منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 33 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 33 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    خطب حضرة عبد البهاء فى أوروبا وأمريكا 8

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    الدّين سبب المحبّة
    الخطبة المباركة في كنيسة كينك زي هاوس- لندن
    ليلة الإثنين 30 كانون الأوّل 1912
    هو الله
    أشكر الله على حضور هذا الجمع من النّاس المحترمين إلى هذا المكان بقلوب متّحدة ووجوه مستبشرة بالبشارات الإلهيّة وآثار المحبّة بادية على محيّاهم.
    حينما ننظر إلى عالم الوجود لا نرى أمرًا أعظم من المحبّة. فالمحبّة سبب الحياة والمحبّة سبب النّجاة والمحبّة سبب ارتباط قلوب البشر والمحبّة سبب عزّة البشر ورقيّهم والمحبّة سبب الدّخول في ملكوت الله والمحبّة سبب الحياة الأبديّة. وكما يتفضّل حضرة المسيح أنّ الله هو المحبّة فأيّ شيء أعظم من الله. إذن فبموجب قول حضرة المسيح ليس في عالم الوجود شيء أعظم من المحبّة.
    توجد في الدّنيا مجامع كثيرة ولكن لكلّ مجمع هدف ولكلّ محفل شأن وما يليق بالمجامع الدينيّة هو المحبّة. فالمجامع الدينيّة يجب أن تكون سبب المحبّة بين البشر وليس هناك استثناء في ذلك. ويتفضّل حضرة المسيح أنّ الشّمس الإلهيّة تسطع على الجميع وهذا يعني أنّ الله رؤوف بالجميع وأنّ جميع الخلق مستغرقون في بحور

    الرّحمة الإلهيّة فيجب أن تكون الأديان الإلهيّة سبب الألفة والمحبّة بين البشر لأنّ أساس الأديان الإلهيّة هو المحبّة.
    طالعوا الكتب المقدّسة تروا أنّ أساس الدّين الإلهيّ هو المحبّة وقد تكون قوّة أخرى يمكن أن تكون سبب الألفة لكن لا شيء كالدّين يمكن أن يكون سبب الألفة.
    لاحظوا مثلاً أنّ أساس الدّين الإلهيّ في زمن المسيح وبعده صار سبب الألفة فحينما ظهر حضرة المسيح كانت أمم الرّومان واليونان والكلدان والآشوريّين والمصريّين في منتهى العداوة والبغضاء بعضها مع البعض الآخر ومع ذلك فقد اتّحد الجميع واتّفقوا بسرعة وبلغوا منتهى الألفة والمحبّة في ما بينهم وصارت الأمم المختلفة أمّة واحدة. إذن يفهم من هذا أنّ الدّين الإلهيّ سبب المحبّة والألفة وليس سبب العداوة والبغضاء وعلى هذه الشّاكلة حصل منتهى الاتّحاد بين بني إسرائيل وقت ظهور حضرة موسى وهكذا ثبت أنّ الدّين ليس فقط سبب بالمحبّة بل إنّه أعظم قوّة يمكن تصوّرها في عالم الوجود لإيجاد الألفة والمحبّة.
    فالقوّة السّياسيّة والقوى الأخرى لا تستطيع أن توجد هذا الاتّحاد أو تربط القلب. وكذلك العلم والمعارف لا تستطيع أن تؤسّس المحبّة بين القلوب كما يؤسّسها الدّين. فالقوّة الّتي تولّد المحبّة هي إذًا قوّة الدّين الّتي تهب الكرامة والعزّة. وقوّة الدّين هي الّتي تجعل العالم نورانيًّا وقوّة الدّين هي الّتي تهب الحياة الأبديّة وقوّة الدّين هي الّتي تقتلع جذور العداوة والبغضاء من بين البشر.
    راجعوا التّاريخ ولاحظوا كيف أنّ الدّين كان سبب الألفة والمحبّة وهذا يعني أنّ أساس جميع الأديان هو المحبّة. أمّا التّقاليد فهي سبب العداوة والبغضاء. وعندما نتحرّى أساس الأديان الإلهيّة نراها خيرًا

    محضًا. وعندما ننظر إلى التّقاليد الموجودة نراها شرًّا لأنّ أساس الدّين الإلهيّ واحد ولهذا فهو سبب الألفة وأمّا التّقاليد لمّا كانت مختلفة فإنّها سبب البغضاء والعداوة. والآن لو توصّلت الأقوام المتحاربة في البلقان إلى أساس الدّين الإلهيّ فإنّها تتصالح في ما بينها فورًا لأنّ جميع الأديان الإلهيّة تهدي إلى الوحدة والمحبّة ولكن وا ألف أسف فقد نسوا أساس الدّين الإلهيّ وتمسّكوا بالتّقاليد الّتي هي مخالفة للدّين الإلهيّ ولهذا يسفك بعضهم دماء البعض الآخر ويخرّب بعضهم بيوت البعض الآخر.
    وكم من مصائب قاساها أنبياء الله وكم من بلايا تحمّلوها. فقد سجن بعضهم ونفي البعض الآخر واستشهد بعضهم فضحّوا بأرواحهم. لاحظوا كم من البلايا تحمّل السّيّد المسيح بحيث إنّه رضي أخيرًا بالصّليب من أجل أن تحدث المحبّة والألفة بين البشر وترتبط القلوب ببعضها. ولكن وا أسفاه فقد نسي أهل الأديان وغفلوا عن أساس الأديان الإلهيّة وتمسّكوا بهذه التّقاليد البالية وبما أنّ هذه التّقاليد مختلفة لهذا فإنّهم يتحاربون في ما بينهم. فوا ألف أسف إنّ كلّ ما جعله الله سبب الحياة جعله الله هؤلاء سبب الممات. والأمر الّذي جعله الله سبب النّجاة جعلوه سبب الهلاك. والدّين الّذي هو سبب نورانيّة العالم الإنسانيّ جعلوه سبب الظّلمة. فوا ألف أسف. يجب أن نبكي على الأديان وعلى أنّه كيف نسي هذا الأساس وحلّت الأوهام محلّه. وبما أنّ الأوهام مختلفة لهذا حلّ الجدال والقتال.
    ومع أنّ هذا القرن قرن نورانيّ، قرن العلوم والفنون، قرن الاكتشافات، قرن كشف حقائق الأشياء، قرن العدل وقرن الحرّيّة – مع ذلك تلاحظون أنّ الحروب مستمرّة بين الأديان وبين الدّول وبين الأقاليم. وهذا مدعاة للأسف ومدعاة للنّوح والبكاء. عندما كانت الحرب قائمة في إيران ما بين الأديان والمذاهب وكانت العداوة مستمرّة في ما بينها وكانوا يتنفّرون ويتجنّسون من بعضهم البعض والحرب دائرة

    رحاها بين الأقوام وبين الأقاليم في مثل هذا الوقت وفي مثل هذه الظّلمة ظهر حضرة بهاء الله وأزال تلك الظّلمات وأعلن وحدة العالم الإنسانيّ وأعلن الوحدة العموميّة وأعلن وحدة جميع الأديان وأعلن وحدة جميع الأقوام والّذين تقبّلوا نصائح حضرته هم الآن في منتهى الألفة في ما بينهم وقد زال من بينهم سوء التّفاهم الّذي كان بين الأديان وصارت الآن تتشكّل في إيران وسائر بلاد الشّرق مجامع من جميع الأديان في منتهى الألفة والمحبّة في ما بينها. فمثلاً تلاحظون فيها أن المسيحيّين والمسلمين واليهود والزرادشتيّين والبوذيّين في منتهى الألفة يجتمعون في مجمع واحد وكلّهم متّحدون متّفقون لا نزاع ولا جدال ولا حرب ولا قتال بل إنّهم في منتهى الألفة في ما بينهم لأنّهم نسوا التّقاليد ونبذوا الأوهام جانبًا وتمسّكوا بأساس الأديان الإلهيّة وحيث إنّ أساس الأديان الإلهيّة واحد وهو الحقيقة والحقيقة لا تقبل التّعدّد لهذا فهم في منتهى الارتباط في ما بينهم حتّى إنّ بعضهم قد يفدي روحه في سبيل غيره. أمّا الأحزاب الأخرى الّتي لم تقبل نصائح حضرة بهاء الله فإنّها ما زالت حتّى الآن تتنازع وتتحارب.
    وخلاصة القول إنّ حضرة بهاء الله أتى بتعاليم أوّلها وحدة العالم الإنسانيّ وهو يتفضّل في خطاب وجّهه لجميع البشر: "كلّكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد" أي أنّ كلّ واحد منكم بمثابة ورقة وثمرة وكلّكم من شجرة آدم وكلّكم عائلة واحدة وعبيد لله وجميعكم أغنام راعٍ واحد والرّاعي الحقيقيّ هو الله وهو رؤوف بالجميع وما دام الرّاعي الحقيقيّ رؤوفًا ويرعى جميع الأغنام فلماذا يكون النّزاع في ما بيننا ونسمّي ذلك دينًا ويقاتل ويحارب بعضنا بعضًا ونسمّي ذلك قوميّة ويحارب ويقاتل بعضنا بعضًا ونسمّي ذلك وطنيّة ونبدي البغضاء والعداوة لبعضنا في حين أنّ جميع الذّرائع أوهام. لأنّ الدّين سبب الألفة والمحبّة ثمّ إنّ جميع البشر جنس واحد وجميع وجه الأرض وطن واحد فهذه الاختلافات أوهام. ولم يوجد الله هذه الأديان مختلفة

    بل وضع أساسًا واحدًا لها، ولم يقسّم الله الأرض بل خلقها كلّها كرة واحدة، ولم يفرّق الله بين هذه الأقوام بل خلقها جميعًا جنسًا واحدًا. لماذا نوجد التّقسيمات الفرضيّة لماذا نوجد هذا التّحايز والتّفاوت فنسمّي قطعة من الأرض ألمانيا ونسمّي غيرها مملكة فرنسا في حين أنّها كلّها واحدة وقد خلقها الله جميعًا متساوية وهو رؤوف بالجميع؟ إذن يجب أن لا نجعل هذه الأوهام كلّها سببًا للنّزاع والجدال وبصورة خاصّة الدّين الّذي هو سبب المحبّة وسبب نورانيّة وسبب روحانيّة القلوب وسبب التّجلّي الملكوتي فنأتي ونجعل مثل هذا الشّيء العزيز سببًا للنّزاع والجدال. فأيّة ضلالة هذه. وأيّة غباوة هذه. وأيّة دناءة هذه!
    ومن تعاليم حضرة بهاء الله كذلك أنّ الدّين يجب أن يكون سبب الألفة والمحبّة فإن صار سبب البغضاء والعداوة كان عدم التّديّن أولى. لأنّ الدّين علاج للأمراض البشريّة فإن أصبح العلاج سببًا للمرض فلا شكّ أنّ تركه أولى وأحسن وإذا صار الدّين سبب العداوة فهو الشّرّ بعينه ولهذا فعدمه أحسن من وجوده.
    وكذلك من تعاليم حضرة بهاء الله أنّ التّعصّبات الدينيّة والتّعصّبات القومية والتّعصّبات الوطنيّة والتّعصّبات السّياسيّة كلّها هادمة للبنيان الإنسانيّ وما دامت هذه التّعصّبات موجودة فإنّ العالم الإنسانيّ لن يرتاح. إذًا يجب نسيان هذه التّعصّبات كي يرتاح العالم الإنسانيّ.
    الحمد لله، كلّنا عبيد لإله واحد، وكلّنا مستغرقون في بحر رحمة الله وما دام لنا إله رؤوف مثل هذا الإله فلماذا ينازع بعضنا بعضًا ولماذا نكون قساة ونكون ظلمات فوقها ظلمات.
    وخلاصة القول إنّ تعاليم حضرة بهاء الله كثيرة فإذا أردتم الاطّلاع عليها فارجعوا إلى الكتب والجرائد وعندها تعلمون أنّ هذا الدّين صار سبب الألفة والمحبّة بين البشر وأنّه أسّس الصّلح العموميّ.

    تحرّي الحقيقة وخلود الأرواح
    وحدة المظاهر المقدّسة
    الخطبة المباركة في مجمع التّياصفة في إسكتلنده
    في 9 كانون الثّاني 1913
    هو الله
    يسرّني جدًّا وجودي في مجلسكم لأنّكم ولله الحمد تتحرّون الحقيقة ونجوتم من تقاليد الآباء والأجداد ومقصودكم عرفان الحقيقة في أيّ مكان ظهرت.
    إنّ الأديان الموجودة حاليًّا أسيرة التّقاليد وقد ولّت حقيقة الأديان وحلّت محلها تقاليد لا تتعلّق بأساس الأديان الإلهيّة. فالأديان جاءت من أجل نورانيّة البشر ومن أجل النّوع الإنسانيّ ومن أجل الألفة بين القلوب ومن أجل ظهور وحدة العالم الإنسانيّ ولكنّهم مع ألف أسف جعلوا الأديان سبب النّزاع وصار يجادل بعضهم بعضًا ويسفك بعضهم دم البعض الآخر ويهدم بعضهم بيوت البعض الآخر لأنّهم أسرى التّقاليد.
    فمثلاً إذا سألت شخصًا يهوديًّا لماذا أنت يهوديّ؟ لأجابك قائلاً: بما أن والدي كان يهوديًّا فإنّني أنا يهوديّ. آخر مسيحيًّا لأجابك لأنّ والده مسيحيّ وثالث مسلمًا لأنّ والده مسلمًا. وأيّة ملّة سألتها

    أجابتك بهذا الجواب ولذا فعندما تفحصون تجدون الجميع أسرى التّقاليد وليس بينهم من يتحرّى الحقيقة لأنّه لو تحرّى الجميع الحقيقة فإنّهم يتّحدون، لأنّ الحقيقة واحدة لا تقبل التّعدّد وهي أساس جميع الأديان وحيث إنّ هذا الجمع مجرّد عن التّقاليد ومتحرّر من هذه القيود ويتحرّى الحقيقة لذا فإنّني مسرور جدًّا.
    عندما ننظر إلى الكائنات نرى أنّ كلّ كائن مكون من ذرّات لا تتناهى وجاء إلى الوجود من اجتماع هذه الذّرّات الفرديّة وهذا بديهيّ علميًّا وغير قابل للإنكار ولهذا فإنّ كلّ ذرّة من الذّرّات الفرديّة تسير في صور غير متناهية وله كمال في كلّ صورة. مثال ذلك هذه الزّهرة، فممّا لا شكّ فيه أنّها مكوّنة من ذرّات فرديّة وقد مرّ زمن كانت فيه كلّ ذرّة منها موجودة في عالم الجماد وكان لها سير في صور غير متناهية في عالم الجماد وفي كلّ صورة كان لها كمال والآن قد جاء إلى عالم النّبات وهو يسير في الصّور النّباتية فهي يومًا بصورة هذه الزّهرة ويومًا بصورة زهرة وشجرة أخرى. وخلاصة القول تسير في عالم النّبات في صور غير متناهية وهذا ثابت علميًّا وفقًا للعلوم الطّبيعية ثمّ تسير في عالم الحيوان وتظهر في صور ذلك العالم غير المتناهية ثمّ تنتقل إلى عالم الإنسان وتسير فيه في صور غير متناهية.
    وخلاصة القول تسير هذه الذّرّة في صور جميع الكائنات ولها في كلّ صورة كمال. ولهذا فإنّ كلّ شيء موجود في كلّ شيء.
    إذن فلكلّ ذرّة انتقالات غير متناهية ولها في كلّ انتقال كمال حتّى تصبح جامعة لجميع الكمالات. وهذا طبقًا لقواعد الفلسفة الإلهيّة الّتي تقول إنّ الإنسان لا يفنى بل هو خالد لأنّ بقاء الرّوح أمر مسلّم به فالرّوح أبديّة لا فناء لها ولا نهاية لها. والبرهان العقليّ على ذلك هو أنّ الإنسان له حقيقتان، حقيقة جسمانيّة وحقيقة معنويّة. فالحقيقة الجسمانيّة فانية أمّا الحقيقة المعنويّة فباقية لأنّ الفناء عبارة عن انتقال من صورة إلى أخرى.

    مثال ذلك هذه الزّهرة لها انعدام صوريّ لأنّها تنتقل من هذه الصّورة إلى الصّورة الجماديّة ولكنّها لا تفنى فمادّتها لم تزل باقية وكلّ ما في الأمر أنّها تنتقل من الصّورة النّباتية إلى الصّورة الجماديّة.
    والحيوان كذلك يأكل هذا العشب فالعشب لا يفنى إنّما فناؤه عبارة عن انتقاله من صورة نباتيّة إلى صورة حيوانيّة ولكنّه لا ينعدم انعدامًا صرفًا، وانعدامه مجرّد انتقاله من صورة إلى صورة أخرى أمّا عنصره فباقٍ وهذا هو معنى الفناء والانعدام.
    وكذلك أيضًا جسم الإنسان يصير ترابًا وينتقل إلى عالم الجماد وأنّ التّراب له وجود. إذن فمعنى الانعدام والفناء هو الانتقال من صورة إلى صورة أخرى وليس لكائن في عالم الصّور صورتان بل له صورة واحدة فالجسم المثلّث لا يكون مربّعًا أو مخمّسًا فإن أصبح مربّعًا أو مخمّسًا فإنّه لا يعود مثلّثًا. ولكنّ روح الإنسان لها جميع الصّور في آن واحد ففي عقلكم الآن مسدّس موجود ومخمّس ومربّع ومثلّث أي أنّ جميع الصّور موجودة في الرّوح في آن واحد ولم تفقد منها صورة لتنتقل من أجلها من صورة إلى صورة أخرى لذا فالرّوح أبديّة لا تغيير لها، تملك دائمًا جميع الصّور وهذا برهان واضح.
    وبرهان آخر هو أنّ جسم الإنسان يكون مرّة عليلاً وأخرى صحيحًا ومرّة ضعيفًا وأخرى سمينًا فله حالات مختلفة. أمّا الرّوح فباقية في حالة واحدة فعندما يصبح الجسم ضعيفًا لا تصير الرّوح ضعيفة. إذن فحقيقة الإنسان المعنويّة لا تتبدّل. فلو قطعت يد أو جرحت رجل فلن يحدث في الرّوح تبديل. إذن فالانعدام عبارة عن تبديل الجسم وليس للرّوح تبديل لذا فالرّوح باقية خالدة.
    وبرهان ثالث هو أنّ الموت عبارة عن فقدان الإحساس. والجسد في النّوم لا إحساس له، فالعين لا ترى والأذن لا تسمع والمشام لا

    تشمّ والذّائقة واللاّمسة تتعطّلان وتتعطّل جميع القوى ويكون الإنسان كجسد ميّت لا إحساس له. أمّا الرّوح فإنّها متنقلة فهي في النّوم ترى وتسمع وتقول وتتحرّك جميع قواها ولو كان الإنسان مجرّد جسد إذن لتوجّب أن يفقد في النّوم كلّ حركة ويكون ميتًا.
    إذًا ففي هذا الجسد حقيقة ثانية تحيط بحقائق الأشياء وتكشف أسرار الكائنات فترى بدون عين وتسمع بدون أذن وتتناول الأشياء بدون يد وتدرك بدون قلب وهي حقيقة غير محدودة في حين أنّ الجسم محدود.
    إذن ثبت أنّ في الإنسان حقيقة ثانويّة مصونة من كلّ آفة وباقية دون تغيير.
    ثمّ إنّك تقول في كلامك إنّني قلت وإنّني مشيت فمن ذا الّذي يقول قلت؟ هناك حقيقة ثانويّة تستشار في هل إنّ هذا العمل نافع أم مضرّ وهل أعمل هذا العمل أم لا؟ وماذا ستكون النّتائج؟ فالرّوح الّتي تستشيرها فهي إن قالت لك اعمل هذا العمل فأنت تعمله وإلاّ فلا. وواضح أنّ الحقيقة الثّانويّة هي المسيطرة وأنّ الحقيقة الجسمانيّة مسيطر عليها. والأولى هي السّراج والثّانية هي الزّجاج ولو كسر الزّجاج فلن يحصل للسّراج ضرر بل هو باقٍ.
    والإنسان يسير في مراتب ودرجات حتّى يصل إلى رتبة هي فوق رتبة هذا العالم الجسمانيّ حتّى يصل إلى عالم الكمال فيترك جميع الزّجاجات ويتوجّه إلى عالم الأنوار فلقد كان السّراج حينًا في زجاج نباتيّ وحينًا في زجاج حيوانيّ وصار الآن في زجاج إنسانيّ. لذا فإن كُسر الزّجاج فإنّ السّراج لن يفنى وهذه براهين عقليّة لا نقليّة ولا يمكن إنكارها.
    وخلاصة القول لقد وصلنا الآن إلى موضوعنا الأصليّ وهو أنّ عالم الوجود ليس له وجود بذاته لذاته أي إنّه يستفيض الوجود من حقيقة مركزيّة صدر منها هذا الوجود كما أنّ الكرة الأرضيّة مظلمة

    لكنّ أشعّة تصدر من الشّمس فتنيرها، لأنّ الشّمس مركز الأنوار وأشعتها تنير الكائنات. والكائنات مظلمة ولكنّ الشّعاع الصّادر من مركز الأنوار يفيض على جميع الكائنات.
    إنّ ذلك الشّعاع هو الفيوضات الإلهيّة وإنّ أعظم الفيوضات هي المظاهر المقدّسة الإلهيّة وتلك الحقائق هي حقيقة واحدة ولكنّ مظاهرها مختلفة. فالنّور نور واحد ولكنّ الزّجاجات متعدّدة ففي كلّ وقت يظهر ذلك النّور في زجاجة من الزّجاجات. والنّور لا يقبل الانقسام ولكنّ الزّجاجات مختلفة متنوّعة ولو أنّها متعدّدة من حيث الجسم لكنّها واحدة من حيث الحقيقة وتلك الحقيقة هي تجلّي شمس واحدة تسطع وتبهر من مرايا متعدّدة فالمرايا متعدّدة ولكنّ الشّمس واحدة. فهذه البروج الاثني عشر متعدّدة ولكنّ الشّعاع صادر من مركز واحد. وعندما ننظر إلى المركز نرى الجميع واحدًا ولكنّها تنقسم إلى اثني عشر. وهناك شمس واحدة في هذه البروج الاثني عشر لكنّها تطلع حينًا من برج الحمل وحينًا من برج الأسد وحينًا من الجدي وحينًا من نقطة الاعتدال الرّبيعي وحينًا من نقطة الاعتدال الصّيفي وحينًا من نقطة الانقلاب الشّتوي. فمهما كانت البروج متعدّدة ولكنّ الشّمس شمس واحدة. فعندما تطلع من برج السّرطان لا شكّ أنّها تكون قويّة. وعندما تطلع من الجدي لا تكون حرارتها على تلك الشّدة ومن هذه الجهة يكون الفرق بين المظاهر الإلهيّة وهو في الحقيقة حقيقة واحدة.
    إذن يجب على الإنسان أن لا ينظر إلى البروج بل يعبد الشّمس من أيّة نقطة طلعت ويعبد النّور من أيّ زجاج لمع، لأنّ الزجاج محدود أمّا النّور فغير محدود. ويجب أن يكون نظر الإنسان غير محدود لأنّه لو نظر إلى الزّجاج وحده فلربّما انتقل النّور من هذه الزّجاجة إلى زجاجة أخرى وحينئذٍ يبقى هو محرومًا من النّور محتجبًا عنه ولكنّه عندما يعبد النّور فإنّه يتوجّه إليه من أيّة زجاجة ظهر.

    إثبات الألوهيّة
    الخطبة المباركة في باريس في 9 شباط 1913
    هو الله
    لقد سألني اليوم شخص عن وجود الألوهيّة قائلاً: ما برهانكم على وجود الألوهيّة؟
    إنّ النّاس قسمان قسم معترف بالألوهيّة وقسم منكر لها ولهذا نريد اليوم إثبات وجود الألوهيّة بدليل من الأدلّة العقليّة لأنّكم تعرفون الدّلائل النّقلية وهي معلومة لدى الجميع.
    لو نظرنا إلى جميع الكائنات الموجودة لرأينا أنّ كلّ كائن من الكائنات خلق نتيجة تركيب العناصر المنفردة فمثلاً تركّبت عناصر وأجزاء فرديّة فظهر منها الإنسان وتركّبت عناصر بسيطة وظهرت منها هذه الوردة، وكذلك هذا الحجر ظهر من تركيب الأجزاء الفرديّة.
    وخلاصة القول إنّ وجود جميع الكائنات يعود إلى التّركيب وعندما يتحلّل هذا التّركيب، فَهُنا لكم الموت والانعدام. أمّا العناصر البسيطة فهي باقية دون تغيير في حين أنّ المركبات تتلاشى إذًا صار معلومًا ومسلّمًا أنّ تركيب العناصر البسيطة هو سبب الحياة وتحليلها هو الموت والانعدام ولكنّ العناصر البسيطة باقية دون تغيير ذلك لأنّها بسيطة. ولا ينعدم الشّيء البسيط أمّا التّركيب فإنّه ينحلّ انحلالاً وهذا

    يعني أنّ وجود الكائنات هو من التّركيب وانعدامها من التّحليل. وهذه مسألة علميّة لا عقائديّة وهناك فرق بين المسائل العقائديّة والمسائل العلميّة فالمسائل العقائديّة مسموعات تقليديّة أمّا المسائل العقليّة فإنّها مشفوعة بالبراهين القطعيّة إذ ثبت علميًّا أنّ وجود الكائنات عبارة عن التّركيب وفناءها عبارة عن التّحليل. ويقول المادّيّون إنّه ما دام وجود الكائنات نتيجة للتّركيب وانعدامها نتيجة للتّحليل فما هي الحاجة بعد هذا إلى الخالق الحي القدير لأنّ الكائنات غير المتناهية تتركّب في أشكال غير متناهية وبنتيجة كلّ تركيب يظهر للوجود كائن من الكائنات. أمّا الإلهيّون فيجيبونهم على قولهم بأنّ التّركيب على أقسام ثلاثة إمّا تركيب تصادفي وإمّا تركيب إلزامي وإمّا تركيب إراديّ ولا رابع لها لأنّ التّركيب ينحصر في هذه الأقسام الثّلاثة. فلو نقول إنّ تركيب الكائنات تركيب تصادفي فهذا القول واضح البطلان لأنّه لا يمكن حصول معلول بدون علّة ولا بدّ من وجود علّة فهذا التّركيب التّصادفيّ واضح البطلان وهذا أمر يدركه الجميع. أمّا التّركيب الثّاني وهو الإلزاميّ فيعني أنّ هذا التّركيب هو المقتضى الذّاتيّ لكل كائن وهو اللّزوم الذّاتيّ لهذه العناصر مثال ذلك فالنّار لزومها الذّاتيّ الحرارة والماء لزومه الذّاتيّ الرّطوبة فإن كان تركيب الكائنات هذا لزومًا ذاتيًّا فلن يعقبه انفكاك كما لا تنفكّ الحرارة عن النّار ولا الرّطوبة عن الماء وما دام هذا التّركيب لزومًا ذاتيًّا فليس من الممكن أن يكون له انفكاك. إذن فهذا باطل أيضًا لأنّ تركيب الكائنات لو كان لزومًا ذاتيًّا لما أعقبه تحليل ولهذا فتركيب الكائنات ليس إلزاميًّا. فما بقي؟ بقي التّركيب الإراديّ أي أنّ تركيب الكائنات ووجود الأشياء يكون بإرادة الحيّ القدير. هذا واحد من الأدلّة وحيث إنّ هذ المسألة مهمّة جدًّا فيجب أن تمعنوا الفكر فيها وتتباحثوا حولها في ما بينكم لأنّكم كلّما ازددتم تفكيرًا فيها ازددتم اطّلاعًا على التّفاصيل. فاحمدوا الله على ما أنعم عليكم بقوّة تستطيعون بها إدراك مثل هذه المسائل.

    لا نهاية للفضل الإلهيّ
    الخطبة المباركة في مجلس التّياصفة في باريس ليلة شباط 1913
    هو الله
    لو نظرنا إلى الكائنات جميعها بنظر الحقيقة لرأينا أنّ لكلّ كائن في الواقع حياة وكان الفلاسفة يقولون في سالف الأيّام إنّ الجماد ليست له حياة. ولكن اتّضح أخيرًا من التّحقيقات العميقة أنّ الجماد له أيضًا حياة وقد أقيمت الأدلّة العلميّة على ذلك في الفلسفة الجديدة.
    ونحن نقول على سبيل الاختصار إنّ للكائنات حياة لكنّ حياة كلّ كائن على قدر استعداده. فمثلاً هناك في عالم الجماد حياة لكنّها ضعيفة جدًّا كالنّطفة في رحم الأمّ فهي لها حياة ولكنّها حياة ضعيفة. وإذا نظرتم إلى عالم النّبات لرأيتم أنّ له روحًا أيضًا. ولكنّها روح أقوى من روح عالم الجماد وكذلك تظهر الرّوح بمظهر أوضح في عالم الحيوان إذا ما قيست بظهورها في عالم النّبات. وإذا نظرنا إلى عالم الإنسان رأينا أنّ حياة الإنسان في منتهى القوّة.
    ولهذا فكلّما بذل الإنسان جهدًا ظهرت فيه قوّة الرّوح ظهورًا أوضح.. فالمولود الجديد مهما كان ضعيف الرّوح وضعيف الإدراك ولكنّه حينما يصل مرحلة البلوغ تظهر الرّوح فيه في منتهى القوّة وتتجلّى قوّة الإنسان المعنويّة فيه كمال التّجلّي وليس هناك في العالم

    الحيواني مثل هذه الحياة والقوّة لأنّ الرّوح الإنسانيّة كاشفة لحقائق الأشياء. إنّها تخترع هذه المخترعات وتكتشف كلّ هذه العلوم وتميط اللّثام عن أسرار الطّبيعة وتسير الأمور في الغرب وهي في مكانها في الشّرق وتكتشفها في السّماء وهي في مكانها على الأرض. ولهذا فإنّها على قسط عظيم من القوّة خاصّة إذا ارتبطت بالله واستفاضت من النّور الأبديّ فإنّها تصبح تجلّيًا من تجلّيات شمس الحقيقة وتصل إلى أعظم المقامات في العالم الإنسانيّ وتصبح الرّوح الإنسانيّة في هذا المقام كمرآة تتجلّى فيها شمس الحقيقة. فمثل هذه الرّوح ولا شكّ أبديّة وباقية وثابتة ليس لها فناء وجامعة لجميع كمالات بل إنّها فيض من الفيوضات الإلهيّة ونور من الأنوار غير المتناهية وهذا المقام مقام النّفوس الّتي تستفيض من الفياض الحقيقيّ والّتي تظهر فيه الكمالات غير المتناهية وهذه الرّتبة هي أعلى رتبة في الوجود.
    وإذا ألقينا نظرة أخرى على الكائنات رأينا أنّ ذرات فرديّة تركّبت وجاء إلى الوجود من كلّ تركيب كائن من الكائنات وعندما يتحلّل ذلك التّركيب ينعدم ذلك الكائن ويفنى. إذن فوجود الكائنات وانعدامها إنّما هو عبارة عن تركيبها وتحليلها. وعندما تنحلّ العناصر الفرديّة في جسم ما تمتزج كلّ ذرّة من ذرّاته مع العناصر الأخرى ويظهر إلى الوجود كائن آخر ولهذا فإنّ كلّ ذرّة من هذه الذّرّات لها سير في جميع المراتب وهذا بديهيّ ومحسوس وليس مجرّد عقيدة من العقائد.
    فيثبت من هذا أنّ كلّ ذرّة لها سيرها في جميع الكائنات فمثلاً الذّرّات الفرديّة الموجودة الآن في الإنسان كانت ذات يوم موجودة في الجماد وسارت في مراتب الجماد في صور غير متناهية وكان لها في كلّ صورة كمال.
    وكذلك الأمر في الصّور غير المتناهية لعالم الحيوان ولعالم

    الإنسان وحيث إنّ صور الكائنات غير متناهية لهذا فإنّ كلّ ذرة فرديّة تنتقل في صور غير متناهية وتحصل في كلّ صورة على كمال.
    إذن فجميع الكائنات سارت في جميع الكائنات، فلاحظوا أيّة وحدة هي هذه الوحدة! بحيث إنّ كلّ ذرة من الكائنات هي بمثابة الكلّ وهذا ثابت علميًّا. فأيّة وحدة هذه الوحدة الموجودة في عالم الوجود وأيّة انتقالات وأيّة كمالات! ولا يمكن أن تكون هناك انتقالات وكمالات أعظم من هذه الانتقالات والكمالات. أي أنّ كلّ كائن فيض من الفيوضات الإلهيّة.
    إذن فقد اتّضح أنّ الفيوضات الإلهيّة لا نهاية لها وليس لها حدّ وحصر. لاحظوا هذا الفضاء الوسيع الّذي لا يتناهى كم فيه من أجسام عظيمة نورانيّة! وهذه الأجسام لا منتهى لها أيضًا لأنّ وراء هذه النّجوم نجوم أخرى ووراء تلك النّجوم أيضًا نجوم أخرى.
    وخلاصة القول إنّه ثبت علميًّا أنّ العوالم لا نهاية لها. لاحظوا أنّ الفيض الإلهيّ غير محدود مع أنّ هذا الفيض فيض جسمانيّ فانظروا كيف يكون الأمر في الفيض الرّوحانيّ. ففي الوقت الّذي يكون فيه الفيض الجسمانيّ غير محدود كيف يصحّ أن يكون الفيض الرّوحانيّ محدودًا؟ مع أنّه هو الأصل والأساس لأنّ ذلك الفيض هو أعظم من الفيض الجسمانيّ.
    ولا مجال للمقارنة بين هذا الفيض الجسمانيّ وذاك الفيض الرّوحانيّ. فالجسم الإنسانيّ له آثار إلى درجة محدودة، أمّا الرّوح الإنسانيّة فآثارها غير متناهية وحتّى إنّ لها وهي على الأرض اكتشافات فلكيّة ولها إحساسات سماويّة. لاحظوا كيف أنّ القوّة الرّوحانيّة في الإنسان أعظم من جسده مع أنّ الفيض الجسمانيّ والرّوحانيّ إلهيّان وغير محدودين. وبعض الأغبياء يزعم أنّ هذا الفيض محدود ويقول إنّ

    هذا العالم عمره عشرة آلاف سنة وإنّ بداية الفيض الإلهيّ معلومة ومحدودة في حين أنّ الفيض الإلهيّ قديم وغير محدود وكان ولا يزال موجودًا وسيبقى كذلك لا بداية له ولن تكون له نهاية. لأنّ عالم الوجود محلّ الكمالات الإلهيّة، فهل نستطيع أن نحدّد الله تعالى؟ وكما أنّ الحقيقة الإلهيّة غير محدودة فكذلك الفيوضات الإلهيّة غير محدودة ولا نهاية لها.
    ومن جملة الفيوضات الإلهيّة هي المظاهر المقدّسة، فكيف يكون ظهورها محدودًا مع أنّها أعظم الفيوضات الإلهيّة؟ وبعد أن ثبت أنّ الفيض الجسمانيّ غير محدود كيف يكون الفيض الرّوحانيّ محدودًا؟ وبعد أن ثبت أنّ القطرة غير محدودة كيف يمكن أن يكون البحر محدودًا وبعد أن ثبت أن الذّرّة غير محدودة كيف يمكن أن تكون الشّمس محدودة؟ وبعد أن ثبت أنّ العالم الجسمانيّ غير متناهٍ كيف يمكن أن يكون العالم الرّوحانيّ محدودًا ومتناهيًا؟
    ولهذا فالمظاهر المقدّسة الّتي هي أعظم الفيوضات الإلهيّة كانت موجودة في الماضي وستكون إلى الأبد. فكيف نستطيع إذًا أن نحدّد الفيض الإلهيّ؟ فإن استطعنا أن نحدّد الله استطعنا أن نحدّد فيضه.
    وخلاصة القول بالرّغم من أنّ كلّ ملّة لها موعود وكلّ أمة كانت لها ذات مقدّسة تنتظرها فوا أسفًا عندما كان يظهر ذلك الموعود كانوا يحتجبون عنه وكانوا ينتظرون طلوع شمس الحقيقة وعندما كانت تطلع كانوا يقتنعون بالظّلمة بدلاً عنها.
    مثال ذلك الملّة الموسوية الّتي كانت تنتظر ظهور المسيح وتتضرّع ليلاً ونهارًا قائلة: "يا إلهنا أظهر لنا المسيح!" ولكن عندما ظهر السّيّد المسيح احتجبوا عنه وما عرفوه لأنّ حجاب التّقليد غطّى بصائرهم فما شاهدوه وما سمعوا النّداء الإلهيّ ومنذ حوالي ألفي سنة وحتّى الآن وهم لا يزالون منتظرين.

    إذن يجب أن تكون أعيننا مفتوحة وعقولنا طليقة متحرّرة كي لا تحتجب في وقت الظّهور الإلهيّ وكي نسمع النّداء الإلهيّ عندما يرتفع. وكي لا تكون مشامّنا مزكومة عندما تنتشر نفحات الجنّة الإلهيّة فنستنشق نفحة القدس تلك ونشاهد تلك الأنوار الإلهيّة ونتعرّف إلى ذلك اللّحن ونحصل على تلك الرّوح فنجدّد حياتنا ونحيا من نفحات الرّوح القدس حتّى نتوصّل إلى أسرار الكائنات ونرفع علم وحدة العالم الإنسانيّ وننال جميعًا نصيبًا من الفيض الإلهيّ ويصبح كلّ فرد منّا كالموج وعندما ننظر إلى بحر الوجود نشاهد بحرًا من الصّنع الإلهيّ وعندما ننظر إلى بحر الأمواج نراها كلّها صادرة من ذلك البحر ومهما كانت الأمواج مختلفة ولكنّ البحر بحر واحد وهناك شمس واحدة تسطع على جميع الكائنات ونورها نور واحد ولكنّ الكائنات مختلفة.
    وخلاصة القول إنّ هذا القرن قرن الوحدة، قرن المحبّة، قرن الصّلح العموميّ، قرن طلوع شمس الحقيقة، قرن ظهور ملكوت الله لذا يجب أن نتشبّث بجميع الوسائل كي ننال من هذه الفيوضات غير المتناهية نصيبًا وافرًا.
    وها إنّنا نرى اليوم وسائل وحدة العالم الإنسانيّ مهيّأة من كلّ الجهات وهذا دليل على التّأييدات الإلهيّة. ومن بين التّأييدات الإلهيّة في هذا القرن اللّغة العموميّة الّتي نراها تنتشر. ولا شكّ أنّ اللّغة العموميّة سبب لزوال سوء التّفاهم لأنّ بواسطتها يطّلع كلّ فرد على أفكار سائر البشر وهذا سبب من أسباب وحدة العالم الإنسانيّ. لهذا يجب أن نبذل الجهد في ترويجها، ومع أنّ صحّتي لم تكن جيّدة هذه اللّيلة فقد جئت إليكم وتحدّثنا على قدر الإمكان.

    سؤال وجواب
    البيانات المباركة في بيت الاسقف مينا في حضور جمع من الأساقفة
    والأساتذة المشهورين في باريس ليلة 17 شباط 1913
    هو الله
    تفضّل: أستفسر عن صحّة حضرات السّادة.
    فعرض الأسقف: سالمون ولله الحمد ومسرورون من تشريفكم.
    تفضّل: وأنا أيضًا مسرور جدًّا من لقائكم.
    فعرضوا: إنّنا مسرورون لأنّ شخصًا من قِبَل الله جاءنا برسالة من الله وشرَّفنا في هذا المنزل.
    فتفضّل: إنّ كلّ إنسان له قوّة سامعة يسمع من جميع الأشياء الأسرار الإلهيّة وتبلغه جميع الكائنات بالرّسالة الإلهيّة.
    فعرضوا: إن تسمح فإنّنا سنعرض سؤالاً.
    تفضّل: حسنًا جدًّا.
    فعرضوا: بما أنّنا في مدرسة ومن زمرة القساوسة نريد أن نعرف من هو حضرة المسيح؟ وكيف كان؟
    فتفضّل: كان كما هو مذكور في الإنجيل ولكنّنا نشرح ذلك غير آبهين بظاهر العبارات والمعتقدات. فمثلاً ورد في إنجيل يوحنّا: "في

    البدء كانت الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله". والمسيحيّون بمجرّد سماعهم لهذه العبارات يعتقدون بها لكنّنا نشرحها ونعطيها تفسيرًا يقبله العقل فلا يبقى لنفس مجال للاعتراض.
    لقد جعل المسيحيّون هذ المسألة أساسًا للتّثليث ولكنّ الفلاسفة يعترضون عليهم قائلين إنّ التّثليث أمر مستحيل. أمّا المسيحيّون فإنّهم لا يقدّمون بيانًا لذلك ولا يفسّرونه تفسيرًا يقبله كلّ فيلسوف. والفلاسفة لا يقبلون بالتّثليث لأنّه مجرّد لفظ وعقيدة، ويقولون كيف يمكن أن تصبح ثلاثة واحدًا ويصبح واحد ثلاثة؟ فنقول لهم إنّ هذه البداية ليس لها زمان لأنّه لو كان لها زمان لكانت الكلمة إذن شيئًا حادثًا لا قديمًا. ولكنّ المقصود بالكلمة هو أنّ عالم الكائنات بمثابة الحروف وأنّ جميع البشر أيضًا بمثابة الحروف والحرف المفرد لا معنى له ولا يمكن أن يكون له معنى مستقلاًّ أمّا مقام المسيح أي مقام الكلمة فله معنى تامّ ومستقلّ ولهذا يعبّر عنه بالكلمة والمقصود بالمعنى التّامّ هو فيوضات الكمالات الإلهيّة لأنّ كمالات سائر النّفوس كمالات جزئيّة وليست صادرة منها بل مستقاة من الغير أمّا الحقيقة المسيحيّة فذات كمالات تامّة ومستقلّة.
    ومثلاً هذا المصباح منير ومثلاً هذا القمر ولكنّ نورهما ليس صادرًا عنهما بل مقتبس من غيرهما. أمّا حضرة المسيح فإنّه كالشّمس نوره صادر عنه لا مقتبس من شخص آخر ولهذا عبّر عنه بالكلمة، أي إنّه حقيقة جامعة ذات كمالات تامّة.
    وكلمة "البدء" لها أوّلويّة شرف وليس لها أوّلويّة زمان كقولنا: "هذا الشّخص مقدّم على الكلّ" أي من حيث الشّرف والمقام لا من حيث الزّمان. وليس المقصود أنّ الكلمة كانت لها البداية بل إنّ الكلمة لا بداية لها ولا نهاية. أعني أنّ تلك الكلمات ليست جسد المسيح بل هي الكمالات المتجلّية في المسيح وقد كانت تلك الكمالات من الله

    مثل أنوار الشّمس في المرآة. فنور الشّمس وشعاعها وحرارتها هي كمالات الشّمس تجلّت في هذه المرآة. إذن فكمالات المسيح كانت تجلّيًا وفيضًا إلهيًّا ومعلوم أنّها كانت عند الله. وهذه الكمالات هي الآن أيضًا عند الله وليست منفصلة عنه لأنّ الألوهيّة لا انقسام لها إذ الانقسام نقص يستوجب تعدّد القدماء وهذا باطل. ومن المؤكد أنّ الكمالات لم تكن منقسمة لدى حضرة الألوهيّة بل المقام مقام الوحدة.
    وخلاصة القول، نحن نشرح المسألة بهذا الأسلوب ولا نقول بالأقانيم الثّلاثة وبأنّ المسيح "كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" بل نشرح ذلك.
    فعرضوا: ما هي العلاقة بين أمر حضرة المسيح وأمر حضرة بهاء الله؟ وما هو التّشابه بينهما؟
    فتفضّل: إنّ أساس الدّين الإلهيّ واحد وهو نفس ذاك الأساس الّذي وضعه المسيح ثمّ نسي فجاء حضرة بهاء الله فجدّده لأنّ أساس الأديان الإلهيّة واحد بمعنى أنّ كلّ دين ينقسم إلى قسمين قسم هو الأصل ويتعلّق بالأخلاق ويتعلّق بالحقائق ويتعلّق بالمعاني ويتعلّق بمعرفة الله وذلك القسم قسم واحد لا يتغيّر لأنّه حقيقة والحقيقة لا تغيير فيها ولا تبديل. والقسم الآخر هو الفرع ويتعلّق بالمعاملات وهذا الفرع يتغيّر في كلّ زمان بمقتضى ذلك الزمان. ومثالاً على ذلك أنّ أساس وأصل الدّين الإلهيّ المتعلّق بالأخلاق في ديانة حضرة موسى لم يتغيّر في زمان المسيح ولكنّ التّغيير حصل في القسم الثّاني المتعلّق بالمعاملات.
    ففي زمان موسى كانت اليد تُقطع لسرقة مبلغ جزئيّ وبحكم الكتاب كان كلّ من فقأ عين إنسان تُفقأ عينه أو كسر سنّ إنسان تُكسر سنّه. ولقد كان هذا حسب مقتضى زمان موسى ولكنّ ذلك لم يكن

    مقتضيًا وضروريًّا في زمن حضرة المسيح فنسخها حضرته. وكذلك الطّلاق وصل في كثرته إلى درجة منعه حضرة المسيح وكانت في التّوراة عشرة أحكام للإعدام بمقتضى زمان حضرة موسى إذ لم يكن في الإمكان حفظ الأمن بغير ذلك لأنّ بني إسرائيل كانوا في صحراء التّيه، ولم يكن الانضباط ممكنًا دون هذه الأحكام الشّديدة إلاّ أنّ ذلك لم يكن مقتضيًا في زمان حضرة المسيح فتغيّر والتّغيير في هذا القسم الفرعيّ غير مهمّ ويختصّ بالمعاملات.
    أمّا أساس الدّين الإلهيّ فهو واحد. ولهذا فقد جدّد حضرة بهاء الله ذلك الأساس نفسه. ولكنّ أساس حضرة المسيح كان كلّه روحانيًّا وكان كلّه جوهريًّا ولم يغيّر في الفروع غير أمثال الطّلاق والسّبت وكانت جميع بيانات المسيح تتعلّق بمعرفة الله وبوحدة العالم الإنسانيّ وبالرّوابط بين القلوب وبالإحساسات الرّوحانيّة وقد جاء حضرة بهاء الله فأسّس السّنوحات الرّوحانيّة بأكمل وجوهها.
    فالدّين لا يتغيّر أبدًا لأنّه حقيقة والحقيقة لا تتغيّر ولا تتبدّل. فهل يمكن القول بأنّ التّوحيد الإلهيّ يتغيّر؟ وهل يمكن القول بأنّ معرفة الله ووحدة العالم الإنسانيّ والمحبّة والوفاق تتغيّر؟ لا والله إنّ هذه كلّها لا تتغيّر. لماذا؟ لأنّها حقيقة.
    فعرضوا: كيف كان ارتباط المسيح وبهاء الله بالله؟
    فتفضّل: إنّ حضرة المسيح يتفضّل: "الأب في الابن"، ولكنّنا يجب أن نوفّق بين هذا القول وبين القوانين العلميّة لأنّه إذا لم يتّفقا لما حصل لنا الاطمئنان التّام واليقين الكامل. ففي ذات يوم كان يوحنّا فم الذّهب وهو غير يوحنّا المعمدان يسير على شاطئ البحر ويفكّر في الأقانيم الثّلاثة كيف يكون الثّلاثة واحدًا وكيف يكون الواحد ثلاثة ويريد

    أن يفهمها وفقًا للعقل فرأى طفلاً على الشّاطئ يملأ كأسًا من ماء البحر فقال له ماذا تعمل؟ فأجابه: "أريد أن أضع البحر كلّه في هذا الكأس". فقال له: "ما أجهلك! كيف يمكن وضع البحر في كأس؟"، فقال الطّفل: "إنّ أمرك أغرب من أمري تريد أن تدخل الأقانيم الثّلاثة كلّها في عقلك" ففهم يوحنّا أنّه من المستحيل التّوفيق بين هذه المسألة وبين العقل. ولكن يجب التّوفيق بين الأشياء من جهة وبين العقل والعلم من جهة أخرى وإلاّ فكيف يمكن قبولها والأخذ بها؟ فلو قلت أمرًا لا يقبله عقلكم فكيف تقبلونه مني.
    إذن يجب أن نوفّق بين كلّ مسألة وبين العلم والعقل ونحقّق فيها تحقيقًا تامًا بأنّه كيف يكون الأب في الابن؟ إنّ لهذه الأبوّة والبنوّة تفسيرًا خاصًّا. فحقيقة المسيح مثل مرآة تجلّت فيها شمس الألوهيّة فإن قالت هذه المرآة: "إنّ النّور فيّ" فهي صادقة حقًّا. إذن فحضرة المسيح كان صادقًا أيضًا ولا يستوجب هذا القول تعدّدًا فشمس السّماء وشمس المرآة واحدة لا تعدّد فيها ونحن نشرح المسألة على هذا الأسلوب ويجب علينا تحرّي الحقيقة ولا التّقليد لأنّ اليهود كانوا يتنظرون حضرة المسيح وكم من ليالٍ بكوا وناحوا قائلين: "يا إلهنا عجّل بإرسال المسيح منقذنا!" ولكنّهم لمّا كانوا مقلّدين أنكروه عند ظهوره ولو كانوا تحرّوا الحقيقة لما كانوا علّقوه على الصّليب بل لكانوا عبدوه.
    فعرضوا: هل اتّحاد الأديان ممكن؟ وإذا كان ممكنًا فكيف يحصل؟ ومتى يحصل؟
    فتفضّل: يحصل ذلك حينما توضع التّقاليد جانبًا وحينما توضع حقائق الكتب المقدّسة نصب العين ولكنّ سوء التّفاهم موجود الآن فعندما يزول سوء التّفاهم وتزول التّقاليد يحصل الاتّحاد ولقد تكلّمت في كنيس لليهود في سان فرانسيسكو أمام ألفي شخص وقلت: "أريد أن أقول لكم أمرًا وأرجوكم أن تصغوا إليّ حتّى أكمل بياني وبعد ذلك

    اعترضوا إن كان لديكم اعتراض. لقد مضت ألفا سنة كنتم فيها على معارضة واختلاف شديدين مع المسيحيّين في حين أنّه له لو تحرّيتم الحقيقة لما بقيت الحال كذلك وقد حصل ذلك من سوء التّفاهم فأنتم تظنّون أنّ حضرة المسيح كان عدوًّا لحضرة موسى وأنّه كان هادمًا لشريعة التّوراة وأنّه قضى على التّوراة ولكنّنا الآن يجب أن نتحرّى الحقيقة هل إنّ هذا القول يطابق الحقيقة أم لا؟ فعندما نتحرّى الحقيقة نرى أنّ المسيح ظهر عندما لم يكن النّاس يعملون بأحكام التّوراة كما أنتم تعتقدون ذلك وظهر عندما انهدم أساس الشّريعة وكان بختنصّر قد جاء وأحرق جميع التّوراة وأسر اليهود وفي المرّة الثّانية جاء الإسكندر اليوناني وفي المرّة الثّالثة جاء طيطوس القائد الرّوماني فقتل اليهود ونهب أموالهم وأسر أطفالهم ففي مثل هذا الوقت ظهر حضرة المسيح وكان أوّل ما قاله: "إنّ التّوراة وإنّ موسى رسول الله وإنّ هارون وسليمان وداود وإشعيا وزكريّا وجميع أنبياء بني إسرائيل كانوا على حقّ. ثمّ نشر حضرته التّوراة في آفاق العالم وقد مرّت على التّوراة ألف وخمسمائة سنة لم تتجاوز فيها حدود فلسطين لكنّ حضرة المسيح نشر التّوراة في آفاق العالم ولو لم يكن المسيح موجودًا لما وصل اسم موسى والتّوراة إلى أمريكا. وقد ترجم اليهود التّوراة مرّة واحدة خلال ألف وخمسمائة سنة أمّا المسيح فقد ترجمها ستّمائة مرّة فأنصفوا الآن هل كان المسيح صديقًا حميمًا لموسى أم كان عدوًّا لدودًا؟ تقولون إنّه نسخ التّوراة وأقول أنا إنّه روّج التّوراة والوصايا العشر والمسائل الّتي كانت تتعلّق بعالم الأخلاق ولكنّه غيّر بعض الأحكام وهو أنّه لا يجوز قطع اليد لسرقة دينار واحد ولو يفقأ إنسان عين إنسان لا يجوز أن تُفقأ عينه وإن كسر إنسان سنّ إنسان فيجب أن لا تُكسر سنّه. فهل يمكن الآن قطع يد إنسان من أجل مليون؟ أو هل يمكن فقء عين بدل عين أخرى أو كسر سنّ بدل سنّ أخرى؟ فأجابني الحاضرون: "كلاّ" فقلت

    لهم: "إذن فحضرة المسيح قد ألغى من الشّريعة كلّ ما لم يكن مقتضيًا للزّمان ولم يرغب حضرته في هدم التّوراة وأنت تعترفون أيضًا أنّ هذه الأحكام لا تناسب الزّمن الحاضر. ثمّ إنّ المسيحيّين يقولون إنّ موسى كان نبيّ الله وإنّ هارون وأنبياء بني إسرائيل كانوا أنبياء الله وإنّ التّوراة كانت كتابًا إلهيًّا فهل في قولهم هذا ضرر يصيب دينهم؟ فأجابني الحاضرون: "كلاّ" فقلت إذن أنتم أيضًا قولوا مثل هذا: إنّ المسيح كان كلمة الله وعندئذٍ لا يبقى اختلاف بينكم وبين المسيحيّين فلقد تحمّلتم الذّلّة ألفي سنة من أجل هذه الكلمة مع أنّ حضرة موسى لم يكن لديه صديق كحضرة المسيح"؟
    وخلاصة القول إنّ سوء التّفاهم بين الأديان هو السّبب في الاختلاف وعندما يرتفع سوء التّفاهم هذا وتزول التّقاليد يحصل الاتّحاد وإنّ النّزاع القائم بين الأديان اليوم إنّما هو حول الألفاظ وجميع الأديان تعتقد بحقيقة فائضة واحدة هي الواسطة بين الخلق والخالق ويسمّي اليهود هذه الحقيقة موسى ويسمّيها المسيحيّون المسيح ويسمّيها المسلمون محمّدا ويسمّيها البوذيّون بوذا ويسميها الزّرادشتيّون زرادشت ولم يرَ كلّ واحد منهم نبيّه بل سمع باسمه إنّما الكلّ يعتقدون أنّ من الواجب وجود حقيقة كاملة تتوسّط بين الخلق والخالق ولكنّ نزاعهم فيدور حول الألفاظ وإلاّ فالحقيقة واحدة فلو وصفنا لليهود تلك الواسطة وتلك الحقيقة لقالوا إنّ الوصف صحيح وإنّ الاسم الموصوف هو موسى ولو وصفنا هذه الحقيقة لكلّ إنسان لتمسّك بها باسم نبيّه ولذلك فهم يتنازعون حول الاسم مع أنّهم كلّهم متّحدون ومؤمنون حول المعنى وحول الحقيقة. فاليهود مؤمنون بالمسيح وهم لا يعلمون أنّهم مؤمنون بالمسيح وأنّ نزاعهم هو حول الاسم.
    وخلاصة القول إنّه مضت عدة آلاف من السّنين والنّزاع والجدال مستمرّان بين البشر وسفك الدّم وشرب الدّماء مستمرّان والآن يكفي كل

    هذا فيجب أن يكون الدّين سبب الألفة والمحبّة وسبب الوحدة والوفاق. وإذا أصبح الدّين سبب العداوة فاللاّدينيّة خير وأولى. لماذا؟ لأنّه ليست له نتيجة بل ينتج نتيجة معكوسة.
    ولقد أرسل الله الأديان كي تكون سبب الألفة والمحبّة بين الخلق ولم يفدِ حضرة المسيح روحه من أجل أن يقول النّاس إنّه كلمة الله بل فدى نفسه من أجل أن ينال العالم الحياة الأبديّة ولهذا تفضّل: "إنّ ابن الإنسان جاء ليهب الحياة للعالم" لكنّ هذا الأساس نسي وسادت التّقاليد واشتهرت ألفاظ الابن والأب والرّوح القدس ونسي الأساس الأصليّ. وتفضّل المسيح: "من لطمك على خدّك الأيمن فحوّل له الآخر أيضًا" فأيّة مناسبة بين هذا البيان المبارك وبين وقائع البلقان؟ وأيّة علاقة بينه وبين نزاع الكاتوليك والبروتستانت الّذي قتل فيه تسعمائة ألف شخص؟ راجعوا التّاريخ لتروا ماذا حدث. وأيّة علاقة بين هذه الحوادث وبين بيان حضرة المسيح إلى بطرس. "ردّ سيفك إلى مكانه"؟ إذن فيجب علينا أن نتمسّك بأساس الدّين الإلهيّ حتّى لا يبقى أيّ اختلاف بيننا.
    فعرضوا: أتريد أن تنشر دينًا جديدًا؟
    فتفضّل: إنّ هدفنا هو إنقاذ أساس الأديان الإلهيّة من التّقاليد لأن سحبًا كثيفة جدًّا قد أحاطت بشمس الحقيقة ونحن نريد أن تخرج من وراء هذه السّحب وتُنير آفاق العالم وأن تتلاشى هذه السّحب الكثيفة وأن يسطع نور شمس الحقيقة على الجميع لأنّ هذه الشّمس لا أوّل لها ولا آخر. (ثمّ نهض حضرته).
    فعرضوا: إنّ أملنا هو أيضًا حدوث مثل هذا الاتّفاق والصّلح والاتّحاد ونرجو أن نتّحد ونتّفق معكم.
    فتفضّل: أملي كذلك أن يحصل بيننا منتهى الاتّحاد - اتّحاد لا يعقبه انفصال. (وكان في الغرفة المجاورة عدد من الأساقفة والأساتذة. وقبل خروج الهيكل المبارك تشرّفوا بمصافحته واحدًا تلو الآخر وتعرّفوا عليه).

    وعرضوا: إنّنا نعبّر عن جزيل شكرنا لبياناتكم المباركة وقد كانت مؤثّرة في الحقيقة وسببًا لسرور الجميع وأملنا أيضًا أن يسود الصّلح والاتّحاد العام.
    فتفضّل: لله الحمد إنّ أملنا وهدفنا واحد ولكن يجب أن نبذل الجهد حتّى تتحقّق هذه المقاصد.
    فعرضوا: سوف يعقد في باريس في شهر تمّوز مجمع للأديان ورجاؤنا أن تتفضّلوا بقبول دعوته وتشرّفوا المجمع.
    فتفضّل: لقد خرجنا من حيفا من سنتين ويجب أن نعود إليها وبعد سجن دام أربعين سنة قمنا بسفرة دامت سنتين أمضيناهما في سفر وترحال مستمرّين فخارت نتيجة ذلك قواي الجسديّة بحيث لم أعد أستطيع التّحدث.
    فعرضوا: سوف يقدّم مجمع الأديان لحضرتكم رسالة دعوة حتّى تتفضّلوا بكتابة رسالة إلى المجمع تتلى فيه.
    فتفضّل: حسنًا جدًّا.

    تعاليم بهاء الله
    الخطبة المباركة في قاعة المتحف الوطني في بوادبست
    ليلة 15 نيسان سنة 1913
    هو الله
    ما أشد ما يدعو إلى فخر العالم الإنسانيّ أن تتأسّس في مدينة غربيّة كبوادبست جمعيّة لتحسين أحوال الشّرقيّين وترقّيهم! كأنّ طيور حدائق الغرب تفكّر في تأسيس أوكار لطيور الشّرق.
    لهذا فإنّني أشكر الله على حضوري في جمع كهذا، فقد كانت بلاد توران حينًا من الدّهر أعظم ممالك الدّنيا عمرانًا والآن قسم كبير منها تحت حكم روسيا وتقطع السّكة الحديديّة الروسيّة تلك الصحراء في يومين وليلتين.
    لاحظوا ما أكبر هذه الصّحراء. وقد كانت أرضها في غاية الخصب وهواؤها في منتهى اللّطف وكانت فيها أنهار كثيرة وكان في تلك الصحراء قديمًا أربع عشرة مدينة كلّ واحدة منها مثل بوادبست وباريس منها مدينة نسف، وترمد، وتسا، وأبيورد، وجرجان

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى