منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 27 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 27 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    حطب حضرة عبد البهاء فى أوروبا وأمريكا 7

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    تعاليم بهاء الله
    الخطبة المباركة في كنيسة الموحّدين في مدينة
    فيلادلفيا – أمريكا صباح الأحد في 8 حزيران 1912
    هو الله
    لقد جئت من الشّرق من مملكة بعيدة، من مملكة طلع فيها دائمًا نور السّماء وهي مملكة ظهرت منها المظاهر المقدّسة وكانت محلّ ظهور القدرة الإلهيّة.
    ومرادي ومقصودي هو أن يحصل إن شاء الله ارتباط بين الشّرق والغرب وتحيط محبّة الله بكلا الطّرفين وتنير النّورانيّة الإلهيّة كلا الإقليمين وتحيي الجميع نفحات الرّوح القدس. لهذا أتضرّع إلى العتبة الإلهيّة أن يجعل الشّرق والغرب إقليمًا واحدًا ويجعل هذه الأديان دينًا واحدًا ويجعل هذه النّفوس نفسًا واحدة ويصبح الجميع بمثابة أنوار شمس واحدة وأمواج بحر واحد ويصبح الجميع أشجارًا في بستان واحد ويصبح الكلّ أوراقًا وأزهارًا في حديقة واحدة.
    إنّ حقيقة الألوهيّة وحدانيّة محضة ومقدّسة ومنزّهة عن إدراك الكائنات، لأنّ إدراك الكائنات محدود وحقيقة الألوهيّة غير محدودة وكيف يستطيع المحدود أن يحيط بغير المحدود؟ فنحن فقر محض وحقيقة الألوهيّة غنى صرف. وكيف يحيط الفقر البحت بالغنى

    المطلق؟ ونحن عجز صرف. وحقيقة الألوهيّة قدرة محضة وكيف يستطيع العجز الصّرف أن يدرك القدرة المحضة؟ إنّ الكائنات المركّبة من عناصر والّتي هي على الدّوام في انتقال وانقلاب كيف تستطيع أن تتصوّر الحقيقة الّتي هي الحيّ القيّوم القديم! فمن المؤكّد أنّها عاجزة عن ذلك. لأنّنا حينما ننظر إلى الكائنات نشاهد أنّ تفاوت المراتب مانع للإدراك وكلّ رتبة دانية لا تستطيع إدراك ما فوقها. مثلاً الجماد مهما ارتقى فإنّه لن يدرك عالم النّبات. والنّبات مهما ارتقى فإنّه لن يدرك حقيقة الحيوان ولن يعرف عن السّمع والبصر شيئًا، كذلك مهما ارتقت الحقيقة الحيوانيّة لن تطّلع على حقيقة الإنسان ولا تدرك القوّة العاقلة له. إذن اتّضح أن تفاوت المراتب مانع للإدراك ولا تستطيع كلّ رتبة دانية إدراك ما فوقها.
    لاحظوا بصورة دقيقة تروا أنّ هذه الزّهرة على ما هي عليه من الظّرافة واللّطف والعطر وهي في درجة الكمال في عالم النّبات إلا أنّها لا تدرك حقيقة الإنسان ولن تستطيع تصوّر السّمع والبصر في عالم الإنسان ولن يتحقّق لها عقل الإنسان وإدراكه وليس لها خبر عن عالم الإنسان. ومع أنّ كلاًّ من الزّهرة والإنسان حادث إلا أنّ تفاوت المراتب هو السّبب في عدم الإدراك لأنّ رتبة الإنسان عالية ورتبة النّبات دانية. إذن فكيف تستطيع الحقيقة البشريّة إدراك حقيقة الألوهيّة؟ وكيف يستطيع الإنسان المحدود إدراك الرّبّ غير المحدود؟ لا شكّ أنّه لن يستطيع ذلك ولن يصل ذلك إلى تصوّر الإنسان لأنّ كلّ ما يأتي ضمن تصوّر الإنسان إنّما هو محدود بينما حقيقة الألوهيّة غير محدودة.
    ولكنّ تلك الحقيقة الإلهيّة قد أفاضت الوجود على جميع الكائنات ومواهبها ظاهرة في العالم الإنسانيّ وأنوارها منتشرة في عالم الوجود مثل انتشار أنوار الشّمس فعندما تلاحظون الشّمس ترون أنّ نورها وحرارتها ساطعة على الأشياء وكذلك تشرق أنوار شمس الحقيقة

    على الكلّ. فنورها واحد وحرارتها واحدة وفيضها واحد وهي ساطعة على جميع الكائنات. لكنّ مراتب الكائنات متعدّدة واستعدادها متفاوت وكلّ واحد يستفيض من الشّمس بقدر استعداده. فالحجر الأسود لديه شعاع من الشّمس والأشجار لها شعاع من الشّمس والحيوانات لديها شعاع من الشّمس وقد تربّت بحرارة الشّمس والشّمس واحدة والفيض واحد.
    ولكنّ النّفوس الكاملة من البشر مثل المرآة الّتي تشرق الشّمس فيها بتمام قوّتها وتظهر فيها كمالات الشّمس وتتجلّى وتتّضح فيها حرارة الشّمس وضياؤها بتمامها وهي تحكي عن الشّمس. إنّ هذه المرايا هي المظاهر المقدّسة الّتي تمثل حقيقة الألوهيّة تمامًا كالشّمس الظّاهرة في المرآة. وفي المرايا تظهر صورة الشّمس السّماويّة ومثالها. وكذلك تظهر صورة الشّمس الحقيقة ومثالها وتتجلّى في مرآة الحقيقة الّتي هي المظهر المقدّس ولهذا يتفضّل حضرة المسيح: "الأب في الابن" والمراد هو أن تلك الشّمس –شمس الحقيقة- ظاهرة في هذه المرآة وليس المراد هو أنّ الشّمس تنزّلت عن مكانها وجاءت واستقرّت في هذه المرآة. لأنّه ليس لحقيقة الألوهيّة صعود ونزول وليس لها دخول وخروج. وهي مقدّسة ومنزّهة عن الزّمان والمكان وهي دومًا في مركز التّقديس لأنّه ليس هناك لحقيقة الألوهيّة تغيير وتبديل إذ إنّ التّغيير والتّبديل والانتقال من حال إلى حال من خصائص الحقيقة الحادثة.
    وفي الوقت الّذي اشتدّ فيه الخلاف والنّزاع والخصام شدّة عظيمة في بلاد الشّرق وكانت المذاهب والملل يحارب بعضها بعضًا وكانت الأجناس المختلفة يخاصم بعضها بعضًا – في هذا الوقت ظهر حضرة بهاء الله من أفق الشّرق وتفضّل بإعلان وحدة الفيوضات الإلهيّة ووحدة الإنسانيّة وأنّ جميع البشر عبيد إله واحد وجميعهم نالوا الوجود من فيض الخلق الإلهيّ. وأنّ الله رؤوف بالجميع وهو يربّي الجميع وهو

    رؤوف بكلّ جنس وبكلّ ملّة ويرزق الجميع ويربّيهم ويحفظهم ويشملهم جميعًا بالألطاف، وما دام الله رؤوفًا بالكلّ فلماذا نكون نحن غير رؤوفين؟ وما دام الله وفيًّا مع الكلّ فلماذا نكون نحن عديمي الوفاء؟ وما دام الله يعامل الكلّ بالرّحمة فلماذا نعامل بعضنا بعضًا بالعنف والغضب؟
    وهذه هي السّياسة الإلهيّة ولا شكّ أنّها من السّياسة البشريّة لأنّ البشر مهما كانوا عاقلين ليس من الممكن أن تكون سياستهم أعظم من السّياسة الإلهيّة. إذن يجب علينا نحن أن نتابع السّياسة الإلهيّة وأن نحبّ جميع الملل والخلق وأن نكون رؤوفين بالجميع ونعتبر الجميع أوراقًا وبراعم وأثمارًا لشجرة واحدة لأنّ الجميع من سلالة عائلة واحدة ومن أولاد آدم واحد والكلّ أمواج بحر واحد وأعشاب حقل واحد ويعيشون في حماية إله واحد. وغاية ما في الأمر أنّ أحدهم عليل تجب معالجته وجاهل يجب تعليمه ونائم يجب إيقاظه وغافل يجب تنبيهه.
    وقد أعلن حضرة بهاء الله وحدة العالم الإنسانيّ وكذلك وحدة الأديان. لأنّ جميع الأديان الإلهيّة أساسها الحقيقة والحقيقة لا تقبل التّعدّد والحقيقة واحدة وأساس جميع أنبياء الله واحد وهو الحقيقة ولو لم يكن الحقيقة لكان باطلاً. وحيث إنّ الأساس هو الحقيقة لهذا فإنّ بناء الأديان الإلهيّة واحد. وغاية ما في الأمر أنّ التّقاليد حلّت في وسطها وظهرت آداب وتقاليد زائدة وهذه التّقاليد ليست من الأنبياء إنّما هي حادثة وبدعة. وحيث إنّ هذه التّقاليد مختلفة لذلك صارت سبب اختلاف الأديان، أمّا إذا نبذنا هذه التّقاليد وتحرّينا حقيقة أساس الأديان الإلهيّة فلا شكّ أنّنا نتّحد.
    وكذلك أعلن وحدة النّوع الإنسانيّ وأنّ النّساء والرّجال كلّهم متساوون في الحقوق وليس بينهم تمايز بأيّ وجه من الوجوه لأنّهم

    جميعًا بشر ويحتاجون فقط إلى التّربية فإذا تربّت النّساء مثل الرّجال فلا شكّ مطلقًا في أنّه سوف لا يبقى أيّ امتياز لأنّ العالم الإنسانيّ كالطّير يحتاج إلى جناحين أحدهما الإناث والآخر الذّكور ولا يستطيع الطّير أن يطير بجناح واحد وأيّ نقص في أحد الجناحين يكون وبالاً على الجناح الآخر. وعالم البشريّة مثل يدين فإذا بقيت يد ناقصة تتعطّل اليد الأخرى الكاملة عن أداء وظيفتها. وقد خلق الله جميع البشر ووهب الجميع عقلاً ودراية ووهب الجميع عينين وأذنين ويدين ورجلين ولم يميّز بعضًا عن بعض. فلماذا تكون النّساء أحطّ من الرّجال؟ إنّ العدالة الإلهيّة لا تقبل بهذا. والعدل الإلهيّ خلق الجميع متساوين، وليس لدى الله ذكور وإناث وكلّ من كان قلبه أطهر وعمله أحسن فهو مقبول أكثر لدى الله سواء كان امرأة أم رجلاً. وكم من نساء ظهرن وكنّ فخر الرّجال مثل حضرة مريم الّتي كانت فخر الرّجال ومريم المجدليّة الّتي كان الرّجال يغبطونها ومريم أمّ يعقوب الّتي صارت قدوة للرّجال وآسيا بنت فرعون وسارة زوجة إبراهيم اللّتين كانتا فخر الرّجال وأمثالهنّ كثيرات. فقد كانت حضرة فاطمة سراج جميع النّساء وكانت حضرة قرّة العين كوكبًا نورانيًّا ساطعًا وفي هذا العصر توجد في إيران نساء هنّ فخر الرّجال عالمات شاعرات مثقّفات في منتهى الشّجاعة. ثمّ إنّ تربية النّساء أعظم من تربية الرّجال بل وأهم لأنّ هؤلاء البنات سيصبحن ذات يوم أمّهات والأمّ هي الّتي تربّي الأطفال، والأمّهات هنّ المعلّمات للأطفال لهذا يجب أن يكنّ في منتهى الكمال والعلم والفضل حتّى يستطعن تربية الأولاد وإن كانت الأمّهات ناقصات ظلّ الأطفال جهلاء بلهاء.
    كذلك دعا حضرة بهاء الله لوحدة التّربية وأعلن أنّها لازمة من أجل اتّحاد العالم الإنسانيّ كي ينال جميع البشر رجالاً ونساء وبنات وأولادًا تربية واحدة. وحينما تصبح التّربية على نمط واحد في جميع المدارس يحصل بين البشر ارتباط تام، وعندما ينال جميع الجنس

    البشريّ نوعًا واحدًا من التّعليم تتمّ وحدة الرّجال والنّساء وينهدم بنيان الحروب ولا يمكن أن تنتهي الحروب إلاّ بعد تحقّق هذه المسائل ذلك لأنّ اختلاف التّربية يورث الحروب بينما المساواة في الحقوق بين الذّكور والإناث تمنع الحروب. فالنّساء لا يرضين بالحروب. فهؤلاء الشّبّان أعزّاء جدًّا عند أمّهاتهم ولا ترضى الأمّهات أبدًا بإرسال أبنائهنّ إلى ميدان القتال لتسفك دماؤهم، فالشّابّ الّذي أمضت أمّه عشرين سنة في تربيته بمنتهى المشقّة والصّعوبة هل ترضى أمّه أن يقطع إربًا إربًا في ميدان الحرب؟ ومهما حاولوا أن يدخلوا في عقولهنّ الأوهام باسم محبّة الوطن والوحدة السّياسيّة ووحدة الجنس ووحدة العرق ووحدة المملكة وقالوا لهنّ بأنّ هؤلاء الشّبّان يجب أن يذهبوا ويقتلوا من أجل هذه الأوهام فلا ترضى أيّة أمّ بذلك.
    ولهذا فحينما تعلن المساواة بين المرأة والرّجل فلا شكّ أنّ الحرب سوف تزول ولا يعود يضحّى بأطفال البشريّة فداء للأوهام.
    ومن جملة التّعاليم الّتي أعلنها حضرة بهاء الله هو أنّ الدّين يجب أن يكون مطابقًا للعقل ومطابقًا للعلم وأنّ العلم يصدّق الدّين والدّين يصدّق العلم وكلاهما يرتبطان ببعضهما ارتباطًا تامًا. هذا هو أصل الحقيقة وإذا ما خالفت مسألة من المسائل الدّينيّة العقل وخالفت العلم فإنّها وهم محض. فكم تموّجت من أمثال هذ البحور الوهميّة في القرون الماضية! لاحظوا أوهام ملّة الرّومان واليونان الّتي كانت أساس دينهم ولاحظوا أوهام المصريّين الّتي كانت أساس دينهم أيضًا وجميع هذه الأوهام مخالفة للعقل ومخالفة للعلم واتّضح الآن وتجلّى أنّها كانت أوهامًا ولكنّها في زمانها كانت عقائد تمسّكوا بها أشد التّمسك. فالمصريّون القدماء مثلاً حينما كان يذكر أمامهم اسم صنم من أصنامهم كانوا يزعمون أنّ ذلك معجزة من معجزات ذلك الصّنم في حين أنّه في الحقيقة قطعة من الصّخر.

    إذن يجب علينا نحن أن نتخلّى عن هذه الأوهام ونتحرّى الحقيقة. فكلّ ما نراه مطابقًا للحقيقة نقبله وكلّ ما لا يصدّقه العلم ولا يقبله العقل فهو ليس بحقيقة بل تقاليد وهذه التّقاليد يجب نبذها ويجب التّمسك بالحقيقة فلا نقبل الدّين الّذي لا يطابق العقل والعلم. وحينما يتمّ هذا لا يبقى اختلاف بين البشر إطلاقًا وتصبح جميعًا ملّة واحدة وجنسًا واحدًا ووطنًا واحدًا وسياسة واحدة وإحساسات واحدة وتربية واحدة.
    يا إلهي الغفور أنت مأوى لهؤلاء العبيد وأنت مطّلع على الأسرار وأنت الخبير. كلّنا عاجزون وأنت المقتدر القدير وكلّنا خطاة وأنت غافر الذّنوب الرّحمن الرّحيم. يا إلهنا لا تنظر إلى تقصيرنا بل عاملنا بفضلك وموهبتك. ذنوبنا كثيرة ولكنّ بحر رحمتك لا منتهى له، ونحن في أشدّ العجز ولكنّ تأييدك وتوفيقك ظاهران، إذن أيّدنا ووفّقنا إلى ما يليق بعتبتك وأنر القلوب واجعل العيون تبصر والآذان تسمع وأحيي الموتى واشفِ المرضى وأغنِ الفقراء وهب للخائفين أمنًا واطمئنانًا واقبلنا في ملكوتك ونوّرنا بنور الهداية إنّك أنت المقتدر وإنّك أنت الكريم الرّحمن وإنّك أنت الرّؤوف.

    تعاليم بهاء الله
    الخطبة المباركة في معبد المعمدانيّين في
    فيلادلفيا – أمريكا مساء يوم الأحد 8 حزيران سنة 1912
    هو الله
    إنّني مسرور جدًّا في هذه اللّيلة لحضوري هذا الجمع المحترم. وفي الحقيقة إنّه جمع في منتهى الرّوحانيّة، والإحساسات الملكوتيّة موجودة في قلوبكم بمنتهى القوّة، ووجوهكم متّجهة إلى الله ونواياكم خالصة وتشاهد في الوجوه بشارات روحانيّة. لهذا أرى من المناسب أن اتّحدث إليكم قليلاً.
    منذ خلقة آدم حتّى يومنا هذا كان في العالم الإنسانيّ طريقان أحدهما طريق الطّبيعة والآخر طريق الدّين.
    فطريق الطّبيعة طريق حيوانيّ لأنّ الحيوان يتحرّك حسب مقتضيات الطّبيعة ويقوم بكلّ ما تستلزمه الشّهوات الحيوانيّة. لهذا فالحيوان أسير الطّبيعة. ولا يستطيع أبدًا أن يتجاوز قانون الطّبيعة وليس له اطّلاع على الإحساسات الرّوحانيّة، وليس له اطّلاع على الدّين الإلهيّ، وليس له اطّلاع على الملكوت الإلهيّ، وليس له اطّلاع على القوّة العاقلة. إنّما هو أسير المحسوسات، وليس له اطّلاع على ما هو خارج عن عالم المحسوسات بل يعرف كلّ ما تراه عينه وتسمعه أذنه

    وتستنشقه شامّته وتذوقه ذائقته وتلمسه لامسته. والحيوان أسير هذه القوى الخمس ويقبل كلّ ما تحسّه هذه القوى وليس للحيوان اطّلاع على ما هو خارج عن محسوساته أي أنّه لا اطّلاع له على عالم المعقولات ولا على الملكوت الإلهيّ ولا على الإحساسات الرّوحانيّة ولا على الدّين لأنّه أسير الطّبيعة.
    ومن الغريب أن يفتخر المادّيّون بهذا ويقولون إنّ كلّ ما هو محسوس مقبول، وهم أسرى المحسوسات ولا اطّلاع لهم أبدًا على العالم الرّوحانيّ، ولا اطّلاع لهم على الملكوت الإلهيّ، ولا اطّلاع لهم على الفيوضات الرّحمانيّة. فإن كان هذا هو الكمال إذًا فالحيوان قد وصل إلى أعظم درجات الكمال. فهو لا يعلم شيئًا أبدًا عن الملكوت والرّوحانيّات وهو منكر للرّوحانيّات. فإن قلنا إنّ كوننا أسرى للمحسوسات هو كمال إذن فالحيوان أكمل الكائنات لأنّه لا يملك أبدًا إحساسات روحانيّة ولا أعلم له أبدًا بالملكوت الإلهيّ، مع أنّ الله قد أودع في حقيقة الإنسان قوّة عظيمة وبهذه القوّة العظيمة يحكم على عالم الطّبيعة.
    لاحظوا أنّ جميع الكائنات أسيرة للطّبيعة. فهذه الشّمس على ما هي عليه من العظمة أسيرة للطّبيعة، وهذه النّجوم العظيمة أسيرة للطّبيعة، وهذه الجبال بعظمتها أسيرة للطّبيعة، وهذه الكرة الأرضيّة بعظمتها أسيرة للطّبيعة، وجميع الجمادات والنّباتات والحيوانات أسيرة للطّبيعة، وجميع هذه الكائنات لا تستطيع الخروج على حكم الطّبيعة. فمثلاً، الشّمس بعظمتها وهي أكبر من الكرة الأرضيّة بمليون ونصف مرّة لا تخرج على قانون الطّبيعة قيد شعرة ولا تتجاوز مركزها لأنّها أسيرة للطّبيعة. أمّا الإنسان فإنّه حاكم على الطّبيعة.
    لاحظوا أنّ الإنسان بمقتضى قانون الطّبيعة ذو روح أرضيّ، ولكنّه يكسر هذا القانون ويطير في الهواء ويسير تحت البحار ويتسابق فوق

    المحيطات. والإنسان يحبس هذه القوّة الكهربائية العاتية في داخل زجاجة ويتخابر مع الشّرق والغرب في دقيقة واحدة ويأخذ الأصوات فيحبسها ويكشف حقائق السّموات وهو في الأرض ويكشف أسرار الكرة الأرضيّة، ويظهر جميع الكنوز المستورة في الطّبيعة ويظهر جميع أسرار الكائنات وهي بمقتضى قانون الطّبيعة أسرار مكنونة ورموز مصونة ويجب أن تبقى مستورة بموجب قانون الطّبيعة ولكنّ الإنسان بهذه القوّة المعنويّة الّتي يملكها يكشف أسرار الطّبيعة وهذا مخالف لقانون الطّبيعة ويظهر الحقائق الطّبيعية المكنونة وهذا مخالف لقانون الطّبيعة.
    إذن اتّضح أنّ الإنسان حاكم على الطّبيعة، وفضلاً عن هذا فإنّ الطّبيعة لا ارتقاء لها والإنسان في ارتقاء والطّبيعة لا شعور لها والإنسان ذو شعور. والطّبيعة لا إرادة لها والإنسان له إرادة، والطّبيعة لا تكتشف الحقائق والإنسان يكتشف الحقائق. والطّبيعة لا علم لها بالعالم الإلهيّ والإنسان له اطّلاع، والطّبيعة لا علم لها بالله والإنسان له معرفة عن الله. والإنسان يكتسب الفضائل والطّبيعة محرومة منها، والإنسان يدفع الرّذائل والطّبيعة لا تستطيع دفع الرّذائل.
    إذن اتّضح أنّ الإنسان أشرف من المادّة وأنّ لديه قوّة معنويّة فوق عالم الطّبيعة والإنسان لديه قوّة الحافظة والطّبيعة ليست لديها هذه القوّة. والإنسان لديه قوّة معنويّة والطّبيعة ليست لديها هذه القوّة، والإنسان لديه قوى روحانيّة والطّبيعة ليست لديها هذه القوى. إذن فالإنسان أشرف من الطّبيعة لأنّ القوّة المعنويّة قد خلقت في حقيقة الإنسان والطّبيعة محرومة منها.
    سبحان الله، إنّ موطن العجب هو أنّ الإنسان مع امتلاكه لمثل هذه القوى المعنويّة المودعة فيه يعبد الطّبيعة الّتي هي أحطّ منه ولقد خلق الله فيه روحًا قدسيّة وبهذه الرّوح المقدّسة صار أشرف الكائنات،

    ومع وجود هذه الكمالات فيه يصير أسير المادّة ويعتبر المادّة إلهًا وينكر كلّ ما هو خارج عن عالم المادّة. فإن كان هذا كمالاً فالحيوان حائز على بدرجة أعظم لأن الحيوان لا علم له بالعالم الإلهيّ وبما وراء الطّبيعة. إذن فالحيوان أعظم فيلسوف لأنه لا علم له بالله ولا علم له بملكوت الله، وخلاصة القول إنّ هذا هو طريق الطّبيعة.
    أمّا الطّريق الثّاني فهو طريق الدّين وهو الآداب الإلهيّة واكتساب الفضائل الإنسانيّة وتربية عموم البشر والنّورانيّة السّماويّة والأعمال الممدوحة. إنّ طريق الدّيانة هذا هو سبب نورانيّة العالم البشريّ. وطريق الدّيانة هذا هو سبب تربية النّوع الإنسانيّ. وطرق الدّيانة هذا هو سبب تهذيب الأخلاق. وطريق الدّيانة هذا هو سبب محبّة الله. وطريق الدّيانة هذا هو سبب معرفة الله، وهو أساس المظاهر المقدّسة الإلهيّة وهو الحقيقة. وإنّ أساس الأديان الإلهيّة واحد لا يقبل التعدّد والانقسام وهو يخدم عالم الأخلاق ويصفّي القلوب والأرواح. وهو سبب اكتساب الفضائل وسبب نورانيّة العالم الإنسانيّ، ولكن ويا للأسف إنّ هذا العالم الإنسانيّ صار غريق بحر التّقاليد وبالرّغم من أنّ حقيقة الأديان الإلهيّة واحدة ولكنّ سحب الأوهام ويا للأسف قد سترت أنوار الحقائق. وقد أظلمت سحب التّقاليد العالم. لهذا لم تعد نورانيّة الدّين ظاهرة، وصارت الظّلمة سببًا للاختلاف لأنّ التّقاليد مختلفة واختلافها قد أدّى إلى الخصام والنّزاع بين الأديان في حين أنّ الأديان الإلهيّة تؤسّس الوحدة الإنسانيّة وهي سبب المحبّة بين البشر وسبب الارتباط العموميّ وسبب اكتساب الفضائل. لكنّ النّاس غرقوا في بحر التّقاليد وبسبب اكتساب هذه التّقاليد ابتعدوا تمامًا عن طريق الاتّحاد وحرموا من نورانيّة الدّيانة وتشبّثوا بالأوهام الّتي ورثوها عن الآباء والأجداد.
    ولمّا أصبحت هذه التّقاليد سبب الظّلمة محيت نورانيّة الدّين

    وصار كلّ ما كان سبب الحياة سببًا للممات وكلّ ما كان برهان العرفان صار دليل الجهل وكلّ ما كان سبب العلوّ والرّقيّ في العالم الإنسانيّ صار سبب الدّناءة والسّفاهة له، ولهذا تدنّى عالم الدّين يومًا فيومًا وغلب عالم المادّيّات تدريجيًّا وبقيت تلك الحقيقة القدسيّة في الأديان مستورة. وحينما تغرب الشّمس تطير الخفافيش لأنّها طيور اللّيل وحينما تغرب نورانيّة الدّين يطير هؤلاء المادّيّون أشباه الخفافيش لأنّهم طيور اللّيل وحينما يختفي النّور الحقيقيّ يشرع هؤلاء بالطّيران.
    وخلاصة القول حينما أحاطت الظّلمة بالعالم طلع حضرة بهاء الله من أفق إيران كالشّمس المشرقة ونوّر جميع الآفاق بأنوار الحقيقة وأظهر حقيقة الأديان الإلهيّة وأزال ظلمة التّقاليد ووضع تعاليم جديدة وأحيى الشّرق بتلك التّعاليم:
    فأوّل تعاليم حضرة بهاء الله هو تحرّي الحقيقة. فيجب أن يتحرّى الإنسان الحقيقة وأن يترك التّقاليد لأنّ كلّ ملّة من ملل العالم لها تقاليدها والتّقاليد مختلفة واختلافها سبب الحروب وما دامت هذه التّقاليد باقية فإنّ وحدة العالم الإنسانيّ مستحيلة إذن يجب تحرّي الحقيقة حتّى تزول هذه الظّلمات بنور الحقيقة. لأنّ الحقيقة واحدة لا تقبل التّعدّد والانقسام. وما دامت لا تقبل التّعدّد والانقسام فإنّ جميع الملل لو تتحرّى الحقيقة فإنّها لا شكّ تتّحد وتتّفق. وعندما قامت جماعة في إيران بتحرّي الحقيقة اتّحدت واتّفقت في نهاية الأمر والآن تعيش هذه الجماعة في منتهى الألفة والمحبّة في ما بينها وليست هناك أبدًا بين أفرادها رائحة الاختلاف، لاحظوا أنّ اليهود كانوا ينتظرون ظهور السّيّد المسيح وكانوا يتمنّون ظهوره ليفدوه بأرواحهم وقلوبهم ولكنّهم لمّا كانوا غرقى التّقاليد لم يؤمنوا به عند ظهوره وأخيرًا قاموا بصلبه فيتّضح من هذا أنّهم اتّبعوا التّقاليد لأنّهم لو تحرّوا الحقيقة لآمنوا بحضرة المسيح. فهذه التّقاليد جعلت العالم الإنسانيّ ظلمانيًّا وهذه

    التّقاليد صارت سبب الحروب وهذه التّقاليد صارت سبب العداوة والبغضاء. إذن يجب أن نتحرّى الحقيقة حتّى ننجو من جميع المشاق وتتنوّر بصائرنا ونصل إلى سبيل الملكوت الإلهيّ.
    وثاني تعاليم حضرة بهاء الله هو وحدة العالم الإنسانيّ فجميع البشر هم من النّوع الإنسانيّ وجميعهم عباد الله وقد خلق الله الجميع والجميع أبناء الله والله يرزقهم جميعًا ويربّيهم جميعًا وهو رؤوف بالجميع. فلماذا نكون قساة؟ هذه هي السّياسة الإلهيّة الّتي سطعت أنوارها على جميع الخلق وأشرقت شمسها على الجميع وأمطر سحاب مكرمتها على الجميع وهبّ نسيم عنايتها على الجميع. إذن يتّضح أنّ النّوع البشريّ جميعه في ظلّ رحمة الله. وغاية ما في الأمر أنّ بعضهم ناقص يجب إكماله وجاهل يجب تربيته ومريض يجب معالجته ونيام يجب إيقاظهم ويجب أن لا نبغض الطّفل أو نقول له لماذا أنت طفل؟ بل يجب تربيته، ويجب أن لا نبغض المريض أو نقول له لماذا أنت مريض؟ بل يجب إظهار منتهى الرّحمة والمحبّة له، إذن يتّضح من هذا أنّ العداوة بين الأديان يجب أن تمحى كلّيّة ويزول الظّلم والاعتساف لتسود الألفة والمحبّة سؤددًا تامًّا.
    وثالث تعاليم حضرة بهاء الله هو أنّ الدّين يجب أن يكون سبب الألفة وأن يكون سبب الارتباط بين البشر وأن يكون رحمة إلهيّة. فإن أصبح الدّين سبب العداوة وسبب الحرب فإنّ عدمه أحسن من وجوده وعدم التّديّن أحسن من هذا التّديّن. بل على العكس من ذلك يجب أن يكون الدّين سبب الألفة وأن يكون المحبّة وأن يكون سبب الارتباط بين عموم البشر.
    ورابع تعاليم حضرة بهاء الله هو أنّ الدّين يجب أن يطابق العلم لأنّ الله وهب الإنسان عقلاً حتّى يحقّق في حقائق الأشياء. فإن كانت المسائل الدّينيّة مخالفة للعقل والعلم فإنّها وهم من الأوهام. لأنّ ما

    يناقض العلم هو الجهل، ولو قلنا إنّ الدّين ضدّ العقل فذاك يعني أنّ الدّين جهل، ولهذا لا بدّ أن يكون الدّين مطابقًا للعقل حتّى يطمئنّ الإنسان إليه فإن كانت هناك مسألة تخالف العقل فإنّ الإنسان لا يطمئنّ إليها أبدًا ويكون متردّدًا دائمًا.
    وخامس تعاليم حضرة بهاء الله هو أنّ التّعصّب الجنسيّ والتّعصّب الدّينيّ والتّعصّب المذهبيّ والتّعصّب الوطنيّ والتّعصّب السّياسيّ هادمة للبنيان الإنسانيّ والتّعصّب من أيّ نوع كان يخرّب أساس النّوع البشريّ وما لم تمحَ التّعصّبات لا يمكن أن يرتاح العالم الإنسانيّ والبرهان على ذلك هو أنّ كلّ حرب وقتال وكلّ عداوة وبغضاء تحدث بين البشر إمّا أن تكون ناشئة عن تعصّب وطنيّ أو ناشئة عن تعصّب سياسيّ. ولقد مرّت ستّة آلاف سنة لم يذق العالم الإنسانيّ فيها طعم الرّاحة وكان السّبب في عدم ارتياحه هو هذه التّعصّبات. وما دام التّعصّب باقيًا فالحرب باقية والبغضاء باقية والعداوة باقية والأذى باقٍ وإن أردنا الرّاحة للعالم الإنسانيّ وجب أن ننبذ جميع هذه التّعصّبات وإلاّ فمن المستحيل أن نجد الرّاحة.
    وسادس تعاليم حضرة بهاء الله هو تعديل أسباب المعيشة. يعني أنّه يجب وضع أنظمة وقوانين يعيش بموجبها جميع البشر عيشة هنيئة. فكما أنّ الغنيّ مرتاح في قصره وتتزيّن مائدته بأنواع الأطعمة كذلك يجب أن يكون للفقير عشّ وملجأ وأن لا يبقى جائعًا حتّى يرتاح جميع البشر. وإنّ أمر تعديل المعيشة مهمّ جدًّا وما لم تتحقّق هذه المسألة يستحيل حصول السّعادة للعالم البشريّ.
    وسابع تعاليم حضرة بهاء الله هو المساواة في الحقوق. فإنّ جميع البشر متساوون لدى الله وحقوقهم واحدة ولا امتياز لإنسان على آخر والكلّ خاضعون لقانون إلهيّ لا استثناء فيه والفقير والأمير متساويان لدى الله والعزيز والحقير متساويان.

    وثامن تعاليم حضرة بهاء الله هو أنّ تربية العموم واجبة وأنّ وحدة الأصول والقوانين التّربوية من ألزم الأمور حتّى يتربّى جميع البشر تربية واحدة. يعني أنّ التّعليم والتّربية يجب أن يكونا موحّدين في جميع مدارس العالم وأن تكون الأصول والآداب واحدة حتّى يؤدّي هذا إلى غرس وحدة العالم البشريّ في القلوب منذ عهد الصّغر.
    وتاسع تعاليم حضرة بهاء الله هو وحدة اللّغة وأن توجد لغة واحدة تقبلها جميع الأكاديميات في العالم وأن ينعقد مؤتمر دوليّ ويحضر من كلّ ملّة ممثلون ووكلاء مثقّفون ويتّحدثوا فيه ويتشاوروا ويقبلوا تلك اللّغة قبولاً رسميًّا وبعد ذلك يدرّسوها للأطفال في جميع مدارس العالم حتّى يكون لكلّ إنسان لغتان إحداهما اللّغة العموميّة والأخرى اللّغة الوطنيّة فيصبح جميع العالم وطنًا واحدًا ولغة واحدة لأنّ هذه اللّغة العموميّة هي من جملة أسباب اتّحاد العالم الإنسانيّ.
    وعاشر تعاليم حضرة بهاء الله هو وحدة الرّجال والنّساء وأنّ الرّجال والنّساء متساوون أمام الله وكلّهم من سلالة آدم وليس وجود الذّكور والإناث مقتصرًا على البشر بل هناك في عالم النّبات ذكور وإناث وفي عالم الحيوان هناك ذكور وإناث ولكنّهم في أيّ وجه من الوجوه ليس لبعضهم امتياز على البعض الآخر. لاحظوا عالم النّبات، فهل هناك تمايز بين الذّكور من النّبات وبين الإناث من النّبات؟ بل هناك مساواة تامّة. وكذلك الأمر في عالم الحيوان فليس هناك أيّ تمايز بين الذّكور والإناث والجميع في ظلّ رحمة إله واحد. إذًا فالإنسان الّذي هو أشرف الكائنات هل يجوز أن يكون لديه مثل هذه الاختلافات؟ ولقد كان تأخر النّساء حتّى الآن ناشئًا عن عدم تربيتهنّ مثل الرّجال فلو ربّين مثل الرّجال فلا شكّ أنهنّ يصبحن مثل الرّجال وعندما يكتسبن كمالات الرّجال فإنهنّ يبلغن درجة المساواة ولا يمكن أن تكتمل سعادة العالم الإنسانيّ إلاّ بمساواة النّساء بالرّجال مساواة تامّة.

    والتّعليم الحادي عشر لحضرة بهاء الله هو الصّلح العمومي وما لم ترتفع راية الصّلح العموميّ وما لم تتشكّل المحكمة الكبرى للعالم الإنسانيّ وتحكم في جميع الأمور المختلف عليها بين الدّول والملل حكمًا قطعيًّا إلزاميًّا فإنّ عالم الخليقة لن يجد الرّاحة بل يتدهور البنيان البشريّ في كلّ يوم رأسًا على عقب وتمتدّ ألسنة لهيب الفتنة وتصير الممالك القريبة والبعيدة رمادًا ويصير الشّبان اليانعون هدفًا لسهام الاعتساف ويمسي الأطفال المعصومون أيتامًا لا مربّي لهم وتنوح الأمّهات الثّكالى في مآتم أبنائهنّ الشّبان وتتهدم مدن وتتخرّب ممالك. والحلّ الوحيد لهذا الظّلم والاعتساف هو الصّلح العمومي.
    والتّعليم الثّاني عشر لحضرة بهاء الله هو أنّ العالم الإنسانيّ لا يرتقي بمجرّد قواه العقليّة والمادّيّة بل يحتاج من أجل ترقّيه الظّاهري والمعنويّ وسعادته الفائقة التامّة إلى نفثات الرّوح القدس ويجب أن تؤيّده القوّة الإلهيّة أي الرّوح القدس وتوفّقه حتّى ترتقي الهيئة البشريّة رقيًّا فائقًا وتصل إلى درجة الكمال. لأنّ الجسم الإنسانيّ يحتاج إلى القوى المادّيّة ولكنّ الرّوح الإنسانيّ يحتاج إلى نفثات الرّوح القدس ولو لم تكن تأييدات الرّوح القدس موجودة لبقي العالم الإنسانيّ مظلمًا ولظلّت النّفوس البشريّة ميّتة كما يتفضّل حضرة المسيح: "دع الموتى يدفنون موتاهم". ويتفضّل: "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الرّوح هو روح" ومعلوم أنّ الرّوح الّتي ليس لها نصيب من الرّوح القدس إنّما هي ميّتة. لهذا فقد اتّضح أنّ الرّوح الإنسانيّة محتاجة إلى تأييدات الرّوح القدس لأنّ الإنسان لا يرتقي بالقوى المادّيّة وحدها بل يبقى ناقصًا.

    التّربية الرّوحانيّة
    الخطبة المباركة ألقيت في نيويورك في 16 حزيران 1912
    هو الله
    إنّ العالم المادّيّ مهما يرتقِ فإنّه يبقى محتاجًا لإرشادات الرّوح القدس وذلك لأنّ كمالات العالم المادّيّ محدودة والكمالات الإلهيّة غير محدودة وبما أنّ الكمالات المادّيّة محدودة فالإنسان يحتاج إلى الكمالات الإلهيّة لأنّها غير محدودة. لاحظوا التّاريخ البشريّ تروا أنّ الكمالات المادّيّة مهما بلغت من المنزلة العليا فإنّها كانت أيضًا محدودة أمّا الكمالات الإلهيّة فإنّها غير محدودة لا انتهاء لها. ولهذا فإنّ المحدود يفتقر دومًا إلى غير المحدود والمادّيّات تفتقر دومًا إلى الرّوح والعالم الجسمانيّ يفتقر إلى نفثات الرّوح القدس، فالجسد بدون روح لا ثمرة له ومهما يكن الجسد في نهاية اللّطافة فإنّه يفتقر إلى الرّوح وإنّ القنديل مهما يكن لطيفًا فإنّه يحتاج إلى سراج والجسد لا يثمر بدون وجود الرّوح، إنّ تعليم المعلّم الجسمانيّ محدود وتربيته محدودة فقد قال الفلاسفة بأنّهم مربّون للبشر ولكنّكم إذا نظرتم إلى التّاريخ البشريّ ترون أنّهم استطاعوا فقط تربية أنفسهم ونفر قليل ولكنّهم ما استطاعوا تربية المجموع أمّا الرّوح القدس فيقوم بتربية الجميع، مثال ذلك حضرة المسيح الّذي ربّى الجميع ونجّى أممًا كثيرة

    من أسرعبادة الأوثان وهدى الجميع إلى الوحدانيّة الإلهيّة وجعل المظلمين نورانيّين والجسمانيّين روحانيّين وأنار عالم الأخلاق وجعل النّفوس الأرضيّة سماويّة وهذا لا يتمّ بقوّة الفلاسفة بل يتمّ بقوّة الرّوح القدس. ولهذا فمهما يرتقِ العالم الإنسانيّ فليس من الممكن أن يصل درجة الكمال إلا بتربية الرّوح القدس ولهذا أوصيكم أن تفكّروا في أمر التّربية الرّوحانيّة فكما بلغتم في المادّيّات هذه الدّرجة فكذلك اجهدوا حتّى ترتقوا في المدنيّة الرّوحانيّة وتنالوا إحساسات روحانيّة وتتوجّهوا إلى الملكوت وتستفيضوا من الرّوح القدس وتكسبوا القوّة المعنويّة حتّى تتجلّى رفعة العالم الإنسانيّ وتحصل السّعادة الكلّيّة وتنالوا الحياة الأبديّة وتلتمسوا العزّة السّرمديّة وتولدوا ولادة ثانية وتصبحوا مظاهر الألطاف الرّبانيّة وناشرين للنّفحات الرّحمانيّة.

    تحقّق البشارات
    ورسائل بهاء الله إلى الملوك
    الخطبة المباركة في مدينة نيويورك بأمريكا
    في الخامس من تموز سنة 1912
    هو الله
    أهلاً بكم ومرحبًا بقدومكم.
    في جميع الكتب المقدّسة الإلهيّة بشارات تشير إلى أنّه سيأتي يوم يظهر فيه موعود جميع الكتب ويتأسّس قرن نورانيّ ويرتفع علم الصّلح والسّلام وتعلن وحدة العالم الإنسانيّ ولا تبقى بين الأمم والأقوام عداوة وبغضاء وترتبط جميع القلوب ببعضها وهذا مذكور في التّوراة ومذكور في الإنجيل ومذكور في القرآن ومذكور في زند آفستا ومذكور في كتاب بوذا.
    والخلاصة فقد ذكر في جميع هذه الكتب أنّه بعد أن تحيط الظّلمة العالم يطلع ذلك النّور كما أنّ ظلام اللّيل إذا اشتدّ كان ذلك دليلاً على ظهور النّهار. وهكذا فكلّما أحاطت ظلمة الضّلالة بالعالم وغفلت النّفوس البشريّة عن الله بصورة كلّيّة وغلبت المادّيّات على الرّوحانيّات وأصبحت جميع الملل كالحيوانات غرقى في عالم الطّبيعة ولا خبر لها عن عالم الحقّ ونسيت الله- ذلك فإنّ الحيوانات لا تعرف شيئًا غير

    المحسوسات ولا تعتقد بالقوى الرّوحانيّة ولا علم لها أبدًا بالله والأنبياء وتتبرّم من ذكرها وهي فلاسفة مادّيّون وطبيعيّون بالفعل وأمّا الإنسان فيجب أن يبذل الجهد سنين وأعوامًا ويحصّل العلوم في المدارس كي يصبح مادّيًّا وطبيعيًّا ولكنّ البقرة فهي دون أن تتحمّل هذه المشاق هي رئيسة الفلاسفة المادّيّين – ففي ظلمة كهذه تطلع تلك الشّمس ويظهر ذلك الصّبح النّورانيّ.
    انظروا اليوم تروا أنّ المادّيّات قد تغلّبت بصورة تامّة على الرّوحانيّات ولم تبقَ بين البشر أبدًا إحساسات روحانيّة ولم تبقَ مدنيّة إلهيّة ولم تبقَ هداية الله ولم تبقَ معرفة الله وترى الجميع غرقى في بحر المادّة. وإذا ذهبت جماعة إلى الكنائس والمعابد للعبادة فإنّما تفعل ذلك تقليدًا للآباء والأجداد لا بحثًا وتحرّيًا عن الحقيقة لتعثر عليها وتعبدها فلقد ورث النّاس عن الآباء والأجداد ميراثًا من التّقاليد فهم يتشبّثون بتلك التّقاليد الّتي اعتادوا عليها فصاروا يذهبون أحيانًا إلى المعابد ويقومون بتلك التّقاليد. والبرهان على ذلك هو أنّ ابن كلّ يهوديّ يهوديّ وابن كلّ مسيحيّ مسيحيّ وابن كلّ مسلّم مسلّم وابن كلّ زرادشتيّ زرادشتيّ إذًا فهذا المذهب قد جاء ميراثًا له من الآباء والأجداد وهو يقلّد الآباء والأجداد ولأنّ والده كان يهوديًّا صار هو يهوديًّا لا لأنّه تحرّى الحقيقة وتوصّل نتيجة التّحقيق إلى أنّ الدّين اليهوديّ حقّ فتبعه ، بل إنّه رأى أنّ والده وآباءه وأجداده كانوا على ذلك المسلك وسار هو عليه أيضًا.
    وأقصد بذلك أنّ ظلمة التّقاليد أحاطت بالعالم وضاع الطّريق الإلهيّ بمتابعة التّقاليد فاختفى نور الحقيقة. ولو تحرّت هذه الأمم المختلفة عن الحقيقة لتوصّلت إليها حتمًا وحينما يكشفون الحقيقة فإنّهم يصبحون ملّة واحدة لكنّهم ما داموا متمسّكين بالتّقاليد ومحرومين من الحقيقة وما دامت تقاليدهم مختلفة لذا فالنّزاع والجدال مستمرّان

    والعداوة والبغضاء بين الملل شديدتان أمّا إذا تحرّوا الحقيقة فإنّ العداوة تزول تمامًا ولا تبقى بغضاء ولا يبقى حرب وجدال ويحصل منتهى الوئام بين النّاس.
    وحينما كانت ظلمة الضّلالة في الشّرق في أشدّ حلكتها وكان الشّرق غريق التّقاليد إلى درجة كانت معها الملل المختلفة متعطّش بعضها إلى دماء البعض الآخر ويعتبر بعضها البعض الآخر نجسًا فلا اتّفاق إطلاقًا في ما بينها – في هذا الوقت ظهر حضرة بهاء الله في الشّرق وهدم بنيان التّقاليد فسطع نور الحقيقة واتّحدت الملل المختلفة الّتي اتّبعته لأنّهم كانوا يعشقون الحقيقة ويعبدونها لهذا فقد اتّحدوا واتفقوا.
    إنّ جميع البشر عبيد لله وكلّهم من سلالة آدم وكلّهم من بيت واحد وجميعهم من أصل واحد وأساس واحد وحيث إنّ تعاليم الأنبياء هي الحقيقة لهذا فإنها واحدة والنّزاع والجدال بين الملل إنّما هما بسبب التّقاليد.
    ولكنّ القلوب اليوم في إيران اتّحدت مع بعضها والتأمت الأرواح ببعضها وانقلبت العداوة والبغضاء الشّديدتين إلى المحبّة والمودّة وقام الجميع بمحبّة عظيمة فالمسيحيّون واليهود والزرادشتيّون والمسلمون والبوذيّون –كلّ هؤلاء وصلوا إلى الحقيقة عن طريق تعاليم بهاء الله وامتزجوا ببعضهم بمنتهى الألفة والمحبّة.
    إنّ أنبياء الله يحبّ بعضهم بعضًا وكلّ سلفٍ منهم بشّر بخلفه وكلّ خلفٍ صدّق سلفه وهؤلاء الأنبياء في منتهى الاتّحاد في ما بينهم ولكنّ أممهم في منتهى الاختلاف فمثلاً أخبر موسى عن المسيح وبشّر بظهوره ثمّ ظهر المسيح فصدّق نبوّة موسى إذن فليس هناك اختلاف بين موسى والمسيح بل هناك منتهى الارتباط في ما بينهما في حين أنّنا نرى نزاعًا

    قائمًا بين اليهود والمسيحيّين ولكنّهم لو تحرّوا الحقيقة الّتي هي واحدة ولا تتعدّد لكانوا تآلفوا تمامًا في ما بينهم بمنتهى المحبّة والودّ وجميعهم يصدّقون جميع الأنبياء وجميع الكتب ولما بقي هذا النّزاع والجدال فكلّنا نتّحد ونعيش في ما بيننا في منتهى المحبّة والألفة ونصبح كلّنا كالأب وابنه ونصبح كلّنا إخوانًا وأخوات ويعاشر بعضنا البعض الآخر بمنتهى الألفة.
    إنّ هذا القرن نورانيّ لا نسبة بينه وبين القرون السّالفة فقد كانت الظّلمة شديدة في تلك القرون والآن ارتقت العقول وازدادت الإدراكات وتحرّك العالم البشريّ وصار كلّ إنسان يتحرّى الحقيقة فلم يبقَ ذلك الزمان الّذي فيه ينازع بعضنا بعضًا ولم يبقَ ذلك الوقت الّذي فيه يكره بعضنا الآخر بل إنّنا في زمان يجب علينا فيه أن نكون في منتهى المحبّة والألفة.
    ولقد أرسل حضرة بهاء الله رسائل إلى جميع أقاليم العالم وأرسل ألواحًا إلى جميع الملوك حتّى رئيس جمهورية أمريكا قبل خمسين سنة في وقت لم يكن فيه ذكر للسّلام العام، ودعا حضرته في تلك الرّسائل الجميع إلى السّلام العام ودعا الجميع إلى وحدة العالم الإنسانيّ ودعا الكلّ إلى المبادئ الإلهيّة.
    واستكبر بعض ملوك أوروبّا ومنهم نابليون الثّالث فكتب له حضرة بهاء الله رسالة ثانية صدرت في سنة تسع وستين وطبعت وهذا مضمونها:- "إنّك يا نابليون صرت مغرورًا جدًّا وصرت متكبّرًا ونسيت الله. فهل تظنّ أنّ هذا العزّة ستبقى لك؟ وأنّ هذه العظمة تدوم لك؟ ولقد أرسلت إليك رسالة وكان عليك أن تتقبّلها بكمال المحبّة لكنّك استكبرت كلّ الاستكبار لهذا فسوف ينتقم منك ربّك انتقامًا شديدًا وسوف يطيح بسلطنتك وتذهب مملكتك من يدك وتقع في ذلّة لا متناهية لأنّك لم تقم بكلّ ما كلّفت به مع أن ما كلّفت به كان سبب

    الحياة للعالم فانتظر النّقمة الإلهيّة" وقد صدرت هذه الرّسالة سنة 1869 وبعد سنة واحدة من كتابة هذه الرّسالة زال بنيان سلطنته زوالاً كلّيًّا.
    ومن جملة الرّسائل رسالة مفصّلة جدًّا كتبها حضرته إلى شاه إيران وهي الآن مطبوعة ومنتشرة في جميع ممالك العالم وهذه الرّسالة أرسلت كذلك في سنة 1869. وفي هذه الرّسالة ينصح بهاء الله شاه إيران ويأمره بالعدل وبأن يكون رؤوفًا بجميع الرّعية ولا يفرّق بين الأديان فيعامل المسيحيّ والمسلّم واليهوديّ والزرادشتيّ معاملة واحدة ويمحو هذه الاعتداءات القائمة في المملكة لأنّ جميع هؤلاء الخلق عباد الله ويجب أن يكونوا متساوين في نظر الحكومة ويجب أن تكون الحكومة رؤوفة بهم جميعًا ويخاطبه قائلاً: "وإذا لم تعدل ولم تمحُ هذه المظالم ولم تسر وفق رضى الله فإنّ بناء سلطنتك سوف يتزلزل". ويضيف: "بأنّه يجب عليك أن تجمع العلماء وتدعوني لأحضر وأقيم الحجّة والبرهان وأظهر حجّتي للجميع".
    فلم يهتمّ السّلطان برسالة الجمال المبارك ولم يردّ عليها وبعد ذلك قوّض الله بنيان سلطنته واغتيل.
    وممّن كتب إليهم حضرة بهاء الله السّلطان العثمانيّ عبد العزيز الّذي بعث إليه برسالة هدّده فيها قائلاً: "إنّك أرسلتني إلى هذا السّجن وسجنتني وتظنّ أنّ السّجن يضرّني أو أنّ السّجن ذلّة لي، بل إنّ هذا السّجن عزّة لي لأنّه في سبيل الله وإنّني لم أرتكب جرمًا حتّى استحقّ السّجن ولقد وردت هذه البلايا والرّزايا عليّ في سبيل الله ولهذا فإنّني في منتهى السّرور وفي منتهى الابتهاج ولكنّك أنت فانتظر الانتقام الإلهيّ وعن قريب سترى أنّ البلايا تهطل عليك هطول الأمطار وسوف تفنى" وقد حدث ذلك فعلاً.
    وبمثل هذه العظمة أرسل حضرة بهاء الله رسائل شتّى إلى جميع

    سلاطين العالم ودعاهم جميعًا إلى المحبّة والألفة ودعاهم جميعًا إلى الصّلح العموميّ ودعا الجميع إلى وحدة العالم الإنسانيّ كما دعاهم إلى الاتّحاد والاتّفاق حتّى يتّحد الجميع ويتّفقوا فلا تبقى هذه الحروب والمشاحنات ولا يبقى هذه القتال والجدال وتنتهي العداوة والبغضاء حتّى نتّحد ونتّفق جميعًا ونقوم على عبودية الله تعالى ونضحّي في سبيله.
    وخلاصة القول لقد قام سلطانان على مقاومة حضرة بهاء الله أحدهما ناصر الدّين شاه والآخر السّلطان عبد الحميد وحبسا حضرة بهاء الله في قلعة عكّاء، حتّى ينطفئ سراجه وينعدم أمره.
    ولكنّ حضرة بهاء الله كتب من السّجن رسائل شديدة اللّهجة قال فيها: إنّ هذا السّجن سيكون سببًا في ارتفاع أمري وإنّ هذا سيكون سببًا في انتشار تعاليمي وسوف لن ينالني ضرر منه لأنّني ضحَّيت بروحي وضحَّيت بعزّتي وضحَّيت بأموالي وضحَّيت بجميع ما ملكته وليس في هذا السّجن ضرر عليَّ.
    ولقد تحقّق ما قاله تمامًا فارتفع علمه في السّجن وانتشرت رسالته في الشّرق والغرب حتّى وصل أمره أمريكا.
    والآن قد انتشر أمر حضرة بهاء الله في جميع أقطار العالم. فلو سافرتم إلى آسيا لوجدتم أمره ينتشر في كلّ مكان وينتشر في أفريقيا وينتشر في أوروبّا لكنّها البداية في أمريكا وقد انتشر في جميع الآفاق ولم يستطع هذان السّلطانان أبدًا أن يقاوماه.
    ولكنّ الله سبحانه وتعالى محى هذين السّلطانين محوًا تامًّا فقتل ناصر الدّين شاه وسجن عبد الحميد وأنا عبد البهاء قضيت في السّجن أربعين عامًا وقد رفع الله السّلاسل من عنقي ووضعها في عنق عبد الحميد وهذا حدث فجأة حينما قامت جمعية الاتّحاد والتّرقي بإعلان

    الحرّيّة فأطلقوا سراحي ورفعوا السّلاسل من عنقي ووضعوها في عنق عبد الحميد وعملوا به نفس العمل الّذي عمله هو بي وهو الآن في السّجن في منتهى الذّلّة مثلما كنت أنا في السّجن ولكنّني كنت في نهاية الحبور والسّرور القلبيّ لأنني لم أكن مجرمًا ولقد رضيت بالسّجن في سبيل الله وكلّما كان يخطر بخاطري أنّني مسجون في سبيل الله كان يعتريني منتهى السّرور لكنّ عبد الحميد ابتلي بالنّكبات نتيجة أعماله وبسبب جرائمه وقع في السّجن وهو في كلّ ساعة يموت ويحيا وهو في منتهى الحزن واليأس أمّا أنا فقد كنت في منتهى الأمل وكنت في منتهى السّرور لأنّني ولله الحمد كنت مسجونًا في سبيل الله ولن تذهب حياتي هدرًا وكلّ من كان يراني لم يكن يظنّ بأنّني مسجون لأنّني كنت في منتهى السّرور وفي منتهى الشّكر وفي منتهى الصّحّة ولم أعتنِ أبدًا بذلك السّجن.

    هذ نصيحتي إليكم
    ألقيت هذه الخطبة في نيويورك في 6 تموز 1912
    هو الله
    لقد طوى الإنسان في عالم الوجود مراتب حتّى وصل إلى العالم الإنسانيّ وفي كلّ مرتبة نال استعدادًا للصّعود إلى المرتبة الّتي فوقها.
    فقد كان في عالم الجماد ونال الاستعداد للارتقاء إلى مرتبة النّبات. ولهذا جاء إلى عالم النّبات. وفي عالم النّبات حصل الاستعداد للارتقاء إلى عالم الحيوان ولهذا انتقل إلى عالم الحيوان. ومن عالم الحيوان انتقل إلى عالم الإنسان.
    والإنسان في بدء حياته كان في عالم الرّحم وفي عالم الرّحم حصل على الاستعداد والقابليّة للارتقاء إلى هذا العالم. أي أنّه حصل في ذلك العالم على القوى الّتي يحتاج إليها في هذا العالم. ففي ذلك العالم حصل على العين الّتي يحتاج إليها في هذا العالم. وفي عالم الرّحم حصل على الأذن الّتي يحتاج إليها في هذا العالم. وفي عالم الرّحم حصل على جميع القوى الّتي يحتاج إليها في هذا العالم. وفي عالم الرّحم تهيّأ لهذا العالم فلما جاء إلى هذا العالم رأى أنّ جميع القوى الّتي يحتاج إليها مهيّأة له ورأى أنّ جميع الأعضاء والأجزاء الّتي يحتاج إليها للحياة في هذا العالم قد حصّلها في ذلك العالم. إذًا

    فكذلك يجب عليه أن يهيّئ لنفسه في هذا العالم ما يحتاج إليه في العالم الآخر. وكلّ ما يحتاج إليه في عالم الملكوت يجب أن يهيّئه في هذا العالم. فكما أنّه حصل في عالم الرّحم على القوى الّتي يحتاج إليها في هذا العالم فكذلك يجب عليه أن يحصل في هذا العالم على كلّ ما يحتاجه إليه في عالم الملكوت أي جميع القوى الملكوتيّة.
    ففي عالم الملكوت بعد الارتقاء من هذا العالم إلى العالم الآخر ترى إلى أيّ شيء يحتاج وإلى أيّ قوى يفتقر؟ إنّ ذلك العالم هو عالم التّقديس وعالم النّورانيّة ولهذا يجب أن نحصل على التّقديس والنّورانيّة في هذا العالم. وفي ذلك العالم نحتاج إلى الرّوحانيّة وتلك الرّوحانيّة يجب أن نحصل عليها في هذا العالم. وفي ذلك العالم نحتاج إلى الإيمان والإيقان ومعرفة الله ومحبّة الله ويجب أن نحصل عليها جميعًا في هذا العالم حتّى يرى الإنسان في ذلك العالم الباقي أنّه حصل على جميع ما يحتاج إليه في تلك الحياة الأبديّة. وواضح أنّ ذلك العالم عالم الأنوار ولهذا فالمطلوب هو النّورانيّة. وذلك العالم هو عالم محبّة الله فالمطلوب هو محبّة الله وذلك العالم هو عالم الكمالات فالواجب تحصيله هو الكمالات في هذا العالم. وذلك العالم هو عالم نفثات الرّوح القدس ويجب في هذا العالم إدراك نفثات الرّوح القدس. وذلك العالم هو عالم الحياة الأبديّة ويجب في هذا العالم الحصول على الحياة الأبديّة. ويجب على الإنسان أن يبذل كلّ الجهود للحصول على هذه المواهب. ويجب عليه أن يكتسب هذه القوى الرّحمانيّة بأعلى درجاتها من الكمال وهي:-
    أوّلاً: معرفة الله وثانيًا محبّة الله وثالثًا الإيمان ورابعًا الأعمال الخيرية وخامسًا التّضحية وسادسًا الانقطاع وسابعًا العفّة والتّقديس وما لم يحصل على هذه القوى وهذه الأمور فلا شكّ أنّه سيحرم من الحياة الأبديّة أمّا إذا وفّق إلى معرفة الله واشتعل بنار محبّة ال

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى