منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 29 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 29 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    الدرر البهية 6 لأبى الفضائل

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    (الرسالة الاسكندرانية)
    كتبها استاذنا المحقق أبو الفضائل الايراني جواباً عن سؤال حضرة حسين أفندي روحي سأله عن موارد بشارات ظهور سيدنا الرسول عليه السلام في الكتب المقدسة حينما وقع بينه وبين أحد القسوس مناظرة في هذه المسئلة.
    هو العزيز
    حبيبي قد وصلني جوابك وسرّني كتابك وأطربني خطابك بما أدركت من خلال سطوره تلألؤ أنوار العلم والعرفان وشمت من غمام خطوطه تألق بروق الحجة والبرهان. فحمدت الله ربي وربك بما أسبغ عليك من نعمه الروحانية على عنفوان شبابك وصغر سنك وأجزل عليك من آلآئه الرحمانية في مقتبل أيامك وغضاضة غصنك. وأسأله تعالى أن يطيل بقاك ويؤيدك على نصرة أمر مولاك ويلهمك ما هو لك في آخرتك وأولاك. وأما ما سألت من المواضيع التي يمكن أن يستدل بها على ظهور سيدنا الرسول صلّى الله عليه وسلّم من التوراة والانجيل. فاعلم يا حبيبي أن من أمعن النظر في الكتب السماوية مطلقاً، يرى أنه ما من كتاب إلا وفيه قسمان من التعليمات (القسم الأول) الحدود والأحكام التي تحتاج الأمة اليها مدة بقائها ويرتبط بها نجاحها ويتوقف على إقامتها فلاحها. (والقسم الثاني) البشارات الواردة في مجيء يوم الله ونزول روح الله وقيام مظهر أمر الله، وهذا اليوم هو اليوم العظيم الرهيب المهيب الذي عبر عنه في الكتب السماوية بتعبيرات شتى وسمي بأسماء عليا من قبيل يوم الرب ويوم الملكوت ويوم الحسرة ويوم التلاق والقيامة والساعة وأمثالها. وقد ذكر الأنبياء عليهم السلام لمجيء هذا اليوم اشراطاً وعلامات وشواهد وأمارات ودلائل ومقدمات مما هو مذكور ومدوّن في كتب الأولين ومنصوص ومصرح في كلمات الأقدمين. ثم اعلم يا حبيبي أنه وإن كان يستفاد من بعض الكتب أن الأنبياء عليهم السلام من لدن زمان عتيق مجهول الابتداء كانوا يبشرون الناس بمجيء أمر الله وطلوع فجر يوم الله وزوال ظلمات البدع والاختلافات والحروب والاحقاد بين عباد الله إلا أنه بسبب ظلمة التواريخ القديمة وانقطاع أخبار الملل العتيقة وصعوبة ابقاء الآثار العلمية بسبب فقدان صنعة الطبع والورق وأمثالهما في الأزمان الغابرة وانعدام التعاون والتناصر والتعارف بين القبائل الداثرة لا يمكن الاطلاع الكافي عما جاء في أخبار الأنبياء قبل موسى عليه السلام، إذ لم يبق منهم كتاب ولم يوجد لهم آثار ليستفيد المستخبر من عباراتهم ويطلع على مقتضى بشاراتهم، فلا يمكن والحالة هذه إلا أن نعتبر التوراة أول كتاب سماوي يستقى من موارده ويلتقط المقصود من شوارده. فلنبتدِ أولا بذكر آيات التوراة الجليل ونتبعها بعبارات رسائل أنبياء بني اسرائيل ونختمها بالبشارات الواردة في الانجيل ونتوكل على الله أنه هو نعم المولى ونعم الوكيل. قال الله تبارك وتعالى كما جاء في الآية الثانية من الاصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية من أسفار التوراة (جاء الرب من سينا وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه قبس الشريعة). فهذه الآية المباركة تدل دلالة واضحة ان بين يدي الساعة وقدام مجيء القيامة لابد من أن يتجلى الله على الخلق أربع مرات ويظهر أربع ظهورات حتى يكمل سير بني اسرائيل وينتهي أمرهم الى الرب الجليل فيجمع شتيتهم من أقصى البلاد ويدفع عنهم أذى كل العباد ويسكنهم في الأراضي المقدسة ويرجع اليهم مواريثهم القديمة. فظهر أولا بمقتضى هذه الآية الكريمة سيدنا موسى عليه السلام فتجلى الله عليهم بظهوره من جبل سيناء. ثم ظهر ثانياً سيدنا عيسى عليه السلام فتجلى عليهم بظهوره من جبل سعير. ثم ظهر ثالثاً سيدنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بظهوره من جبل فاران. فدارت الأدوار وتتابع الليل والنهار حتى ظهر الرب المختار وتم الظهور الرابع بأمر الملك العزيز الجبار. ولا عبرة بما يتكلف بعضهم في رد دلالة هذه الآية من أن ألفاظ أشرق وتلألأ وأتى جاءت بصيغة الماضي، ولو كانت الآية بشارات للظهورات الأربع لجاءت بصيغة المستقبل، لأن بشارات الكتب المقدسة حتى القرآن الكريم كثيراً جاءت بصيغة الماضي دلالة على وجوب تحقق مفهومها وقطعية منصوصها، كقوله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا). فانظر في الآية 14 من رسالة يهوذا القديس، كيف جاءت صيغة الماضي بمعنى المستقبل حيث قال (وتنبأ عن هؤلاء أيضاً أخنوخ السابع من آدم قائلا هو ذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه). والحال أن المسافة بين أخنوخ وهو ادريس النبي على ما قرره المؤرخون وبين عيسى عليه السلام أكثر مما بين موسى وبين سيدنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. والآية 18 من الاصحاح الثامن عشر من سفر التثنية حيث قال تعالى (أقيم لهم نبياً من وسط اخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به)، تدل على ظهور سيدنا الرسول أكثر مما يحاولون أن تكون بشارة ظهور سيدنا عيسى عليهما السلام، لأن قريشاً وهم بنو اسماعيل إخوان العبرانيين في النسب وهم بنو اسرائيل، فان اسماعيل واسحاق ولدا ابراهيم والعرب المستعربة ظهرت من ذرية اسماعيل وبنو اسرائيل ظهروا من سلالة اسحاق فالعرب المستعربة إذا إخوان بني اسرائيل في النسب. وأما انتساب عيسى عليه السلام الى ابراهيم، فلم نجد بعدُ دليلا يعتمد عليه فإن اليهود وهم أهل البيت أنكروا انتساب عيسى عليه السلام اليهم وصرحوا بأنه عليه السلام شومرونيّ النسب، كما يدلك عليه الفقرة 48 من الاصحاح الثامن من انجيل يوحنا حيث جاء فيه (فأجاب اليهود وقالوا ألسنا نقول حسناً أنك سامري وبك شيطان). وهذه الفقرة تدل دلالة صريحة على أن بني اسرائيل في ذلك الزمان الذي كانت شعوبهم فيه محفوظة وأنسابهم معلومة لم يعتبروه من أمتهم ولم يتخذوه فرعاً من أرومتهم وهم أهل البيت. وقد قيل في الأمثال (أهل البيت أدرى بالذي فيه) ولا اعتبار بما جاء في انجيل متى وانجيل لوقا من انتسابه عليه السلام بداود لما بين سلسلتي النسب من الاختلافات، فان متى الحق نسبة عيسى الى داود عليهما السلام من طرف سليمان ولوقا من طرف ناثان أخي سليمان وهذا مما لا يعقل أبدا. هذا سوى ما في أفراد السلسلتين من الاختلاف عدداً واسماً، نعم كثيراً ما حاولوا أن يصححوا هذا الغلط بتأويلات وتفسيرات بعيدة، إلا أنها مما يضحك الانسان أكثر مما يسكت ويشكك الناقد أكثر مما يقنع، فالناقد الطالب المجتهد ماذا يهمه من تلك المحاولات إلا أن يشك فيها ويصرف النظر عنها، والنصارى لا يتعبرون سيدنا عيسى عليه السلام نبياً بل يعتبرونه ابن الله الوحيد بل الاقنوم الثالث وفي سنة 1305 حينما كنت نزيلاً في مدينة همدان سمعت من أحد علماء بني اسرائيل من سبط لاوي ممن آووا الى الركن الشديد وتمسكوا بحبل الله المجيد أنه قال ان هذه البشارة لا تنطبق إلا على ظهور الرسول عليه السلام حيث أن المشابهة تامة بين الديانتين الاسلامية والموسوية من حيث التشريع والقوانين والمحتد والمنشأ والشارع والمؤسس، فهما إذاً صنوان من دوحة واحدة وفرعان منشعبان من أصل واحد، ثم تلا عبارات الاصحاح الثالث والستين من سفر اشعيا النبي عليه السلام حيث قال (من ذا الآتي من ادوم بثياب حمر من بُصرَة هذا البهيّ بملابسه المتعظم بكثرة قوته) فلما قرأ الى آخر الاصحاح، قال ان هذه الآيات منذرة بغاية الصراحة على المصائب التي حلت ببني اسرائيل في ظهور الاسلام، حيث أنذرهم الله تعالى بمجيء رجل إلهيّ سماوي من طرف ادوم وهي الاراضي الواقعة بين فلسطين وبلاد العرب وبُصْرَة مدينة من مدن تلك البلاد، ويقال لها بصرى الحرير، والنبي العربي عليه السلام جاء الى بر الشام مرتين قبل ظهوره من تلك الجهة مع عمه أبي طالب وفي بر الشام قال بحيراء الراهب لأبي طالب (إن لإبن أخيك هذا شأناً ويوماً عظيماً فاحفظه من أعدائه)، وخلفاء الاسلام من تلك الجهة غلبوا على بلاد الشام وفرقوا بني اسرائيل فلا تنطبق بشارات هذا الاصحاح إلا على الرسول عليه السلام حيث ان عيسى عليه السلام ما جاء من ادُوم وما دخل مدينة بُصْرَة ولا تنطبق على ظهوره هذه البشارات. انتهى. وحقيقة من ينظر في الآية الثامنة من هذا الاصحاح حيث قال (وقد قال حقاً انهم شعبي بنون لا يخونون فصار لهم مخلصاً في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم كل الايام القديمة ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه فتحول لهم عدواً وهو حاربهم). يرى بغاية الصراحة فيه الاخبار عن الأدوار الثلاثة التي درات على بني اسرائيل في ثلاث ظهورات حيث قال ان الله خلص بني اسرائيل ورفعهم كل الايام القديمة أي بظهور موسى إلا انهم أحزنوا روح قدسه أي في ظهور عيسى عليه السلام فإنه روح الله الحق واليهود أحزنوه وأنكروه وتجرؤا على شتمه وسبّه وأفتوا على قتله، فتحول روح الله عدوا لهم وحاربهم، أي في ظهور محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث انه عليه السلام حاربهم وفي غزوة بني قريظة قتل منهم في يوم واحد تسعمائة رجل وخلفاؤه عليه السلام طردوهم من بر الشام وأبطلوا ذبائحهم ومنعوهم عن أداء مناسكهم كما تشهد به التواريخ. والى هنا نكتفي في ذكر بشارات ظهوره عليه السلام من التوراة لضيق المجال واختلال الأحوال ونطلب من الله التأييد على تكميل الاستدلال في فرصة أخرى انه هو ولينا في المبدء والمآل.
    واما بشارات ظهوره عليه السلام في الانجيل المقدس، فاعلم يا حبيبي أن الانسان لا يبلغ الى درجة النبوة والرسالة أو الشارعية والربوبية إلا بتجلّي القوة القدسية السماوية في هيكل بدنه ونزول الروح المقدس الإلهي على عرش قلبه، فإذا تجلّت هذه القوة القدسية في قلب إنسان ونزلت هذه الموهبة الملكوتية في فؤاد رجل وهبّت هذه النفحة الإلهية على نفس ونزلت هذه القدرة السماوية على بشر، فهو إذاً يدعى نبيّ الله ورسول الله وكلمة الله وهو المنظر الأعلى والجنة العليا والسدرة المنتهى والغاية القصوى (أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، إلا أن هذه الرتبة وهبية لا كسبية وتأييدية لا تحصيلية وسماوية لا أرضية وحقيقة واحدة لا تتعدد بتعدد المظاهر ونور واحد لا يتكثر بكثرة التجلي والمجالي واشراق واحد لا يتفاوت بتفاوت المشارق والمغارب. فإذا تجلت في سيناء، فهي هي هذه القوة الإلهية، وإذا تلألأت من سعير، فهي هي هذه الدرّة السماوية. وإذا أشرقت من فاران فهي هي هذه النجمة الربانية. وإذا هبّت من فارس فهي هي هذه النفحة الروحانية، وإذا بزغت ولمعت وأضاءت وألاحت من طهران فهي هي هذه الشمس الحقيقية الواحدة التي لم تزل كانت مشرقة في أزل الآزال ولا تزال تكون ساطعة الأنوار فيما يأتي من القرون والأجيال. ولعمرك يا حبيبي لا معنى للتوحيد إلا معرفة هذه النكتة الدقيقة ولا يخرج الانسان من ظلمات الشرك إلا بالوصول الى هذه الغاية الشريفة والى هذه الحقيقة يشير قول موسى عليه السلام (أنا الذي أرفع يدي الى السماء وأقول أنا الحي الى الأبد) واليها يشير كلام عيسى عليه السلام (أنا الألف والياء البداية والنهاية) واليها يشير أيضاً ما قاله الرسول (أول ما خلق الله نوري) وخطابة علي عليه السلام (ألا ونحن النذر الأولى ونذر الآخرة والأولى ونذر كل أوان وزمان بنا هلك من هلك ونجا من نجا). فإذا عرفت ذلك فاعلم أن ما أخبر عيسى عليه السلام برجوعه ونزوله ثانياً كما هو وارد في مواضع من الانجيل إنما تحقق أولا بظهور سيدنا الرسول عليه السلام باعتبار الوحدة الذاتية التي ذكرناها آنفاً فظهور رسول الله هو رجوع روح الله حقيقة. كما أن جميع الآثار والأعمال والقوة والقدرة التي ظهرت من عيسى عليه السلام كذلك ظهرت من محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا اعتبار بتعدد المظهر والجسد إذ ليس للاجساد إلا حكم الآلية لظهور آثار الأرواح. والمناط في تحقق الهوية إنما هو الروح لا الجسد ومثاله وارد في الانجيل حيث حكم عيسى عليه السلام ليوحنا المعمدان أي يحيى عليه السلام بأنه هو ايليا النبي يعني الياس، مع ان ايليا صعد الى السماء باتفاق اليهود والنصارى قبل يوحنا بزهاء تسعمائة سنة تقريبا. فإذا جاز لعيسى أن يحكم بأن يوحنا هو ايليا على تباينهما اسما وزماناً ونسباً وصورة وجسماً بسبب اتحادهما روحاً، فلم لا يجوز على المحقق العالم ان يحكم بأن المراد من نزول ابن الانسان هو ظهور النبي عليه السلام بسبب عين هذا الاتحاد الروحاني والوفاق الذاتي. على أن يوحنا نفسه أنكر انه هو ايليا كما يستفاد صريحاً من الفقرة 19 الى الفقرة 28 من الاصحاح الأول من انجيل يوحنا القديس. ولكن الرسول عليه السلام ما أنكر انه هو حقيقة الأنبياء والرسل الماضين بل كما يستفاد من الآية الكريمة (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) وقوله تعالى (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) صرح بأنه هو حقيقة جميع الأنبياء والمرسلين وظهوره رجعة جميع السابقين الأولين (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) ولعمرك يا حبيبي اني لا أتعجب من أهل الشرق اذا توقفوا دون أمثال هذه الشبهات وعجزوا عن إدراك هذه النكات وجهلوا معنى الآيات لقصورهم في الطبيعيات والفلكيات. ولكني أتعجب وأندهش وأتحير من الذين يعتقدون أنهم من الفلاسفة الطبيعيين والعلماء الفلكيين والدكاترة الراسخين والجهابذة البالغين ممن مسحوا الأفلاك شبراً شبراً ووزنوها جزأ جزأ واكتشفوا أجزاء العناصر الأرضية وعلموا أسرارها الطبيعية كيف أذعنوا والحالة هذه بالمستحيلات العقلية والممتنعات القطعية وينتظرون ما لا جرت عليه السنن الإلهية في القرون الأولية. أين العقول الراجحة أين القلوب الفاهمة أين الأبصار الحديدة أين البصائر السديدة أين الأحلام الرزينة أين الأفهام الرصينة. هل سفهت جميع الأحلام هل زلت كافة الأقدام هل نسوا مثلات الله في سابق القرون والأيام، هل تقهقرت النفوس بعد تقدم العالم في سلّم الارتقاء الى مواقف شبهات الغابرين وسقطت في وهدة أوهام الماضين هل ينتظرون إلا سنن الذين خلوا من قبلهم (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ).
    فإذا عرفت أن المراد بنزول إين الانسان هو رجوع الحقيقة القدسية الواحدة بالذات من جميع الجهات وقد عرفت انه تم وكمل بظهور محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكن الله تعالى لما مضى في سابق علمه ان المتأخرين مع دعاويهم الطائلة في التقدم والارتقاء لابد وأنهم يسقطون في وهدة شبهات المتقدمين ويتمسكون بحبال أوهام الأولين فأراد ان يسقط حججهم وأوهامهم لئلا تبقى على الله للناس حجة فأنزل الله في كتاب الرؤيا بشارات ظهور الرسول عليه السلام وصرّح في هذا السفر الكريم جميع حوادث أيامه وما يحدث في أمته الى يوم القيام. فقد جاء في الاصحاح الحادي عشر من هذا الكتاب ما نصه (وسأعطي لشاهدي فيتنبآن ألفاً ومائتين وستين يوما لابسين مسوحاً. هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض. وان كان أحد يريد أن يؤذيهما تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما وان كان أحد يريد ان يؤذيهما فهكذا لابد أنه يقتل. هذان لهما السلطان ان يغلقا السماء حتى لا تمطر مطراً في أيام شهادتهما ولهما سلطان على المياه ان يحولاها الى دم وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا ومتى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد من الهاوية سيصنع معهما حرباً ويغلبهما ويقتلهما وتكون جثتاهما على شارع المدينة العظيمة التي تدعى روحيا سدوم ومصر حيث صلب ربنا أيضاً. وينظر أناس من الشعوب والقبائل والألسنة والأمم جثتيهما ثلاثة أيام ونصف ولا يدعون توضعان في قبور ويشمت بهما الساكنون على الارض ويتهللون ويرسلون هدايا بعضهم لبعض لأن هذين الشاهدين كانا قد عذبا الساكنين على الأرض. ثم بعد الثلاثة الأيام والنصف دخل فيهما روح حيوة من الله فوقفا على أرجلهما ووقع خوف عظيم على الذين كانوا ينظرونهما. وسمعوا صوتاً عظيماً من السماء قائلا لهما اصعدا الى هنا فصعدا الى السماء في السحابة ونظرهما أعداؤهما. وفي تلك الساعة حدثت زلزلة عظيمة فسقط عشر المدينة وقتل بالزلزلة أسماء من الناس سبعة آلاف وصار الباقون في رعبة وأعطوا مجداً لاله السماء الويل الثاني مضى وهو ذا الويل الثالث يأتي سريعاً. ثم بوّق الملاك السابع فحدثت أصوات عظيمة في السماء قائلة قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه فسيملك الى أبد الآبدين والأربعة وعشرون شيخاً الجالسون أمام الله على عروشهم خروا على وجوههم وسجدوا لله قائلين نشكرك أيها الرب القادر على كل شيء الكائن والذي كان والذي يأتي لأنك أخذت قدرتك العظيمة وملكت وغضبت الأمم فأتى غضبك وزمان الأموات ليدانوا ولتعطى الأجرة لعبيدك الأنبياء والقديسين والخائفين اسمك الصغار والكبار وليهلك الذين كانوا يهلكون الأرض وانفتح هيكل الله في السماء وظهر تابوت عهده في هيكله وحدثت بروق وأصوات ورعود وزلزلة وبرد عظيم). انتهى.
    وعبارات هذا الاصحاح كما ترى يا حبيبي تصرح وتنادي بأن بعد يوحنا القديس الذي نزلت عليه تلك البشارات يقيم الله تعالى شاهدين(1) ســــماويين أي
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) وإنما فسر المصنف هذين الشاهدين على النبي عليه السلام وأمير المؤمنين وما فسره على سائر الصحابة لعدم انطباق عبارات الوحي عليهم حيث لم يقتل من ذريتهم أحد وما وقعت حوادث القتل والأسر والسبي وشماتة الناس إلا في ذرية علي كرم الله وجهه وإنما قيدنا هذه الحاشية لما وقع بيننا وبين أحد العلماء مناقشة في تفسير هذه البشارات في مجلس حضرة الفاضل مصطفى أفندي المكاوي المحامي في مدينة الفيوم. فرج الله زكي الكردستاني.
    رجلين إلهيين يدعوان الناس الى دين الله ويشهدان ويعترفان بحقية قيام عيسى روح الله وأنت تعلم أن بعد صعود روح الله الى سماء جوار الله وبعبارة أصرح من لدن نزول هذا الوحي الى طلوع فجر يوم الله ما قام أحد بالنبوة والولاية ليشهد بوحدانية الله تعالى وحقية أنبيائه ورسله من آدم الى السيد المسيح إلا سيدنا الرسول عليه السلام وباب مدينة علمه عليّ كرم الله وجهه. فإن هذين النورين النيرين والزيتونتين المباركتين قاما ونادا بوحدانية الله تعالى وحقية مسيحه وآمن بشهادتهما أمم عظيمة ممن كانوا لا يعترفون بوحدانية الله ولا بحقية مسيحه عيسى روح الله من عبدة النار والأوثان فآمنوا وأذعنوا وصدقوا وأيقنوا وهكذا تم الوحي الإلهي وصدقت رؤيا يوحنا اللاهوتي. وبعد ما تمما شهادتهما وانتشر نورهما وثبتت كلمتهما ظهر الوحش الهائل أي الملك العضوض والخلافة الجائرة الأموية فحاربهما رؤساء تلك العصبة القرشية وملوك تلك الخلافة الأموية فأبو سفيان حارب نبياً ومعاوية حارب علياً وسمَّ الحسن ويزيد حارب حسيناً وهشام بن عبد الملك حارب زيد بن عليّ بن الحسين. وهكذا كل فرد من أفراد تلك العترة الطاهرة النبوية والأسرة المباركة العلوية، سمَّ أو قتل بأمر خليفة من الخلافة الجائرة الأموية. ومما هو ثابت مصرح في بطون الأوراق وصفحات التاريخ أنه لما قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام بأمر يزيد وأسروا أهل بيته وحملوهم مكشوفي الوجوه والرؤس على الاقتاب الى الشام وفيهم بنات رسول الله وأفلاذ كبد فاطمة وأنزلوهم بهذه الحالة في مدينة دمشق، خرج أهل تلك المدينة المعبر عنها معنى بسدوم للتفرج على بنات رسول الله وهنّ حاسرات باكيات على أقتاب الجمال ورؤس الشهداء تقاد قدامهن على الرماح والأخشاب واتخذوا يوم ورود أسرى أهل البيت عيداً وكانوا يتهللون ويضحكون ويشتمون ويلعنون لما في قلوبهم من حروب بدر وأحد وحنين وصفين وما أذنوا بدفن رؤس الشهداء، بل كانوا يدورونها في بلاد الشام ليفرح الناس بهذا الفتح المبين في مدة ثلاث سنوات ونصف أيام خلافة يزيد(1) فخزنوها بعد مدة في مدينة من بلاد الشام وبقيت هناك مخزونة الى أيام الخلفاء الفاطميين وفي أيامهم جاؤا بها الى مصر ودفنوها بأمرهم حيث يزورها الناس الى هذا اليوم. وكل ما تجنيه الأمة الاسلامية من الذل والهوان والانحطاط والخسران وغلبة الأعداء عليهم كما تراه اليوم، إنما هو نتيجة تلك الخلافة الجائرة والمظالم الغابرة، كما يدلك قوله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا). ولعمرك يا حبيبي أن شجرة سقيت بالدماء الطاهرة لا ينبت منها إلا أشواك الانحطاط والخسران ولا تثمر إلا حنظل الذلة والهوان. قال العلامة الفيروزآبادي صاحب القاموس في لغة الودق وما صح عن عليّ ابن ابي طالب كرم الله وجهه إلا هذين البيتين
    تلكم قريش تمناني لتقتلني فلا وربك ما بروا ولا ظفروا
    فان هلكت فرهن ذمتي لهم بذات ودقين لا يعفو لها أثر
    ثم قال والودق الداهية. وهي كما ترى تجسمت بالدواهي الخارجية والداخلية أي الغفلة والتقاطع والخمول من الداخل والحذق والتألب وتعصب الأعداء من الخارج.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إنما فسر المصنف لفظ ثلاثة أيام ونصف على ثلاث سنوات ونصف لما جاء في التوراة ان اليوم في الكتب المقدسة عبارة عن سنة واحدة كما ان القرآن عبر عن كل يوم بألف سنة. ولذلك صار هذا أصلا متفقاً عليه عند علماء اليهود والنصارى ويعبرون عنه باللغة العبرية (بيوم لشانا) أي كل يوم سنة. فرج الله زكي الكردستاني.

    فلما مات يزيد ورجع عليّ بن الحسين عليهما السلام الى المدينة، قامت الإمامة بوجوده وفتحت أبواب الهداية ثانياً على أصحابه وكان الخلفاء الأمويون والعباسيون يخافون دائما من رؤساء هذه العترة ويراقبونهم ويترصدون لهم ويضيقون عليهم واحداً بعد واحد الى سنة مائتين وستين من الهجرة حينما انقطعت الإمامة وخفيت سبل الهداية وصعدت الأرواح الطاهرة الى السماء القصوى واستولت ظلمة الليلة الليلى وتتابعت القرون والأدوار الى ان طلع النهار وأشرقت شمس الأسرار وظهرت مكنونات الآثار وسمعت نداء طلوع الشمس من جميع الأقطار، فبعدما غابت الشمس عن الأنظار وتلي كتاب العهد على الأخيار ترى يا حبيبي غمام الشبهات متراكمة ورعود النقض والنكص قاصفة وبَرَدُ الشكوك والشبهات هاطلة وهكذا تمت البشارات وكملت النبوات وظهرت الآيات البينات والأمر لله مالك الأرضين والسماوات.
    ومما نحب ان نذكره لك على سبيل الحكاية والفكاهة وان يكن منافياً للاختصار الذي بنيت عليه المقالة هو ما جرى بيني وبين أحد القسوس من المناظرة في تفسير هذا السفر الجليل من أسفار الانجيل. وهو أنه لما حللت رحل الرحلة في سنة 1312 من السنين الهجرية في البلاد الشامية والقيت عصا التسيار في جوار مولى الأبرار وقبلة الأحرار جعلنا الله تعالى من المتمسكين بعروة ولائه ما دام الليل والنهار قابلت يوما أبا نمرود أحد أفاضل قسوس الطائفة الانجيلية في بيت حبيبنا الجليل الدكتور روفائيل وتغلغل بنا الكلام الى اثبات حقية ظهور سيدنا الرسول عليه السلام، فطلب مني إقامة البرهان في هذا المقام، فقلت له ان الدليل العقلي والبرهان القطعي والحجة الواضحة والمعجزة الدامغة لاثبات حقية كل داع إلهي إنما هو القدرة الفائقة التي ظهرت منهم في إنفاذ كلمتهم وإثبات ديانتهم وإبقاء شريعتهم رغماً لأميال جميع الأمم وغلبةً على قوى جميع أهل العالم. وهذه القوة التي لا تفوقها قوة ولا تضاهيها قدرة ولا تغلبها ولن تغلبها شوكة وعصبية، لمّا لم تكن مستمدة من القوى المحصورة المعلومة البشرية من قبيل القوة المستمدة من الملك والسلطنة الظاهرة الملكية أو العلوم والمعارف التحصيلية أو الغنى والثروة المالية أو الرباط والعصبية القومية أو العزة والرياسة الدنيوية، فيثبت أنها مستمدة من القوة الغيبية الإلهية ومنبعثة من القدرة الملكوتية السماوية وتنتهي عند كل باحث محقق حتى الفلاسفة ومتتبعي العلل والفواعل الى علة العلل ومسبب الأسباب وهو الواجب تعالى جلّ ذكره وجلت عظمته والا ليضطر المشكك والمنكر أن يتيه في ظلمات الأوهام وينكر البديهات والأوليات أو يتمسك بالمستحيلات والممتنعات مثل الدور وتسلسل العلل وايجاب العلة وغيرها من الأوهام والشبهات. وهذه هي الحجة الواضحة لكل الأنبياء والمرسلين والمميز الظاهر الفارق بين الدعاة الكذبة والدعاة الصادقين. غاية ما في الباب هو أنه كلما كان ظهور الرسول متأخراً كانت الحجة أظهر وأقوى حسب ناموس التقدم والارتقاء. فأجاب القسيس بأن الأدلة العقلية لا تعتبر عند الطائفة الانجيلية برهاناً يعتمد عليه وطلب مني أن أستدل له بآيات التوراة والانجيل حيث هي المناط المعتبر عندهم في مقام اقامة البرهان والدليل. فقلت له إذا لم تعتبروا الأدلة العقلية شيئاً يعتنى به، فإذاً تعجزون عن اثبات حقية سيدنا عيسى عليه السلام على من لا يعترف بحقية التوراة من الأمم الكبرى مثل البوذية والبرهمية والزردشتية فانهم لا يعرفون موسى عليه السلام ولا يعترفون بأن التوراة كتاب الله لتستدلوا بآياته وتحتجوا ببشاراته، فكيف تثبتون حقية المسيح لهم وتقيمون الحجة عليهم. وهذا دليل واضح لجهلكم بمعنى البرهان والدليل وعجزكم عن معرفة السبيل ومع ذلك أتنازل لك وأتلو عليك شيئاً من بشارات الانجيل. فتلوت الاصحاح المذكور وقلت له أن هذه الآيات الكريمة تبشر بقيام شاهدين عظيمين لله تعالى وحقية مسيحه وقد قام السيد الرسول العظيم وصهره وتلميذه الفخيم ونادا وشهدا بوحدانية الله تعالى وحقية سيدنا عيسى. فأجاب وقال ليس هذا معنى الشهادة، بل يجب على محمد أن يشهد بأن عيسى قام وخلص العالم ونجّى جميع الأمم. فقلت له كيف نجى وخلص جميع أهل العالم وأنت تعتقد بان أكثر الأمم بقوا في حالة الهلاك الى يومنا هذا، وأنا أسألك عنهم أمة أمة، لئلا نتمسك بالموهوم ونفرح بالمعدوم. بالله عليك يا أبا نمرود، هل خلّص سيدنا عيسى عليه السلام الأمة العظيمة البوذية؟ فقال: لا. فقلت: وهل خلّص الأمة البرهمية؟ فقال لا. وقلت: هل خلص الأمم الزردشتية والفتشية وبل اليهودية تماماً؟ فقال: لا. فقلت: فإذاً نتكلم في الأمم النصرانية، بالله عليك فهل نجّى وخلص باعتقادك الأمم الكاثوليكية؟ فقال: لا. فقلت: وهل نجي وخلص الأمم الارثودكسية؟ فقال: لا. قلت: وهل نجى وخلص اليعقوبية والنسطورية والملكانية وغيرهم ممن ليسوا على المذهب البروتستاني؟ فقال: لا. فقلت: بقي إذاً المذهب الانجيلي ولابد أنك تعتقد ان الصالحين منهم هم أهل النجاة والخلاص وهم جزء قليل من أهل العالم. فكيف يصح قولك أنه عليه السلام قام ونجى جميع أهل العالم، ولو شهد أحد بهذه الشهادة كيف تصدق عند العاقل شهادته؟ وأما نحن لو قلنا أن آباءنا الأمم العظيمة أي الفرس والعرب والترك والخزر وغيرهم ممن يضيق المقام عن تعداد أسمائهم كلهم كانوا عبدة النار وعبّاد الأوثان لا يعترفون بوحدانية الله تعالى ولا يعرفون موسى وعيسى ولكن بشهادة هذا الرسول المجتبى والنبي المرتضى آمنوا بأنه لا إله إلا الله وأن موسى هو كليم الله وأن عيسى هو روح الله وورثنا نحن هذه العقيدة الطاهرة كابراً عن كابر منهم وحفظناها في صدورنا ورسمنا حبهم في قلوبنا لما يمكن لأحد أن ينكره، وهذه هي الشهادة الصادقة والنبوة الواضحة. فقال: أي نعم، ولكن ما تحصل هؤلاء الأقوام على نعمة الخلاص بسبب عدم ايمانهم، فلو آمنوا لتخلصوا، والخلاص مشروط بالايمان. فأجبته وقلت: إذاً ما حصل الخلاص وما تحقق النجاة فلا يصدق، والحالة هذه شهادة أن عيسى قام وخلص العالم، فكيف تطلب أولا أن يشهد رسول الله بمثل هذه الشهادة وثانياً مشروطية الخلاص بشرط الايمان ليس خاصاً بسيدنا المسيح بل هي مزية مخصوصة بكل رسول ومنحة ممنوحة لجميع الأنبياء عليهم السلام. أليس موسى عليه السلام لو آمن به كل الناس لخلصهم من الهلاك. أليس كل نبي بعث إنما بعث لهداية الناس. أليس معنى الهداية إراءتهم طريق الخلاص أو ايصالهم الى سبيل النجاة فليس هذا أمراً خاصاً ممنوحاً لسيدنا عيسى عليه السلام ليقيم الله تعالى شاهدين عظيمين يشهدان بما لم يقع أولا وليس مخصوصاً به ثانياً والى هنا انتهى بيننا الكلام وتفرقنا بسلام.
    فإذا عرفت هذا فلنرجع عما ابتلينا به من التطويل الى ذكر بشارات الانجيل. وجاء في الاصحاح الثاني عشر من كتاب الرؤيا (وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها أكليل من اثني عشر كوكباً وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد. وظهرت آية أخرى في السماء هو ذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤس وعشرة قرون وعلى رأسه سبعة تيجان وذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها الى الأرض والتنين وقف أمام المرأة العتيدة ان تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت . فولدت إبناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد واختطف ولدها الى الله والى عرشه والمرأة هربت الى البرية حيث لها موضع معدّ من الله لكي يعولوها هناك ألفاً ومائتين وستين يوماً) الى آخر الاصحاح. فأعلم يا حبيبي ان في النبوءات كلما أشير الى حيوان أو وحش فانما المراد منه الملوك والدول، وكما استفدت من الايقان المقدس كثيراً ما أطلقت السماء الى سماء أمر الله وسماء الديانة، والشمس على شمس الحقيقة أي القوة القدسية والروح الإلهية والحقيقة النبوية. والقمر على الفرع الكريم المنشعب من الأصل القديم، أي أول بدر يطلع في سماء الأمر بعد غياب الشمس وهو المعبر عنه بقمر الولاية ونير الإمامة، والنجوم على نجوم سماء الدين ودراري فلك اليقين من الزهاد والصالحين والشهداء والصديقين. فإذا عرفت ذلك، فاعلم أن المقصود من المرأة المتسربلة بالشمس في تلك البشارات فاطمة بنت النبي عليه السلام وهي الدرة البهية والكريمة النبوية التي قرنها الرسول عليه السلام بقمر الولاية ونير سماء الهداية أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام ووعد وصرح بأن مهدي آل البيت الذي قضت إرادة الله بأن يملأ به الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلما وجوراً إنما يظهر من سلالة هذين النورين النيرين والزوجين الكريمين. وقد زين الله تعالى تاج فخار فاطمة باثنى عشر كوكباً من نجوم الهداية وبدور الولاية. وهم الأئمة الاثنى عشر الذين ملأت فضائلهم متون الكتب والأوراق واشتهرت مناقبهم في جميع الآفاق رغماً عما أخفته يد الجور والشقاق وسترته مخائل الاستبداد والنفاق. والمقصود من التنين العظيم الذي له سبعة رؤس وعشرة قرون هو الخلافة الجائرة الأموية والممكلة العضوضة المروانية. والمراد بالقرون ملوك تلك العائلة وبالرؤس أكابر تلك الملوك ممن لا يزال أقلام المتملقين(1)
    (1) إشارة الى بعض الجرائد التي يكتبون فيها فضائل بعض الجبابرة الماضين ويكتمون قبائحهم التي صارت سبباً لانحطاط المسلمين). فرج الله زكي الكردستاني.
    ترسم سعة فتوحاتهم وألسنة المتشدقين تلهج بكثرة مملوكاتهم من سبايا البلاد ومنهوبات الممالك. ولا يعرفون ان كل ما تذوقه الأمة في زماننا هذا من مرّ العذاب وتشرق في حلوقهم كدر الشراب إنما هو من نتائج تلك السيول الجارفة الجائرة والزوابع الهائلة المدمرة. ومن يقارن بين خطبة طارق بن زياد حينما فتح مملكة أندلس وقصيدة سيد يحيى القرطبي حينما خرجت تلك المملكة من يد المسلمين يعرف أن الجزاء من جنس الأعمال، وان الحروب لا تولّد إلا الحروب وان طالت بها القرون والأجيال. والمراد بذنب هذا التنين أمراء تلك الخلافة الظالمة والملوك الجائرة حيث كانوا يضطهدون العترة النبوية ويقتلون كل صالح من الأمة الاسلامية وناهيك الحجاج الظالم الشهير، فإنه وحده يكفي لغلبة الأمويين على ملوك العالمين إذا افتخر الملوك يوما بالولاة الظالمين والأمراء السفاحين. وقد كانت شعلة سيفه لواحة للبشر ونار ظلمه لا تبقي ولا تذر. وقد رأيت في بعض التورايخ المعتبرة وأظنه كتاب "مروج الذهب ومعادن الجوهر" أن خالد بن يزيد ابن معاوية، مرّ يوما في سكك دمشق فصادفه الحجاج في الطريق، فلما رآه خالد، قال: أيهٍ عمرو بن العاص إشعاراً بدهائه ومكره. فأنف حجاج من هذه النسبة وتشبيهه بعمرو. فأجابه وقال: أنا قتلت بسيفي هذا مائة ألف من المسلمين ممن كانوا يشهدون بكفر أبيك. يعني أنه خدم الأمويين وقتل من المسلمين في إقامة ملكهم ما لم يبلغ عمرو معشاره، فكيف يضع من قدره ويشبهه به. وممن قتل بأمر حجاج، سعيد بن جبير وهو أحد الزهاد المشهورين ممن قل نظيره في المسلمين. ومما ذكرنا تفهم معنى قوله وذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها الى الأرض. والمراد بالولد الذي ولدته المرأة وهو عتيد أن يرعى العالم بعصا من حديد هو الحسين عليه السلام وهو الذي صعد الى سماء جوار الله بالشهادة. ومن يراجع خطب أمير المؤمنين وأخبار أئمة أهل البيت عليهم السلام يعرف المقصود مما بشر به سيدنا عيسى عليه السلام في هذه البشارات ولها اشارات دقيقة ونكات عالية ومعان سامية نصرف النظر عن بيانها الآن لضيق المجال وعدم الفرصة ونرجئها الى فرصة أخرى ان شاء الله.
    ولما كانت الأيام أيام مقتبل شبابك وبدء النشأة، فاعلم يا حبيبي ان المناظرة والبحث لها آداب وقوانين يجب مراعاتها عليك لئلا تبعد السائل عن الحق وينتهي الأمر الى ضد المطلوب ويتجدد الضغائن والاحن الكامنة في القلوب. فيجب على المناظر أن يحترم مناظره ويراعي عواطفه ولا يؤلمه بالكنايات الخشنة ولا يجرح احساساته بالعبارات المؤلمة وأن يكون مقصدهما الإفهام والاستفهام لا المهاترة والمغالبة في الكلام. وإذا سمع العالم من مناظره عبارة مؤلمة أو كلمة موحشة يجب عليه أن يقابله بالعفو والاغضاء ويلاطفه بالمحبة والولاء ليقرّبه الى الحق ويزيح عن قلبه غشاوة الجهل، وإلا لينتهي الأمر ولا شك الى المراء والجدال وتوقد نار الحقد في صدور الرجال ويأول الأمر بينهما أخيراً الى الحرب والنزال. إذ من المعلوم أنه ما فتحت أبواب المحاربات الهائلة بين الأمم إلا بعدما وقعت بينهم من المناظرات الدينية وجرحت إحساسات الطرفين ببذاء لسانهم في الاختلافات العلمية. فشرعت رؤساء الأمم أسنة أقلامهم في تسطير الردود والاعتراضات والتعريض والتعرض بمن يحترمهم أصحاب المذاهب والديانات. فكتبوا ما أمكنهم من الكذب والبهتان على مؤسسي الأمور وشارعي الأديان. حتى جاشت الصدور وغلت النفوس فتبدلت حروب الأقلام بحروب السيوف، وتسطير السطور بتأليف الصفوف، فأريقت ما أريقت من الدماء البريئة وهدمت ما هدمت من البلاد العامرة، مما لا يمكن أن يطلع على بشاعة منظره وفظاعة مخبره إلا رحّالة سوّاح في الأقطار جوّاب في الأمصار يجوب خلال البلدان والديار ويرى ببصره آثار ما يقرؤه في الصحف والأسفار. فيقف على تلك الطلول الموحشة والخرائب المستوحشة ويبكي على ما جرّته عليها الألسنة الوقحة والأقلام الطائشة. وإني لن أنس أبداً ما اعتراني من الدهشة وصادفني من الحيرة حينما زرت مدينة (شهرستان) سنة 1892 من التاريخ الميلادي في البلاد التركمانية مع بعض أفاضل ضباط الأمة الروسية. فقد رأينا تلك المدينة التي كانت مولد العلامة محمد الشهرستاني صاحب كتاب "الملل والنحل" خراباً يباباً قاعاً صفصفاً لا يأوي اليها إلا الثعالب والجرذان ولا يمر عليها إلا رعاة القبائل الرحل من التركمان. وحقيقة من يسافر الى بلاد خوارزم ويرى تلك الصحراء التي تقطعها سكة حديد روسيا مدة يومين وليلتين تقريباً من بحر الخزر الى نهر جيحون، فبخار أو سمرقند، لا يرى فيها إلا أطلال المدن الكبيرة وخرائب البلاد الشهيرة من قبيل جرجان، ونساء، ودرون، وابيورد، وشهرستان، ومرو وغيرها من العواصم التي كانت سابقاً زاهرة بالمعارف والعلوم وعامرة بالمهن والفنون، بل كانت موئل المدنية والحضارة ومنبت فروع الخلافة والإمارة، ثم آلت أمرها الى الخراب والبوار بما وقعت فيها من المحاربات الهائلة الدموية بسبب الاختلافات المذهبية بين السنية والشيعية. فأريقت فيها من الدماء وهدمت القرى وأيتمت من الأطفال والأولاد واستأسرت من النسوان والبنات ما لا يمكن أن يحصيه المحصون. فلا يرى فيها إلا بلاداً خالية بائرة ومزارع متروكة داثرة ومعالم موحشة دارسة. ولابد لله تعالى بسابق عدله ومحتوم قضائه من أن يطالب هؤلاء العلماء الذين فتحوا أبواب الخصومة بين الناس وملاؤا القلوب بالعداوة والبغضاء وأوغروا الصدور بالنفور والجفاء بتلك الدماء المسفوكة والأعراض المهتوكة والبلاد الداثرة والقرى والمزارع البائرة. ويكفي العاقل فيما أشرنا اليه تلاوة الآية الكريمة (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).
    واني كنت أترقب الفرص دائماً لألقي على مسامع أهل الفضل وأعرض على جنابهم أن العالم بسيره الحثيث الى التقدم والارتقاء لابد من أن يرتقي يوماً في مراتب حسن العواطف ودماثة الأخلاق ومحامد الأوصاف وطيب الأعراق الى أعلى درجات الكمال وأرقى مراتب الاعتدال. فتضع الحروب كما تشهد به الكتب السماوية أوزارها وتبرز أراضي القابليات كما هو منصوص في الوعود الإلهية كنوزها وأسرارها. فتتغير أخلاق الأمم وتتلائم عوائد أهل العالم. فتتبدل بغضهم بالمحبة وجفاءهم بالألفة وخشونتهم باللين والملاطفة (فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل فلا ترفع أمة على أمة سيفاً ولا يتعلمون الحرب فيما بعد) أفلا ينظر الينا أخلافنا إذ ذاك بالاحتقار والازدراء كما نحن ننظر الى السابقين ويرسمون رسومنا في صفوف أصحاب البداوة والتوحش كما نحن نتصور في الغابرين. ألم يأن لنا أن نقوم من رقدتنا وننهض من كبوتنا ونراجع عقولنا ونتفكر قليلا فيما يأول اليه أمورنا. فنطرح عن أعناقنا ثقل العصبية الجاهلية ونمحق عن دفاتر صدورنا سطور الأحقاد الدينية والمذهبية، فنربي أبنائنا بالمحبة والرأفة بدل ما كنا نربيهم بالعداوة والضغينة، ونرسم في قلوبهم رسوم المودة والولاء بعدما كنا ننقش فيها نقوش المنافرة والجفاء، ونتلوا على آذانهم آيات الحب والوفاق بعدما كنا نقرع مسامعهم بنغمات البغض والشقاق. فتبتهج إذاً أقطار الأرض ببشائر الفرح والسرور وتزهر رياض الملك بزهور الانبساط والحبور. فنصير نحن ورثة كلمة الانجيل الجليل (طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض. طوبى لصانعي السلام) ونكون نحن مصاديق ما نزل في الفرقان الحميد (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا). ولا يمكن أن تذهب تلك الأحقاد القديمة من القلوب إلا بأن تحترم رؤساء الأمم بعضهم بعضاً ولا يتكلم أحد في حق غيره إلا بلسان الأدب ولا ينتقد عالم على عالم من غير دينه ومذهبه إلا بغاية الاحترام. نعم يجوز الانتقاد على كل عالم، بل الانتقاد من آيات الارتقاء ولكن النقد غير الشتم والافهام والاستفهام غير الملاعنة والسباب. فهّلا يحترم المسيحي مثلا رؤساء المسلمين في بياناتهم ومقالاتهم والمسلم أكابر المسيحيين في كتبهم ومصنفاتهم والسني أكابر الشيعة والشيعي رؤساء أهل السنة لتذهب بتلك الأحقاد القديمة وتغسل أدران تلك الأخلاق الذميمة لتنبت في أراضي الصدور بدل أشواك النفور أزهار الانبساط والحبور ويرثوا فردوس الانسانية الحقيقية في جوار الرب الغفور.
    وإني وأيم الحق ما سرّني شيء من الرسائل والمقالات في هذه الأيام الأخيرة بمقدار ما سرتني رسالة من الرسائل التي أنشأها الكاتب الفاضل المجيد حضرة جاد عيد أحد الشباب المهذبين من الأمة الفخيمة المسيحية والمتخرجين من المدراس السورية جواباً لصاحب جريدة (ثمرات الفنون) التي تطبع في مدينة بيروت في المسألة التي دارت المناظرة فيها بين حضرة هانوتو وزير الأمور الخارجية سابقاً في الممالك الفرنساوية وأحد الأئمة الاعلام من محققي علماء الاسلام في الديار المصرية فاختلف أصحاب الجرائد في مصر وقام كل فريق لنصرة صاحبه فكثر القيل والقال واشتدت المجادلة والنضال حتى انتهى الأمر أخيراً بينهم الى طلب المبارزة والنزال. وخلاصة ما دار بين الفريقين على سبيل الاجمال هي أن المسيو هانوتو كتب مقالات متتابعة في جريدة (الجرنال) الباريسية في الديانة الاسلامية والطريقة التي يجب على حكومة فرانسا اتخاذها في معاملة رعاياها المسلمين من أهل تونس والجزائر وسائر البلاد الغربية. وكان في جملة ما كتبه هانوتو ان الديانة الاسلامية مبنية من انقاض الديانة السامية القديمة ومؤسسة على تلك العقائد السقيمة العقيمة وهي دين يفضي الى الانحطاط والهبوط ويوجب الكسالة والخمول لما فيه من الاعتقاد بوحدانية إله منزّه مقدس عن جميع ما يرتبط بالجسم والجسمانيات ولا رابطة بينه وبين الخلق الا العبادة الأعمى والخضوع المطلق للقضاء والقدر، بخلاف الديانة النصرانية فانها توجب النشاط والجلاد والتقدم والارتقاء الى غاية ما يتصور في الكمالات البشرية ومعالي الرتب الانسانية فانها مؤسسة على أساس الديانة الآرية التي كانت ديانة اليونانيين القدماء، فانهم كانوا يشبهون الآله بانسان في أوصافه وأعماله ولابد من أن تفضي هذه العقيدة الى امكان التقرب الى الذات الإلهية حتى يعد الانسان في مصاف الآلهة السماوية. ثم استطرد الكلام بكيفية معاملة حكومة فرنسا مع رعاياها المسلمين وتأسف أنها لم تتخذ بعد طريقة معلومة من الشدة والعسف أو الرفق واللين في معاملتها مع هؤلاء المساكين. حيث أن السياسيين ورؤساء أهل النظر منهم اختلفوا في هذه المسألة، فكيمون وأمثاله حكموا بوجوب معاملة المسلمين بالشدة والقسوة بسبب أنهم حسبوا الديانة الاسلامية عدواً لدوداً للديانة النصرانية لِما وجدوا في أحكامهما من الاختلافات الفرعية. قال كيمون في كتابه (باتو لوجيا الاسلام) أن الديانة المحمدية جذام فشا بين الناس وأخذ يفتك فيهم فتكاً ذريعاً. بل هي مرض مريع وشلل عام وجنون ذهوليّ يوقع الانسان في الخمول والكسل ولا يوقظه منهما إلا ليسفك الدماء ويدمن على معاقرة الخمور ويجمح في القبائح، وما قبر محمد في مكة إلا عمود كهربائي يبث الجنون في رؤس المسلمين ويلجئهم على الاتيان بمظاهر مرض الصرع العام والذهول العقلي وتكرار لفظة (الله) الى ما لا نهاية والتعود على عادات تنقلب الى طباع أصلية مثل كراهة لحم الخنزير والنبيذ والموسيقى والجنون الروحاني والليميا أو الماليخوليا وترتيب ما يستنبط من أفكار القسوة والفجور والانهماك في اللذات (الى الآخر). ثم حكم "كيمون" بأنه يجب إبادة نحو خمس المسلمين والحكم على الباقين بالاشغال الشاقة وتدمير الكعبة ووضع ضريح محمد في (متحف اللوفر). وحكم بعضهم بأن دين الاسلام ومدنيّته متصل مع دين النصرانية ومدنيّته بعروة الاخاء والتصاحب وتطرف بعضهم فاعتبر الاسلام أرقى مبدأ واسمى كعباً من الدين المسيحي. قال القس الفاضل والخطيب الطائر الصيت "ياسنت لوازون" ان الاسلام هو الدين المسيحي محسناً ومحوراً ونصح الفرنساويين الذين يتلمسون ديانتهم المفقودة أن يستعينوا بالاسلام للعثور على ضالتهم المنشودة. وذهب بعضهم الى لزوم احترام الاسلام حيث أنه بمنزلة القنطرة التي يمكن أن يجتاز بها الأمم الوثنية الافريقية من الديانة الفتشية الى الديانة المسيحية. ثم بعد ما نقل مسيو "هانوتو" تلك الأقوال المتفاوتة والآراء المتباينة طلب من رؤساء الدولة الفرنساوية وكبار ساستها أن يتفقوا على مبدء سديد وطريقة مثلى من تلك الآراء المتضاربة المتخالفة في معاملة أمة كبيرة تشتمل سكان نصف قارة أفريقيا لتنتهي الى العاقبة الحسنى في حفظ كرامة الجمهورية العظمى. فلما نشر "هانوتو" مقالته هذه ووصلت الى مصر وأدرج صاحب جريدة (المؤيد) ترجمتها في جريدته، هاجت بها عواطف الأمة المصرية حيث أنها كانت تمس كرامة الديانة الاسلامية، فكتب الإمام المذكور كما ذكرناه آنفاً رداً عليها في غاية المتانة بما لم يسبق له نظير من علماء المسلمين في هذه الأزمان في اتقان البيان وقوة البرهان وسلاسة الكلام وحسن التبيان. فلما أدرج صاحب جريدة "المؤيد" مقالة حضرة الامام في جريدته تلقيها الأفاضل بغاية السرور وابتهجت بها النفوس وانشرحت لها الصدور. فانبرى لمعارضتها جماعة ممن ينتمون الى الأمة الفرنساوية وفي مقدمتهم صاحب جريدة "الأهرام" الشهيرة فانه كتب مقالات متتابعة تارة في رد صاحب المؤيد وتارة في الاعتراض على أصل مقالات الامام. ومن جملة ما كتب في هذا الموضوع هو أن صاحب جريدة المؤيد حرّف مقالة هانوتو وترجمها على خلاف مقصود قائلها. فلما استفاض الأمر واستطار صيته وتجاوزت أخبار المعارضة والمطاولة من قطر مصر الى بر الشام وانتش

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى