديد الفيوضات الإلهيّة فإنّنا نحدّد الله.
    وخلاصة القول اطمئنّوا بفضل الحقّ وعنايته واستبشروا بالبشارات الإلهيّة. فالإله الّذي عامل الأمم السّابقة بفضله ورحمته، والإله الّذي وهب قديمًا الرّوح الإلهيّة، والإله الّذي أعطى فيضًا أبديًّا هو مقتدر في كلّ وقت وفي كلّ زمان أن يجعل العالم الإنسانيّ مهبط أنوار الملكوت.
    لهذا فثقوا أنّ ذلك الإله الّذي أعطى قديمًا يستطيع الآن أن يعطي أيضًا وأن يظهر في هيكل الإنسان الّذي هو "صورته ومثاله".
    وذلك الإله الّذي نفث نفحة الرّوح القدس يستطيع الآن أيضًا أن ينفثها وسوف ينفثها فليس لفضله انقطاع. فهذه الرّوح سارية دائمًا وهذا فيض إلهيّ ولا يجوز أن يكون للفيض الإلهيّ من انقطاع.
    لاحظوا هل يمكن تحديد الذّرّات الجزئيّة؟ فلا يجوز في الحقيقة تحديد أيّ نوع من أنواع الكائنات وهل تستطيون أن تقولوا إنّ هذه الطّبقة الأرضيّة انتهت وليس بعدها طبقة أرضيّة أخرى وإنّ البحر قد انتهى بهذا البحر وليس هناك بعده بحر آخر؟ أو إنّ المطر انتهى بهذا المطر وليس بعد هذا مطر آخر؟ أو إنّ إشراق الشّمس انتهى وبعد هذا الإشراق لا يمكن أن تكون شمس؟ فهل يمكن هذا؟ أستغفر الله منه.
    فحينما نرى الفيض الإلهيّ مستمرًّا في الكائنات الجماديّة كيف نستطيع أن نقول إنّ ذلك الفيض الرّباني وقوّة الرّوح القدس وتلك الفيوضات الأبديّة قد انقطعت؟
    وواضح أنّ حقائق الفيوضات الإلهيّة أعظم من الجماد فبعد أن يكون جسد الإنسان مستمرًّا باستمرار النّوع الإنسانيّ فلا شكّ أن يكون روح الحقيقة مستمرًّا أيضًا لأنّه لا يمكن أبدًا أن يكون جسد النّوع مستمرًّا ولا تكون الحقيقة والرّوح مستمرّين.

    وإني لأشكر الله لوجودي في وسط جمع محترم مثل هذا، لهم إحساسات روحانيّة ويتحرّون الحقيقة، وغاية أملهم الصّلح العمومي وهدفهم خدمة العالم الإنسانيّ.
    وعندما ننظر إلى الكائنات نشاهد أنّ كلّ شيء من الأشياء له دورة في جميع المراتب فمثلاً المادّة الأثيريّة لها دورة في جميع الكائنات وفي كلّ مكان يحصل تموّج فإنّ البصر يتأثّر بذلك التّموّج ويرى نورًا وكذلك الأمر مع الفيوضات الإلهيّة فإنّ لها دورة في جميع الكائنات وهي دورة ليس لها أوّل ولا يكون لها آخر وفي كلّ زمان يحصل فيه استعداد بشريّ فإنّ ذلك الفيض الّذي لا يتناهى يظهر مرّة أخرى.
    ولهذا نرجو بعون الله وعنايته أن تجري روح الحياة هذه في جميع الكائنات وتحيي جميع البشر حتّى يصبح العالم الإنسانيّ عالمًا إلهيًّا ويصبح عالم النّاسوت مرآة عالم اللاّهوت وتتجلّى فضائل العالم الإنسانيّ وخصائله ويكشف "مثال الله وصورته" النّقاب في هذا الهيكل.
    وإنّي لأشكر حضرة الرّئيس منتهى الشّكر والرّضاء وأرجو إبلاغه عنّي احتراماتي الفائقة وأرجو أن يوفّق الكلّ إلى الرّضاء الإلهيّ وإنّي مسرور جدًّا من إحساساتكم وإحساسات النّفوس الحاضرة وإنّي أرجو دائمًا للكلّ التّأييد والتّوفيق.

    وحدانيّة الله
    ألقيت في كنيسة الموحّدين في مونتكلر بتاريخ 12 أيّار 1912
    هو الله
    أريد في هذا المجمع المحترم أن أتكلّم عن الألوهيّة.
    من الواضح أنّ الحقيقة الحادثة لا تستطيع إدراك الحقيقة القديمة. حينما نمعن النّظر في الكائنات نرى أنّ تفاوت المراتب مانع يحول دون إدراك المقامات.
    مثال ذلك عالم الجماد مهما ارتقى فإنّه لن يطّلع على عالم النّبات وعالم النّبات مهما نشأ ونما فإنّه لن يعلم شيئًا عن عالم الحيوان. وعالم الحيوان مهما ارتقى فإنّه لا يستطيع إدراك السّمع والبصر لأنّ هذا خارج عن نطاق إدراكه ومع أنّه في حيّز الوجود ولكنّه لا علم له عن عالم الإنسان لأنّ عالم الإنسان فوق مقامه ولهذا فإنّه مهما يرتقِ فلن يستطيع إدراك الحقيقة الإنسانيّة.
    إنّ تفاوت المراتب مانع عن الإدراك إذن فإنّ كلّ رتبة دانية لا تستطيع إدراك ما فوقها مع أنّ الجميع كلّهم في حيّز الخلقة سواء أكان منها الجماد أم النّبات أم الحيوان أم الإنسان مع هذا فإنّ تفاوت المراتب مانع يحول دون هذا الإدراك.
    ومثلاً هذا النّبات موجود ونحن على اطّلاع من ذلك فما السّبب

    في اطلاعنا هذا؟ السّبب هو أننا في مقام فوق مقامه لكنّ هذا النّبات لا علم له حولنا ومهما يرتقِ فإنّه لن يحيط بالسّمع والبصر وما دام تفاوت المراتب يحول في عالم الحدوث دون الإدراك إذن فكيف تستطيع الحقيقة الإنسانيّة المخلوقة والحادثة أن تدرك حقيقة الألوهيّة؟
    إنّ هذا غير ممكن، لماذا؟ لأن حقيقة الألوهيّة مقدّسة عن الإدراك. وفضلاً عن هذا إنّ كلّ ما يتصوّره الإنسان إنّما هو محاط وحقيقة الألوهيّة محيطة. فهل يمكن أن يدرك المحاط المحيط؟ فمن المستحيل أن تصبح الحقيقة الإنسانيّة محيطة وتصبح حقيقة الألوهيّة محاطة في حين أنّ الإنسان محاط وحقيقة الألوهيّة محيطة.
    إذن فما يتصوّره الإنسان عن الألوهيّة ليس من الألوهيّة في شيء لأنّ حقيقة الألوهيّة لا يمكن تصوّرها لهذا تبعث الرّحمة الكلّيّة الإلهيّة مظاهر مقدّسة وتشرق على تلك المظاهر الإلهيّة بتجلّيات غير متناهية وتجعل تلك المظاهر واسطة للفيض.
    والمظاهر المقدّسة الّتي هي الأنبياء إنّما هي بمثابة المرآة وحقيقة الألوهيّة بمثابة الشّمس تسطع في تلك المرايا بأشدّ إشراق وتستفيض المرايا من تلك الشّمس –شمس الحقيقة- لكنّ الشّمس لم تنزل من علوّها ولم تدخل في المرايا وغاية ما في الأمر أنّ المرايا في منتهى الصّفاء والقابليّة والاستعداد، والمرايا من العالم الأرضيّ، وحقيقة الألوهيّة من أفق التّقديس، ومهما أشرقت حرارة الشّمس واستفاضت منها المرايا وصارت ممثّلة لها ومتفرّعة عنها لكنّ الشّمس لم تنزل من علوّ تقديسها ولم تحلّ فيها.
    هذا وإنّ شمس الحقيقة تشرق على مرايا متعدّدة ومهما تعدّدت المرايا لكنّ الشّمس شمس واحدة والفيوضات الإلهيّة واحدة والحقيقة واحدة والنّور واحد مشرق على جميع المرايا فبعض النّاس عاشق

    للشّمس يرى تجلّياتها في كلّ مرآة ولا يتقيّد بالمرايا بل هو متقيد بالشّمس وهو يعبد الشّمس في أيّة مرآة كانت.
    أمّا الّذين ينظرون إلى المرآة وحدها فإنّهم يحرمون من مشاهدة الشّمس في مرآة أخرى فمثلاً أولئك الّذين رأوا المرآة الموسوية وآمنوا بها قد تقيّدوا بالمرآة الموسوية حين أشرقت الشّمس في المرآة المسيحيّة، لذا حرموا وخسروا في حين أنّ شمس الحقيقة كانت على أشدّ إشراقها في المرآة العيسويّة وكانت أنوارها أظهر وأبين واليهود لا يزالون حتّى الآن متمسّكين بالمرآة الموسويّة ومحرومين من مشاهدة شمس الحقيقة.
    وخلاصة القول إنّ الشّمس شمس واحدة والنّور نور واحد وهي تشرق على جميع الكائنات على السّواء ولكلّ كائن نصيب منها. إذن فعلينا نحن أن نعبد الأنوار من أيّة مرآة كانت وأن لا نكون متعصّبين لأن التّعصّب يحول دون الوصول إلى الحقيقة. وحيث إنّ الإشراق واحد لذا يجب أن تستفيض الحقائق الإنسانيّة من نور واحد وذلك الإشراق الواحد هو قوّة جامعة تجمع الجميع.
    لقد أنارت في هذا القرن النّورانيّ شمس الحقيقة جميع البشر فجعلت العيون بصيرة وجعلت الآذان سميعة وأحيت النّفوس ونحن كذلك يجب أن نكون على جانب عظيم من الألفة لأنّ الكلّ مستفيضون من شمس واحدة وأشرقت أنوار شمس واحدة على الجميع لعلّ يزول هذا النّزاع الّذي دام ستة آلاف سنة لعلّ تزول هذه المذابح ولعلّ تزول هذه التّعديات والعداوات من بيننا فيشرق نور محبّة الله ويرتبط بعضنا ببعض ليستريح كلّنا في ظلّ وحدة العالم الإنسانيّ ونأوي إلى ظلّ راية الصّلح الأكبر ونكون رحماء رؤوفين بجميع البشر.
    يا إلهنا الرّؤوف الكريم الرّحيم إنّا عبيد عتبتك وكلّنا في ظلّ

    وحدانيّتك وإنّ شمس رحمتك مشرقة على الكلّ وسحاب عنايتك يمطر على الكلّ وألطافك شاملة للكلّ وفضلك رازق لكلّ وإنّك حافظ للكلّ وناظر إلى الكلّ بنظرة المكرمة يا ربّنا اشملنا ألطافك الّتي لا تتناهى وأشعل نور الهداية وأنر العيون وامنح القلوب سرورًا أبديًّا وهبها روحًا جديدًا وحياةً أبديّةً وافتح أبواب العرفان وليسطع نور الإيمان ووحّد الكلّ في ظلّ عنايتك واجعل الجميع متّفقين ليكونوا أنوارًا لشمس واحدة وأمواجًا لبحر واحد وأثمارًا لشجرة واحدة يشربون من عين واحدة ويهتزّون بنسيم واحد ويقتبسون أنوار واحدة إنّك أنت المعطي المقتدر الوهّاب.

    نداء وحدة العالم الإنسانيّ
    ألقيت في كنيسة كربث متوديث في نيويورك بتاريخ 13 أيّار 1912
    هو الله
    عندما ننظر إلى التّاريخ نشاهد أنّ البشر منذ بداية العالم الإنسانيّ إلى زماننا هذا كانوا في حرب وجدال فإمّا كانت الحرب بين الأديان وإمّا كانت بين الأجناس وإمّا كان النّزاع بين الدّول وإمّا بين إقليمين وكانت جميع تلك الحروب ناشئة من جهل البشر ومن سوء التّفاهم أو من عدم التّربية.
    إنّ أعظم نزاع وقتال كان بين الأديان في حين أنّ أنبياء الله جاؤوا بين البشر من أجل الألفة والاتّحاد لأنّهم كانوا رعاة لا ذئاب والرّاعي يأتي من أجل جمع الخراف لا من أجل تفريقها. فكلّ راعٍ إلهيّ من أولئك الرّعاة جمع جماعة من الأغنام المفرّقة فكان أحدهم حضرة موسى الّذي جمع أغنام أسباط إسرائيل المتفرّقة وألَّف بينها وذهب بها إلى الأرض المقدّسة فبعد تفرّقهم جمعهم ولمَّ شعثهم وصار سببًا لرقيّهم فتبدّلت بهذا ذلّتهم إلى عزّة وفقرهم إلى غنى ورذائل أخلاقهم إلى فضائل إلى درجة تأسّست سلطنة سليمان وبلغ صيت عزّتهم الشّرق والغرب.
    إذن اتّضح أنّ موسى كان راعيًا حقيقيًّا لأنّه جمع أغنام إسرائيل المتفرّقة وألَّف بينها.

    وعندما ظهر حضرة المسيح صار سببًا في جمع الأغنام المتفرّقة وفي ألفتها فجمع أغنام إسرائيل المتفرّقة مع أغنام اليونان والرّومان والكلدانيّين والسّوريّين والمصريّين وقد كانت هذه الأقوام في منتهى الجدال والقتال في ما بينها يسفك بعضها دم البعض الآخر ويمزّق بعضها البعض الآخر شان الحيوانات المفترسة. ولكنّ حضرة المسيح جمع هذه الملل ووحَّدها وألَّف بينها وهدم بناء النّزاع والجدال هدمًا تامًّا.
    إذن اتّضح أنّ الأديان الإلهيّة كانت سبب الألفة والمحبّة. وليس دين الله سبب النّزاع والجدال. فإن صار الدّين سبب الجدال والقتال فإنّ عدمه خير من وجوده لأنّ الدّين يجب أن يكون سبب الحياة فإن صار الدّين سبب الممات فلا شكّ أنّ عدمه خير من وجوده ولأصبحت اللاّدينيّة خيرًا منه لأنّ التّعاليم الدّينيّة بمثابة العلاج فإن أصبح العلاج سبب المرض فلا شكّ أنّ عدم الدّواء خير وأولى.
    وكذلك حينما كانت القبائل العربيّة في منتهى العداوة والجدال يسفك بعضها دم البعض الآخر وتنهب الأموال وتؤسر النّساء والأطفال وحينما كانت الحروب بينها مستمرّة ودائمة في صحراء الجزيرة العربيّة حيث لم تجد نفس راحة ولم يقرّ لقبيلة قرار ففي مثل هذا الوقت ظهر حضرة محمّد فجمع هؤلاء وألَّف بين القبائل المتفرّقة ووحَّدها فلم يبقَ بين العرب قتال مطلقًا وبلغوا في الرّقيّ درجة تأسّست فيها الخلافة الكبرى وتأسّست سلطنة في الأندلس.
    أمّا هذه الخلافات فقد نشأت من التّقاليد الّتي ظهرت فيما بعد فأصل الدّين واحد وهو الحقيقة وأساس الأديان إنّما هو أساس إلهيّ لا اختلاف فيه وإنّ الاختلاف ينشأ من التّقاليد. ولمّا كانت التّقاليد مختلفة لهذا صارت سببًا في الاختلاف والجدال، فلو تركت جميع أديان العالم

    تقاليدها واتّبعت أساس الدّين فإنّها تتّفق في ما بينها ولن يبقى نزاع ولا جدال لأنّ الدّين حقيقة والحقيقة واحدة لا تقبل التّعدّد.
    أمّا الامتيازات العنصريّة والاختلافات القوميّة فإنّها وهمٌ محض لأنّ النّوع البشريّ نوع واحد وكلّه جنس واحد وجميعه سلالة شخص واحد وجميعه سكّان الكرة الأرضيّة.
    ولم يكن الاختلاف العنصري في أصل الخلقة الإلهيّة فقد خلق الله خلقة بشريّة واحدة فلم يخلق واحدًا إنكليزيًّا والآخر فرنسيًّا والآخر إيرانيًّا والآخر أمريكيًّا لهذا فليس هناك اختلاف في الجنس البشريّ والكلّ أوراق شجرة واحدة وأمواج بحر واحد وأثمار شجرة واحدة ورياحين حديقة واحدة.
    لاحظوا عالم الحيوانات ليس بينها تمييز في النّوع فأغنام الشّرق ترعى مع أغنام الغرب لا ينظر بعضها البعض الآخر بعين الغرباء ولا يعتبره أجنبيًّا بل يرعى بعضها مع البعض الآخر في منتهى الألفة والوئام وليس بينها نزاع عنصريّ ولا نزاع قوميّ وكذلك الأمر في طيور الشّرق والغرب حيث نجد الحمام في منتهى الألفة والارتباط لا امتيازات قوميّة بينهم أبدًا. إنّ هذه الأمور لا تكون سببًا لوجود هذه الأوهام بين الحيوانات المجردة من الشّعور فهل يليق بالإنسان أن يتّبع مثل هذه الأوهام؟ في حين أنّه عاقل ومظهر الوداعة الإلهيّة وله قوّة مدركة وقوّة مفكّرة. ومع وجود هذه المواهب كيف يتّبع أمثال هذه الأوهام؟ فيقول أحدهم إنّني ألمانيّ ويقول الآخر إنّني إنكليزيّ ويقول الآخر إنّني إيطالي وبهذه الأوهام يتنازعون في ما بينهم ويتحاربون. فهل هذا لائق؟ لا والله. لأنّ الحيوانات لا ترضى بهذه الأوهام فكيف يرضى الإنسان بها؟ مع أنّها أوهام وخيالات محضة.
    أتجوز هذه الحروب وهذه الاختلافات الوطنيّة أو يقال هذا شرق

    وذاك غرب وهذا جنوب وذاك شمال؟ لا والله. إنّ هذه الأقوال أوهام محضة وخيالات صرفة فجميع الأرض قطعة واحدة ووطن واحد لهذا يجب أن لا يتمسّك البشر بهذه الأوهام.
    والآن جئت ولله الحمد من الشّرق وأرى هذ البلاد في منتهى العمران وهواءها في منتهى البداعة والنّقاء والنّاس في أسمى درجة من الآداب والحكومة عادلة منصفة. فهل يجوز لي أن أقول إنّ هذا ليس وطني وليس أهلاً لرعايتي واحترامي؟ كلاّ إنّ في ذلك منتهى التّعصّب.
    يجب على الإنسان أن لا يكون متعصّبًا بل يجب أن يتحرّى الحقيقة ومن المؤكّد أنّ البشر كلّهم نوع واحد وأنّ الأرض وطن واحد وقد ثبت أنّ الباعث لكلّ حرب وقتال هو وهم محض لا أساس له أبدًا.
    لاحظوا بلاد طرابلس وشاهدوا ماذا يحدث فيها نتيجة الهجوم الإيطاليّ غير المشروع وكم من مساكين يتمرّغون في دمائهم وتهلك كلّ يوم آلاف النّفوس من كلا الجانبين. وكم من أطفال باتوا بدون آباء وكم من آباء فقدوا أبناءهم وكم من أمّهات يولولن بالعويل لموت أبنائهنّ. لعمركم ما الثّمرة الّتي تُجنى من هذا؟ لا ثمرة ولا نتيجة وليس من الإنصاف أن يكون الإنسان غافلاً إلى هذه الدّرجة من الغفلة.
    لاحظوا الحيوانات الوديعة تجدوا أنّه لا حرب بينها ولا جدال فترعى آلاف الأغنام معًا وتطير آلاف الأسراب من الحمام ولا تتنازع أبدًا لكنّ الذّئاب والكلاب المفترسة في نزاع وجدال مستديم. فهي مضطرّة من أجل طعامها إلى الصّيد أمّا الإنسان فليس محتاجًا لذلك فلديه من الأطعمة والأقوات ما يكفيه ولكنّه لمجرّد الطّمع وحبّ الشّهرة والصّيت يسفك هذه الدّماء.
    وعظماء البشر في منتهى الرّاحة في قصورهم العالية مستقرّون

    ويدفعون البؤساء إلى ساحات الحروب ويخترعون كلّ يوم آلة جديدة يهدمون بها البنيان البشريّ ولا يرحمون أبدًا حال هؤلاء المساكين ولا يرثون لحال الأمّهات اللّواتي ربّين أطفالهن بكمال المحبّة وكم من ليال سهرن فيها على راحة أبنائهنّ وكم من أيّام عانين فيها المشاق من أجل تربيتهم إلى أن أوصلنهم إلى البلوغ. فهل يجوز أن ترى الأمّهات والآباء الألوف من أبنائهم تتمزّق إربًا إربًا يوم واحد؟ فأيّة وحشية هذه الوحشيّة وأيّة غفلة وجهالة هذه! وأيّة بغضاء وعداوة هذه!
    فالحيوانات المفترسة تفترس مدفوعة بطلب قوتها الضّروريّ، والذّئب يفترس في اليوم حملاً واحدًا. أمّا الإنسان عديم الإنصاف فإنّه في يوم واحد يمرّغ مائة ألف نفس في الدّماء والتّراب ويفتخر قائلاً: إنّني أصبحت بطلاً وبلغت من الشّجاعة والبأس حدًّا أهلكت فيه في يوم واحد مائة ألف ودمّرت مملكة كاملة.
    لاحظوا أنّ جهل الإنسان وغفلته بلغت إلى درجة لو يقتل إنسان شخصًا واحدًا فإنّهم يسمّونه قاتلاً ويعاقبونه بعقاب الموت أو الحبس الأبديّ ولكنّهم إذا شاهدوا إنسانًا يقتل في يوم واحد مائة ألف شخص فإنّهم يسمّونه القائد الأعظم وأشجع أهل زمانه. ولو سرق إنسان ريالاً واحدًا من أموال الآخرين فإنّهم يسمّونه خائنًا ظالمًا ولكنّه إذا أغار على مملكة كاملة ونهبها فإنّهم يسمّونه الفاتح العظيم. فما أعظم هذه الجهالة وما أشدّ هذه الغفلة!
    وخلاصة القول لقد كانت العداوات والمشاحنات في إيران بين المذاهب والأديان المختلفة في أوجها وكذلك كانت الأديان في منتهى العداوة في سائر ممالك آسيا وكان أتباع المذاهب المختلفة يسفك بعضهم دم البعض الآخر وكانت القبائل والأجناس المختلفة في حرب وجدال ونزاع وقتال مستديم وكانوا يفاخرون في قتل أبناء نوعهم. وإذا تغلّب دين على آخر نهب القوم بعضهم بعضًا وفخروا بهذا منتهى

    الفخر. ففي وقتٍ مثل هذا ظهر حضرة بهاء الله في إيران وأسّس وحدة العالم الإنسانيّ ووضع أساس الصّلح الأكبر ودعا الجميع عبادًا للرّﺤﻤﻥ والّذي هو خالق الكلّ ورازق الكلّ وهو رؤوف بالكلّ فلماذا لا نرأف ببعضنا؟ وهو رؤوف رحيم بعباده. ولماذا يكون بعضنا أعداء البعض الآخر ما دام الله يحبّ الجميع ولماذا تكون بيننا عداوة وبغضاء؟ ما دام الخالق رؤوفًا بالجميع ويرزق الجميع ويربّيهم لهذا يجب علينا نحن أيضًا أن نحبّ الجميع ونرأف بالجميع، هذه هي السّياسة الإلهيّة وعلينا نحن أن نتّبع السّياسة الإلهيّة.
    فهل يمكن أن يؤسّس البشر سياسة أحسن من السّياسة الإلهيّة؟ إنّ هذا غير ممكن أبدًا.
    إذن يجب أن نتّبع السّياسة الإلهيّة وكما أنّ الله رؤوف يعامل الجميع بالمحبّة والرّأفة فكذلك نحن يجب أن نكون رؤوفين بالجميع.
    وخلاصة القول إنّ حضرة بهاء الله وضع أساس الصّلح العام ورفع نداء وحدة العالم الإنسانيّ ونشر تعاليم الصّلح والسّلام في الشّرق وكتب في هذا الخصوص ألواحًا إلى جميع الملوك وحثَّ الكلّ على الصّلح والسّلام وأعلن للجميع أنّ عزّة العالم الإنسانيّ في الصّلح والسّلام وذلك قبل ستّين سنة.
    وبما أنّ أمره تضمّن تعاليم السّلام فقد قام ملوك الشّرق على مخالفته لأنّهم زعموا أنّ نداءه منافٍ لمصالحهم وأهوائهم وآذوه بكلّ نوع من الأذى فضربوه ضربًا مبرّحًا وحبسوه حبسًا شديدًا ونفوه إلى بلاد بعيدة ثمّ حبسوه أخيرًا في قلعة وقاموا على مقاومة أحبّائه.
    ومن أجل هذه المسألة أي مسألة ترك التّقاليد الوهميّة وتأسيس الوحدة الإنسانيّة والصّلح والاتّحاد سفكوا دم عشرين ألف نفر. فكم من أسر بدّدوها وكم من نفوس سلبوها وقتلوها.

    لكنّ أحبّاء حضرة بهاء الله لم يهنوا أبدًا وما زالوا يسعون حتّى الآن بقلوبهم منتهى السّعي ويرجون الصّلح والاتّفاق وهم قائمون على هذا الأمر الخطير اليوم قيامًا فعليًّا.
    إنّ جميع الطّوائف الّتي قبلت تعاليم حضرة بهاء الله أصبحت حماة الصّلح العام ومروّجة لوحدة العالم الإنسانيّ ولها منتهى المحبّة نحو النّوع البشريّ لأنّها تعرف أنّ الجميع كلّهم عبيد إله واحد وكلّهم من جنس واحد وسلالة واحدة وغاية ما في الأمر أنّ البعض جاهل تجب تربيته ومريض تجب معالجته وأطفال يجب تعليمهم وتلقينهم الآداب فلن يجوز اعتبار الطّفل عدوًّا ولن تجوز عداوة المريض بل تجب معالجته. وكذلك الجاهل يجب تعليمه وتربيته.
    إنّ أسّ أساس الأديان الإلهيّة هو الألفة ومحبّة البشر ولو كان الدّين الإلهيّ سبب البغضاء والعداوة فإنّه ليس دينًا إلهيًّا لأنّ الدّين يجب أن يكون الاتّحاد وسبب ترويج الألفة والوفاق.
    لكنّ مجرد معرفة الشّيء لا يكفي. فكلّنا يعرف أنّ العدل خير لكن لزم لذلك قوّة تنفيذيّة. فمثلاً لو علمنا أنّ بناء المعبد خير فإنّ مجرد العلم بهذا لا يحقّق المعبد أو يجلبه إلى حيّز الوجود بل ينبغي أن تكون هناك إرادة وعزم على البناء ثمّ تلزم الثّروة بعد ذلك. ومجرد العلم لا يكفي. وكلّنا يعلم أنّ الصّلح خير وسبب للحياة لكنّنا في حاجة إلى العمل والتّرويج له.
    وحيث إنّ هذا العصر عصر نورانيّ والاستعداد للصّلح موجود فلا بدّ أن تنتشر هذه الأفكار وتبلغ مرحلة العمل والتّنفيذ ومن المؤكّد أنّ الزمان ينشئ حماة الصّلح ويربّيهم. وهناك في جميع أقاليم العالم حماة للصّلح.
    وخلاصة القول إنّ أعظم سبب للصّلح هو أساس الأديان الإلهيّة

    ولو زال سوء التّفاهم من بين الأديان فإنّكم ستلاحظون أنّ الجميع يصبحون حماة للصّلح ومروّجين لوحدة العالم الإنسانيّ لأنّ أساس كلّ الأديان واحد وهو الحقيقة. والحقيقة لا تقبل التّعدّد والانقسام. فمثلاً إنّ حضرة موسى روَّج الحقيقة وحضرة المسيح أسّس الحقيقة وكان حضرة محمّد حاميًا للحقيقة وكان جميع الأنبياء نورًا للحقيقة وقد رفع حضرة بهاء الله راية الحقيقة وروّج الصّلح العام وتفضّل بوحدة العالم الإنسانيّ ولم يجد الرّاحة آنًا واحدًا في سجنه حتّى رفع علم الصّلح في الشّرق وإنّ جميع النّفوس الّتي قبلت تعاليمه أصبحت حامية للصّلح تنفق أرواحها وأموالها في سبيله وكما أنّ النّاس في أمريكا أصبحوا مضرب المثل في الآفاق في رقيّهم المادّيّ واشتهروا في نشر العلوم ورقيّ الصّنائع بالهمّة العالية فكذلك ينبغي أن يكونوا في غاية الغيرة في نشر الصّلح العام حتّى يؤيّدوا ويسري هذا الأمر الخطير من هذا المكان إلى سائر الجهات وإنّي لأدعو في حقّكم حتّى تتوفّقوا وتؤيّدوا في هذا.

    التّطور والتّجدّد
    الخطبة المباركة ألقيت في مؤتمر الموحّدين بمعبد ترامونت
    في بوسطن – أمريكا في 22 أيّار سنة 1912
    هو الله
    وصلت من السّفر توًّا في هذه اللّيلة وأنا متعب ومع هذا فسوف أتكلّم قليلاً لأنّني أرى جمعًا محترمًا قد حضر إلى هذا المكان وأرى لزامًا عليّ أن أتكلّم.
    لاحظوا أنّ جميع الكائنات في حركة لأنّ الحركة دليل على الوجود والسّكون دليل على الموت وكلّ كائن ترونه متحرّكًا فهو حيّ وكلّ كائن ترونه غيرمتحرّك فهو ميّت.
    إنذ جميع الكائنات في تطوّر ونموّ وليس لها سكون أبدًا ومن بين الكائنات المعقولة الدّين. فيجب إذًا أن يكون الدّين متحرّكًا، وأن ينمو يومًا فيومًا وإنّه لم يتحرك بقي خامدًا وصار ذابلاً لأنّ الفيوضات الإلهيّة مستمرّة.
    وما دامت الفيوضات الإلهيّة مستمرّة فالدّين إذًا يجب أن ينمو ويترعرع.
    وإذا دقّقتم النّظر ترون أنّ جميع الأمور قد تجدّدت لأنّ هذا القرن النّورانيّ هو قرن تجديد جميع الأشياء، فقد تجدّدت العلوم

    والفنون وتجدّدت المخترعات والمكتشفات وتجدّدت الأنظمة والقوانين وتجدّدت التّقاليد والعادات وتجدّدت الأفكار ولم يعد لعلوم القرون الماضية وقوانينها وعاداتها فائدة لأنّ هذا القرن قرن المعجزات وقرن ظهور الحقيقة وهو كالشّمس السّاطعة بين القرون الماضية.
    تأمّلوا قليلاً في العلوم فهل هناك فائدة من علوم القرون الماضية؟ أو هل هناك فائدة للقوانين الطّبية القديمة؟ أو هل للنّظم الاستبدادية القديمة من فائدة؟ فواضح أنّ كلّ واحد منها لا فائدة منه فكيف تكون هناك فائدة اليوم من تقاليد الأديان الماضية؟ تلك التّقاليد الّتي نشأت من الأوهام لا من أساس رسالات أنبياء الله. وهل يمكن اليوم أن تنتج فائدة وخاصّة لدى أولي العقل والعلم؟
    فهؤلاء يرون أنّ هذه التّقاليد ليست مطابقة للحقيقة والعلم بل هي مجرّد أوهام لهذا فقد تمسّك المادّيّون اليوم بهذه الذّريعة وصاروا يقاومون الأديان.
    ولكنّ أنبياء الله أسّسوا الدّين الحقيقيّ وهم براء من هذه التّقاليد. فهم نشروا معرفة الله وأظهروا الأدلّة العقليّة وشيّدوا صرح الأخلاق الإنسانيّة وروَّجوا فضائل العالم الإنسانيّ. وقد كانت هذه الأسس الّتي وضعها الأنبياء سبب حياة البشر وسبب نورانيّة العالم الإنسانيّ.
    ولكن وللأسف تبدّلت تلك الحقائق الّتي نشرها الأنبياء تبدّلاً كلّيًّا. ومحت تعاليمهم الّتي تحمّلوا البلايا والمحن العظيمة من أجل تنفيذها نتيجة تفشّي التّقاليد. فقد تحمّل وكابد كلّ واحد من الأنبياء محنًا وعذابًا يفوق طاقة البشر ونفي بعضهم حتّى أسّسوا الأساس الإلهيّ ولكن لم تمضِ مدّة حتّى ذهب أساس الحقيقة وحلَّت محلّه التّقاليد. وحيث إنّ التّقاليد كانت مختلفة لذا فقد صارت سبب الاختلاف والنّزاع بين البشر فانتشرت الحروب في ما بينهم.

    ولكنّ الأنبياء لا يعلمون شيئًا عن هذه التّقاليد بل هم براء منها لأنّهم واضعو أسس الحقيقة. فإذا تركت أمم العالم هذه التّقاليد اليوم وتحرّت الحقيقة فإنّها لا شكّ تتّحد وتتّفق.
    والحقيقة واحدة لا تقبل التّعدّد. والحقيقة هي نور التّوحيد وأساس وحدة العالم الإنسانيّ أمّا التّقاليد فإنّها سبب فرقة البشر ومنشأ الحرب والجدال.
    إنّ جميع الأديان الّتي تعرفونها اليوم ناشئة عن تقليد الآباء والأجداد. فالشّخص اليهوديّ أبوه يهوديّ ولذلك فهو يهوديّ أيضًا ولو كان أبوه مسيحيًّا لكان هو مسيحيًّا أيضًا. وذاك أبوه بوذيّ فأصبح هو بوذيًّا أيضًا ولو كان والده زرادشتيًّا لكان هو زرادشتيًّا أيضًا فهؤلاء الأولاد كلّهم يقلّدون آباءهم ولا يتحرّون الحقيقة أبدًا وقد بقوا تحت وطأة التّقاليد وصارت هذه التّقاليد سبب اضطراب العالم الإنسانيّ وما لم تمحَ هذه التّقاليد لا يحصل اتّحاد واتّفاق وما لم تزل هذه التّقاليد فلن تكون راحة وطمأنينة في العالم الإنسانيّ.
    إذن يجب أن تتجدّد حقيقة الأديان الإلهيّة مرّة أخرى لأنّ كلّ دين هو بمثابة حبّة نبتت ونشأت منها أغصان وأزهار وظهرت ثمارها لكنّ هذه الشّجرة أصبحت اليوم قديمة وتساقطت أوراقها وتوقّف إثمارها بل اهترأت فما الفائدة بعد هذا من التّشبّث بها. إذن يجب أن نزرع البذرة من جديد.
    وبالنّظر إلى أنّ أساس الأديان الإلهيّة واحد فإذا ترك البشر التّقاليد جانبًا اتّحدت جميع الأمم والأديان وأصبح الجميع رحماء ولم يبقَ نزاع في ما بينهم قطّ لأنّ الكلّ عبيد إله واحد والله رؤوف بالكلّ ورازق للكلّ ومحيي للكلّ ومعطي للكلّ كما يتفضّل حضرة المسيح: "إنّ الشّمس الإلهيّة تشرق على العاصي والمطيع" وهذا يعني أنّ رحمة الله عامّة وأنّ كلّ البشر في ظلّ عناية الحقّ غارقون في بحر النّعمة الإلهيّة وأنّ الفيض والموهبة الإلهيّة شاملة للكلّ.

    وقد تهيّأ للجميع طريق التّرقي اليوم. والتّرقي قسمان: جسمانيّ وروحانيّ. فالتّرقي الجسمانيّ سبب الرّاحة في الحياة الدّنيا أمّا التّرقي الرّوحانيّ فسبب عزّة العالم الإنسانيّ لأنّه يخدم العالم الإنسانيّ وعالم الأخلاق. وهكذا فالمدنيّة الجسمانيّة سبب السّعادة الدّنيويّة أمّا المدنيّة الإلهيّة فسبب العزّة الأبديّة لعموم البشر.
    وقد أسّس أنبياء الله المدنيّة الرّوحانيّة وخدموا عالم الأخلاق وبنوا الأخوّة الرّوحانيّة، والأخوّة على أنواع فهناك أخوّة عائليّة وأخوّة وطنيّة وأخوّة جنسيّة وأخوّة أدبيّة وأخوّة لغويّة ولكنّ هذه الأنواع من الأخوّة لا تؤدّي إلى إزالة التّنازع والتّقاتل بين البشر. أمّا الأخوّة الرّوحانيّة المنبعثة من الرّوح القدس فإنّها تؤدّي إلى حصول الارتباط التّام بين البشر وتقتلع جذور الحرب اقتلاعًا تامًّا وتجعل الأمم المختلفة أمّة واحدة والأوطان المتعدّدة وطنًا واحدًا لأنّها تؤسّس الوحدة وتخدم الصّلح العموميّ.
    لهذا يجب أن نعرف أساس الأديان الإلهيّة وأن ننسى هذه التّقاليد وأن ننشر حقيقة التّعاليم الإلهيّة ونعمل بموجبها حتّى تنتشر الأخوّة الرّوحانيّة العموميّة بين البشر. وإنّ هذا لن يتحقّق بغير قوّة الرّوح القدس، فالسّعادة النّاسوتيّة تتحقّق بها، والعزّة اللاّهوتيّة تتحقّق بها، والاستفاضة من الفيض الأبديّ في جميع المراتب تتحقّق بها، وإعلان الصّلح العموميّ يتحقّق بها، ووحدة العالم الإنسانيّ تتحقّق بها، وبقوّة الرّوح القدس هذه يصبح هذا القرن نورانيًّا ويتحقّق النّجاح والفلاح ويتّحد عموم البشر وتصبح جميع الأوطان وطنًا واحدًا وجميع الملل ملّة واحدة وليست هناك منقبة أرفع من هذه في العالم الإنسانيّ.
    ولله الحمد لقد ترقّت العلوم والفنون في هذا القرن وفاز النّاس بحرّيّة أكثر من ذي قبل وارتقت العدالة وأصبح هذا القرن جديرًا بالعنايات الرّبّانيّة. لقد حلّ قرن تأسيس الصّلح العموميّ ووحدة العالم الإنسانيّ.

    العلمُ نورٌ
    الخطبة المباركة ألقيت في جامعة كلارك في 23 أيّار 1912
    هو الله
    أيّها الحفل المحترم!
    إنّي في غاية السّرور لحضوري في حفل هذه الكلّيّة ولقد كنت أشتاق مشاهدة هذه الكلّيّة والحمد لله إذ تحقّق هذا الأمل.
    إنّ الكلّيّات منبع لمنافع عظيمة وإنّ العلم أعظم منقبة للعالم الإنسانيّ. يمتاز الإنسان عن الحيوان بالعقل والعلم. وبالعلم يكشف الإنسان أسرار الكائنات، وبالعلم يطّلع الإنسان على أسرار القرون الماضية وبالعلم يكشف الإنسان كوامن الأرض وبالعلم يكشف الإنسان حركات الأجرام السّماويّة العظيمة. العلم سبب العزّة الأبديّة للإنسان والعلم سبب شرف العالم الإنسانيّ، العلم سبب السّمعة والشّهرة الحسنة للإنسان والعلم يكشف أسرار الكتب السّماويّة والعلم يكشف أسرار الحقيقة والعلم يخدم عالم الحقيقة. العلم ينجّي الأديان السّابقة من التّقاليد والعلم يكشف حقيقة الأديان الإلهيّة. العلم أعظم منقبة للعالم الإنسانيّ. العلم ينجّي الإنسان من أسر عالم الطّبيعة والعلم يكسر شوكة النّواميس الطّبيعيّة.
    إنّ جميع الكائنات أسيرة للطّبيعة، فهذه الأجرام العظيمة أسيرة

    للطّبيعة وكرة الأرض بعظمتها أسيرة للطّبيعة وعوالم النّبات والأشجار والحيوان أسيرة للطّبيعة ولا يستطيع أحدها أن يتجاوز قيد شعرة عن قانون الطّبيعة. وهذه الشّمس على ما هي عليه من العظمة لا تخرج مقدار ذرّة واحدة عن قانون الطّبيعة. أمّا الإنسان فبالعلم يخرق قانون الطّبيعة وبقوّة العلم يكسر نظام الطّبيعة ومع أنّه مخلوق ترابيّ فإنّه يطير في الهواء ويمرح فوق سطح البحر ويجول ويصول تحت البحر فيأخذ السّيف من يد الطّبيعة ويغمده في كبد الطّبيعة ويقوم بكلّ هذا بقوّة العلم. فمثلاً نلاحظ الإنسان يحبس هذه القوّة الكهربائيّة العاصية الطّاغية في زجاجة ويحصر الصوت الطّليق كذلك ويهزّ المحيط الجوّي بالمخابرة ويقود سفينة فوق صحراء ويحوّل اليابسة بحرًا ويخترق الجبال ويؤلّف بين الغرب والشّرق ويعانق الجنوب مع الشّمال ويكشف أسرار الطّبيعة المكنونة وهذا أمر خارج على قانون الطّبيعة ويأتي بجميع الصّنائع والبدائع والاختراعات بقوّة العلم من حيّز الغيب إلى عالم الشّهود وكلّ هذه الأعمال أمور خارجة على قانون الطّبيعة ولكنّها تتحقّق وتتمّ بقوّة العلم.
    والخلاصة أنّ جميع الكائنات أسيرة للطّبيعة أمّا الإنسان فإنّه طليق. وهذه الحرّيّة إنّما نالها بواسطة العلم، فالعلم يضرب قواعد الطّبيعة وأحكامها بعضها ببعض ويقلّب نظام الطّبيعة ويقوم بكلّ هذا بقوّة العلم، إذن اتّضح أنّ العلم أعظم مناقب العالم الإنسانيّ وأنّ العلم عزّة أبديّة وأنّ العلم حياة سرمديّة.
    لاحظوا حياة مشاهير العلماء فإنّهم وإن فنوا وتلاشوا إلاّ أن علمهم باقٍ. إنّ سلطنة ملوك العالم سلطنة مؤقّتة ولكنّ سلطنة الشّخص العالم أبديّة وصيته وشهرته سرمديّان والإنسان العالم يصبح بقوّة العلم شهير الآفاق وكاشفًا لأسرار الكائنات.
    إنّ الشّخص الذّليل يصبح بالعلم عزيزًا والمجهول يصبح شهيرًا

    ويشرق كالشّمع المنير بين الملل لأنّ العلم أنوار والشّخص العالم مثل السّراج الوهّاج.
    جميع الخلق أموات والعلماء أحياء وجميع الخلق بلا صيت والعلماء مشاهير. لاحظوا مشاهير العلماء السّالفين الّذين تلمع نجمة عزّتهم من الأفق الأبديّ وهم باقون إلى أبد الآباد.
    لهذا فإنّني في غاية السّرور لحضوري في هذه الكلّيّة كلّيّة العلوم والفنون وأملي أن يصبح هذا المركز عظيمًا وينوّر جميع الآفاق بأنوار العلوم فيبصر العمي ويسمع الصّمّ ويحيي الموتى ويبدّل ظلمة الأرض إلى نور. فالعلم نور والجهل ظلمة كما ورد في الإنجيل عن حضرة إشعيا أنّه تفضّل: "إنّ هؤلاء النّاس لهم عيون ولكنّهم لا يبصرون ولهم آذان ولكنّهم لا يسمعون ولهم عقول ولكنّهم لا يفقهون". وتفضّل حضرة المسيح في الكتاب المقدّس" "إنّني أشفي هؤلاء".
    إذن ثبت أنّ الجاهل ميّت والعالم حيّ والجاهل أعمى والعالم بصير والجاهل أصمّ والعالم سميع وأنّ أشرف مناقب العالم الإنسانيّ هو العلم.
    الحمد لله إنّ العلم في هذا الإقليم في ارتقاء مستمرّ ولقد تأسّست مدارس وكلّيّات للعلوم والفنون ويجهد التّلاميذ في هذه المدارس بمنتهى جهدهم ويكشفون حقائق العالم الإنسانيّ وأملي أن تقتدي سائر الممالك بهذه المملكة وتشيد مدارس عديدة لتربية أولادهم وترفع راية العلم حتّى يتنوّر العالم الإنسانيّ وتظهر حقائق وأسرار الكائنات فلا تبقى هذه التّعصّبات الجاهليّة وتزول هذ التّقاليد الموهومة الّتي هي السّبب في الاختلاف بين الأمم. وأملي أن يتبدّل الاختلاف بالائتلاف ويرتفع علم وحدة العالم الإنسانيّ وتظلّل خيمة الصّلح العمومي جميع الأقطار في العالم.

    إنّ العلم يوحّد جميع البشر والعلم يجعل كلّ الممالك مملكة واحدة ويجعل جميع الأوطان وطنًا واحدًا. والعلم يوحّد جميع الأديان في دين واحد لأنّ العلم يكشف الحقيقة. والأديان كلّها حقيقة واحدة ولكنّ العالم البشريّ الآن غريق بحر التّقاليد. وهذه التّقاليد أوهام محضة. إنّ العلم يستأصل هذه التّقاليد من جذورها ويشتّت هذه السّحب المظلمة الّتي تحجب شمس الحقيقة وتظهر حقيقة الأديان الإلهيّة وحيث إنّ الحقيقة واحدة فإنّ جميع الأديان الإلهيّة تتّحد وتتّفق ولا يبقى اختلاف وينهدم النّزاع والجدال وتتجلّى وحدة العالم الإنسانيّ.
    إنّ العلم هو الّذي يزيل الأوهام وإنّ العلم هو الّذي يظهر نورانيّة الملكوت ولهذا فإنّني أرجو الله أن ترتفع راية العلم يومًا فيومًا ويسطع كوكب العلم سطوعًا أشدّ حتّى يستنير جميع البشر من نور العلم وترتقي العقول وتزداد المشاعر الإنسانيّة وتتزايد الاكتشافات ويرتقي الإنسان في جميع مراتب الكمالات وتتحقّق منتهى السّعادة في ظلّ الإله الأكبر ولا يمكن تحقّق هذه المسائل تحقّقا واقعيًّا بغير العلم الحقيقيّ.
    لقد جئت من بلاد بعيدة حتّى أحضر في هذه المجامع المحترمة العلميّة وأشاهد هذه الأنظمة وهذه التّشكيلات وأنال منتهى السّرور ولعل هذه النّظم العلميّة والفنيّة تجري في ممالك الشّرق ويروّج العلم في الشّرق وعندما أعود إلى الشّرق سأشوّق الجميع على تحصيل العلوم والفنون المفيدة.
    وأملي أن تبذلوا أنتم الهمّة أيضًا وتؤسّسوا في ممالك الشّرق مدارس مهمّة.
    وكذلك أبناء الشّرق من هنود وصينيّين ويابانيّين وعرب وأرمن وممّن ينهلون العلوم والفنون من مناهل هذه البلاد حينما يعودون إلى

    أوطانهم يقومون بنشر العلوم والصّنائع والمخترعات حتّى تصبح الأقطار الشّرقية مطابقة للأقطار الغربيّة لأنّ أهالي الشّرق ذوو استعداد كبير ولكنّ وسائل التّربية العامّة لم تكن مهيّئة حتّى الآن فليست هناك مدارس مثل هذه المدارس.
    ولهذا فأملي أن ينال الشّرق في القريب العاجل نصيبًا وافرًا من أنوار العلوم والحكمة الإلهيّة والفنون العصريّة حتّى يسطع نور العلم على جميع الآفاق وينوّر جميع الأقطار ويتحقّق بين البشر ارتباط تامّ وتتجلّى سعادة العالم الإنسانيّ وتنتشر تجلّيات العلوم الإلهيّة في آفاق الشّرق والغرب انتشارًا كلّيًّا وتبقى حقوق العموم محفوظة ويرتقي أفراد النّاس يومًا فيومًا في الفضائل ويحصل منتهى الاتّحاد والاتّفاق بين الأمم. هذا منتهى أملي وهذا هو المقصود من سفري إلى أمريكا.

    وحدة أساس الأديان
    الخطبة المباركة ألقيت في مجمع الأحرار الأميركيّين
    في مدينة بوسطن بقاعة فرد في مساء 24 أيّار 1912
    هو الله
    أيّها الطّالبون للحقيقة! لقد نزلت الأديان الإلهيّة من أجل المحبّة بين البشر ومن أجل الألفة ومن أجل وحدة العالم الإنسانيّ لكن وللأسف بدّل أصحاب الأديان النّور بالظّلمة وصار كلّ واحد يعتبر كلّ نبيّ عدوًا للنّبي الآخر.
    فمثلاً يعتبر اليهود حضرة المسيح عدوًّا لحضرة موسى، ويعتبر المسيحيّون حضرة زرادشت عدوًّا لحضرة المسيح ويعتبر البوذيّون حضرة زرادشت عدوًّا لحضرة بوذا والجميع يعتبرون حضرة محمّد مخالفًا لجميع الأنبياء وجميعهم ينكرون حضرة الباب وحضرة بهاء الله في حين أنّ مبدأ هؤلاء العظماء واحد وحقيقة شريعتهم واحدة ومقصدهم واحد وأساس تعاليمهم واحد وجميعهم متّحدون ومتّفقون وجميعهم يرشدون إلى إله واحد مروّجين شريعة إله واحد.
    فمثلاً كان حضرة زرادشت نبيًّا متّفقا تمامًا في رأيه مع رأي حضرة المسيح بحيث لم يو

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى