منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 30 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 30 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    تذكرة الوفاء لحضرة عبد البهاء 1

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    جناب النبيل الأكبر آقا محمد القائني

    عليه بهاءالله

    هو الله

    كان ضمن تلاميذ الشيخ مرتضى، المجتهد الشهير في النجف الأشرف، شخص لا نظير له يُدعى آقا محمد القائني الذي لقّبه حضرة جمال القدم ب‍ِ النبيل الأكبر، وكان هذا الشخص الجليل متفوّقًا على جميع تلاميذ ذلك المجتهد بدرجة أن معلّمه قد استثناه ومنحه إجازة الاجتهاد مع أن المرحوم الشيخ مرتضى لم يَمنح أحدًا إجازة الاجتهاد غير هذا التلميذ. وفضلاً عن كل هذا فقد كان النبيل الأكبر غزير المادة متمكّنًا من حكمة الإشراقيين ومباحث العرفاء وأنواع المعارف الشيخيّة والفنون الأدبية بدرجة تفوق حد الوصف. وبالإجمال: كان شخصًا جامعًا قويّ الحجة والبرهان وقد أصبح شعلة رحمانية وسراجًا مضيئًا وعطّر مشامّه بنفحات القدس واستنار بنور الهدى بإيمانه بالبهاء فأوقد في مشكاة وجوده مصباح الوجد الكليّ والشغف والوله حتى صار كالحوت السابح في خضمّ العشق المتماوج.

    وبعد أن نال درجة الاجتهاد بكمال التفوق من شيخه ظعن إلى بغداد حيث فاز بشرف اللقاء (لقاء حضرة بهاءالله) واقتباس الأنوار من شجرة السيناء المباركة وما لبث أن استولت روح الأمر على جميع أركانه



    ودبّت في عروقه حمية الإيمان بدرجة جعلته في هياج مستمر.

    وبينما كان ذلك الرجل الجليل (النبيل الأكبر) المحترم جالسًا على الأرض ذات يوم في محضر النّور المبين (حضرة بهاءالله)، وإذا بالحاجي ميرزا حسن عمو معتمد المجتهدين في كربلاء قد حضر ومعه زين العابدين خان فخر الدولة. ولمّا شاهد حضرة النبيل الأكبر جاثيًا على الأرض بكمال الأدب والخضوع والخشوع أخذه العجب وهمس في أذن النبيل قائلاً: "يا جناب الآقا ما الذي أتى بك إلى هنا؟" فأجابه جناب النبيل الأكبر قائلاً: "نفس الغرض الذي أتيت أنت من أجله". فكان هذا الجواب، وأيم الحق، سبب اندهاش الحاجي ميرزا حسن عمو وزميله لعلمهما أنّ النبيل الأكبر مشهور بامتيازه وتقواه وتفوّقه على سائر المجتهدين وأنّ اعتماد الشيخ مرتضى الجليل كان على النبيل بدرجة عظيمة جداّ.

    وقصارى القول: إن حضرة النبيل قصد بعد ذلك إيران وألقى عصاه في إقليم خراسان حيث أدّى له أمير إقليم قائن نهاية الاحترام في أول الأمر معتبرًا حضوره مَغْنَمًا لا يقدّر حتى اعتقد الأهلون أن نفس الأمير صار مغرمًا بجناب النبيل ومن عشّاقه المتعلّقين به لعظيم فصاحته وعلو كعبه في مختلف العلوم والفنون وهذا أدّى أيضاّ إلى احترام الجميع للنبيل "والناس على دين ملوكهم".

    فمرّت عدة أيام على حضرته كان خلالها مغمورًا بالتعزيز والاحترام ومع كل هذا، فلم يقدر على كتمان الحقيقة التي أشعلتها في فؤاده نار محبة الله الموقدة وتملّكته عوامل الحيرة والاندهاش بدرجة أنّه ترك جميع الأعمال وأخذ في خرق الحجبات بما استطاع من قوة على حد قول القائل: (ما ترجمته):



    جاهدت بكلّ قواي حتى ألبس من العشق ثوبًا

    غير أني ذبت في طريقي وأقمت على النفس حربًا

    أما إقليم قائن فقد أضاء بنور الحقيقة وآمن العدد الكثير من الأهلين. ولمّا اشتهر حضرته بعقيدته بين القوم. قام أهل الحسد من العلماء بالنّفاق والشّقاق والسعاية به لدى الحكومة في طهران، فاستفزّ ذلك ناصر الدين شاه على الانتقام فدبّ الخوف في رَوْع أمير إقليم قائن وقام، خوف نفس الشاه، على جناب النبيل ومناوأته. فهبّ ريح الولولة وأُوقظت الفتنة العظيمة من نومها في مدينة قائن وهاج القوم وقاموا يدًا واحدةً على مناوأة النبيل الأكبر والتعرّض له. ولكن عزيمته لم تفتر بل قاوم الجمهور بقلبٍ أصلب من الصخر من شدّة حبّه للمحبوب. وفي النهاية ألقوا القبض على ذلك الواقف على السرّ المكنون وأرسلوه مخفورًا إلى طهران حيث آقام خالي الوفاض لا يملك قوت يومه وتطاولت عليه الرعاع وانبثت العيون في العاصمة لإلقاء القبض عليه ومعاقبته وأذاه، وذاق من أهل الظلم ضروب الإهانات في كل مكان آوى إليه وكانوا لا ينظرون إليه إلا شزرًا. وبالآخرة أُجبر على أن يلبس طِربوشًا بدل العمامة حتى لا يعرفه المناوئون ويسلَم من تحرّشهم وأذاهم، وكان لا يهدأ عن نشر النفحات في الخفاء بكل همّة ونشاط بإلقاء الحجج والبراهين المألوفة.

    حقًا، إنه كان سراجًا نورانيًا وشعلة رحمانية. كان وجوده في خطر عظيم غير أنه كان ملء قلبه الحذر إذ كانت الحكومة مرسلة عيونها عليه والأحزاب في قيل وقال بالنسبة إليه فألجأه كل هذا إلى الرحيل إلى بوخارى وعشق آباد وأخَذَ في إلقاء بيانات الأسرار كالسراج الوهاج، ولم يُثنِهِ شديد الصّدمات ولا عظيم البليّات عن نشر النفحات



    بل كان يزداد توقّدًا. أما ذلاقة لسانه وتفنّنه في معالجة أمراض المجتمع فحدّث عنهما ولا حرج. كان كالمرهم لِما بالقوم من جراح، يَهدي الناس بكلّ حكمة سائرًا على قاعدة أهل الإشراق والعارفين، يكشف اللّثام عن وجوه الحقائق ويثبت ظهور مليك الوجود بكل حجة دامغة، ويقنع مشايخ الشيخيّة بصريح عبارات كلّ من المرحوميْن الشيخ أحمد الإحسائي والسيد كاظم الرشتي. أما الفقهاء فكان يقنعهم بآيات القرآن وأحاديث أئمّة الهدى بالدليل الواضح والبرهان القاطع، وكان يعالج كل داء بعلاج فوري، ويمدّ فقراء العقول بما يُلهمهم الصواب. ولكنه أصبح في بوخارى بلا معين وابتلي بصدمات لا حدّ لها، وكانت عاقبة ذلك، الشّهم كاشف الأسرار، الانتقال إلى ملكوت ذي الجلال تاركًا رسالته البليغة وضمّنها الأدلة الواضحة والبراهين القاطعة. ولكن يد الاغتيال سطت عليها، ولم تشأ يد الأقدار أن تُنشر لتكون سبب تنبّه العلماء والفضلاء.

    والخلاصة، إنه وإن كان حضرته محاطًا بالبلايا أيام حياته غير أنه محا وأزال من الوجود أسماء وصيت جميع المشايخ العظام أمثال الشيخ مرتضى، وميرزا حبيب الله، وآيةالله الخراساني، وملا أسدالله المازندراني، وجعل ذكر مشايخ السلف والخلف في خبر كان. أما نجم جناب النبيل الأكبر فسيبقى لائحًا منيرًا من أفق العزة الأبدية لأنه كان على الدوام ثابتًا على الأمر راسخًا فيه، مشغولاً بالخدمة وتبليغ النفوس، ونشر التفحات.

    ومن الواضح أن كل عزّة أصابت المرء عن طريق غير طريق أمر الله تنتهي إلى الذلّة، وكل راحة يشعرها الإنسان في غير سبيل الله تنتهي إلى المشقّة والعناء، وكذلك كل ثروة تنتهي إلى الفقر



    والمسكنة.

    ومما لا ريب فيه أن جناب النبيل الأكبر كان آية الهدى والتقوى في الأمر المبارك، مضحيًّا بالنفس والنفيس بكل سرور وانشراح وقد عاف العزّة الدنيوية وأغمض عينيه عن الغِنى والجاه والتربّع في دسوت المناصب وفكّ نفسه من أسْر التقييد وجرّدها من جميع الأفكار غير المجدية. وكان عالمًا فاضلاً ماهرًا في جميع الفنون، مجتهدًا لا يُجارى، حكيمًا عارفًا، طويل الباع في العلوم الأدبية، فصيح اللسان بليغ التعبير، نطوقًا لا يضارع، وكان في حدّ ذاته جامعة بمعنى الكلمة وكانت خاتمة المطاف بادية الألطاف. عليه بهاءالله. نوّر الله مرقده بأنوار ساطعة من الملكوت الأبهى وأدخله في جنة اللقاء وأخلده في ملكوت الأبرار مستغرقًا في بحر الأنوار.



    (2) حضرة اسم الله الأصدق

    هو الله

    من جملة أيادي أمر الله الذين صعدوا إلى الرفيق الأعلى عليهم نفحات الرحمن كان جناب اسم الله الأصدق وجناب النبيل الأكبر (آقا محمد القائني) وجناب الملا علي أكبر وجناب الشيخ محمد رضا اليزدي وحضرة الشهيد (الميرزا ورقاء) وغيرهم. وحقًّا إن حضرة اسم الله الأصدق قد خدم الأمر من فجر حياته إلى النَفَسْ الأخير خدمة حقّة. تتلمذ في أيام شبابه على يد المرحوم السيد كاظم الرشتي وعاش في معيّته وكان مشهورًا بكمال التقديس في إيران وكان معروفًا بين القوم بالملاّ صادق المقدّس. كان إنسانًا مباركًا، وعالمًا فاضلاً، يحترمه الجميع وكان أهالي خراسان متعلّقين به تعلّقًا كليًّا لأنّه كان في الحقيقة فاضلاً نحريرًا ومن مشاهير العلماء الذين لا نظير لهم. كان في التبليغ ذا لسان فصيح قويّ الحجّة بدرجة تستوجب الإعجاب، وكان يُقنع مناظريه دون تعقيد أو لَبس.

    وبعد أن حضر إلى بغداد وفاز بشرف الحضور واللقاء، كان جالسًا ذات يوم في محلّ الاستقبال على حافة البستان وتصادف أنّني كنت في غرفة مطلّة عليه وإذا بالشاه زاده (حفيد فتح علي شاه) قد حضر وأومأ إلى جناب اسم الله الأصدق وقال: "أراك هنا!" فأجابه اسم الله



    الأصدق قائلاً: "أنا عبد هذا الرحاب وبستاني هذا البستان". وشرع في تبليغ الشاه زاده وكنت أتسمّع لحديثه من الغرفة المذكورة. وإذا بالشاه زاده قد احتدّ واعترض ولم يلبث جناب اسم الله الأصدق أكثر من ربع ساعة حتى أسكته بعد أن كانت دلائل الإنكار وآثار الحدّة بادية على وجهه بكل وضوح وما أن هدأت تلك الحدّة حتى قال لجناب اسم الله الأصدق: "إنني لمسرور جدًا بلقائك ولقد أصغيت لحديثك بأُذُنٍ واعية".

    وبالإجمال، إن اسم الله الأصدق كان دائمًا أثناء التبليغ هشًّا بشًّا، وإذا رأى من مناظره غضاضة وحدّة قابلها باللّين واللّطف بثَغر باسم. أما طريقته في التبليغ فلا نظير لها إذ كان في الحقيقة اسمًا على مسمى يعني اسم الله حقًا.

    أما في حفظ الأحاديث فكان خزانة جامعة وعلى الأخص في مطالب المرحوميْن الشيخ الإحسائي والسيد الرشتي. وقد آمن بالأمر من بدايته في شيراز واشتهر بذلك هناك. ولما كان يبلّغ الناس جهرة وبدون مبالاة، ألقت الحكومة عليه القبض وخزموه من أنفه وحاموا به في الطرقات. أما هو فلم ينزعج بل كان دائمًا مسرورًا ضاحك الوجه بشوشًا ولا يسكت عن محادثة رفاقه.

    وبعد أن أطلقوا سراحه حكموا عليه بالرحيل إلى خراسان حيث أخذ في التبليغ كعادته ثم رافق جناب باب الباب (الملا حسين البشروئي) إلى قلعة الطبرسي وتحمّل المصائب ودخل في زمرة الفدائيين. وما لبث أن أسروه في القلعة وسلّموه ليد رئيس الحكومة في مازندران فأبعده هذا الأخير إلى جهة أخرى من إقليم مازندران ليسقوه كأس الشهادة. وما أن وصل إلى المحلّ المقصود حتى قَيّضَ له



    الله شخصًا فكّ ما عليه من السلاسل والأغلال وخلّصه من السجن في منتصف الليل وأوصله إلى محلٍّ آمنٍ وما فتئت الامتحانات تنصبّ عليه وهو يتحمّلها برباطة جأش ورسوخ. وبينما كان محصورًا في القلعة كان لا يبالي بما كانت تَصُبّه الأعداء من القنابل من فُوّهات المدافع على القلعة بلا انقطاع. وقد أمضى هو والأحباب في القلعة ثمانية عشر يومًا بلا طعام حتى أنهم أكلوا جلود أحذيتهم وصبروا على الماء بقيّة أيام محاصرتهم وكان كلّ منهم لا يتناول أكثر من جرعة واحدة من الماء في كل صباح وكنت تراهم مطروحين على الأرض من شدّة ما أصابهم من ضعف. وكانوا كلّما شعروا بهجوم الجنود على القلعة دبّت فيهم، من عند الله، روح القوّة فصدّوا العساكر وأخرجوهم من القلعة.

    أما كونهم طووا الضلوع على الجوع مدة ثمانية عشر يومًا فذلك من أشدّ الامتحانات من جهة أنّهم كانوا غرباء محصورين، ومن جهة ثانية الجوع، والذي زاد الطين بِلّة هجوم الجنود وسقوط القنابل والمفرقعات في ساحة القلعة.

    حقًّا إنّه لمن الصعب أن يتحمّل الإنسان ذلك ويبقى ثابتًا راسخًا في معتقده ولم يتزلزل. وأيم الحق، إن جناب اسم الله لم يعترِه، رغم هذه المصائب والشدائد، أدنى فتور إذ أخذ في التبليغ بعد أن أُطلق سراحه وأوْقف كل أنفاسه للنداء بملكوت الله وإحياء النفوس، وقد فاز بشرف اللقاء في العراق وفي السجن الأعظم (عكّاء) وكان محطّ العناية العظمى من الجمال المبارك.

    أما هو فكان بحرًا زاخرًا في العلوم وبازًّا مرتفعًا في آفاق الفنون المتنوعة ذا قدرة وقوة عجيبة واستقامة لا تجارى في التبليغ، براهينه



    الدامغة وأدلّته المسكتة تتدفق كالسيل وكان حال تلاوة الأنجية تنهمر الدموع من آماقه كالمطر المدرار وكان نوراني الطلعة رحماني الأخلاق عالمًا ملهمًا، همّته سماوية وانقطاعه وزهده وورعه وتقواه كان ربانيًّا.

    جدثه المنوّر في همدان وقد جرى القلم الأعلى في حقّه بألواح شتّى وأيضًا نزل له بعد وفاته لوح للزيارة خاص به، وكان إنسانًا عظيم القَدْر كامل الصفات. وقد تركت أمثال هذه النفوس المباركة هذا العالم والحمد لله ولم تشأ الإرادة الإلهية لهم أن يبقوا حتى لا يشاهدوا ما حلّ من البلايا بعد الصعود المبارك وحتى لا يقعوا بين مخالب الامتحانات الشديدة التي تزلزلت منها الجبال الراسيات والقُلل الشامخة. وفي الحقيقة إنّه اسم الله بكل ما في هذه الكلمة من معنىً. طوبى لنفس طاف حول جدثه واستبرك بتراب رمسه. وعليه التحية والثناء في ملكوت الأبهى.



    (3) حضرة ملاّ علي أكبر عليه بهاءالله

    هو الله

    كان من جملة أيادي أمر الله حضرة ملاّ علي أكبر عليه بهاءالله. دخل هذا الرجل العظيم المدارس منذ نعومة أظفاره ونشأ في أحضان العلوم والمعارف وحصَل بجدّه واجتهاده على أعلى الدرجات وتضلّع في جميع قواعد القوم والمعارف المليّة والفنون العقليّة والعلوم الفقهيّة وبرع في كل ذلك، ثم اندمج في سلك الحكماء والعرفاء والشيخيّة فنبغ في كل ما كانوا عليه وكان من الإشرافيّين، غير أنه كان متعطّشًا للحقيقة ولسد رمقه الروحي بغذاء من المائدة السماوية. ولم يُعِقْه ما لآقاه في هذا السبيل من عقبات كأْداء، ولم يصرف ساعات حياته إلا في فائدة يستخرجها أو عائدة يستدرجها. ولم يفز بما يأمل فبقي متعطّشًا حيرانًا هائمًا على وجهه في بيداء الطلب حيث لم يجد بين الأحزاب نفحة الميل الشديد ولم يستشم منهم رائحة الانجذاب والعشق الروحي. ولمّا تعمّق فيما كانت عليه الأحزاب المختلفة، اتضح له أنّه منذ ظهور حضرة الرسول محمد المحمود إلى يومنا هذا، قد ظهرت أحزاب عديدة ومذاهب مختلفة وآراء متباينة ومسائل متنوّعة وطرائق كثيرة يدّعي كل منها المكاشفة المعنوية بأسلوب خاص، وعلى ظنّهم، أنهم يسلكون السبيل المستقيم. ولكن البحر المحمدي



    إذا أرسل موجة واحدة من أمواجه لأغرق جميع هذه الأحزاب في عمقه حيث لا يُسمع لهم صوتٌ ولا رِكزٌ. وإذا ما تتبّع الإنسان التاريخ لوجد أنّه قد ظهرت أمواج من هذا البحر فقذفت بهذه الطرائق حتى أصبحت كالظلّ الزائل وانعدمت من الوجود. أما البحر فلم تتزعزع أركانه. لهذا قد ازداد تعطّش حضرة ملاّ علي أكبر يومًا غُبّ يوم حتى وصل إلى بحر الحقيقة فصاح قائلا:

    الله أكبر هذا البحر قد زخرا وهيّج الريح موجًا يقذف الدررا

    فاخلع ثيابك واغرق فيه ودع عنك السباحة ليس السبح مفتخرا

    وبالاختصار، إن حضرة علي قبل أكبر قد فار كالفوارة وجرت منه حقائق المعاني كالماء المعين وكان في بداية سلوكه يسلك سبيل الرضاء في مسالك الفقر والغناء واقتباس الأنوار ثم أخذ في التبليغ وما أحسن ما قال: (ما ترجمته)

    إنما النفس التي وهبها القدير وجودًا

    كيف تقوى على عطاء الوجود

    فالمبلّغ عليه أن يبلّغ نفسه أولاً كي يستطيع تبليغ غيره. فإذا سلك سبيل الشهوات كيف يمكنه هداية الناس بالآيات البينات؟

    ومجمل القول، إن هذا الشخص الجليل قد قام، بتوفيق من الله، بتبليغ عدد وفير من الأهلين وأوصل النداء إلى مسامع الذين جذبتهم محبّة الله وأصبح جنديًا في ميدان العشق الإلهي هائمًا في بيداء الوله الرحماني حتى أنه اشتهر بين الخلق بالمجنون. أما من جهة الإيمان والإيقان فقد هتك وفضح الخاص والعام في مدينة طهران وكان معروفًا ببهائيته وكان القوم يشيرون إليه بالبنان في الأسواق قائلين: "ها هو



    البهائي"، وكلما وقعت فتنة، كان أول من تُلقي عليه الحكومة القبض وكان دائمًا مستعدًا لذلك إذ كان لا يأبه بما يكون لأنه كثيرًا ما زُجّ في أعماق السجون وقيّد بالأصفاد حتى أنّهم قد هدّدوه بقطع عنقه بالموسى أو بالسيف. وكان يبدو على شمائله، بينما كان مصفدًا هو وحضرة أمين الجليل، ما يدهش الناظرين من إمارات الرضاء والتسليم رازحًا تحت السلاسل والأغلال وهو في غاية الهدوء والاستكانة وبلغ به الأمر أنّه كان كلّما حصلت ضوضاء لبس عمامته وتردّى بعباءته واستعدّ لمجيء الشرطة ليعتقلوه ويزجّوه في أعماق السجون غير أن يد القدرة الإلهية كانت تحفظه وتصونه إبان كل ضوضاء. ومن الغريب أنّك كنت تلاحظ عليه الجفاف وهو بين أمواج بحر المناوأة وكان في خطر عظيم في كامل هنيهات حياته ولا مِراء في ذلك لأن الأعداء كانوا له بالمرصاد. أما هو فكان مشهورًا لمحبّته للنور المبين (حضرة بهاءالله) وقد حفظه الله، رغم كل ما ذكر، من جميع الآفات وأنقذه الله من بحر الأذى المتلاطم وجعل نار الضغينة والبغضاء بردًا وسلامًا عليه إلى أن وقع الصعود المبارك.

    استمرّ حضرته بعد صعود المقصود ثابتًا راسخًا للغاية على عهد وميثاق الربّ الودود مناديًا بالميثاق مروّجًا لعهد نيّر الآفاق، وقد هرع في أيام اللّقاء بكمال الاشتياق إلى الساحة المقدّسة وتشرّف بالمثول بين يدي الحضرة وكان مشمولاً بعناية الحق وملحوظًا بعين الرعاية والعواطف الرحمانية. ثم عاد إلى إيران مكرّسًا لحظات حياته لخدمة الأمر. وكان شديد المراس في آقامة الحجّة للمناوئين الظالمين رغم التهديد والتخويف من جانب الأعداء ولم يطأطيء لهم الرأس حيث لم يَقوَ أحد على إفحامه وإسكاته. كان يقول كل ما عنّ له لأنّه كان واثقًا



    من نفسه لأنه كان من أيادي أمر الله، ثابتًا مستقيمًا أرسخ من الراسيات.

    أما أنا فقد كنت أحبّه محبّة مفرطة لأنه كان حلو الحديث ونديمًا لا يملّ وأذكر أنني قد رأيته ليلة في الرؤيا وكأنه جاء من سفرة بعيدة ورأيت أن جسمه أضخم مما كان عليه في السجن أيام حياته فقلت له: "يا جناب الملاّ أراك قد سمنت". فقال: "نعم، الحمد لله قد طوّحَتْ بي يد الترحال إلى جهات طاب هواؤها وعذُب ماؤها للغاية وكانت المناظر بها مبهجة والغذاء لذيذًا فلاءم كل ذلك جسمي فاستفاد السمن وازددت قوة ونشاطًا وعدت إلى نشوة الشباب الأولى وانتشقت النفحات الرحمانية وكنت دائمًا مشغولاً بذكر الحق ناطقًا بالبراهين خائضًا في بحار التبليغ (التبليغ في عالم الرؤيا عبارة عن نشر النفحات القدسية وهذا هو عين التبليغ). فمختصر القول: إنه بينما كنا نتحادث في عالم الرؤيا وإذا بجمع غفير من الناس قد حضروا واختفى هو عن ناظري.

    أما مرقده النوراني فهو في طهران. ولو أن جسمه تحت الثرى غير أن روحه النقيّة في مقعد صدق عند مليك مقتدر. إنّني لمشتاق لزيارة مراقد أحباء الله إذا وفّقني ربّي إذ إن هؤلاء هم عبيد الجمال المبارك وقد تجرّعوا كؤوس البلايا في سبيله وعانوا المشاقّ ولاقوا الصدمات. عليهم البهاء الأبهى وعليهم التحية والثناء وعليهم الرحمة والغفران من ساحة الكبرياء.



    (4) حضرة الشيخ سلمان

    هو الله

    قد سمع نداء الله هذا القاصد الأمين والرسول المبين حضرة الشيخ سلمان، عليه بهاءالله، في بلدة هنديان. فأصبح كالطير الروحاني طائرًا في أوج السرور منجذبًا بدرجة أدّت إلى سفره راجلاً إلى طهران. ولشدّة شوقه واشتياقه وشغفه وولهه الذي لا يُضارع اختلط خفية بالأحباء في طهران، وما لبث أن تعقّبته الشِّحنة ذات يوم وهو سائر في الطريق مع حضرة آقا محمد تقي الكاشاني، عليه بهاءالله الأبهى، وعرفوا المنزل الذي يأوي إليه وفي اليوم التالي أخذت الشرطة في التحرّي عنه إلى أن عثروا عليه وألقوا القبض عليه وساقوه إلى مركز البوليس حيث سأله المأمور قائلاً: "من أنت ومن أين أتيت؟" فقال: "أنا سلمان من أهالي بلدة هنديان، ومررت بطهران وأنا في طريقي إلى خراسان قصد التشرف بزيارة سيّدنا الرضا عليه السلام". فقال المأمور: "لماذا كنت سائرًا البارحة مع ذلك الشخص لابس العباءة البيضاء؟" فقال الشيخ سلمان: "ذلك لأني بعته عباءة يوم أول من أمس وأردت البارحة أن آخذ منه الثمن". فقال المأمور: "كيف ائتمنته على الثمن وأنت رجل غريب ولست من أهل طهران؟" فقال الشيخ سلمان: "قد كفله أحد الصيارفة المدعو آقا محمد الصراف عليه



    بهاءالله". فأرسل المأمور أحد الشرطة برفقته إلى محلّ آقا محمد الصراف لتحرّي الحقيقة. ولما وصلا إلى محلّ الصراف المذكور، أقبل الشرطي على الصراف وقال: "قص علي قصة كفالتك لشاري العباءة من هذا الرجل". فأجاب الصرّاف بقوله: "لا علم لي بذلك" فالتفت الشرطي إلى الشيخ سلمان غاضبًا وقال: "الآن قد برح الخفاء فلا مناص من أنك من البابيين".

    ثم قاد الشيخ إلى مركز البوليس وبينما هما في طريقهما إلى المركز قد اخترقا مفرق الطرق وفي تلك الأثناء أتى شخص تاجر أصله من بلدة شوشتر وأخذ في مصافحته ومعانقته لأنه كان لابسًا عمامة كعمامة أهالي شوشتر وقال: مرحبًا بك وأهلاً وسهلاً يا حضرة السيد محمد علي المحترم، أين كنت ومتى أتيت؟" فقال الشيخ سلمان: "أتيت منذ أيام والآن أنا في قبضة هذا الشرطي". فقال التاجر للشرطي: "ماذا تريد منه؟" فقال الشرطي: "إنه بابي". فقال التاجر: "أستغفر الله، إنني أعرف هذا المحترم، الأستاذ محمد علي، وإنه لمن المسلمين الأتقياء ومن شيعة سيدنا علي عليه السلام". ثم ناول الشرطي بعض الدراهم وخلّص الشيخ سلمان من يده. ولما دخلا حانوت التاجر أخذ هذا الأخير في الاستفسار عن أحوال الشيخ سلمان. وهنا أجاب الشيخ بقوله: "أنا لست ذلك الأستاذ محمد علي"، فأظهر التاجر دهشته ثم قال: "إنك والحقيقة هذه تماثل صاحبي الأستاذ محمد علي تمامًا في الشبه والملبس وبما أنك لست هو فيجدر بك أن تعطيني المبلغ الذي أعطيته للشرطي". فما كان من الشيخ سلمان إلا أن نَقَدَهُ المبلغ ثم توجّه توًّا نحو باب المدينة متوجّهًا إلى بلدة "هنديان" محلّ آقامته وبقي بها إلى أن شرّف الجمال المبارك أرض العراق العربي. فكان هذا الرسول الأمين الرحماني أول من قصد الساحة



    المقدّسة وفاز بشرف اللقاء والمثول بين يدي الحضرة، وعاد إلى بلده حاملاً لوحًا مباركًا من الساحة المقدّسة إلى أحباء هنديان.

    وكان يسافر في كل عام إلى أرض المقصود قَصْد التشرّف بالزيارة ومشاهدة المحبوب ثم يعود حاملاً الألواح المباركة إلى الأحباء بأصفهان وشيراز وكاشان وطهران وغيرها من المدن ويوصلها لأصحابها بكل أمانة. واستمرّ على هذا الحال من سنة 1269 لغاية 1309ﻫ إلى أن وقع الصعود المبارك وهو لا يفتأ يذهب راجلاً من إيران إلى العراق فأدرنه فالسجن الأعظم (عكاء) بنهاية الميل والاشتياق والشغف ويعود بهذه الكيفيّة بالألواح كالعادة متحمّلاً وعثاء الطريق بعزيمة لا تخور، وكان غذاؤه في الأسفار الخبز والبصل في معظم الأوقات، وكان عظيم الحركة ولم تقع عليه أنظار الشحنة في مكان ما. وكان حريصًا كل الحرص على العرائض والألواح التي تكون في عهدته ولم يفقد منها شيئًا وأوصلها جميعها إلى أصحابها رغم تَجشّمه المتاعب والمشاق في الأسفار في بعض البلدان وكان صبورًا شكورًا.

    كان الأهلون من الأغيار يُسمّونه جبرائيل البابيين. وحقًا، إنه قد خدم أمر الله مدّة حياته خدمة عظيمة إذ كان سببًا لترويج الأمر وكانت خدماته مورد سرور جميع الأحباء، لأنه كان يحمل البشارات الإلهية كل عام إلى المدن والقرى في إيران، وكان مقربًا لدى ساحة الكبرياء مشمولاً بالعنايات المخصوصة. وقد نزلت في حقّه ألواح شتّى تراها مدرجة في بطون الكتب الإلهية. واستمر بعد صعود الجمال المبارك، روحي لأحبائه الفداء، ثابتًا راسخًا على العهد والميثاق القويم لا يدّخر وسعًا في خدمة الأمر بما أوتي من قوة وهمّة ونشاط، ولم ينقطع عن الحضور إلى السجن الأعظم كعادته حاملاً مكاتيب الأحباء ويعود حاملاً الإجابة



    عنها ليوصلها إلى أصحابها في إيران، إلى أن حلّق بجناحيه في مدينة شيراز وطار إلى الملكوت الأبهى.

    حقًا، إنه لم يُرَ في عالم الوجود منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا رسولٌ أمينٌ وقاصدٌ نورانيٌّ مثله. والآن توجد عدّة من ذويه واقعين في مخالب الفاقة والعوز لمناسبة الانقلاب الذي حلّ في إيران ومن المؤكد أنّ الأحباء لا يقصّرون في مدّ يد العون إلى المحتاج من ذويه. عليه بهاءالله الأبهى وعليه التحية والثناء.



    (5) ذكرى حضرة أفنان السدرة المباركة جناب

    آقا ميرزا محمد علي عليه بهاءالله الأبهى

    هو الله

    كان السجن الأعظم في أيام المبارك في أيامه الشداد إذ كانت الحكومة لا تصرّح لأحد من الأحباء بالخروج من القلعة أو الدخول في إليها. وكان المدعو كَجْ كُلاه هو وأحد السادة يسكنان في مكان فوق بوابة مدينة عكاء يرقبان الداخل من بوابة المدينة والخارج منها بكل دقّة، وإذا ما وقع نظرهما على أحد من المسافرين الأحباء وهو يدخل المدينة، أسرعا في إخبار الشرطة بذلك مؤكّدين لهم أن ذلك المسافر من أتباع البهاء وأنه يحمل رسائل البهائيين في بلاده، إلى حضرة بهاءالله وسيعود بالإجابة عنها. فتُلقي حينئذ الحكومة القبض على ذلك المسافر وتنتزع ما معه من الأوراق وتدخله السجن، وبعد مدّة تنفيه من البلاد. واستمرّ الحال على هذا المنوال ردحًا من الزمن، ثم أخذ يتضاءل شيئًا فشيئًا حتى زال بعد سبع سنوات. وبينما كان الحال على ما ذكرنا، إذ حضر من بلاد الهند أحد فروع السدرة المقدّسة المدعو (جناب الحاج ميرزا محمد علي الأفنان) ومرّ في طريقه بمصر ومرسيليا حتى وصل إلى أرض المقصود.

    وبهذه المناسبة أقول، إنّني بينما كنت ماشيًا، قبيل الغروب، على



    سطح المنزل مع بعض الأحباء التفتُّ إلى الساحل وإذا بعربة آتية عن بعد، فقلت لمن معي: "إنني أشعر بأن في هذه العربة شخصًا مقدسًا من الأحباء ولكني لم أتبيّنه. هلمّوا بنا نحو بوابة المدينة لاستكشاف الخبر، وإذا منعتنا الشرطة عن الخروج، فلننتظر حتى تدنو العربة من البوابة. وفعلاً ذهبنا نحو البوابة وأكرمت الشرطي الذي كان يحرس البوابة ببعض النقود ثم همست في أذنه قائلاً: "هناك عربة آتية وأظن أن بها أحد أصحابنا، فالرجاء عند دنوّها من البوابة لا تعترضها ولا تخبر الضابط بها". فأحضر الشرطي مقعدًا فجلسنا عليه وقت آذان المغرب والبوابة إذ ذاك مغلقة، غير أن خوختها (باب صغير في البوابة الكبيرة لمرور العابرين) كانت مفتوحة والحارس بجوارها. وما لبث أن وصلت العربة وكانت تقلّ حضرة الأفنان المذكور، فترجّل ودخل بوجهه المنير وكانت طلعته المباركة تسرّ الناظرين.

    أما جناب الأفنان، فهو من الموقنين الثابتين الراسخين في الأمر، تقطر من شمائله البشاشة على الدوام، وترقّيه في الإيمان كان يزداد يومًا غُبّ يوم، وكذلك في الإيقان والنورانيّة والانجذاب والاشتعال، وعلى الأخص، في الأيام التي قضاها في السجن الأعظم بدرجة لا حدّ لها. وأذكر، أنه بينما كان في العربة في الطريق بين حيفا وعكاء، كانت نورانيّته تجذب الأنظار وشعر بروحانيّته كل من رآه.

    وبعد أن استفاض من الفيوضات اللامتناهية، رُخّص له من المحضر المبارك بالسفر، فسافر إلى بلاد الصين لعدّة أيام مشغولاً برضاء الله مطمئنًا بذكره سبحانه وتعالى، ثم انتقل إلى بلاد الهند حيث قضى نحبه وجاور ربّه فأبى المسلمون أن توارى رفاته في مقابرهم. فرأى الأفنان والأحباء أن ينقلوا جسده المطهّر إلى العراق بحجّة أنّهم



    سيقبرونه في النجف في جوار مدينة الله (بغداد). فتكفّل حضرة الحبيب (آقا سيد أسدالله) المقيم في بومباي بحمل الرفات المطهّرة بكمال الاحترام إلى بغداد، وقد أوفى بوعده.

    وبينما كانت الجثّة في الباخرة، علم بذلك بعض الأعداء من الإيرانيين وأشاعوا الخبر في مدينة بوشهر بأن نعش الميرزا محمد علي البابي في الباخرة في طريقه إلى النجف الأشرف لمواراته هناك، وكيف يدفن البابي في وادي السلام في الجوار المقدّس مع أن هذا لا يجوز. ثم همّ القوم لإخراج النّعش من الباخرة، ولكن التقديرات الإلهية لم تمكّنهم من ذلك.

    وبالاختصار، وصل الرفات المقدّس إلى البصرة. ولما كان الوقت يلزم فيه الحيطة والتقيّة، فتظاهر حضرة السيد أسدالله بأنّه ذاهب بالنّعش إلى النجف الأشرف. وكان منتهى آمال الأحباء كما ذكرنا. ولذا جعل الله الأعداء تقوم على المعارضة ومنعوا دفن الرفات في النجف وحاولوا أخذ الرفات من الحجر الصحي ليلقوه في اليمّ أو يطرحوا به في الصحراء وأصبح لهذه المسألة عظيم الأهميّة. وبالنتيجة لم يتمكّن حضرة السيد أسدالله من أخذ الرّفات إلى النجف بأيّة حال، فأجبر أن يذهب بها إلى بغداد. وهناك أيضًا لم يجد مكانًا لدفن الجثة التي حفظها الله من الأعداء. واستقرّ الرأي أخيرًا إلى أخذها إلى مقبرة سلمان الفارسي (الصحابي) على مسافة خمسة فراسخ من بغداد ليدفنوها على مقربة من قبر سلمان بالقرب من إيوان كسرى، ثم واروا تلك الوديعة الإلهية في مقرها الأخير بجوار إيوان نوشيروان في جدث محكم الأركان.

    أما ذلك الإيوان الذي كان عاصمة ملك ملوك إيران الأوّلين فقد حوّلته يد المقادير، بعد ألف وثلاثمائة سنة، إلى هضبة من التراب



    ممزّقة الأركان بعد أن كانت عظمته الملوكيّة لا تضارع وجلوته الكسرويّة تبهر الأنظار. حقيقة إنه كان قصرًا مشيّدًا وإيوانًا مجيدًا تعلوه قبّة طول قطر قاعدتها من الداخل يبلغ اثنين وخمسين قدمًا، وقد انهار نصف هذا الإيوان أما ارتفاع القبّة عن الأرض فيناطح السحاب.

    ومختصر القول، إن التوفيقات الإلهيّة شملت بعض الإيرانيين السالفين وقيّضت لهم تعمير تخت الملك الذي تهدّم وأعادوا إليه رونقه فأصبح آهلاً بعد أن كان يَبَابًا بَلْقَعًا ولهذا قد هيّأت التأييدات الربانيّة الأسباب لدفن هذا الجسد المقدّس في تلك البقعة، ولا مِراء في أن ستصبح تلك البقعة مدينة عظيمة الشهرة، وترونني كثيرًا ما كتبت في هذا الصدد، إلى أن دُفِنَتْ هناك تلك الرفات المطهّرة وكانت رسائل جناب السيد أسدالله تأتيني من البصرة وكنت أجيب عنها بكل سرعة ممكنة، وقد كان في البصرة شخص من المأمورين له معنا رابطة صداقة كليّة فكنت أكتب إليه ليمدّ يد المساعدة لحضرة السيد أسدالله ويسهّل له الأمور. هذا وقد وردتني رسالة من السيد أسدالله وهو في بغداد يُظهر فيها حيرته في أمره وأين يدفن الرفات، وقال إنه يتوقع أن القوم إذا عرفوا مكان القبر ينبشونه ويخرجون الجثة، ولكن الله سلّم وكانت العاقبة (والحمد لله) على ما يرام ودُفنت الجثة في المكان المشار إليه وإن هذا المكان نفسه قد تشرّف لمرّات عديدة بقدوم الجمال المبارك وقد نزلت فيه ألواح مباركة، وكان يأتي أحباء بغداد في معيّة حضرته إلى ذلك الموقع الذي استقرّ فيه ذلك الجسد المطهر وهذه العناية لم تكن إلا لِمَا كان عليه جناب الأفنان من الخلوص وإلا لم يتم الأمر كما ذكرنا أبدًا، "ولله أسباب السموات والأرض".

    لقد كنت أحبّ حضرة الأفنان حبًا جمًا، وكان سروري منه لا



    يقدّر. وقد كتبتُ بشأنه زيارة تتلى على قبره المطهّر عند زيارته وأرسلتها مع مكاتيب أخرى إلى إيران.

    إن البقعة التي ووري فيها ذلك الجسد المطهّر لَمِنَ البقاع المقدّسة، ويجب أن يشيّد فيها مشرق الأذكار فسيح الأرجاء وإذا أمكن فليعمّر إيوان كسرى بقبّته الشاهقة ويُتّخذ مشرقًا للأذكار تحيط به منشئات مشرق الأذكار من مستشفى للمرضى ومدارس متنوّعة ودار الفنون ومكاتب أوليّة وابتدائيّة وملجأ للفقراء والضّعفاء وآخر للأيتام والعجزة ودار ضيافة للمسافرين وما إلى ذلك.

    سبحان الله! إن إيوان كسرى الذي كان في نهاية الزّينة مزركشةٌ جدرانه بالذهب الإبريز قد تبدل كل ذلك بطبقات من نسيج العناكب وحلّ نعيق الغربان في أركانه محلّ النغمات الموسيقى السلطانيّة مصداق ما تفضّل به جمال القدم جل ذكره بقوله تعالى: "كأنّها دار حكومة الصدى لا يُسمع في أرجائها إلى صوت ترجيعه". كانت القشلة (الثكنة المتّخذة معتقلاً) في مدينة عكاء على المنوال السابق عندما دخلناها، وكان في فناء المعتقل بعض شجيرات يأوي إليها البوم التي يصمّ نعيبها الآذان طوال الليل وفي الحقيقة إن صوتها كان مزعجًا للغاية يؤثّر في صماخ الآذان.

    وأيم الحق، إن ذلك الفرع المقدّس جناب الأفنان المذكور استمرّ كامل أيام شبابه مستنيرًا مضيء الطلعة وضّاحًا كالشمعة الموقدة بين بني جلدته إلى أن حان حينه فطار إلى الأفق العزة الأبدية واستغرق في بحر الأنوار. عليه نفحات ربه الرحمن وعليه الرحمة والرضوان مستغرقًا في بحر الرحمة والغفران.



    (6) حضرة الحاج ميرزا حسن أفنان
    هو الله

    إن الحاج ميرزا حسن الأفنان الكبير كان من أعاظم المهاجرين والمجاورين. قد فاز في أواخر أيامه بشرف الهجرة وتوفّق بالآقامة بجوار العناية الربانيّة. أمّا نسبه فيعود إلى النقطة الأولى، روحي له الفداء. وقد نصّ القلم الأعلى على أنّه من أفنان السدرة المباركة وكان له النصيب الوافر بأن رضع، وهو طفل في سن الرضاع، من ثدي عناية حضرة الأعلى وكان تعلقه بذلك الجمال المنير لا يُضارع.

    ولما بلغ سن المراهقة، اندمج في صفوف ذوي المدارك العالية وقام بتحصيل العلوم والفنون وكان لا يفتأ ليلاً نهارًا في إشغال الفكر في المسائل الإلهيّة. وقد أخذته الحيرة لمّا شاهد انتشار الآيات الكبرى في الآفاق. تضلّع في العلوم الاكتسابية كالرياضيّات، والهندسة، والجغرافيا، وطال باعه في علوم شتّى وكان كثير الاطلاع واقفًا على آراء السلف والخلف. صرف القليل من أوقات ليله ونهاره في الاشتغال بالتجارة، غير أنه كان يصرف معظم أوقاته في المطالعة والمذاكرة وكان حقًا علامة الآفاق وسبب عزّة أمر الله بين العلماء الأعلام، يحلّ المسائل المعضلة والمشكلة بمختصر العبارات وبمنتهى الإيجاز. وهذا من ضروب الإعجاز.



    وقد تعطّرت مشامّه بنفحات الهداية الكبرى في أيام حضرة الأعلى واشتعلت فيه نار المحبّة في أيام المبارك بدرجة أنه قام على إحراق جميع حجبات الأوهام واشتغل بترويج دين الله بكل ما في مكنته واشتهر في جميع الآفاق بمحبّة الجمال المبارك. على حدّ قول القائل (ما ترجمته):

    أيها العشق قد تملّك مني من جرّائك جنون وحيرة

    وبهذا اشتهرت بين البرايا حيث قالوا: ابتغي لك غيره

    كيف أسلوه وقد سجلوني في رأس تعداد من تحمّل ضيره

    بعدما كنت أول العارفين بل كمن محا في المعارف عمره

    وبعد صعود حضرة الأعلى، روحي له الفداء، واظب على خدمة حرم ذلك الجمال، جمال الكبرياء ضجيعة حضرة الأعلى الطيّبة الطاهرة وفاز بتوفيق من الله بهذه المنقبة العظمى. وعاش في إيران مغمومًا غارقًا في بحار الحيرة من شدّة فراق حضرة الرحمن، إلى أن فاز سليله الجليل بشرف المصاهرة فدبّت فيه عوامل السرور والحبور والفرح والابتهاج، فترك إيران إلى ظلال عناية حضرة المقصود ومجاورته. كانت محاسن طلعته تفوق الوصف بوجه نوراني وقد شهد الأغيار بأن في وجهه هالة من النور المبين.

    ومختصر القول، إنه قد مكث أيامًا في مدينة بيروت وقابل في أثنائها العالم الشهير –الخواجة فنديك- ودارت بينهما مباحثات في مختلف العلوم والفنون مما أدهش الخواجة المذكور حتى صار يتمدّح بأوصاف حضرة الأفنان الكبير ويشيد بعلوّ كعبه في مختلف العلوم والفنون ويعدّد فضائله وكمالاته في الأندية والمحافل والمجتمعات.



    وكان يقول على مسمع من الجمهور: "إن جناب الأفنان يندر وجود أمثاله بين المتفنّنين في الشرق". وفي النهاية، عاد حضرته إلى أرض المقصود وسكن في الجوار المبارك وحصر فكره في فضائل الإنسان، وكان يصرف معظم أوقاته مشتغلاً باستكشاف النجوم وحركات الكواكب وكان رفيقه المقراب (أي المنظار) للتطلّع إلى الكواكب في الليل والنهار. كان في حدّ ذاته بحبوحًا مرحًا فارغًا عن الدنيا، وفي غاية من السرور والبشاشة وكان يُقدّر مجاورته لحضرة الأحدية ويعتبرها جوهرة تتلألأ بالنهار وتجعل ليله منيرًا إلى أن وقع صعود حضرة المقصود واضطربت الخواطر وتبدّل الفرح والسرور بآهات الحسرة، وحلّت المصيبة الكبرى واحترقت القلوب من عظم الفراق، واصبغّ بياض النهار بسواد الليل المُدْلَهِمّ، وانقلب صفاء بستان الأوراد إلى هشيم القتاد الذي لا يصلح إلا للنار، وجرت الدموع من الآماق. فأمضى حضرته أيامًا يتقلّب على بساط الاحتراق بنار الفراق ولم يجفّ الدمع الهاطل من عينيه فلم يستطع تحمل ذلك العبء وأَلَمَ الفراق، ففارقت روحه الزكيّة، بعد أيام قلائل، عالم الفناء وسكنت عالم البقاء وفازت بالدخول في جنّة اللّقاء واستغرقت في بحر الأنوار. عليه الرحمة الكبرى، وله الموهبة العظمى، وله البركة على مرّ القرون والأعصار. قبره الشريف في حي المنشيّة بعكاء.



    (7) حضرة آقا محمد علي أصفهاني

    هو الله
    جناب آقا محمد علي أصفهاني، هو من الأحباء الأقدمين الذين اقتبسوا من نار الهدى في أول الأمر، ويعدّ من زمرة العرفاء وكان منزله مجمع العرفاء والحكماء، موصوفًا بعظيم الكرم وعلى خُلُقٍ عظيم محسوبًا في عداد المحترمين في مدينة أصفهان. داره ملجأ ومأوى للغرباء من الأغنياء والفقراء على السواء. وكان من أهل الذوق وحُسْن المَشْرَبْ، حليمًا سليمًا ونديمًا مألوفًا مشهورًا في كل بلد بعيشته الراضية. وبعد أن اهتدى بنور الهدى، اشتعل بالنار الموقدة في شجرة السيناء وأصبح بيته وقفًا للتبليغ ومضافته مركز التمجيد للربّ الكريم، يجتمع عنده الأحباب ليلاً ونهارًا وهو بينهم كالشمعة منيرًا بنار المحبّة المشتعلة في صدره. واستمر بيته مثوًا وحظيرة قدس لترتيل الآيات والبيّنات وبيان الحجج والبراهين الدامغة. ومع ما كان عليه من الشهرة بمعتقده بين أهالي أصفهان فقد أصبح بفضل انتسابه لإمام الجمعة بالمدينة محفوظًا مصونًا من غائلة الأعداء. وبلغ الحال أن إمام الجمعة نفسه من كثرة ضغط الأعداء جاهَرَهُ معتذرًا بأنه لم يعُد في مقدوره المحافظة عليه وحمايته قائلاً: "إنني بعد اليوم لا يمكنني المحافظة عليك وحمايتك لأنك في خطر عظيم، فأولى لك أن تغادر



    هذا البلد". فارتحل آقا محمد علي من أصفهان إلى العراق حيث فاز بشرف لقاء محبوب الآفاق، وما لبث أن قَلَبَ له الدهر ظهر المِجَنْ برهة ثم أخذت أحواله تتحسن. وكان يقنع بالقليل غير أنه عاش مسرورًا دمث الأخلاق ليّن العريكة يمازج الأغيار والأحباء على السواء إلى أن بارح الموكب المبارك بغداد إلى اسلامبول فسار بمعية حضرة بهاءالله إلى أدرنه –أرض السر- ولم تتغير حاله أبدًا ومضى بأدرنه متمتعًا بهناءة العيش مشتغلاً بالكسب نوعًا ما محفوفًا بالبركة التي لا تضارع ثم سافر ضمن الركب المبارك إلى قلعة عكاء حيث اعتقل أسيرًا واعتبر من المسجونين كل أيام حياته فائزًا بكمال الشرف في ظل الجمال المبارك.

    كان طوال أيامه مسرورًا مبتهجًا مشتغلاً بالتجارة نوعًا ما ومكسبه كان ضئيلاً يصرف نصف نهاره في الاتّجار ويأخذ في النصف الآخر أدوات الشاي ويذهب على ظهر جواد إلى البساتين والحدائق الغلباء أو يتجه إلى الصحراء ويتناول شايه مبتهجًا مسرورًا. فطورًا تراه في المزرعة وطورًا في حديقة الرضوان أو في القصر المبارك فائزًا باللقاء غارقًا في بحار التنعم. وكلما شرب شايًا في القصر المبارك قال: "إنه لذيذ للغاية ورائحته ذكية ولونه جذاب وكان يستطيب الجلوس في الصحراء ومشاهدة الأوراد معجبًا بألوانها المختلفة الجذابة، وكان يقول إن كل شيء له رائحة عطريه حتى ماء الشرب والهواء الذي يستنشقه. وكان مسرورًا في جميع أوقاته بدرجة تفوق الحد والوصف وكان يعتقد أن ملوك العالم لم يتيسر لهم ما كان عليه من الفرح العظيم. ومع بلوغه سن الكبر، كنت تراه فارغ البال مرحًا مسرورًا، لا يأكل إلا من طيب الطعام. عاش في عكاء في هناء وأحسن مقام، ساكنًا



    في بيت على حده، ورغم أنه كان مسجونًا فلم يضجر إلى أن عرج إلى أفق العزة الأبدية بعد أن ناهز الثمانين من عمره. ونزلت في حقه ألواح متعددة من القلم الأعلى، وكان مشمولاً دائمًا بالألطاف المتناهية. عليه بهاء الأبهى وعليه آلافٍ من الرحمة والرضوان ومتعه الله بالروح والريحان. أما جدثه المنير ففي عكاء.



    (Cool جناب آقا عبدالصالح الباغبان (البستاني)

    هو الله

    من المهاجرين والمجاورين في السجن الأعظم، كان جناب آقا عبدالصالح الباغبان من أولاد أحد قدماء الأحباء، توفي والده ونشأ يتيمًا ولم يكن له من معين. وقع مظلومًا في يد الأعداء حتى بلغ سن الحُلُمْ وعند ذلك طلب وجه المحبوب، فهاجر إلى سجن عكاء وفاز بالاشتغال كبستاني في حديقة الرضوان. وأصبح بستانيًا لا نظير له، متينًا في إيقانه رزينًا صادقًا وأمينًا، وكانت أخلاقه مصداق قوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم"، ولهذا كان مسرورًا في عمله كبستاني في حديقة الرضوان. وبهذه الوسيلة تمتّع بشرف اللقاء في أغلب الأيام وشملته الموهبة العظمى لأن الاسم الأعظم، روحي لأحبائه الفداء، كان مسجونًا في قلعة عكاء محاصرًا نحو تسع سنوات مع وجود العساكر وأرباب الأمر في الثكنة بالقلعة وبعد ذلك انتقل الجمال المبارك وسكن في بيت وضيع بعكاء، ولم يضع جمال القدم قدمه خارج ذلك الكوخ الضيق وكان الأعداء والمعرضون يتجسسون عليه وما انقضى الأجل المحتوم بعد السنوات التسع حتى خرج الجمال المبارك بكل عظمة واقتدار من القلعة وسكن خارج عكاء في قصر ملوكي رغم أنوف الأعداء اللدودين، عبدالحميد وأعوانه، الذين أظهروا كمال



    الشدّة عليه في السجن ولكن حضرة بهاءالله، روحي لأحبائه الفداء، كان في نهاية العزّة والاقتدار كما يقرّ بذلك العموم. فكان يتنقّل حضرته من القصر إلى المزرعة فإلى حيفا حيث يمضي أيامًا على قمة جبل الكرمل في خيمته الخاصة والأحباء يأتون إلى محضره المبارك من جميع الديار ويفوزون بشرف اللقاء على مرأى من جميع أرباب الحكومة، ولم يقم أحد بالمعارضة وهذا من أعظم معجزات الجمال المبارك، وهو سجين كان يتحرك بكمال العظمة والاقتدار. كانت حياته حياة من كان في الإيوان ونفس السجن أصبح جنة الجنان ولم يحدث مثل هذا في القرون الأولى بمعنى أن شخصًا أسير السجون يترك معتقله بكل قوة واقتدار. ورغم رزوحه تحت السلاسل والأغلال فقد وصل صيت أمر الله إلى فلك الأثير وفتح الكثير من مدائن القلوب في شرق الأرض ومغربها وسخّر الأكوان بحركة من القلم الأعلى وهذا ما امتاز به هذا الظهور العظيم.

    وقد حضر ذات يوم إلى القصر المبارك أرباب الحكومة وأمراء المملكة وعلماء المدينة ومشاهير عرفائها ولكن جمال القدم لم يجعل لمجيئهم أهمية ولم يصرح لهم بالورود في ساحته المقدّسة ولم يستفسر عن أحوالهم. أما هذا العبد فقد جلس معهم ساعة من الزمان أو ما يزيد يتحدث معهم حتى استأذنوا بالانصراف ثم قفلوا راجعين.

    كان المرسوم الملكي القاضي بسجن الجمال المبارك يحتم بقاء حضرته داخل القلعة في حجرة على انفراد يحيط بها الجند والحراس بحيث لا يضع قدمه خارج تلك الحجرة ولا يقابل أحدًا من الأحباء، ومع هذا التشديد والحكم الصارم كانت خيمة حضرته وسرادقه المبارك منصوبة على جبل الكرمل. فأي قوة وأي قدرة أعظم من



    هذا! حيث ارتفع علم الرحمن في غياهب السجن وتموج لواء أمره على أعلى التلال في جميع الآفاق. سبحان من له هذه القدرة والعظمة. سبحان من له العزة والكبرياء. سبحان من له الغلبة على الأعداء وهو في سجن عكاء!

    وأيم الحق، إن طالع عبدالصالح المذكور لمرتفع ونجمه لمحظوظ لأنه كان فائزًا باللقاء أعوامًا عدة مستمتعًا بهذه الخدمة. أمضى أيامه متحليًا بالأمانة والديانة والصداقة خاضعًا خاشعًا لدى جميع الأحباء لم يَظهر الكدر من أحد طيلة أيام حياته وفي النهاية انتقل من مجاورة البستان إلى جوار الرحمة الكبرى.

    كان جمال القدم عنه راضيًا ونزلت من القلم الأعلى زيارة في حقه، تتلى على قبره، وعدّة ألواح مباركة وخطابات من الفم المبارك له وكل ذلك مدرج في الكتب والألواح. وعليه البهاء الأبهى وعليه الرحمة في الملكوت الأعلى.



    (9) جناب الأستاذ إسماعيل
    هو الله

    من جملة النفوس المباركة حضرة الأستاذ إسماعيل المعماري، روح المخلصين له الفداء، لقد كان رجل الحق هذا كبير المعماريين لدى أمين الدولة، فرّخ خان، بطهران وكان عزيزًا ذا اعتبار زائد وفي بحبوحة من العيش محترمًا مسرورًا حتى أصبح شخصًا نورانيًا مفتونًا بجمال المحبوب عاشقًا ولهانًا، وأزال بنار العشق كل حجاب وستار متشبثًّا بذيل رداء محبة المحبوب واشتهر في طهران بأنه الركن الركين للبهائيين. وكان أمين الدولة يبذل ما في وسعه للمحافظة على الأستاذ إسماعيل وحمايته في بداية الأمر ولكنه أخيرًا أحضر الأستاذ عنده وقال له: "يا أستاذ أنت عزيز لدي للغاية وقد عملت ما في طاقتي لحمايتك والمحافظة عليك من أعدائك، غير أن الشاه قد وقف على حقيقة أمرك وأنت تعلم مقدار غضبه وميله لسفك الدماء. لهذا أخشى أن يأمر، على حين غرّة، بشنقك، وعليه، أرى من المستحسن أن تبادر بمبارحة هذه الديار إلى ديار أخرى لتخلص من هذا الخطر الداهم". فرضخ الأستاذ لنصيحة أمين الدولة وهاجر إلى العراق، وهو لا يملك شيئًا من حطام الدنيا. ومرّت عليه أيام تقلّب في خلالها على بساط الإفلاس هو وزوجته حديثة الاقتران به،

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى