التراث الخالد
عظمة آثار حضرة عبد البهاء
عظمة آثار حضرة عبد البهاء
لا يخفى على أحد عظمة آثار حضرة عبد البهاء فان كل من آمن بدين حضرة بهاء الله والمعجبين الكثيرين من أهل العلم والفضل شهدوا لهذا الدين ولتعاليمه السامية ومجدوا حضرة عبد البهاء لكونه مثلا للحياة البهائية ومبادئها وسننها فنجد أمير البيان المجاهد الكبير الأمير شكيب أرسلان يصفه في كتابه المعروف ( حاضر العالم الإسلامي ) فيقول : -
" وقد كان حضرة عبد البهاء آية من آيات الله بما جمع الله فيه معاني النبل ومناقب الأصالة العديدة التي قَلَّ أن ينال منها أحد مناله أو يبلغ فيها كماله من سرعة الخاطر وسداد المنطق وسعة العلم ووفور الحكمة وبلاغة العبارة.. وبلغ من قوة الحجة وأصالة الرأي وبعد النظر الغاية التي تفنى دونها المنى حتى لو قال الإنسان أنه كان أعجوبة عصره ونادرة دهره لما كان مبالغا ولو حكم بأنه من الأفذاذ الذين قلما يلدهم الدهر إلا في الحقب الطوال" 0
و يشهد شكيب أرسلان في ختام مقالته على القدرة العلمية و الأدبية لحضرة عبد البهاء في اللغة العربية رغم أن لغته الأصلية أي اللغة الأم لم تكن العربية .
إن الآثار الكتابية التي تركها حضرة عبد البهاء ميراث غني لأتباعه , وهداية وإرشاد للبشر أجمعين زخرت بها حياته الحافلة , ونزلت من يراعه الخلاق في حقبة إمتدت عبر أكثر من نصف قرن من الزمان فقد بدأ عبد البهاء بالكتابة وهو
في سن مبكرة وإستمر يبدع الرسائل والمقالات والأحاديث والخطب والمواعظ حتى آخر يوم من أيام حياته وقد بلغ السابعة والسبعين من العمر0
حضرة عبد البهاء وصياغة آثاره : -
"وتميزت آثار حضرة عبد البهاء من حيث الصيغة والأسلوب بأنها متنوعة تتسم بالبلاغة الممزوجة بالمحسنات البديعة وتغلب عليها بساطة الأسلوب الذي هو قريب للفهم وإدراك عامة الناس يلاحظ فيها إصطلاحات عامة وخاصة وعبارات قصيرة وأحيانا طويلة تكتنفها مرادفات تكرار المعنى في تاكيد بديع يصل بالقارئ إلى ترسيخ وتأصيل ما يبتغيه له من إدراك. فأسلوبه فريد في نوعه يتميز ببساطة وسهولة في اللفظ مما يجعله ( سهلا ممتنعا ) وقد شهد له ولبلاغته صناديد عصره بأنه صاحب بيان ساحر ولسان فصيح بليغ."
(من كتاب حياة عبد البهاء )
كان عبد البهاء يكتب بلغات ثلاث هي الفارسية والعربية والتركية, ومعظم ما كتبة كان باللغة الفارسية0 فمن المسلم بأن آثار حضرة عبد البهاء فتحت بابا جديداً في الأدب الفارسي الذي أغنى هذا الأدب من ناحية اللفظ وعلو المعاني، الفصاحة والبلاغة والجمال وأيضا التوازن الذي يوصله إلى حد الكمال وأحيانا يتجاوز الحدود الأدبيه البسيطة ليجسد لنا صورا جميلة كالرسام الماهر أو كالموسيقي الذي يعطي النثر روح الشعر وفي كل الأحوال لا يضحي بالمعنى في سبيل اللفظ والكلام.
أما آثاره باللغة العربية فأقل عدداً عما كتبة بالفارسية ولكنها لا تقل أهمية من حيث المعنى والمحتوى 0 أما آثاره باللغة التركية فلا تتعدى بعض الرسائل ومجموعة من المناجاة0
بلغت هذه الآثار باللغات الثلاث قمة الأدب, وتميزت بسلاسة اللفظ, وقوة المبنى, وبلاغة المعنى 0 وأدهش عبد البهاء الفارسي اللسان , أدباء العربية بأسلوبه, وبيانه, وشهد له أدباء عصره بالبلاغة وفصاحة اللسان, فكان إبداعة الأدبي معجزه من المعجزات وهو الذي لم يدخل المدارس ولم يتلقى علوم اللغة والبلاغة, بل كان مُلْهَما في إبداعه اللغوي, فلم يترك أسلوبا من الأساليب لم يتقنه0 وجاء كل ما كتبه دليلا على سعة أفقه, وعلو همته, وسمو أفكاره 0
وكما هو واضح فإن حضرة عبد البهاء لم يكن نبيا ولا رسولا, ولكنه يتمتع بمنزله خاصة إذ عَيَّنه حضرة بهاء الله – رسول هذا العصر – محورا لميثاقه ومفسراً لآياته وآثارة مما يجعل لكلماته نفوذاً تستمده من القوة الغيبية التي أودعتها فيه الرسالة الإلهية فضلا من لدنها فإتسمت كل كلمة تفوه بها بالخلاقية0 وتميز كل نشاط قام به بالفعالية والإبداع 0
يسبغ حضرة عبد البهاء على أسلوبة البياني سحراً مستمداً من شخصيته الجذابة وألمعيته المحيرة فما من أحد يستمع إليه إلا وشهد له, ورضخ لمنطقه وعقلة الفذ, وأصبح أسيرا تلك المحبة العارمة التي كان يغدقها من قرارة قلبه, إذ وزَّع تلك المحبة العارمة على أعدائه وأحبائه دون أن يفرق بين أحد من الناس0
لا سبيل في مثل هذا العرض المختصر أن نسترسل في تحليل دقيق لأسلوب حضرة عبد البهاء الغني في اللغة العربية ولا مجال لعرض تفصيلي نعلق فيه على إبداعه اللغوي بالفارسية والعربية فقد إستخدم شتى ضروب البلاغة والمحسنات اللفظية إستخداما جمع بين التقليد والتجديد مما يجعل حضرة عبد البهاء صاحب أسلوب جديد في الأدب الديني 0 لا بل في الأدب الروحي كله0
وقد نزلت من قلم حضرة عبد البهاء آثار عديدة جداً.وأغلبها على هيئة رسائل للمؤمنين أجوبة على أسئلة الطالبين، لقد قسم جناب أمين بناني آثار حضرة عبد البهاء إلى اثنى عشر مجموعه هي : -
1 – الرسائل الخاصة ( أو ما يمكن وصفه بالألواح الخاصة الموجة إلى الأفراد أو العائلات )
تمثل هذه المجموعة جزءاً لا يستهان به من آثار حضرة عبد البهاء ولكن للأسف فُقِدَ عدد كبير منها نسبة لتفرق من إستلمها من الناس 0 ونسبة لمرور الزمن, ولكونها كانت في حوزة أفراد متعددين وأشخاص من غير البهائيين, ولعل ما يميز هذه الرسائل تلك الصراحة المطلقة, والعاطفة الدافئة , والمحبة الوارفة , وما تخللها من اللطائف والنوادر والفكاهات بينما تمتلئ كلها بروح التسامح والتآخي والاحترام0
2 – الألواح الموجهة إلى أفراد حول موضوعات علمية أو فلسفية أو دينية:
ولعل أشهر هذه الألواح هو اللوح الذي وجهة حضرة عبد البهاء في شهر أيلول ( سبتمبر ) 1921 إلى العالم السويسري المعروف البروفيسور اوغست فورال أجاب فيه عبد البهاء على أسئلة وجهها إليه ذلك العالم المرموق 0
3– الرسائل العامة ( أو الألواح الموجهة إلى مجموعات المؤمنين سواء أكان اؤلئك في الشرق أو الغرب )
أهم أثار حضرة عبد البهاء في هذا المجال الألواح الموجهة إلى أحباء إيران ومصر بالإضافة إلى الألواح التي بعث بها حضرة عبد البهاء إلى أكثر من خمسة وثلاثين قطرا من الأقطار 0 أما ألواحه المعروفة " بألواح الخطة الإلهية " فقد وجهها إلى العالم الجديد وبعث بها إلى أحباء كندا والولايات المتحدة في السنوات الختامية للحرب العالمية الاولى0
3– الألواح الموجهة إلى الهيئات والمجتمعات الدولية
أهمها رسالته التاريخية حول موضوع السلام العالمي والتي وجهها إلى مؤتمر لاهاي للسلام المنعقد عام 1919 تحت رعاية المنظمة المركزية لإقامة سلام دائم 0
4 – ألواح الوصايا
تتضمن هذه الألواح وصية حضرة عبد البهاء مكتوبة بخط يده في فترات ثلاث مختلفة وتمثل وصيته الصريحة الممهورة والتي يعين بموجبها حفيده شوقي أفندي وليا لأمر الله وراعيا لشؤون الدين البهائي يقدم لنا حضرة عبد البهاء في ألواح الوصايا هذه شرحا وافيا لهيكل النظام البديع وهو النظام الإداري الذي أشار إليه حضرة بهاء الله فوضع مبادئه العامة وترك لحضرة عبد البهاء أمر شرح تلك المبادئ وتفصيلها ثم ترجمتها إلى مؤسسات تخدم مصالح الوحدة والإتحاد بين البشر أجمعين 0 وهكذا تصبح الوصية الكاملة هذه وثيقة تاريخية من حيث تطور النظام الإداري لدين بهاء الله بغض النظر عن أهميتها القصوى كجزء لا يتجزأ من ميثاق حضرة بهاء الله المبرم النافذ 0
6 – الأدعية والمناجاة والصلوات الخاصة0
طوَّر حضرة عبد البهاء كتابة"المناجاة " فأبدع نمطا من المناجاة تسمو بالإنسان إلى درجة من التجلي الروحاني يشعر فيها بأنه يقف أمام عرش الله العلي العظيم 0 وتسجل كلمات كل مناجاة نزلت من يراع حضرة عبد البهاء تعبيراً بليغاً عن أحاسيس ومشاعر روحية عميقة بلغة شعرية, وبأسلوب مجازي فريد من نوعه يستخدم فيه الرمز أداةً للتوفيق بين الإيحاء وتداعى الأحاسيس اللامتناهى من جهة, وبين الإيجاز الدقيق المحدود لفظا وكلماتاً من جهة اخرى0
7– الصلوات والأدعية الخاصة بالمناسبات 0
وتشمل هذه الأدعية التي تُتْلى في إجتماعات المحافل الروحانية, أو يتلوها المهاجرون في سبيل الله أو أدعية الطلب التي تساعدنا على التغلب على النفس الأمارة بالسوء, أو أدعية التوكل على الله والإعتماد عليه والتوجه إليه في كل الأحوال0
8 – ألواح الزيارة
كُتِبت هذه الألواح كلها بالعربية, هدفها إحياء ذكرى الشهداء الذين ماتوا في سبيل دين الله0 وتُتْلى هذه الأدعية في المقابر وفى حفلات التأبين أو التذكر 0 وقد كتبت معظمها في السنوات الختامية من حياة حضرة عبد البهاء وفاء منه لذكرى أولئك الذين ضحَّوا بحياتهم وأرزاقهم وأموالهم في سبيل وحدة الجنس البشري وسلامته 0 ولعل أكثر تلك الألواح شهرة وتأثيرا لوح الزيارة الذي نزل من يراع حضرة عبد البهاء إبان زيارته ضريح والده العظيم, والذي يبدأه بقوله " ألهي ألهي إنى أبسط إليك أكف التضرع والتبتل والإبتهال 00 "وقد أصبح لوح الزيارة هذا الدعاء الخاص الذي يتلوه ملايين المؤمنين من أتباع حضرة بهاء الله في المناسبات الخاصة المتعلقة بذكرى حضرة عبد البهاء وخاصة عند زيارة ضريحه المبارك على سفح جبل الكرمل في رحاب المقام الأعلى الذي شيده حضرة عبد البهاء ليكون ضريحا لائقا يضم رفات الباب الشهيد , مبشر هذا الدين والمظهر التوأم لظهور بهاء الله 0
9 – القصائد الشعرية
قصائد حضرة عبد البهاء الشعرية قليلة العدد, معظمها إن لم يكن كلها بالفارسية 0 إختار حضرة عبد البهاء " المثنوى " مَبْنًى لقصائده وكـان إعجابه بشعر جلال الدين الرومي حافزا لإستعمال " البيتين " وحدة للقصيدة, كما أنه إستشهد أحيانا ببعض أبيات من شعر جلال الدين الرومي, والمعروف أن كتاب " المثنوي " ( وهو عنوان كتاب الرومي الشعري ) أبلغ تفسير للقران الكريم ويعتبر أسمى التفاسير الإسلامية على الإطلاق, علاوة عن وجود نفحة صوفية شفافة تبعث الحياة في هذا المؤلف الأدبي الديني الرائع0
10 - المؤلفات والكتب الموضوعة
ترك حضرة عبد البهاء ثلاثة كتب رئيسية هي" الرسالة المدنية " (1870) وقد تم ترجمة هذا الكتاب إلى العربية من قبل السيدة بهية فرج الله كوليك ونشر تحت عنوان " سر المدنية الإلهية " وكتاب " مقالة سائح " (1886 ) وهو كتاب عرض فيه حضرة عبد البهاء " تاريخ دعوة الباب ورسالته الخطيرة الشأن " وكتبها خصيصا للمستفسرين والباحثين , وأخيرا " المقالة السياسية " 0
11 – محادثات عبد البهاء على المائدة
جُمِعَت محادثات عبد البهاء في مجلدات بعد تدوينها تدوينا مفصلا 0 ولعل أهم أمثلة هذا الباب الكتاب المعروف باللغة العربية بعنوان " كتاب المفاوضات " أو " مفاوضات عبد البهاء " و " المفاوضات " تمثل في مجموعها أحاديث المائدة, أجاب فيه حضرة عبد البهاء على أسئلة وجهتها إليه سيدة أمريكية إسمها السيدة لورا كليفورد بارني فتحدث حضرة عبد البهاء في مواضيع شتى منها شروح للمبادئ الأمرية للدين البهائي, ومنها تفاسير فقهية لآيات الإنجيل والتوراة, ومنها أراء في مسائل علمية وفلسفية ودينية عامة 0 وقد تم نشر أول نسخة من هذا الكتاب بالإنجليزية عام 1907 0 أما كتاب " تذكرة الوفاء " فقد عرض فيه حضرة عبد البهاء ذكرياته عن سبعين من المؤمنين الأوائل, وقد فعل ذلك في حلقات ليلية في مجموعة من المحيطين في الأراضي المقدسة في أوائل الحرب العالمية الأولى, ودُوِّنت هذه الذكريات كما عُرِضَت باللغة الفارسية ( تم نشر الأصل الفارسي لهذا الكتاب بموافقة حضرة ولى أمر الله شوقي أفندي في عام 1924 وفى عام 2004 صدرت للكتاب ترجمة باللغة العربية وهى من ترجمة المرحوم حسين روحي والذى قام بالترجمة بناء على طلب من حضرة شوقى أفندي )
12 – خطب عبد البهاء
إن مجموعة خطب حضرة عبد البهاء أو ما يمكن أن يسمى بالخطب والمواعظ فهي متنوعة بحيث أنها تشكل مع مراسلاته الخاصة الجزء الأكبر من آثاره 0 فقد تحدث حضرة عبد البهاء خطيبا في المساجد والكنائس والمعابد 0 وألقى المحاضرات في الجامعات العلمية والهيئات الفكرية والمجتمعات الدولية في كل من الشرق والغرب 0 وكان حضرة عبد البهاء خطيبا مفوها له حضور جليل مهيب حاضر البديهة سلس البيان إذا تحدث جمع وأوجز فكان أسلوبه بحق " السهل الممتنع " وكان بيانه هو السحر الحلال بعينة0 (1)