منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 39 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 39 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    مع كتاب المفاوضات لحضرة عبد البهاء 2

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي

    في بيان أنّ المعقولات لا سبيل لإظهارها وبيانها
    إلاّ في قميص المحسوسات

    هناك مسألة لها دخل عظيم في إدراك المسائل الأخرى التي ذكرناها ونذكرها حتّى تهتدي إلى جوهر المسائل وتلك هي:

    إنّ المعلومات الإنسانيّة تنقسم إلى قسمين، معلومات تدرك بالحسّ يعني أنّ الشّيء الذّي تدركه العين أو الأذن أو الشّمّ أو الذّوق أو اللّمس يسمّونه محسوساً. مثلاً هذه الشّمس تدرك بالحسّ لأنّها ترى فلهذا يقولون إنّها محسوسة، وكذلك الأصوات تدرك بالحسّ، لأنّ الأذن تسمعها والرّوائح تدرك بالحسّ، لأنّ الأنف تشمّها والطّعوم تدرك بالحسّ، لأنّ الذّوق يدرك حلوها وحامضها ومالحها، والحرارة والبرودة تدركان بالحسّ لأنّ اللّمس يدركهما فيقولون لكلّ هذا حقائق محسوسة.

    وأمّا القسم الآخر من المعلومات الإنسانيّة هو المعقولات، يعني الحقائق المعقولة التي ليس لها مكان ولا صورة خارجيّة وليست محسوسة، مثلاً إنّ القوّة العقليّة ليست محسوسة والصّفات الإنسانيّة بتمامها ليست محسوسة، بل إنّها حقائق معقولة وكذلك الحبّ أيضاً حقيقة معقولة لا محسوسة، لأنّ هذه الحقائق لا تسمعها الأذن ولا تراها العين ولا يشمّها الأنف ولا يدركها الذّوق ولا تحسّ باللّمس،

    حتّى المادّة الأثيريّة التي يعبَّر عن قواها في الحكمة الطبيعيّة بحرارة ونور وكهرباء ومغناطيس، تلك أيضاً حقيقة معقولة لا محسوسة وكذلك نفس الطّبيعة أيضاً حقيقة معقولة لا محسوسة، وكذلك الرّوح الإنسانيّ حقيقة معقولة لا محسوسة، وعندما تريد بيان هذه الحقائق المعقولة فأنت مجبر عند تبيانها على إفراغها في قالب محسوس إذ لا يوجد في الخارج سواه، فإن أردت بيان حقيقة الرّوح وشؤونها ومراتبها فأنت مجبر على بيانها في صورة محسوسة إذ لا يوجد في الخارج سواه، مثلاً إنّ الحزن والسّرور من الأمور المعقولة فإذا أردت بيان تلك الكيفيّة الرّوحانية تقول ضاق قلبي أو اتّسع، في حال أنّه لم يحصل في روح الإنسان ولا في قلبه ضيق ولا سعة، بل هي كيفيّة روحانيّة معقولة، وإذا أردت البيان فأنت مجبر أن تبيّنها بصورة محسوسة مثلاً تقول إنّ فلاناً ترقّى كثيراً، في حال أنّه باقٍ مستقرّ في مقامه ومحلّه، وفلاناً علا مقامه في حال أنّه كسائر الأشخاص يمشي على الأرض، ولكن هذا العلوّ والتّرقّي كيفيّة روحانيّة وحقيقة معقولة، وإذا أردت البيان فأنت مجبر أن تبيّن ذلك بصورة محسوسة، لأنّه لا يوجد في الخارج سواه، مثلاً تؤول العلم بالنّور والجهل بالظّلمة، فانظر الآن هل العلم نور يحسّ أو الجهل ظلمة محسوسة؟ لا، بل إنّها فقط كيفيّة معقولة فعندما تريد بيانهما تعبّر عن العلم بالنّور، وعن الجهل بالظّلمة، وتقول إنّ قلبي كان مظلماً ثمّ استنار، في حال أنّ نور العلم وظلمة الجهل حقيقة معقولة وليست محسوسة ولكنّنا مجبرون عندما نريد البيان أن نعبّر عنها بصورة محسوسة. إذاً صار من المعلوم أنّ الحمامة التي دخلت في المسيح ليست هي الحمامة المحسوسة بالعين، بل كانت كيفيّة روحانيّة

    وبيّنت بصورة محسوسة للتّفهيم والتّفهم، مثلاً ذكر في التّوراة ظهر اللّه في عمود من نار، والحال أنّه ليس المقصد هذه الصّورة المحسوسة بل الحقيقة المعقولة التي بيّنت في صورة محسوسة، ويتفضّل حضرة المسيح بقوله "الأب في الابن والابن في الأب" فهل كان حضرة المسيح في باطن اللّه أو اللّه في باطن المسيح، لا واللّه، بل هذه كيفيّة معقولة بيّنت في صورة محسوسة. ولنأتِ ببيان عبارة حضرة الجمال المبارك التي يتفضّل بها قائلاً "يا سلطان إنّي كنت كأحدٍ من العباد وراقداً على المهاد مرّت عليّ نسائم السّبحان وعلّمني علم ما كان ليس هذا من عندي بل من لدن عزيز عليم" هذا مقام التّجلي وهو معقول وليس بمحسوس وهو منزّه عن الزّمان الماضي والحال والاستقبال فهذا تمثيل وتعبير، مجاز لا حقيقة، وليس المقصود منه أنّه كان نائماً في الواقع ثمّ استيقظ، بل هو عبارة عن انتقال من حال إلى حال، مثلاً النوم حال السّكون والتّيقّظ حال الحركة، النّوم حال الصّمت واليقظة حال النّطق، النّوم حال الخفاء واليقظة حال الظّهور، مثلاً يعبّر بالفارسي والعربي أنّ الأرض كانت نائمة فاستيقظت بمجيء الربيع، أو الأرض كانت ميّتة فأحييت بمجيء الرّبيع، فهذا تعبير تمثيليّ وتشبيه وتأويل في عالم المعاني، والخلاصة إنّ المظاهر المقدّسة كانت ولا تزال حقائق نورانية لا يحصل التّغيّر والتّبدّل في ذواتها وغاية ما هنالك أنّهم ساكنون صامتون قبل الظّهور كالنّائم، وناطقون مشرقون بعد الظّهور بمثابة اليقظان.

    (13)
    ولادة حضرة المسيح

    السّؤال: كيف كانت ولادة حضرة المسيح من روح القدس؟

    الجواب: اختلف الإلهيّون والماديّون في هذه المسألة، فالإلهيّون متّفقون على أنّ حضرة المسيح ولد من روح القدس، وتصّور المادّيون أنّ ولادته على هذه الكيفيّة ممتنعة مستحيلة، ولا بدّ له من أب ويتفضّل في القرآن بقوله "فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشراً سويّاً" يعني تمثّل روح القدس بصورة بشريّة كالصّورة التي تتمثّل في المرآة وخاطب مريم، فالماديّون مجمعون على أنّه لا بدّ من الازدواج، ويقولون إنّ الجسم الحيّ لا يتكوّن من جسم ميّت ولا يتحقّق وجوده بدون أن يلقّح الذّكور الإناث، ومتّفقون على أنّ ذلك ليس ممكناً في الحيوان فكيف بالإنسان ولا في النّبات فكيف بالحيوان، لأنّ زوجيّة الذّكور والإناث هذه موجودة في جميع الكائنات الحيّة والنباتيّة حتّى أنّهم أيضا يستدلّون بالقرآن على زوجيّة الأشياء بقوله تعالى "سبحان الذّي خلق الأزواج كلّها ممّا تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون" . يعني أنّ الإنسان والحيوان والنّبات جميعها مزدوج "ومن كلّ شيءٍ خلقنا زوجين" يعني خلقنا الكائنات جميعها مزدوجة. والخلاصة أنّهم يقولون لا يتصّور إنسان من غير أب، ولكنّ الإلهيّين يقولون في جوابهم أنّ هذه القضيّة ليست من القضايا المستحيلة الممتنعة، ولكنّها لم تحدث من قبل، وهناك فرق بين شيء مستحيل

    وشيء لم يحدث من قبل، مثلاً إنّ مخابرة الشّرق والغرب بالأسلاك البرقيّة في آن واحد لم تحصل من قبل ومع ذلك لم تكن مستحيلة، والفتوغراف لم يكن معروفاً من قبل ومع هذا لم يكن مستحيلاً، ومثل ذلك الفنوغراف فإنه لم يكن معروفاً من قبل ومع ذلك لم يكن مستحيلاً، ومع ذلك ظلّ المادّيّون مصرّين على رأيهم، فيقول الإلهيّون في الجواب هل هذه الكرة الأرضيّة قديمة أم حادثة؟ فيقول المادّيّون ثبت أنّها حادثة بموجب الفنون والكشفيّات الكاملة، وكانت كرة ناريّة في البداية وحصل الاعتدال بالتّدريج فظهرت القشرة ثمّ تكوّن فوقها النّبات، وبعده وجد الحيوان ثمّ الإنسان، فيقول الإلهيّون قد تبيّن واتّضح من تقريركم أنّ نوع الإنسان على الكرة الأرضيّة حادث وليس قديماً، فيقيناً ما كان للإنسان الأوّل أب ولا أم، لأنّ وجود النّوع الإنسانيّ حادث، فهل تكوّن الإنسان من غير أب ولا أم ولو بالتّدريج أعظم إشكالاً أم وجوده من دون أب؟ على أنّكم معترفون بأنّ الإنسان الأوّل وجد سواء بالتّدريج أو في مدّة قليلة من غير أب وأم، فلا شبهة إذاً في إمكان وجود الإنسان من غير أب ولا يمكن أن يعدّ هذا مستحيلاً، وإن تعدّوه مستحيلاً فليس من الإنصاف، مثلاً لو تقول كان هذا السّراج مضيئاً وقتاً ما من دون الفتيلة والدّهن، ثمّ تقول إنّه من المستحيل أن يضيء من دون الفتيلة، فذلك بعيد عن الإنصاف فحضرة المسيح كان له أمّ، وأمّا الإنسان الأوّل باعتقاد المادّيّين لم يكن له أب ولا أمّ.

    (14)
    سؤال عن ميزة من لا أب له

    السّؤال: ما هي أفضليّة شخصٍ وجد من غير أب؟

    الجواب: إنّ الشّخص الجليل جليلٌ سواء كان له أب أو من دونه وإذا كان ثمّة فضل لإنسان من غير أب، فآدم أعظم وأفضل من كلّ الأنبياء والرّسل لأنّه وجد من غير أب وأم، وإنّما سبب العزّة والعظمة هو التجليّات والفيوضات والكمالات الإلهيّة، فالشّمس تولّدت من المادّة والصّورة وهما بمثابة الأب والأم ولكنّها كمال محض، والظّلمات لا مادّة لها ولا صورة ولا أب ولا أمّ ولكنّها نقص صرف، فالمادّة الجسديّة لحضرة آدم هي التّراب، والمادّة الجسديّة لحضرة إبراهيم هي النّطفة الطّاهرة، ولا شكّ أن النّطفة الطيّبة الطّاهرة أحسن من التّراب والجماد، وفضلاً عن هذا فإنّه يقول متفضّلاً في الآية الثّالثة عشرة من الأصحاح الأوّل من إنجيل يوحنّا "وأمّا كلّ الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد اللّه، أي المؤمنون باسمه الذّين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من اللّه" فيعلم من آية يوحنّا هذه أنّ وجود الحواريّين لم يكن من القوّة الجسمانيّة أيضاً بل من الحقيقة الرّوحانيّة فليس شرف حضرة المسيح وعظمته لأنّه وجد من غير أب بل شرفه ومجده بالكمالات والفيوضات والتّجلّيات الإلهيّة. ولو كانت عظمة حضرة المسيح لكونه ولد من غير أب لوجب أن يكون آدم أعظم منه لأنّه وجد من غير أب ولا أمّ. وفي التّوراة يقول الرّبّ متفضّلاً في الأصحاح الثّاني من سفر التّكوين في الآية السّابعة "وجبل

    الرّب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حيّة" فانظروا قوله وجد آدم من روح الحياة وفضلاً عن هذا فإنّ عبارة يوحنّا في حقّ الحواريّين تدلّ على أنّهم أيضاً من الأب السّماويّ، إذاً صار من المعلوم أنّ الحقيقة المقدّسة يعني أنّ الوجود الحقيقيّ لكلّ عظيم هو من الحقّ ومن نفخة روح القدس. والخلاصة أنّه إذا كان وجود الإنسان من غير أب أعظم فضلاً فآدم أعظم من الجميع لأنّه لا أب له ولا أمّ، فهل الإنسان الذّي يخلق من المادّة الحيّة أحسن أم الإنسان الذّي يخلق من التّراب، لا شكّ أنّ الذّي يخلق من المادّة الحيّة أحسن أمّا حضرة المسيح فقد ولد وتحقّق وجوده من روح القدس.

    وخلاصة القول أنّ شرف النّفوس المقدّسة وعظمة المظاهر الإلهيّة إنّما يكون بالكمالات الإلهيّة والفيوضات والتّجلّيات الرّبّانيّة لا بسواها.

    (15)
    في تعميد حضرة المسيح

    ورد في إنجيل متّى في الأصحاح الثّالث في الآية الثّالثة عشرة "حينئذٍ جاء يسوع من الجليل إلى الأردنّ إلى يوحنّا ليعتمد منه ولكنّ يوحنّا منعه قائلاً أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ فأجاب يسوع وقال له اسمح الآن لأنّه هكذا يليق بنا أن نكمل كلّ برّ حينئذٍ سمح له."

    السؤال: فما احتياج حضرة المسيح إلى غُسل التّعميد مع وجود كماله الذّاتيّ وما هي الحكمة في ذلك؟

    الجواب: أصل التّعميد هو غسل التّوبة وكان حضرة يوحنّا ينصح النّفوس ويوصيهم ويتوّبهم ثمّ يعمّدهم، إذاً صار من الواضح أنّ الغسل

    رمز للتّوبة من جميع الذّنوب، يعني أي ربّ كما تطهّر جسمي وتقدّسه عن الأوساخ البدنيّة، كذلك طهّر روحي وقدّسها من أوساخ عالم الطّبيعة وممّا لا يليق بباب أحديّتك، فالتّوبة رجوع عن العصيان إلى الطّاعة فيتوب الإنسان ويغتسل بعد البعد والحرمان، إذاً فهذا الغسل رمز يعني أي ربّ طهّر قلبي وطيّبه وزكِّه وقدّسه عن حبّ ما سواك.

    ولمّا أراد المسيح إجراء سنّة يوحنّا هذه بين العموم في ذلك الزّمان، تعمّد حضرته ليكون سبباً في تنبّه الخلق وليكمل النّاموس، أي الشّريعة السّابقة، والتّعميد وإن كان سنّة يوحنّا، إلاّ أنّه كان في الحقيقة غسل التّوبة، وكان جارياً في الشّرائع الإلهيّة، وما كان المسيح محتاجاً لغسل التّعميد، غير أنّه لمّا كان هذا العمل مقبولاً ممدوحاً في ذلك الزّمان وعنوان بشارة الملكوت، أجراه حضرة المسيح ولكنّه تفضّل وقال فيما بعد "ليس التّعميد بالماء العنصريّ بل يجب أن يكون التّعميد بالماء والرّوح" وقال في موضعٍِ آخر "إنّ التّعميد بالرّوح والنّار" وليس المقصود بالماء هنا الماء العنصريّ لأنّه يصرّح في موضعٍ آخر "التّعميد بالرّوح والنّار" ومن هنا يعلم أنّه ليس الغرض من النّار والماء النّار والماء العنصريّين، لأنّ التّعميد بالنّار محال، إذاً فالرّوح فيض إلهيّ والماء علم وحياة والنّار محبّة اللّه بمعنى أنّ الماء العنصريّ لا يكون سبب طهارة قلب الإنسان بل يطهّر جسمه فقط، ولكنّ الماء السّماويّ والرّوح التّي هي علم وحياة تطيّب قلب الإنسان وتطهّره، يعني أنّ القلب الذّي يأخذ نصيبه من فيض روح القدس ويتقدّس به يصير قلباً طيّباً طاهراً.

    والمقصود هو تطهير حقيقة الإنسان وتقديسها من أوساخ عالم الطّبيعة كالغضب والشّهوة وحبّ الدّنيا والتّكبّر والكذب والنّفاق والتّزوير وحبّ الذّات وأمثالها من الصّفات القبيحة، ولا سبيل لنجاة الإنسان من حكم النّفس والهوى إلاّ بتأييدات فيض روح القدس، كما يقول من الواجب اللاّزم التّعميد بالرّوح والماء والنّار ويعني بروح الفيض الإلهيّ، وماء العلم والحياة، ونار محبّة اللّه، ويجب أن يتعمّد الإنسان بالرّوح والماء والنّار ليستفيض من الفيض الأبديّ، وإلاّ فما ثمرة التّعميد بالماء العنصريّ ولكنّ التّعميد بالماء كان رمزاً للتّوبة والاستغفار من الخطايا والذّنوب، ولا لزوم لهذا الرّمز في دور الجمال المبارك لأنّ حقيقته التّي هي التّعميد بالرّوح وبمحبّة اللّه أمر محقّق ومقرّر.

    (16)
    ضرورة التّعميد

    السّؤال: هل غسل التّعميد موافق ولازم أم لا؟ فإن كان موافقاً ولازماً كيف نسخ وإن لم يكن كذلك فكيف أجراه يوحنّا.

    الجواب: إنّ تطّور الزّمان وتغيّر الأحوال من اللّوازم الذّاتيّة للممكنات، ولا انفكاك للّزوم الذّاتيّ عن حقيقة الأشياء، ومثلاً إنّ انفكاك الحرارة عن النّار والرّطوبة عن الماء والشّعاع عن الشّمس ممتنع محال، لأنّ هذه لوازم ذاتيّة وحيث أنّ تغيّر الأحوال وتبدّلها من اللّوازم الذّاتيّة للممكنات فكذلك تتبدّل الأحكام أيضاً تبعاً لتغيّرات الزّمان،

    ومثلاً كانت الشّريعة الموسويّة في زمن حضرة موسى مناسبة لمقتضى الحال، ولمّا تغيّرت تلك الحال وتبدّلت في زمن حضرة المسيح، نسخت تلك الشّريعة لأنّها أصبحت غير مناسبة ولا موافقة
    للعالم الإنسانيّ، فأبطل حضرة الرّوح حكم السّبت وحرّم الطّلاق، ومن بعد حضرته حلّل أربعة من الحوارييّن منهم بطرس وبولس لحم الحيوانات المحرّمة في التّوراة ما عدا لحم المنخنقة والدّم وقرابين الأصنام والزّنا، وأبقوا هذه الأحكام الأربعة، ثمّ حلّل بولس الدّم والمنخنقة وذبائح الأصنام أيضاً وأبقى تحريم الزّنا كما كتب في رسالته إلى أهل روميّة في الأصحاح 14 الآية 14 "إنّي عالم ومتيقّن في الرّبّ يسوع أنّ ليس شيء نجساً بذاته إلاّ من يحسب شيئاً نجساً فله هو نجس" وكذلك ذكر في الآية 15 من الأصحاح الأوّل من رسالة بولس الرّسول إلى تيطس "كلّ شيء طاهر للطّاهرين وأمّا للنّجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهراً بل قد تنجّس ذهنهم أيضاً وضميرهم" فكان هذا النّسخ والتّغيير والتّبديل لأنّ عصر المسيح لم يكن يقارن بعصر موسى بل الأحوال ومقتضياتها قد تغيّرت بالكلّيّة ولذا نسخت تلك الأحكام، وحيث أنّ عالم الوجود بمثابة إنسان وأنبياء اللّه ورسله هم أطبّاؤه الحاذقون، ولا يبقى شخص الإنسان على حالة واحدة بل تعتريه الأمراض المختلفة ولكلّ مرض علاج مخصوص، إذاً فالطّبيب الحاذق لا يعالج كلّ العلل والأمراض بوسيلة واحدة بل يغيّر في العلاج والأدوية بما يناسب الأحوال ومختلف الأمراض، فإذا أصيب هذا الشّخص بحمّى شديدة اضطرّ الطبيب الحاذق إلى إعطائه أدوية باردة، وإذا انقلب مزاج هذا الشّخص في وقت آخر وتبدّلت الحرارة بالبرودة اضطرّ الطّبيب الحاذق إلى استبدال الأدوية الباردة بأدوية حارّة، وهذا التّغيير والتّبديل من مقتضيات حال المريض ودليل جليل على حذق الطّبيب، فانظروا مثلاً هل من الممكن

    إجراء شريعة التّوراة في هذا العصر والأوان لا واللّه، هذا مستحيل ومحال، إذاً كان من الضّروري أن تنسخ شريعة التّوراة هذه في زمن المسيح، ثمّ انظروا إلى غسل التّعميد في زمن يوحنّا المعمدان فإنّه كان سبب تذكّر النّفوس وتنبّهها حتّى يتوبوا من جميع المعاصي وينتظروا ملكوت المسيح، أمّا في هذه الأيّام فالكاثوليك والأرثوذكس بآسيا يعمّدون الأطفال الرّضّع في الماء المخلوط بزيت الزّيتون، حتّى أنّ بعض الأطفال يمرض من هذا العمل المتعب ويرتعشون في وقت التّعميد ويضطربون، وبعض القسس في جهات أخرى يرشّون مياه التّعميد على الجباه وليس للأطفال إحساس روحانيّ بأيّ وجه من الوجوه سواء في الحالة الأولى أم في الحالة الثّانية، إذاً فما فائدة هذا العمل؟ بل إنّ سائر الملل يتعجّبون ويندهشون قائلين لماذا يغطّسون هؤلاء الأطفال الرّضّع في هذا الماء، فلا هو سبب تنبّه الطّفل ولا هو سبب إيمانه ولا هو سبب تيقّظه بل هو مجرّد عادة يجرونها.

    أمّا في زمن يوحنّا المعمدان فلم يكن هكذا بل كان حضرة يوحنّا ينصح النّفوس أوّلاً ويدلّهم على التّوبة من الخطايا والذّنوب، ثمّ يشوّقهم لانتظار ظهور المسيح وكان كلّ نفس عندما تغتسل غسل التّعميد تتوب من الذّنب بنهاية التّضرّع والخشوع وتطّهر جسدها من الأوساخ الظّاهريّة أيضاً، وكانوا باللّيل والنّهار ينتظرون ظهور المسيح والدّخول في ملكوت روح اللّه آناً بعد آن بكمال الاشتياق. والخلاصة أنّ تغيّر الأحوال وتبدّل مقتضيات القرون والأعصار سبب لنسخ الشّرائع لأنّه يأتي زمان تكون تلك الأحكام غير ملائمة ومطابقة للأحوال، فانظروا كم من تفاوت بين مقتضيات القرون الأولى والقرون الوسطى والقرون الأخيرة، فهل من الممكن الآن إجراء أحكام القرون

    الأولى في هذا القرن الأخير؟ من الواضح أنّ ذلك ممتنع محال، وكذلك لا تكون مقتضيات القرون الحاليّة موافقة للقرون الآتية بعد مضيّ قرون عديدة، بل لا بدّ من التّغيير والتّبديل، فالأحكام في أوروبّا في تغيير وتبديل متواصل فكم من أحكام كثيرة كانت موجودة في قوانين أوروبّا ونظمها في السّنين السّابقة قد نسخت الآن، فهذا التّغيير والتّبديل إنّما جاء من تغيّر الأفكار وتبدّل الأحوال والأطوار، وبدون ذلك تختلّ سعادة عالم البشر، مثلاً إنّ أحكام التّوراة حكم القتل لمن يكسر السّبت بل في التّوراة عشرة أحكام للقتل فهل من الممكن إجراء تلك الأحكام في هذه القرون؟ من الواضح أنّ هذا ممتنع محال، لهذا تغيّرت وتبدّلت وتغيير الأحكام وتبديلها دليل كافٍ على الحكمة البالغة الإلهيّة، فيلزم إمعان النّظر في هذه المسائل لأسباب واضحة لائحة طوبى للمتفكّرين.

    (17)
    ما المراد من الخبز والخمر

    السّؤال: يقول حضرة المَسيح "إنّي أنا الخبز الذّي نزل من السّماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد" فما المقصود من هذا البيان؟

    الجواب: المقصود من هذا الخبز هو المائدة السّماويّة والكمالات الإلهيّة يعني أنّ كلّ من يتناول من هذه المائدة أي يكتسب من الفيوضات الإلهيّة ويقتبس من الأنوار الرّحمانيّة ويأخذ نصيباً من كمالاتي يحيا حياةً أبديّة.

    والمقصود من الدّم أيضاً هو روح الحياة وتلك هي الكمالات الإلهيّة والجلوة الرّبانيّة والفيض الصّمدانيّ، لأنّ جميع أجزاء بدن الإنسان بواسطة جريان دورته تكتسب المادّة الحيويّة من الدّم، يقول في آية 26 من الأصحاح 6 من إنجيل يوحنّا "أقول لكم أنتم تطلبونني ليس لأنّكم رأيتم آيات بل لأنّكم أكلتم من الخبز فشبعتم" ومن الواضح أنّ الخبز الذّي أكله الحواريّون فشبعوا منه هو الفيوضات السّماويّة لأنّه يقول في آية 33 من الفصل المذكور "لأنّ خبز اللّه هو النّازل من السّماء الواهب حياة للعالم" ومعلوم أنّ جسد المسيح لم ينزل من السّماء بل نزل من رحم مريم وكلّ ما نزل من السّماء الإلهيّة هو روح المسيح، ولمّا ظنّ اليهود أنّ حضرته يقصد الجسد اعترضوا عليه كما ورد في الآية 42 من الأصحاح المذكور إذ قالوا "أليسَ هذا هو يسوع بن يوسف الذّي نحن عارفون بأبيه وأمّه فكيف يقول هذا أنّي نزلت من السّماء" فانظروا كيف اتّضح أنّ مقصد حضرة المسيح من الخبز السّماويّ هو روح حضرته وفيوضاته وكمالاته وتعاليمه كما يبيّن في الآية 63 من الفصل المذكور "الرّوح هو الذّي يحيي أمّا الجسد فلا يفيد شيئاً" إذاً اتّضح أنّ روح المسيح كانت نعمة سماويّة نازلة من السّماء، وكلّ من يستفيض من هذه الرّوح أي يأخذ من التّعاليم السّماويّة يجد حياة أبديّة، لذا يقول في الآية 35 منه "فقال لهم يسوع أنا هو خبز الحياة من يقبل إليّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً" فلاحظوا كيف أنّه يوضّح الأكل بالإقبال والشّرب بالإيمان، إذاً صار من الواضح المحقَّق أنّ المائدة السّماويّة والفيوضات الرّحمانيّة والتّجلّيات الرّوحيّة والتّعاليم السّماويّة والمعاني الكليّة هي حضرة المسيح، والأكل عبارة عن الإقبال والشّرب كناية عن الإيمان حيث كان لحضرته جسد عنصريّ وهيكل سماويّ، فالجسد العنصريّ صُلِب وأمّا الهيكل السّماويّ فحيّ باقٍ وسبب

    الحياة الأبديّة، الجسد العنصريّ كان طبيعة بشريّة والهيكل السّماويّ كان طبيعة رحمانيّة، سبحان اللّه قد يتصوّر البعض بأنّ خبز القربان هو حقيقة حضرة المسيح حلّ فيه اللاّهوت وروح القدس، مع أنّه عندما يؤكل القربان يصير فاسداً ويتغيّر بالكلّيّة بعد عدّة دقائق، فكيف يمكن إذاً تصوّروهم هكذا، أستغفر اللّه عن هذا الوهم العظيم.

    وخلاصة المقال أنّ بظهور حضرة المسيح انتشرت تعاليمه المقدّسة التّي هي الفيض الأبديّ وسطعت أنوار الهداية وبذلت روح الحياة للحقائق الإنسانيّة، فكلّ من اهتدى صار حيّاً ومن ضلّ مات موتاً أبديّا، وذلك الخبز النّازل من السّماء هو الهيكل الملكوتيّ لحضرة المسيح وعنصره الرّوحانيّ وهو الذّي تناول منه الحواريّون ففازوا بالحياة الأبديّة، وقد تناول الحواريّون من يد حضرة المسيح أطعمة كثيرة فلماذا امتاز العشاء الرّبانيّ، إذاً صار من المعلوم أنّه ليس المراد من الخبز السّماوي الخبز العنصريّ، بل المقصود منه المائدة الإلهيّة والهيكل الرّوحانيّ لحضرة المسيح، وهي تلك الفيوضات الرّبانيّة والكمالات الرّحمانيّة التّي أخذ الحواريّون منها نصيباً حتّى شبعوا، وكذلك لاحظوا لمّا أن بارك حضرة المسيح الخبز وقال هذا جسدي ووهبه للحواريّين، كان حضرته موجوداً بينهم بشخصه وذاته وما استحال إلى خبز وخمر، ولو استحال إلى خبز وخمر لوجب بعد هذا أن لا يكون حضرة المسيح مجسّماً ولا مشخّصاً ولا معيّناً عند الحواريّين في ذلك الوقت.

    إذاً اتّضح أنّ الخبز والخمر رمزان أراد بهما أن يقول أعطيت لكم فيوضاتي وكمالاتي وحيث أنّكم استفضتم منها فقد وجدتم حياة أبديّة وفزتم بحظّ من المائدة السّماويّة.

    (18)
    المعجزات وخوارق العادات

    السّؤال: هل تفسّر المعجزات المنسوبة إلى حضرة المسيح بحسب المعاني الظّاهريّة للألفاظ أو أنّ لها معانٍ أخرى وقد ثبت علميّاً أنّ حقائق الأشياء لا تتغيّر وأنّ جميع الكائنات خاضعة لقانون ونظام كلّيّ لا تتخلّف عنه أبداً ولهذا لا يمكن خرق القانون الكلّيّ.

    الجواب: إنّ المظاهر المقدّسة الإلهيّة هم مصادر المعجزات ومظاهر الآثار العجيبة فكلّ أمرٍ مشكل وغير ممكن يصير ممكناً وجائزاً بالنّسبة إليهم، لأنّه بقوّة خارقة للعادة يظهر منهم خارق العادة، وبقدرة ما وراء الطّبيعة يؤثّرون في عالم الطّبيعة، ومنهم جميعاً قد صدرت عجائب الأمور، ولها في الكتب المقدّسة اصطلاح خاص، في حين أنّ المظاهر الإلهيّة لا يعلّقون على تلك المعجزات وعلى تلك الآثار العجيبة أيّة أهميّة، حتّى أنّهم لا يريدون ذكرها، لأنّنا لو اعتبرناها أعظم برهان على صدقهم لكان ذلك حجّةً وبرهاناً بالنّسبة لمن كان موجوداً وشهد المعجزات دون سواه، فمثلاً لو تروى معجزات حضرة موسى وحضرة المسيح لشخص طالب للحقيقة غير مؤمن بهما فإنّه ينكرها ويقول قد رويت أيضاً عن الأصنام آثار عجيبة بشهادة خلق كثير ودوّنت في الكتب، وقد كتب البراهمة كتاباً دوّنوا فيه الآثار العجيبة التّي صدرت من برهما، فيقول الطّالب أيضاً ومن أين نعرف صدق اليهود والنّصارى وكذب البراهمة فكلاهما رواية وكلاهما خبر متواتر وكلاهما مدوّن في الكتب وكلاهما يحتمل الصّدق والكذب، وبمثل هذا يقال فيما ترويه الملل الأخرى، فإن صدق أحدها لزم صدق الآخرين وإن قبل أحدها وجب قبول الباقين، فمن أجل هذا

    لا تكون المعجزات برهاناً وإن صحّ أن تكون برهاناً للحاضرين فلا يصحّ أن تكون حجّة على الغائبين، أمّا أهل البصيرة في يوم الظّهور فهم يعتبرون جميع شؤون مظهر الظّهور معجزات لأنّها تمتاز عمّا سواها وما دامت ممتازة فهي خارقة للعادة.

    فحضرة المسيح رفع العلم الإلهيّ أمام من على الأرض وقاومهم جميعاً فريداً وحيداً بدون ظهير ولا نصير ولم يكن له جند ولا جيوش بل كان مضطهداً مظلوماً، ومع هذا ففي النّهاية غلب الجميع ولو أنّه صلب في الظّاهر، فهذه القضيّة معجزة محضة لا يمكن إنكارها أبداً فلا حاجة بعدئذٍ إلى برهان آخر يثبت أحقّيّة حضرة المسيح، وليس للمعجزات الظّاهريّة أهمّيّة لدى أهل الحقيقة، فمثلاً لو صار الأعمى مبصراً فإنّه في النّهاية سيفقد بصره ثانياً عندما يموت ويحرم من جميع الحواس والقوى، فلا أهمّيّة إذاً لإبصار الأعمى، إذ أنّ هذه القوى مصيرها أن تزول، وكذلك ما فائدة إحياء جسم الميّت الذّي سيموت مرّةً أخرى.

    أمّا الأهميّة ففي إعطاء البصيرة والحياة الأبديّة أي الحياة الرّوحيّة الإلهيّة، لأنّ هذه الحياة الجسمانيّة لا بقاء لها ووجودها عين العدم، مثال ذلك أنّ حضرة المسيح يقول في جواب أحد التّلاميذ "دع الموتى يدفنون الموتى المولود من الجسد جسد هو والمولود من الرّوح فهو الرّوح" فلاحظوا أنّ تلك النّفوس مع أنّها قد كانت أحياءً بالأجسام إلا أنّ المسيح اعتبرها أمواتاً، لأنّ الحياة هي الحياة الأبديّة والوجود هو الوجود الحقيقيّ، فمن أجل هذا لو ذكر إحياء الموتى في الكتب المقدّسة، فالمقصود أنّهم نالوا الحياة الأبديّة وكذلك لو ذكر إبصار العمى فالمقصود من هذا الإبصار هي البصيرة الحقيقيّة، وكذلك لو ذكر إسماع الصّمّ فالمقصود حصول السّمع الرّوحيّ ونيله السّمع الملكوتيّ

    وهذا ثابت بنصّ الإنجيل حيث يقول حضرة المسيح "هؤلاء مثل الذّين قال عنهم إشعيا لهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها وأنا أشفيهم" وليس المقصود من هذا أنّ مظاهر الظّهور عاجزون عن إجراء المعجزات بل هم قادرون ولكنّ المقبول والمهمّ لديهم هو البصيرة الباطنيّة والسّمع الرّوحاني والحياة الأبديّة، فعلى هذا ما جاء في أيّ موضع من الكتب المقدّسة من أنّ أعمى صار بصيراً معناه أنّه كان أعمى الباطن وفاز بالبصيرة الرّوحانيّة، أو كان جاهلاً فصار عالماً أو كان غافلاً فصار متنبّهاً أو كان ناسوتيّاً فصار ملكوتيّاً، وحيث أنّ هذه البصيرة والسّمع والحياة والشّفاء كلّها أبديّة لهذا كانت ذات أهميّة، وإلاّ فما أهميّة الحياة الحيوانيّة وقواها وقدرها وشأنها التّي هي كالأوهام تنتهي في أيام معدودة، مثلاً لو أضيء سراج مطفأ فإنّه لا شكّ ينطفئ مرّة أخرى أمّا نور الشّمس فمضيء دائماً، وهذا هو المهمّ.

    (19)
    قيام المسيح بعد ثلاثة أيّام

    السّؤال: ما معنى قيام المسيح بعد ثلاثة أيّام؟

    الجواب: ليس قيام المظاهر الإلهيّة قياماً جسديّاً، فجميع شؤونهم وحالاتهم وأعمالهم وتأسيساتهم وتعاليمهم وتعبيرهم وتشبيههم وترتيبهم عبارة عن أمور روحيّة معنويّة لا تتعلّق بالجسمانيّات، مثلاً مسألة مجيء المسيح من السّماء هذه مصرّح بها في مواضع متعدّدة من الإنجيل حيث يقول جاء ابن الإنسان من السّماء وابن الإنسان في السّماء وسيذهب إلى السّماء وكما يقول في الأصحاح السّادس من إنجيل يوحنّا آية 38

    "لأنّي قد نزلت من السّماء" وكذلك في الآية الثّانية والأربعين منه "وقالوا أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذّي نحن عارفون بأبيه وأمّه فكيف يقول هذا إنّي نزلت من السّماء" وكذلك في إنجيل يوحنّا في الأصحاح الثّالث الآية الثّالثة عشرة يقول "وليس أحد صعد إلى السّماء إلاّ الذّي نزل من السّماء ابن الإنسان الذّي هو في السّماء" فلاحظوا أنّه يقول ابن الإنسان في السّماء والحال أنّ حضرته في ذلك الوقت كان على الأرض، وكذلك لاحظوا أنّه يقول صراحةً جاء المسيح من السّماء، والحال أنّه أتى من رحم مريم وتولّد جسم حضرته من العذراء، إذاً اتّضح أنّ المقصود من هذه العبارة التّي يقول فيها جاء ابن الإنسان من السّماء أمر معنويّ لا ظاهريّ، روحيّ لا جسمانيّ، يعني وإن كان حضرة المسيح تولّد من رحم مريم ظاهراً، ولكنّه في الحقيقة قد أتى من السّماء، مركز شمس الحقيقة، العالم الإلهيّ، الملكوت الرّحمانيّ.

    وحيث اتّضح أنّ المسيح أتى من السّماء الرّوحيّة والملكوت الإلهيّ، فالمقصود إذاً من بقاء حضرته ثلاثة أيّام في القبر أيضاً أمر معنويّ لا ظاهريّ، وكذلك قيام حضرته من بطن الأرض أيضاً أمر معنويّ وكيفيّة روحانيّة لا جسمانيّة، وكذلك صعود المسيح أيضاً إلى السّماء أمر روحانيّ لا جسمانيّ، وفضلاً عن هذا البيان فقد ثبت وتحقّق علميّاً أنّ هذه السّماء الظّاهرة فضاء غير متناه و فراغ خلاء تسبح فيه النّجوم والكواكب التّي لا عداد لها، لهذا نقول أنّ قيام المسيح عبارة عن اضطّراب الحواريّين وحيرتهم بعد شهادة حضرته وقد خفيت واستترت حقيقة المسيح التّي هي عبارة عن التعاليم والفيوضات والكمالات والقوّة الرّوحانيّة المسيحيّة مدة يومين أو ثلاثة بعد استشهاد حضرته، ولم يكن لها جلوة ولا ظهور بل كانت في حكم المفقود، لأنّ المؤمنين كانوا أنفساً معدودة وكانوا أيضاً مضطربين حائرين، فبقي أمر حضرة روح

    الله كجسمٍ لا روح فيه، ولمّا رسخ حضرات الحوارييّن وثبتوا بعد ثلاثة أيّام وقاموا على خدمة أمر المسيح وصمّموا على ترويج التّعاليم الإلهيّة واجراء وصايا المسيح والقيام على خدمة المسيح، تجلّت لهم حقيقة المسيح فظهرت فيوضاته وسرت روح الحياة في شريعته وظهرت تعاليمه واتّضحت وصاياه، يعني أنّ أمر المسيح كان كجسم بلا روح فدخلته الحياة وأحاط به فيض روح القدس، هذا هو معنى قيام المسيح وقد كان قياماً حقيقيّاً، ولمّا لم يفهم القسس المعنى الإنجيليّ ولم يهتدوا إلى رمزه قالوا إنّ الدّين مخالف للعلم والعلم معارض للدّين، لأنّ من جملة هذه المسائل مسألة صعود حضرة المسيح بجسمه العنصريّ إلى هذه السّماء الظّاهرة، وذلك مخالف للعلوم الرّياضيّة. ولكن عندما تنكشف حقيقة هذه المسألة ويفسّر هذا الرّمز فإنّها لا تتعارض مع العلم بأيّ وجه من الوجوه بل العلم والعقل يصدّقانها ويؤيّدانها.

    (20)
    مسألة حلول روح القدس

    السّؤال: مذكور في الإنجيل أنّ روح القدس حلَّت في الحواريّين فكيف كان ذلك وما معناه؟

    الجواب: إنّ حلول روح القدس ليس كحلول الهواء في جوف الإنسان بل هو تعبير وتشبيه لا تصوير وتحقيق، بل هو كحلول الشّمس في المرآة يعني ظهور تجليّ الشّمس فيها، فالحواريّون بعد صعود حضرة المسيح اضطربوا واختلفت آراؤهم وتشتّتت أفكارهم، ثمّ ثبتوا واتّحدوا واجتمعوا في عيد العنصرة، وانقطعوا وغضّوا الطّرف عن أنفسهم وتركوا

    راحة هذا العالم ومسرّاته وفدوا بأجسامهم وأرواحهم في سبيل المحبوب وتركوا الأهل والأوطان، وأصبحوا بلا ملجأ ولا مأوى وزهدوا في كلِّ شيء حتّى نسوا ذواتهم، فأتاهم التّأييد الإلهيّ وظهرت قوّة روح القدس وغلبَت روحانيّة المسيح وأخذت محبّة اللّه زمام أنفسهم من أيديهم، فتقوّوا في ذلك اليوم وتوجّه كلّ واحد منهم إلى جهة لتبليغ أمر اللّه ونطق بالحجّة والبرهان، إذاً فحلول روح القدس عبارة عن انجذابهم بالرّوح المسيحيّ واستقامتهم وثباتهم، حتّى اكتسبوا من روح محبّة الله حياةً جديدةً ورأوا حضرة المسيح حيّاً ومعيناً وظهيراً، إذ كانوا قطرات فصاروا بحوراً وبعوضاً فأصبحوا عقاب السّماء وضعافاً فأصبحوا أقوياء، فمثل هؤلاء كمثل المرايا قبالة الشّمس فلا بدّ وأن تسطع فيها أنوارها وأشعّتها.

    (21)
    المقصود من روح القدس

    السّؤال: ما هو المقصود من روح القدس؟

    الجواب: المقصود من روح القدس هو الفيض الإلهيّ والأشعّة السّاطعة من مظهر الظّهور، لأنّ المسيح كان مركز أشعّة شمس الحقيقة، ومن هذا المركز الجليل أشرقت حقيقة المسيح بالفيض الإلهيّ على سائر المرايا التّي كانت حقائق الحواريّين، والمقصود من حلول روح القدس على الحواريّين هو أنّ ذلك الفيض الجليل الإلهيّ تجلّى وأفاض على حقائق الحواريّين ليس إلاّ، حيث الدّخول والخروج والنّزول والحلول من خواصّ الأجسام لا الأرواح. يعني أنّ الدّخول والحلول للحقائق المحسوسة لا للّطائف المعقولة، فالحقائق المعقولة مثل العقل والحبّ

    والعلم والتّصوّر والفكر ليس لها دخول ولا خروج ولا حلول بل هي عبارة عن العلاقة الرّوحيّة، مثلاً العلم الذّي هو عبارة عن الصّور الحاصلة لدى العقل هو أمر معقول والدّخول والخروج بالنّسبة للعقل أمر موهوم، بل له تعلّق حصوليّ كالصّور المنطبعة في المرآة، وحيث ثبت بالبرهان أنّه ليس للحقائق المعقولة دخول ولا حلول، فلا شكّ أنّ الصّعود والنّزول والدّخول والخروج والمزج والحلول لروح القدس ممتنع محال، وغاية ما هنالك أنّ روح القدس كالشّمس تجلّت في المرآة وفي بعض المواضع من الكتب المقدّسة تذكر الرّوح والمقصود منها الشّخص، كما هو مصطلح عليه في المخاطبات والمكالمات، أنّ الشّخصَ الفلانيّ روح مجسّم وحميّة ومروءة مشخّصة، فليس النّظر في هذا المقام إلى الزّجاج بل إلى السّراج كما يقول في إنجيل يوحنّا عند ذكر الموعود بعد حضرة المسيح في الآية 12 من الأصحاح 16 "إنّ لي أموراً كثيرةً أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأمّا متى جاء ذاك روح الحقّ فهو يرشدكم إلى جميع الحقّ لأنّه لا يتكلّم من نفسه بل كلّ ما يسمع يتكلّم به" فانظروا بدقّة في هذه العبارة "لأنّه لا يتكلّم من نفسه بل كلّ ما يسمع يتكلّم به" تجدوا أنّ روح الحقّ هذا هو إنسان مجسّم له نفس وله أذن تسمع ولسان ينطق وكذلك يطلق روح اللّه على حضرة المسيح مثلما تقول سراج ومرادك السّراج مع الزّجاج.

    (22)
    المجيء الثّاني للمسيح ويوم الدّينونة

    السّؤال: ما معنى المجيء الثّاني للمسيح ويوم الدّينونة؟

    الجواب: مذكور في الكتب المقدّسة أنّ المسيح سيجيء مرّة أخرى ومجيئه

    مشروط بتحقّق علامات معيّنة وظهوره مقترن بتلك العلامات، ومن جملتها "تظلم الشّمس" "والقمر لا يعطي ضوءه" "والنّجوم تسقط من السّماء" "وقوّات السّموات تتزعزع" "وحينئذٍ تظهر علامة ابن الإنسان في السّماء" "وحينئذٍ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السّماء بقوّة ومجد كبير" وقد فسّر حضرة بهاء اللّه هذه الآيات وشرحها في كتاب الإيقان فلا حاجة للتّكرار فارجعوا إليه تدركوا معاني تلك الكلمات، إلاّ أنّي سأتكلّم الآن بإيجاز في هذا الموضوع، وهو أنّ المسيح في مجيئه الأوّل أيضاً أتى من السّماء كما هو مصّرح في الإنجيل، حتّى أنّ نفس المسيح يقول جاء ابن الإنسان من السّماء وابن الإنسان في السّماء ولا يصعد إلى السّماء إلاّ الذّي أتى من السّماء ومن المسلّم لدى العموم أنّ المسيح أتى من السّماء حال أنّه أتى بحسب الظّاهر من رحم مريم، كما أنّ مجيئه في المرّة الأولى كان في الحقيقة من السّماء وإن كان بحسب الظّاهر أتى من الأرحام، كذلك يكون مجيئه الثّاني بحقيقته أيضاً من السّماء، ولو يأتي بحسب الظّاهر من الأرحام. والشّروط المذكورة في الإنجيل بخصوص مجيءِ المسيح ثانيةً هي نفس الشّروط المصرّح بها في المجيء الأوّل كما سبق من قبل، وفي كتاب إشعيا مذكور أنّ المسيح يفتح الشّرق والغرب ويدخل جميع ملل العالم في ظلّه، وتتشكّل سلطنته ويأتي من مكانٍ غير معلومٍ ويدان المذنبون وتجري العدالة لدرجة أنّ الذئب والحمل والنّمر والجدي والأفعى والطفل الرّضيع تجتمع كلّها على معينٍ واحدٍ ومرعى واحدٍ ووكرٍ واحد، وقد كان مجيئه الأوّل أيضاً مشروطاً بهذه الشّروط، مع أنّه لم يقع بحسب الظّاهر أيّ شرط من هذه الشّروط، فلهذا اعترض اليهود على المسيح وأستغفر اللّه فقد عبّروا عن المسيح بالمسيخ واعتبروه هادم البنيان الإلهيّ ومخرّب السّبت والشّريعة وأفتوا

    بقتله، والحال أنّه كان لتلك الشّروط كلاًّ وطرّاً معان، ولكنّ اليهود لم يهتدوا إليها ولذلك احتجبوا، وكذلك المجيء الثّاني للمسيح على هذا المنوال، ولجميع العلائم والشّروط الموضّحة معانٍ ولا يصحّ أن تؤخذ بحسب ظاهرها لأنّها لو أخذت حسب الظّاهر فلا يتحقّق قول حضرة المسيح "تتساقط جميع النّجوم على الأرض" مع أنّ النجوم لا حدّ لها ولا حصر، ومن الثّابت المحقّق علميّاً لدى الرّياضيّين الحاليّين أنّ جرم الشّمس أعظم من جرم الأرض بما يقارب من مليونٍ ونصف مرّة، وكلّ واحدةٍ من هذه النجوم الثّوابت أعظم من الشّمس ألف مرّة، فلو تسقط هذه النّجوم على وجه الأرض فكيف تجد لها محلاًّ وهي إذا سقطت كان سقوطها كسقوط ألف مليون جبل كجبال همالايا على حبّة خردل، فهذه القضيّة عقلاً وعلماً بل وبداهةً من ضروب المحال وليست ممكنة وأعجب من هذا أنّ المسيح يقول لعلِّي آت وأنتم لا تزالون نائمين حيث أنّ مجيء ابن الإنسان كمجيء اللّصّ وربّما كان اللّصّ في البيت وليس عند صاحب البيت خبر، إذاً صار من الواضح المبرهن أنّ لهذه العلامات معنى لا يقصد به الظّاهر وقد بيّنت معانيها بالتّفصيل في كتاب الإيقان فارجعوا إليه.

    (23)
    الأقانيم الثّلاثة

    السّؤال: ما المقصود من الثّالوث والأقانيمِ الثّلاثة؟

    الجواب: إنّ حقيقة الألوهيّة المقدّسة عن أن تدركها الكائنات، المنزّهة عن أن يتصوّرها ذوو العقول والأفهام، هذه الحقيقة الرّبانية لا تقبل التّقسيم، لأنّ التّقسيم والتّعدّد من خصائص الخليقة الممكنة الوجود

    وليس من العوارض الطّارئة على واجب الوجود، إنّ الذّات الإلهيّة مقدّسةٌ عن التوحيد فما بالك بالتّعدّد، والحقيقة الرّبانيّة لهي أسمى من أن يتصوّر لها مقام أو مرتبة لأنّ ذلك عين النّقص ومنافٍ للكمال، وأمر ممتنع ومحال، لأنّها ما زالت ولا تزال في علوّ التّقديس والتّنزيه، وكلّ ما يذكر من الظّهور والإشراق الإلهيّ فالمقصود منه هو التّجلّي الإلهيّ لا التّنزّل في مراتب الوجود. فالحقّ كمال محض والخلق نقصان صرف وتنزّل الحقّ في مراتب الوجود لهو عين النّقص، ولكنّ ظهوره وإشراقه كتجلّي الشّمس على المرآة الصّافية اللّطيفة الشّفافة، فجميع ما في الكون آيات باهرات للحقّ كالكائنات الأرضيّة التّي سطعت عليها أشعّة الشّمس ولكنّها تلقي هذه الأشعّة على الصّحارى والجبال والأشجار والأثمار على قدر تظهر وتتربّى وتصل إلى الغاية المقصودة من وجودها.

    وأمّا الإنسان الكامل فهو كالمرآة الصّافية التّي ظهرت وبرزت فيها شمس الحقيقة بجميع صفاتها وكمالاتها، لهذا كانت الحقيقة المسيحيّة كالمرآة الصّافية الشّفافة في نهاية اللّطافة والطّهارة، فتجلّت شمس الحقيقة والذّات الإلهيّة في تلك المرآة وظهرت فيها حرارتها ونورانيّتها.

    أمّا الشّمس فما تنزّلت من علوّ تقديسها وسماء تنزيهها وما اتّخذت في المرآة منزلاً ولا مأوى، بل هي باقية مستقرّة في علوّها وسموّها ولكنّها ظهرت وتجلّت في المرآة بجمالها وكمالها، ولو نقول الآن أنّنا شاهدنا الشّمس في مرآتين إحداهما المسيح والأخرى روح القدس يعني شاهدنا شموساً ثلاثة إحداها في السّماء واثنتان في الأرض لكنّا صادقين، ولو نقول أنّها شمس واحدة وفي فردانيّة محضة ليس لها شريك ولا مثيل لكنّا أيضاً صادقين، وخلاصة القول أنّ الحقيقة المسيحيّة كانت مرآة صافية، وأنّ شمس الحقيقة يعني ذات الأحديّة ظهرت وتجلّت في تلك المرآة بكمالات وصفات غير متناهية لا أنّ الشّمس التّي هي ذات

    الرّبوبيّة تجَزّأت وتعدّدت بل الشّمس شمس واحدة ولكنّها أشرقت في المرآة وهذا معنى ما يقوله المسيح "الأب في الابن" يعني أنّ تلك الشّمس ظاهرة باهرة في هذه المرآة، فروح القدس هو نفس الفيض الإلهيّ الّذي ظهر وتجلّى في حقيقة المسيح، فالبنوّة مقام قلب المسيح وروح القدس مقام روح المسيح. إذاً ثبت وتحقّق بأنّ الذّات الإلهيّة وحدة محضة ليس لها شبيه ولا مثيل ولا نظير، وهذا هو المقصود من الأقانيم الثّلاثة، وإلاّ فأساس دين اللّه يكون مبنيّاً على مسألة غير معقولة لا يمكن تصوّرها، وكيف تكلّف العقول باعتقاد ما لا يمكن تصوّره، والحال أنّ ما ليس له صورة معقولة ولا يسع العقل أن يتصوّره فهو وهم صرف، فقد ثبت الآن من هذا البيان المقصود من الأقانيم الثّلاثة وثبتت أيضاً وحدانيّة الله.

    (24)
    تفسير الآية الخامسة
    من الأصحاح السّابع عشر من إنجيل يوحنّا

    السّؤال: ما معنى الآية "والآن مجّدني أنت أيّها الآب عند ذاتك بالمجد الذّي كان لي عندك قبل كون العالم"

    الجواب: إنّ التّقدّم على قسمين تقدّم ذاتيّ غير مسبوق بعلّة بل وجوده من ذاته كالشّمس ضياؤها من ذاتها وليست محتاجة في ضوئها إلى فيض كوكب آخر، فيعبّر عن هذا بضياء ذاتيّ، أمّا ضوء القمر فمقتبس من الشّمس لأنّ القمر محتاج إلى الشّمس في الضّياء، إذاً صارت الشّمس

    علّةً في الضّياء والقمر معلولاً، تلك قديمة وسابقة متقدّمة وهذا مسبوق ومتأخّر، والنّوع الثّاني من القِدم قِدم زمانيّ، وذلك لا أوّل له وحضرة كلمة اللّه مقدّس عن الزّمان، فالماضي والحال والمستقبل كلّها بالنّسبة إلى الحقّ على حدّ سواء، فليس للشّمس أمس ولا اليوم ولا الغد، وكذلك التّقدّم من جهة الشّرف يعني أنّ الأشرف مقدّم على الشّريف، إذاً فحقيقة المسيح التّي هي كلمة اللّه لا شكّ أنّها من حيث الذّات والصّفات والمجد مقدّمة على الكائنات، وكانت كلمة اللّه قبل الظّهور في الهيكل البشريّ في نهاية العزّة والتّقديس ومستقرّة في أوج عظمتها في كمال الجلال والجمال، ولمّا أشرقت كلمة اللّه من أوج الجلال بحكمة الحقّ المتعال في عالم الجسد اعتدي عليها بواسطة هذا الجسد، إذ وقعت في أيدي اليهود أسيرةً لكلّ ظلوم وجهول وانتهى الأمر بالصّلب، ولذلك نادى ربّه بقوله اعتقني يا إلهي من عالم الجسد وأطلقني من هذا القفص حتّى أصعد إلى أوج العظمة والجلال وأجد تلك العزّة والتّقديس السّابقين قبل عالم الجسد فأبتهج بالعالم الباقي وأصعد إلى الوطن الأصليّ عالم اللاّمكان ملكوت الأخفى، كما لاحظتم أنّه بعد الصّعود ظهرت عظمة حضرة المسيح وجلاله حتّى في عالم الملك يعني في الأنفس والآفاق، بل في نقطة التّراب، وحينما كان في عالم الجسد لقي إهانةً وتحقيراً من أضعف أقوام العالم يعني اليهود الذّين رأوا من اللاّئق أن يكون على رأسه المبارك تاج من الشّوك، أمّا بعد الصّعود فصارت تيجان جميع الملوك المرصّعة خاضعة خاشعة لذلك التّاج المصنوع من الشّوك، وأيضاً فانظر كيف بلغت كلمة اللّه إلى ما بلغت من الجلال في الآفاق.

    (25)
    تفسير الآية 22 من الأصحاح 15 من رسالة
    بولس الأولى إلى كورنتوس

    السّؤال: مكتوب في الآية 22 من الأصحاح 15 من رسالة بولس الأولى إلى كورنتوس "لأنّه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح يحيا الجميع"

    الجواب: اعلم أنّ في الإنسان طبيعتين طبيعة جسمانيّة وطبيعة روحانيّة، فالطّبيعة الجسمانيّة موروثة من آدم، والطّبيعة الرّوحانيّة موروثة من حقيقة كلمة اللّه وهي روحانيّة حضرة المسيح، فالطّبيعة الجسمانيّة تولّدت من آدم وأمّا الطّبيعة الرّوحانيّة فمتولّدة من فيض روح القدس، الطّبيعة الجسمانيّة مصدر كلّ نقص والطّبيعة الرّوحانيّة مصدر كلّ كمال، وقد فدى حضرة المسيح بنفسه ليخلّص الخلق من نقائص الطّبيعة الجسمانيّة وليتّصفوا بفضائل الطّبيعة الرّوحانيّة، وهذه الطّبيعة الرّوحانيّة التّي تحقّقت من فيض الحقيقة الرّحمانيّة جامعة لجميع الكمالات وظهرت من نفخة روح القدس وهذه الطّبيعة لهي كمالات إلهيّة، وهي أنوار روحانيّة وهداية ورفعة وعلوّ همّة، وهي عدالة ومحبّة، وموهبة ورأفة بجميع الخلق وهي برّ وخير وحياة في حياة، وهذه الطبيعة الرّوحانيّة تجلٍّ من إشراقات شمس الحقيقة، فالمسيح هو مركز روح القدس ومولود من روح القدس، ومبعوث بروح القدس ومن سلالة روح القدس، يعني ليست الحقيقة المسيحيّة من سلالة آدم بل هي وليدة روح القدس، إذاً فالمقصود من الآية 22 من أصحاح 15 من رسالة بولس لأهل كورنتيان التّي يقول فيها "لأنّه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح

    سيحيا الجميع" هو أنّ آدم حسب الاصطلاح أبو البشر يعني أنّه سبب الحياة الجسمانيّة للنّوع الإنسانيّ وله أبوّة جسمانيّة ونفس حيّة ولكن ليست بمحيية، وأنّ حضرة المسيح هو سبب حياة البشر الرّوحانيّة وله الأبوّة الرّوحانيّة من حيث الرّوح، فآدم نفس حيّة والمسيح روح محيية، وهذا العالم الجسمانيّ للإنسان له قوى شهوانيّة، ومن لوازم القوى الشّهو

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى