منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 28 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 28 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    فرخندة ترثى الشهيدة منى

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    جزء مما كتبته السيدة: فرخندة محمودنژاد في شرح وقائع حياة منى محمودنژاد:

    منى فتاةٌ ولدت إبان الحرب وإستشهدت في زمن الحرب، بينما سعت في عمرها القصير للسلام ووحدة العالم الإنساني، وضّحت بحياتها في ذاك السبيل.
    لا أدري من أين أبدأ وماذا أكتب؟ منى يا روحي أنتِ بنفسكِ ساعديني.. أريد أن أكتب قطرةً من بحر حياتك الزاخر باللطف والصفاء والإخلاص.. منى يا حياتي أنتِ تعلمين من أين أريد أن أبدأ.. من زمانٍ ومكانٍ فيها رأت روحك الغلاب النور في عالم الوجود.. أجل أنا ووالدك وأختك ترانة الجميلة ذات السنوات الخمس كنا مهاجرين في لحج إحدى مدن اليمن الجنوبي.. كانت حياتنا عامرةً بالعشق والمحبة، وغمرنا الفرح والإبتهاج أكثر عندما علمنا بأنك ستنضمين إلينا وتمنحين لحياتنا لمعاناً وتألقاً أكثر من ذي قبل.. عندما كنتُ حاملاً بكِ كانت البلاد تمر بأزمةٍ
    خانقة، إذ أنها كانت مستعمرة إنجليزية وكان العرب يطالبون بالإستقلال.. فلذلك كانت نائرة الحرب مشتعلة.. وعندما حان موعد ولادتكِ، لم يكن في لحج مستشفىً مجهز بالإمكانيات اللازمة وكنا قد فقدنا قبلك مولوداً بسبب عدم تلك الجاهزية.. لذلك لم نكن مستعدين لنفقدك أنتِ أيضاً.. حاولنا كثيراً لأن نسجل إسمي "كحامل على وشك الولادة" في سجلات إحدى مستشفيات عدن ونجحنا في ذلك.. بناءً على ذلك عندما حان موعد ولادتك إنتقلنا -وبصعوبةٍ بالغة- إلى المستشفى، بعد أن خضعنا في الطريق -وفي كل ألف متر- إلى الإستجواب والتفتيش البدني وغير ذلك.. على أيّ حال فقد وهبك الله هدية لنا.. ولكن عندما أتيتي إلى هذا العالم لم تكن لدينا ملابساً لنلبسكِ إياها.. إذ أننا ونتيجة لتشتت أفكارنا كنا قد نسينا أن نأخذ حقيبة ملابسك معنا.. أتعلمين لماذا؟ لأنكِ كنتِ قد ولدتِ في زمن الحرب.. وقال لنا الطبيب: لو تأخرنا عدة دقائق أخرى لكنتِ متِ إختناقاً.. منى يا روحي ما كان مقدراً لكِ أن تختنقي في ذلك اليوم، إذ كان الله قد أعدّكِ لأمرٍ أكثر عظمة.. حياتنا كانت تمضي في لحج على وتيرةٍ واحدة.. إلى أن صرت ذات الشهور الست من عمركِ.. إنتقلنا أنا ووالدك الذي كان يجب أن يهاجر إلى مكانٍ يوجد فيه مهاجرون ويُكمل عددهم ويكون رائداً في هذا المضمار، إلى دار سعد "إحدى البلدات الحدودية بين عدن ولحج".. في دار سعد لم نكن نعرف أحداً.. ولكن كنا نعيش نحن الأربعة حياةً جيدة وهادئة.. ورغم كوننا غرباء إلا أننا سعينا جاهدين أن نقيم مع أهل المدينة علاقات حميمة ونتعاشر معهم.. كوّنا صداقات عائلية مع الجيران.. مع أنهنّ لم يكنّ يهتمنّ بالنظافة كثيراً، ولكننا كنا نحاول أن نسايرهنّ، كانت من عاداتهنّ إذا أحببنّ مولوداً حباً عميقاً، يضعن في فاه الرضيع شيئاً من لعاب فمهنّ، ويجعلنّه يبتلع ذلك اللعاب، كنا نحاول أن نضع الوساوس جانباً وبما أنكِ كنتِ طفلة محبوبة لدى الجميع، فإنكِ كنتِ كثيراً ما تتذوقين لعاب الكثيرات من أهالي ذلك البلد، ونحن كنّا قد فوضنا أمركِ إلى الله ليحفظكِ من الأمراض والأوبئة.. وكان ما كنا نريد.. كنتِ تكبرين وتكتسبين قوةً يوماً بعد يوم.. بدأتي تحبين وتتقدمين خطوةٍ خطوة وتلفظين بضع كلمات.
    وعندما أصبحتي إبنة سنتين كانت الحرب قد وصلت إلى ذروة ضراوتها.. كان الناس يغادرون تلك المدينة الصغيرة ويتوجهون إلى الأرياف أماكن ولادتهم.. المدينة كانت قد خلت شيئاً فشيئاً من السكان إلا من مجموعة قليلة من العساكر الذين كانوا قد جاءوا من الأرياف، إذ أن الجنود المدربين كانوا يحاربون في الحدود.. ذات يوم جاءت إحدى الجارات إلى منزلنا وكانت صديقة حميمة وقالت لي: يا أم منى أرجوكِ أن تأتي معي إلى قريتنا.. إذ كان زوجك يريد أن يبقى هنا لا بأس بذلك، ولكن من المستحسن أن تأتي وطفلتيكِ معنا.. المدينة واقعة في الحصار ومن الممكن أن يصيبكنّ مكروه.. تشاورت مع زوجي بهذا الخصوص وكان مما قال: إننا جنود الجمال المبارك والجندي لا يترك خندقه أبداً.. وأنا على يقين أنكنّ لن تفتقدن حتى شعرةٍ واحدةٍ من رؤوسكنّ.. إذ أننا مطمئنين وموقنين على تأييده وتوفيقه.. نعم، ذهبت تلك الجارة والصديقة -أيضاً- إلى قريتها، وأصبحنا بعد ذلك وحيدين حقاً.. كان تيار الكهرباء مقطوعاً والجو حاراً جداً، لم يكن لدينا ماء للشرب.. كان التراب والغبار المنتشر في الجو يصول ويجول.. لم نكن قادرين على الإستحمام.. وكنتِ قد أصبحتِ يا ملاكي الصغير شبيهةً بالدمية المصنوعة من الطين، ولكنكِ كنتِ تلعبين وتمرحين وتتقافزين غير آبهةً بما حولكِ.. وكانت روحكِ مفعمة بالفرح والبهجة.. كان الطعام والفاكهة معدوماً ولم يكن لدينا ما نأكله إلا كيس أرز وكيس سكر ولكن بدون قطرة ماء.. أنتِ وأختكِ كنتما تذبلان شيئاً فشيئاً أمام أعيننا.. والدكِ لم يقدر أن يتحمل الوضع وقال: لا أستطيع أن أرى طفلتاى تموتان أما عيني من الجوع والعطش.. سأخرج إلى السوق لعلني أجد طعاماً أو فاكهة.. ودعنّاه نحن الثلاث لإحتمال عدم عودته.. حالتي في ذلك الموقف لا توصف.. تساءلت: هل يعود؟ إن لم يعد ماذا عساي أن أفعل مع هاتين الطفلتين؟ تأييدك يا رب.. مضت ساعة واحدة، فساعتان ثم ثلاث ساعات مع مرارة الإنتظار الرهيب والقاتل.. لم يعد زوجي الحنون بعد.. أما أنا وبعدما شعرت أن مسئولياتي قد إزدادت، فقد فكرت في أن أدبر تدبيراً وأنقذ حياة طفلتّي من الموت المحتوم.. فأخذتُ إناءً وصعدت إلى سطح المنزل وجمعتُ بملعقة كبيرة الماء الراكد المتبقي في قاع خزان الماء، إذ أن الماء ما كان ينزل إلى الأسفل عبر الأنابيب لقلته.. كانت الديدان تتراقص داخل الماء.. نزلتُ من السطح وبعيداً عن أعينكما قمت بتصفيتها وغليها ثم شرّبتكما إياه قليلاً.. كانت أصوات المدرعات والمدافع والرشاشات مدوية.. تهز البيت هزاً وترعبكما.. كنتِ صغيرة وتحبين النظافة.. وعندما تصيب قذيفة أو رصاصة جدران البيت وينتشر جراء ذلك الغبار أو قطع الأحجار أو قطع الزجاج المتكسرة، لا يهدأ لكِ بال إلا بعد أن تمسكي المكنسة وتجمعي القاذورات.. ذات ليلة كنا وضعناكِ تحت السرير لتنامي هناك، فإذا بكِ قد خرجتِ وفتحتِ باب المطبخ وأخذتِ مكنسة وبدأت بتنظيف الأتربة المتراكمة هناك.. كان من الممكن أن تصيبك رصاصة.. كنّا نعطيكما أقراصاً منومة قوية وعند إستيقاظكما صباحاً تشعران بغثيانٍ شديد وعندئذٍ كان لابد من أن تأكلا شيئاً من الطعام .. كان لون بشرتكما أصفراً و بنيتكما ضعيفة.. فكرتُ في أن أطبخ لكما غذاءً ذو قيمةٍ عالية مع الماء القليل الموجود عندي.. فكرت بأن الحلوى بإمكانها أن تكون طعاماً جيداً.. إذ تحتوي على جلوكوز وأيضاً تحتوي على سعرات حرارية مناسبة.. وضعت قليلاً من السمن في مقلاة وأضفت كمية من الدقيق الأحمر.. سمعت طرقة على الباب.. فتحت ترانة الباب دون أن تستأذن مني أو تسأل عمن هو الطارق ظناً منها أنه والدها.. كنا نسكن في الطابق العلوي من العمارة، وبما أنه كان يوجد هناك ذبابٌ كثير، لذا كان داخل العمارة بابٌ من الشبك للحماية داخل الغرف من دخول الذباب.. رأيتًُ أن ترانة تريد أن تدخل العمارة برفقة ثلاثة رجال مسلحين.. يا إلهي، ماذا أفعل؟ فتحتُ الباب على الفور وسحبتُ ترانة إلى الداخل، وأغلقتُ الباب في وجوههم.. صوبوا فوهات رشاشاتهم التي كانوا يحملونها نحونا وقالوا إفتحوا الباب.. لم يكن لدي خيارٌ آخر إلا أن أفتح الباب.. الجدير بالذكر أن هؤلاء العساكر كانوا قذرين جداً، ربما لم يكونوا رأوا سيدةً منذ شهور.. تملكني الشعور بالذعر عندما رأيت أنهم لن يرحموا حتى طفلتّي القاصرتين ناهيك أنا.. قلت: يا جمال المبارك قد أودعتُ نفسي وأطفالي في قبضتك.. رأيتُ في ذلك اليوم وبأمّ عيني قوة الإيمان.. منى أنتِ الملاك الصغيرة ذات العينين الجميلتين والتي بدوتِ كأنكِ واقعة أسيرةً في قبضة صيادٍ جائر، قلتِ: أنتم سيّئون.. قلتُ لترانة بلهجةٍ آمرة: خذي بيد أختكِ وقفي خلفي، ففعلت.. إذ كانت ملاكي الصغير ترتجف خوفاً.. قلتُ سابقاً أنني كنتُ منهمكة بإعداد الحلوى.. كان السمن والدقيق في المقلاة يحترقان ويتصاعد منهما دخانٌ كثيف.. فكرتُ في أن أضيف قليلاً من السمن.. كانت المقلاة مليئة إلى النصف بالسمن والدقيق.. كان الرجال يقولون: أين تخفون القنابل والسلاح في منزلكم؟ وأنا أقول لهم: إبحثوا عنها أنتم بأنفسكم، إنها مسئوليتكم أنتم.. وإن وجدتموها فهي لكم.. ولكن إعلموا أنه لا يوجد لدينا سلاحٌ قط.. وإن فتشتم من الآن إلى الليل فلن تجدوا شيئاً.. في أثناء حديثي معهم رأيتُ أن أحدهم يتجه رويداً رويداً نحوي ويحاول أن يقترب مني أكثر فأكثر وله قصدٌ غير شريف.. صرختُ فيه قائلةً: قف مكانك وإلا رششتُ هذا السمن الساخن على وجوهكم.. هنا أدركوا الموقف وحاولوا أن يبعدوني عن المقلاة وسمنها المذاب.. ولكنها كانت بيدي سلاحاً جيداً.. فقلتُ لكما: لا تبعدا عني.. ثم إتجه العساكر صوب كيسي الأرز والسكر وقالوا: إنهما يحتويان على القنابل.. قلت فتشوها.. بينما كنتُ أمسك بالمقلاة بيدي، وأصيحُ بـ "يا بهاءالله" إذ كان إيماني بتأييده أقوى سلاحي، بركلةٍ من رجلي، طرحتُ على الأرض كيسي الأرز والسكر اللذان يزن كل واحدٍ منهما مائة كيلوجرام، فقلت: جدوا تلك الأسلحة التي أنتم عنها تبحثون.. قسماً بألوهية الإله، أنني لم أكن قادرة على تحريك كيس من الأرز بكلتا يدّي ورجلّي، ولكنني في ذلك اليوم، ونتيجة لشدة هيجاني ومعاناتي وأيضاً لإيماني العميق بالله وبالجمال المبارك، إستطعت أن أقلب كيسي الأرز والسكر معاً، مما أثار دهشة العساكر وذهولهم.. ثم قلتُ لكما أن تذهبا إلى صحن المنزل وهرولتُ بعدكما وصرختُ بأعلى صوتي: أيها الناس أنجدوني.. ولكن لم يكن هناك أحد لينجدني.. كل ما هنالك عدد من الإبل فقط.. قال لي العساكر:هل كل الإيرانيات لبؤاتٌ بمثلك إلى هذا الحد؟ هنا فتح والدكِ الباب بالمفتاح الذي كان معه ولحق بنا وأنقذنا أنا وأنتما من كل تلك المحنة والعناء.. لقد غادروا المنزل برفقة والدكِ متجهين إلى ورشة عمله لإصلاح الراديوهات والتلفزيونات، وهناك كسروا جميع الزجاج ودواليب الورشة، وقالوا له: أمامكم أسبوع واحد لمغادرة البلد.. بعدما غادروا المكان، كنتُ أحتضنكما وأشكر الجمال المبارك وأقول: أنا رأيت تأييدك اليوم بأّم عيني.. إن لم أكن في ذلك اليوم بصدد إعداد الحلوى، فلا أدري أيّ مكروهٍ كان سيصيبنا.. منى كنتِ تمسحين دموعي بإصبعك، وترانة كانت تهدئني وتقول: أمي، لا تنزعجي، لقد غادروا المنزل.. نعم خلال أسبوع واحد بعنا الورشة بثمنٍ بخس، أو ربما أعدنا إلى المالك المكان مجاناً وإنتقلنا إلى المنصورة إحدى مدن عدن.. لم تمض أكثر من عدة أشهر حتى وجدتُ نفسي في المستشفى.. كان والدكِ نقلني إليه بمساعدة أحد جيراننا الإنجليز الذي كان "أو ربما كانت إذ لا توضح الجملة الفارسية ذلك" ممرضاً، إثر تدهور حالتي الصحية في منتصف الليل.. لازمتُ الفراش، في المستشفى، لعدة أيام، ثم رجعتُ إلى البيت.. ولكن لم تكن صحتي جيدة.. لم أكن قادرةً على تدبير شئون البيت وأنتما.. ترانة كانت تذهب إلى المدرسة، وأنتِ كنتِ تذهبين مع والدكِ إلى ورشة إصلاح الراديو والتلفزيون.. حدث في يومٍ من الأيام وبينما كان والدكِ في ورشته منشغلاً بعمله وأنتِ معه، تسأمين من رتابة الموقف وتخرجين إلى الشارع وتصدمكِ سيارة كانت مسرعة، إرتفعتي، إثر الصدمة، من الأرض وسقطي فوق السيارة القادمة من الأمام ومن فوق السيارة الثانية سقطي مرةً أخرى على إسفلت الشارع.. كان الناس يظنون أنكِ فارقت الحياة إذ كنتِ مغطاة بالدماء، ولكن الله أنقذكِ مرةً أخرى.. في الحقيقة نسيت أن أقول، عندما كنتِ في الشهر السابع أو الثامن من عمركِ، كانت الصراصير تجول وتصول في جميع أرجاء بيتنا.. فكرنا بأن نقوم برش مسحوق (د-د-ت) للقضاء عليها.. كنتِ قد تعودتِ على الصراصير وكنتِ تعتبرينها دمية متحركة.. حدث أن أمسكتِ بإحداها وكانت مسمومة وأكلتها فتسممتِ.. عندما وصلت إستطعتُ أن أنزع جناح الصرصور-فقط- من فمكِ.. لم يخطر على بالي أنكِ ربما تكوني قد أكلتها.. بعد ثلاثة أو أربعة ساعات، بدأتِ ملاكي الصغير بالقيء والإسهال.. أخذتكِ إلى الطبيب بعد أن كاد جسمكِ يفقد كل سوائله.. بعد وصولنا إلى المستشفى، رفض الطبيب المعالج معاينتكِ وقال أنا لا أعاين ميتة.. رجوته وتوسلت إليه وتوسل والدكِ وأيضاً توسل شخصٌ آخر كان معنا.. أخيراً وافقوا على معاينتكِ وإعطاء الدواء اللازم.. بدأتِ صغيرتي تفتحين عينيكِ شيئاً فشيئاً.. إندهش الطبيب وقال: إن الله قد وهب حياةً جديدةً لهذه الطفلة.. قدموا لها قرباناً.. أجل أشرفتِ على الموت مراتٍ ومرات ولكن الله قد قدر لكِ تقديراً آخر.. إستمرت حالتي المرضية طويلاً.. والعلاج لم يكن مفيداً.. إلى أن بلغتي من العمر أربعة سنوات.. قال الطبيب المعالج: القيام برحلةٍ لتغيير الجو، ربما يساعدني على الشفاء.. في يومٍ من الأيام وجدت نفسي فيما بين عائلتي في إيران.. إستمرت المعالجة في إيران، في مستشفى السوفيت إلى أن تحسنت حالتي الصحية وفيما بعد شُفيت تماماً.. كنا في تبريز عندما ذهبتي لأول مرة إلى المدرسة.. كنتِ قد أكملتِ السادسة من عمركِ.. كنتي تعشقين المدرسة والمدرسات.. عندما كنتي تنتقلين من مدرسةٍ إلى أخرى، كنتي تصابين بالحمى وتمرضين لعدة أيام، ولكنكِ كنتي تتقبلين المدرسة الجديدة أيضاً بسرعةٍ كبيرة.. كنتي تحبين زميلاتكِ في المدرسة، بل تعشقين كل أبناء البشر.. كنتي تحبين "شيراز" موطن حضرة الأعلى.. تقولين: يا أمي أتمنى أن أذهب إلى شيراز وأزور البيت المبارك.. وتتسائلين: هل من الممكن أن ننتقل إلى شيراز؟ وكان عشقكِ ومحبتكِ لشيراز ينمو ويترعرع يوماً بعد يوم.. إلى أن تحقق ما كنتي تصبوين إليه.. عندما إنتقلنا إلى شيراز كانت دموع الشوق لا تفارق عينيكِ، دموعٌ تكشف عن اللهفة الكامنة بداخلكِ وتقودكِ في مسيرتها نحو التقرب إلى عتبة الحق.. كنتِ تحاولين أن تكوني تلميذةً متميزةً في صف درس الأخلاق.. تتعلمين الأشعار والأناشيد الأمرية تعلماً جيداً وتعلمين الآخرين أيضاً.. في الضيافات تحاولين دائماً أن تقرأي شيئاً، وفي جلسات أيام الأعياد تمثلين في مسرحيات ترفيهية وأمرية، لإدخال السرور والبهجة إلى قلوب الأحباء.. بعد أن كبرتِ في السن وبدأت تنضجين أكثر، كنتِ تذهبين إلى الجلسات الأمرية، إلى جانب دروسكِ الأخلاقية المعتادة.. كنتِ في جميع دروسكِ مجتهدة ومثابرة جداً.. كتبتِ في مذكراتكِ وأنتِ فيما بين الثانية عشر والثالثة عشر من عمركِ قصة إستشهاد والدكِ التي رأيته في عالم الرؤيا.. عندما تمرض إحدى صديقاتكِ تذهبين لزيارتها.. في حالة وفاة والد أو والدة إحداهن تحاولين أن تخففِ عنها وطأة الفجيعة وتكوني مصدر سلوى لها.. في المدرسة جرّ موضوع تعبيرك إلى الأمر والتبليغ.. تقول إحدى زميلاتكِ: كنتِ في مكتب مديرة المدرسة، سألت المديرة ناظرة المدرسة عن سبب تجمع البنات في مكانٍ واحد؟ فرّدت الناظرة وبكل هدوء: لا بد وأن منى محمودنژاد قد جاءت وتجمعت الفتيات حولها.. كنتِ تقبلين البنات وتحبيهن، وكذلك تبادلكِ البنات حبكِ لهنّ بحبهنّ لكِ.. تعرفين أن المحبة والصداقة توّلدان المحبة والصداقة.. لا أدري أيّ قوةٍ تملكينها حيث حتى المدرسات يحبونكِ.. عندما حان موعد تسجيلكِ، كانتِ تغمركِ سعادة بالغة لا توصف.. كنتِ تقولين: أريد أن أحتفل بمولدي الحقيقي.. كنتِ تحاولين دوماً أن تدّخري مصروفك اليومي، لتشتري به لتلاميذ دروسكِ الأخلاقية دفتراً وقلماً وهدية.. كان من المفروض أن تقطعي مسافة ما بين البيت والمدرسة بسيارة أجرة ولكنكِ كنتِ تحاولين أن تعودي إلى البيت مشياً على الأقدام وتدّخري أجرة السيارة لتشتري بتلك الأجرة هدية للأطفال وصديقاتك.. كنتِ تقولين: أنا هكذا أحب، إذا كنتُ لا أقدر أن أعمل لأكسب، أريد أن أدفع هذه المبالغ من جيبي.




    ** قسم من رسائل السيدة فرخندة محمودنژاد والدة منى الشهيدة:

    "... كنتُ أتمنى أن تكونوا موجودين هنا، لتقر أعينكم بمشاهدة جمال هؤلاء العشاق، عشاق الدرب الإلهي وأعزاء مسلك العشق والوفاء، وتزوروا هذه الأنجم الساطعة، أنجم حضرة الأحدية.. لا تعلمون أيّ حشرٍ أقيم في شيراز.. وأيّ صخبٍ قد إرتفع؟ الجميع إرتدى ثوب العبودية والتسليم والرضا.. لهم حالات الرعيل الأول من الأحباء.. الكل يقرض الشعر.. أكثرهم يكتبون المقالات أو يرسمون اللوحات، يرسمون حالات تلك الفتيات السبع الرائعات، لوحات تصورهنّ وقد رفعنّ أيديهنّ بالدعاء ويطوينّ درجات درب العشق ويصلنّ إلى منزل المقصود.
    شيراز، مدينة الورود والبلابل، مدينة العشق والوفاء، مدينة اللطف والصفاء، مدينة الجمال والأسرار.. الكل في مدينة شيراز وضع روحه في راحتيه ويريد أن يفدي به إلى حضرة المحبوب وأمره المجيد.. منى تلك الفتاة الجميلة، بعينيها الخضراوين واللامعتين، بشعرها المرسل والطويل، بقامتها الممشوقة والموزونة، تمشي مختالة، مكبّرة، مهللّة، فرحة برفقة تسعة من الكواكب اللامعات الأخريات، يحيّن بأرواحهنّ فداءً لأمرالله.. بأيّ نشوةٍ وسكرةٍ يا إلهي، فدينّ هؤلاء البنات السعيدات بأرواحهنّ وتركنّ الدنيا وما فيها؟ أنا "فرخندة محمودنژاد" سعيدة جداً ولي شرف لأكون أم صغرى الشهيدات سناً إلى هذا التاريخ في هذا العصر.. وتغمرني سعادة بالغة، بما كنت سجينة ولمدة خمسة أشهر، مع أولئك الأعزاء، أعزاء الدارين.. منى كانت تعلم "بأمر إستشهادها" حتى أنها قالت: يا أمي هل تريدين أن تعرفي بماذا سأتفوه عند ذهابي (إلى ميدان الإستشهاد)؟ قالت: "سأقبل يديه (يدي من يضع حبل المشنقة حول رقبتي) إذ أنه سيوصلني إلى محبوبي بصورة أسرع.. يدٌ كتلك اليد تستحق التقبيل.. ثم بعد ذلك سأقوم بالدعاء وأقول "يا إلهي فديتُ أحباءك بروحي، إسفح هذه الدم الخامدة على تراب سبيل أحبائك، وإجعل هذا الجسد المتهالك تراب المعابر وغبار أقدام سبيل أوليائك يا إلهي" إنتهت ترجمة المناجاة.. ثم أقبل الحبل "حبل المشنقة" وأدعو للعالم الإنساني.. إنتهت أقوال منى.
    وهنا أورد أنا "قادري" نص المناجاة باللغة الفارسية "هو الأبهى اى خداى من جانم فداى احبابت اين خون افسرده را در سبيل دوستانت بر خاك ريز، واين تن فرسوده را در راه يارانت خاك راه وغبار اقدام نما اى خداى من ع ع"

    وأنا "فرخندة محمودنژاد" على يقينٍ بأنها نفذّت كل ما قالت.. كانت قد مضت على عودتي إلى المنزل من السجن خمسة أيام عندما وقعت تلك الواقعة.. منى كانت قد قالت لـ ترانة، في آخر لقاءٍ بينهما: "إدعي لنا لننطلق إلى ميدان الفداء راقصاتٍ راكضات" كانت قد قالت أيضاً: "سعيدةُ أنا إذ أننا ممن إختارهنّ الحق".. قالت لي: "يا أمي نحن غداً في مأدبة الجمال المبارك".. بينما لم يكن المسئولون قد أطلعوها بعد على أنها ستستشهد عما قريب ولكنها كانت تعلم.. وعندما أخبرونا بالواقعة -بعدها بيومٍ واحد- ذهبت أنا وترانة والخالة طاهرة وإستطعنا بصعوبةٍ بالغة أن نزور تلك الأجساد المطهرة العشرة.. و أنا "فرخندة محمودنژاد" قبّلتُ جميعهنّ "اى جاى تو خالى، اى جاى تو خالى" "يا ليت قومي يعلمون، يا ليت قومي يعلمون".
    توضيح من المترجم جملة "اى جاى تو خالى" مأخوذة من لوح منظوم لحضرة عبدالبهاء جلّ ثنائه ولو أنها شائعة الإستعمال في اللغة الفارسية فيما بين عامة الناس، يقولها القائل بشيءٍ من الأسف الممزوج بالتمني، والجملة تعني "كم كان مكانك خالياً" والآية "يا ليت قومي يعلمون" مأخوذة من القرآن الكريم سورة يس، كتبتها لا لأنها ترجمة لمقولة "اى جاى تو خالى" إنما لتشابة مضمونها، أمعن النظر، "وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى قال يا قوم إتبعوا المرسلين 20 إتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون 21 ...... إني آمنت بربكم فاسمعون 25 قيل أدخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون 26 بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين 27 يس"

    وأنا "فرخندة محمودنژاد قبّلتُ جميعهنّ "اى جاى تو خالى، اى جاى تو خالى" لتنظر وتشاهد بأّم عينيك عظمة الأمر، الفتيات الرائعات، بقاماتهن الممشوقة والموزونة، كنّ راقدات في غاية الراحة والهدوء، قسماً بالله كنتُ أتمنى أن تكون عيون جميع أهل العالم معي لأنظر من خلالها ولأمنح لأهل العالم أيضاً سهماً من الفيض العظيم الذي صار من نصيبي.. كانت في وجوه وشفاه جميعهنّ إبتسامةً مليحةً مظّفرة.. أجل كان يحق لهنّ ذلك.. إذ كنّ قد فدينّ أرواحهنّ الطاهرة لحضرة الأحدية.. وسرعنّ بلا تردد لمشهد الفداء.. نعم إنهنّ لم يبعنّ عقيدتهنّ وإيمانهنّ في سبيل حياتهنّ الفانية.. أجل كان يحق لهنّ أن يرقدنً بكل ذلك الجمال.

    ******************

    ".. اليوم قد مضى على إستشهاد منى والعزيزات الأخريات سنة كاملة وخمسة وثلاثين يوماً.. وأنا غارقة بين مكاتيب ومذكرات عزيزتي.. هل بإمكاني أن أمحو من ذاكرتي ولو للحظة عزيزاتي؟ هذا الألم ممتع وهذا الحزن لا يخمد الروح بل ينعشها.. لقد عقدت العزم على أن أرسل إليكم ومن خلال عدة مراسلات، أجزاءً مما كتبتها منى فيما بين الثانية عشر والثالثة عشر من عمرها.. إذ أن تعبير منى ومكاتيبها ومقالاتها كانت قد بلغت مرحلة النضوج في السادسة عشر من عمرها.. وصادروا جميع تلك الكتابات عند إلقاء القبض عليها كدليل إدانة.. أتمنى أن تجمع "أو تجمعي" ما أرسلها إليك.. ربما يقتحموا بيتنا مرةً أخرى ويصادروا حتى القلة المتبقية لديّ أيضاً.. لذا أنا أعمل العمل الوحيد الذي أستطيع أن أعمله وأنقذ ما تبقى منها.
    تقريباً 30 يوليو 1984

    ******************


    منذ مدة وأنا أريد أن أكتب إليكم "أو إليكنّ" رسالة ولكنني ونتيجة كرم أحباء موطن الجمال الأقدس الأبهى الأعزاء وتضحيتهم لأجلي، تغمرني دائماً حالة من الوجد والبهجة، التي يعجز اللسان عن بيانها.. فلذلك لا أدري عمن أقول؟ هل أقول عن أمٍ قتلوا إبنها في جبهة القتال؟ ووالده الطبيب يحاول أن يهديء من روعها؟ أم عن زوجين نفيا، بعد تحمل عناء السجن لمدةٍ من الزمن، من أحسن المدن هواءً وماءً إلى أردئها في إيران؟ أم أقول عن طبيبٍ مع حاجة الناس إليه إلا أنه نفي هو الآخر، معذلك لم يتركوه وشأنه بل هو محل إيذاء وزجر.. أم أتحدث عن طبيبٍ شاب يذرف دموع الشوق عن خلف قضبان السجن.. أم أتكلم عن رجلٍ في مقتبل عمره، أخبر بنفسه زوجته الرائعة والشابة بأنه سوف يستشهد؟ وطلب مني أن أصلي لأجله حتى يلحق بأسرع ما يمكن بمحبوبه.. تاركاً إبنيه القاصرين الرائعين إلى رعاية الله؟.. أم أكتب عن طبيبة نساءٍ وزوجها الذي كان هو أيضاً موظفاً في وزارة الصحة ولهما ستة أطفال وتم تسريحهما من العمل؟ ويعمل الزوج في مجال صنع أحذية الرُضّع من القماش ويعاني في ظهره من ألمٍ شديد؟ بينما تنسج هي ملابساً صوفية وتدير شئون البيت؟ ويشكران الله وإستضافانا بوجهٍ بشوشٍ وإبتسامةٍ لطيفة؟ أم عن أخي وزوجته الحنون اللذان طردا كلاهما من العمل في سلك التدريس؟ شقيقي العزيز إشترى سيارة أجرة صغيرة مستعملة لحمل البضاعة ويعمل بها.. قال لي ذات يومِ: كان دخلى اليوم منذ الصباح حتى الظهر ثمانية ريالات فقط.. بينما صرفت ما لا يقل عن خمسمائة ريالاً بترول.. قلت: لو نقلتَ راكباً بدلاً من البضاعة كان المدخول عشرة ريالات، لماذا ثمانية ريالات؟ قال: الراكب الذي كان معي، أخذ مني ريالين للمكالمة الهاتفية.. أجل أعزائي هنا مدينة العشق والهيام، هنا موطن الإيثار والسماحة والتضحية.. كما قالت "روزيتا إشراقي" وهي إحدى الشهيدات: "قد طفح كأس إيثار حضرة بهاءالله على شأنٍ كأنه أخذ بيده رايته البيضاء ويقول: أنا لكم أيها الأعزاء.." يشهد الله كم مرةً جرت فيها دموع الشوق عن عيوني وقلت يا ربي الحنون ما أعظم فضلك نحوي.. إذ أنني أعيش في هذه البرهة من الزمن التي أشاهد وأرى هذه المشاهد الرائعة والمثيرة.. أشعر أحياناً بأن كيلي قد طفح من محبة الناس وعشقهم ولم يعد يتسع لمزيد من كل هذا السرور والمتعة. تقريباً 12 مايو 1986

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى