منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 24 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 24 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    الدرر البهية 4 لأبى الفضائل

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    تكملة مقالة مخصوصة فى بيان معنى المعجزات وأقسامها

    وخلاصة القول أن أهل البهاء يعتقدون أن هذه العلامة أي هداية النفوس وإيجاد الديانة الجديدة بقهر الأديان القديمة وتبديل العوائد العتيقة هي العلامة الظاهرة المميزة بين الكلمات الإلهية والمصنفات البشرية ويعبرون عنها كما ذكرناه بالخلاقية والقاهرية، حتى أن أول نفس أذعنت بحقية رسالة رسول وصدق شريعته لو لم تعرف في نفسها هذه الهداية ولم تشعر في ذاتها بهذه المغلوبية، لما كانت أول من صدقه ولباه وأتبعه وآساه، فإن محبة الدين القديم الموروث راسخة في جميع النفوس والخوف من تبديل أركانه وآدابه متمكن في أعماق القلوب. فالهداية أظهر علامة في صدق النبوة والرسالة إذ هي صفة الفعل ومرتبطة بالدعوى كالابراء للطب ومعرفة السطوح للهندسة والبيع والشراء للتجارة وصنع الأسرّة والأبواب وغيرها للنجارة. أما سمّى الأنبياء بالنبوة والرسل بالرسالة والشارعون بالشارعية بهذا الوصف العظيم والاسم الكريم، بلى وهو الخلاّق العليم. وإذا تصفحت القرآن المجيد تجد أن الله تعالى استدل بها في مواضيع متعددة ووصف القرآن بأنه حجة بما أودع فيه من الهداية والرحمة ولا ترى موضعاً واحداً وصفه بأنه أفصح الكتب وأبلغ الصحف، فانظر في سورة القصص حيث قال جل وعلا (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ(48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، لترى أن الله تعالى أفحمهم بقوله (فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا)، وما قال فأتوا بكتاب من عند الله هو أفصح منهما او أبلغ منهما. وكذلك في سورة العنكبوت، لما انتقدوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم صدور معجزة منه فقال الله تعالى (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). فبين الله تعالى مزية القرآن على سائر المعجزات وكفايته عن غيره بان فيه الذكرى والرحمة وما قال أن فيه الفصاحة والبلاغة. وقال الله تعالى في أول سورة البقرة (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ). وما قال ان فيه فصاحة وبلاغة يعجز عن مثلها جميع العالمين. الى كثير من أمثالها مما هو غير خاف على من أوتي علم الكتاب وعرف معنى الحجة وفصل الخطاب. ولو كانت الفصاحة أو البلاغة هي العلامة الواضحة والآية المميزة الظاهرة، فهلاّ أشعر بها الله تعالى ولو في آية ولولا نبّه عليها وصرّح بها ولو في موضع من كتاب ما غادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وما ترك من حجة وبينة إلا ذكرها وجلاّها. فهل أخل بها وتركها للباقلاني ليكملها ويصيب مرماها. وما وقع القوم في هذا الغلط وجاؤا بهذا السقط وما عثروا هذه العثرة الفاضحة وهفوا هذه الهفوة الواضحة إلا بسبب أنهم هجروا ظلال غصون الشجرة المباركة النبوية وتركوا أثمارها اللطيفة الجنية وتمسكوا بفروع الشجرة الموصوفة في القرآن، فما جنوا إلا ثمار الخسران وما أتوا منها إلا بأشواك الهذيان. فتمادوا في غيّهم وأصروا على باطلهم وتاهوا في ضلالتهم وتردوا في جهالتهم وعموا في سكرتهم وانهمكوا في غوايتهم وقست القلوب وطال الأمد حتى ظهرت في عالم الوجود من نتائج الغفلة والجهالة والنشوز عن الحق ما كان الأئمة الهداة ينذرون الأمة منه ويخوفونهم به ويحذرونهم عنه. ونتج منها ما يرى سوء عاقبته كل نبيه بصير ولا يراه وان لاحت لوائحه العمه الضرير من خذلان الأمة وإحاطة الغمة وظهور الزلازل والدواهي المخيفة وتتابع الفتن المظلمة العنيفة وتفرق القلوب وتخاذل الأولياء وتألب الخصوم وتكالب الأعداء بما ولّدتها الأحقاد القديمة وآورت زنادها الإحن الكامنة في صدور الأمم العتيقة وأثارت نقع فتنها القلوب المريضة، والقوم هم غافلون وعن عواقبهم ذاهلون وعن سفينة النجاة التي وعدوا بها معرضون، فذرهم يخوضوا ويلعبوا فقد طلع الصبح الذي كانوا به يوعدون.
    ولا يخفى على أهل الفضل أن أكابر قريش في مبدء الأمر لما نزلت الآية الكريمة فاتوا بسورة من مثله وأمثالها ظنوا وتوهموا أن الرسول عليه السلام استدل بفصاحة القرآن وبلاغته. فأرادوا أن يقاوموه بفصيح كلماتهم ويقطعوا حجته ببليغ خطاباتهم فسموه معاذ الله شاعراً مجنوناً وظنوا كلام الله تعالى هزلا ومجونا. فقالوا ساخرين ونادوا مستهزئين (لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ). فلما نبههم الرسول عليه السلام بوجه الدلالة وأبان عن سبب الحجية وأفحمهم بما أودع الله تعالى في القرآن من الهداية والرحمة وقوة انفاذ الكلمة وتأسيس الأمة، انقطعت أنفاسهم واطفئت نبراسهم. فأزمعوا على مقاومة الرسول بالقوة والسطوة فبدلوا القول بالسيف والحجة بالحرب وقاموا على المحابة وشمروا للمكافحة. فتحارب الفريقان وتصافت الفئتان حتى وهنت القوة الباطلة وانكسرت شوكة الفئة الظالمة وطفئت جمرة الوثنية وانفصمت عروة الجاهلية. فانقطع الحجاج واللجاج في فصاحة القرآن وبلاغته الى أن جدد علماؤنا الاحتجاج بها في مصنفاتهم وشرحوا في افاداتهم وتدرعوا بها في مناظراتهم، خصوصاً في القرون الأخيرة التي زادت فيها اختلاط الملل وتألفت فيها القبائل والأمم وكثرت الروابط بين عموم الناس وسهلت وسائل الأخذ والعطاء بين كافة البشر. وبالطبع كثرت بينهم المباحثات الدينية وانتشرت المناقشات العلمية وتفاقم الأمر في المناظرات المذهبية. فانبرى علماء النصارى لدحض حجج المسلمين وتوهين أدلتهم في اثبات حقية الاسلام بفصاحة القرآن وبلاغته واعجاز عبارته وبراعته، وكتبوا فيها مقالات وفصولا وخلبوا بزعمهم ألباباً وعقولاً. ومما لا يشك فيه أنه بسبب ما بيناه وذكرناه من خفاء معنى البلاغة والفصاحة على عامة الأمم وصعوبة ادراكها ودقة مدركها على أكثر الملل، لابد من أن تؤثر شبهاتهم في كثير من النفوس الساذجة وتوجد تشكيكاتهم شكوكا في القلوب البسيطة. ولو مشى علماؤنا في إثبات اعجاز القرآن مشي السابقين الأولين وسلكوا مسلك الأئمة الهداة الراشدين الأولين لنبهوا الأمة وسدّوا هذه الثلمة ولأناروا الأبصار واطمأنت بهم الضمائر. ولكن الله تعالى بسابق علمه ومحتوم قضائه ودقيق حكمته وخفي تمحيصه، أبى إلا أن يتم فيهم ما أنذرهم به الرسول عليه السلام ويذيقهم بعض ما كسبت أيديهم في سابق الأيام. فقد رووا في صحيح أحاديثهم عن أبي داود والترمذي عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها الى يوم القيامة. ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي المشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان. وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي الله) الى آخر الحديث. ونقلوا عن دلائل النبوة رواية عن أبي داود والبيهقي عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة الى قصعتها. فقال قائل ومن قلة نحن يؤمئذ؟ قال بل أنتم يؤمئذ كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفنّ في قلوبكم الوهن. قال قائل يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت). الى كثير من أمثال هذه الأحاديث الصحيحة التي أخبر فيها الرسول عليه السلام عن ما يؤول اليه حال أهل الاسلام، وصدّقه تتابع الليالي والأيام وأظهره كرور الدهور والأعوام. فطوبى لنفس عرفت آخرتها وأوليها وألهمت فجورها وتقواها. طوبى لقلوب اهتزت من نفحات يوم الله. طوبى لعيون تنورت من مشاهدة آيات الله. وشامت تألق برق الهدى من حمى معهد اللقاء. وتشوفت الى رياض البقاء من مشهد الفداء. أولئك هم الراسخون الثابتون. أولئك عليهم صلوات من ربهم وأولئك هم المفلحون.
    ونحن نورد هنا بعض ما كتبه علماء النصارى في رد استدلال علمائنا بفصاحة القرآن، ثم نردفه بملاحظاتنا عليه إفادة للطلاب وتكميلا لما تستلزمه الحجة في هذا الباب. ونسأل الله تعالى أن يؤيدنا بروح منه أنه هو ولينا في المبدأ والمآب.
    ومن أعجب ما رأيناه في هذا الباب كتاب صنفه جرجيس صال الانكليزي وسماه (مقالة في الاسلام) وترجمه هاشم الشامي أحد نصارى بر الشام وذيله بتذييل مفصل باللغة العربية وطبعته الجمعية الدينية الأمريكية في عام (1891) من الأعوام الميلادية ونشرته في القاهرة المعزية حاضرة البلاد المصرية. ونحن نورد في هذه الوجيزة إيرادات كل من المصنف والمترجم والبادي والمذيل فيما يتعلق بفصاحة القرآن وعدم فصاحته حيث يوجد بينهما تناقض واضطراب وتباين واختلاب شأن كل من يرد على الله ويعترض عليه وليس له مبدء يتمسك به ويسند اليه. وها هي بنصوصها وحروفها.
    (قال الفاضل الانكليزي في صفحة 121)
    وعبارة القرآن حسنة ومنسجمة في أكثر المواضع ولا سيما حيث يحاكي اسلوب الأنبياء ويتقيل نمط التوراة وهي موجزة وغالباً عويصة مستغلقة يزينها أنواع من الكنايات والاستعارات بحسب ذوق المشرقيين. ولكلامه رونق وزخرف وتحبير وفيه كثير من الجمل البليغة في ايجازها؟ ثم انه في مواضع كثيرة سنيّ رائع ولا سيما حيثما يأخذ في ذكر عزة الله وقدرته. وهو وان كان قد كتب نثراً، فلجمله وفقراته رويّ كثيراً ما ينقطع من أجله المعنى قبل أن يتم ويتكرر اللفظ تكراراً سخيفاً لم يكن له لولا الرويّ من ضرورة. وهو في النقل أشد سخافة منه في الأصل لأنه يفقد في النقل حلية التسجيع التي جيء به من أجلها. لكن العرب مولعون بهذه الطنطنة، أعني التسجيع جدا، حتى أنهم يجيئون به في أهم مصنفاتهم وأكثرها تحريراً، ثم يحلّونها بآيات مقتبسة من القرآن وباشارات اليه، حتى لا تكاد تفهم ما يكتبونه ما لم تكن مطلعاً إطلاعاً كافياً على القرآن.
    ولعل ما ظهر للعرب في هذا الكتاب من سلاسة العبارة وحسن الرصف هو مما حداهم الى قبول الدين الذي جاء به. ولعله قوّي في القرآن حججاً ما كانت لتقوم بسهولة لو جيء بها عارية عن هذه الحلية من البديع وفنّ الخطابة. فكم وكم من قصة تحكي عما لزخرف القول من التأثير وسحر العقول إذا أحسن قائله اختيار الالفاظ وتلطف في سبكها وتنضيدها على ما يوافق غرضه فتفعل في الألباب فعل الموسيقى. ولذلك صار مصاقع الخطباء يعزون الى هذا الباب من فن الخطابة تأثيراً لا ينقص عن تأثير غيره من الأبواب. ولعمري أن من لا تشجوه فقرة متّزنة اللفظ حسنة السبك فبئس السمع سمعه. وما كان محمد يجهل ما لزخرف الخطابة من فعل السحر وسلب الألباب، فلذلك لم يهمل شيئا من بهرج البيان وزخرف الخطابة فيما ادعاه من الوحي، هذا مع افراغ جهده في المحافظة على سمو عبارته حتى يكون خليقاً بالإله الذي نحله إياه ونسبه اليه وبذل وسعه في محاكاة اسلوب الأنبياء أنبياء التوراة. فنجح فيما تجشمه أتم النجاح وخلب قلوب مستمعيه بزخرف قوله حتى خيل لخصومه أنه سحر كما نراه يشكو من ذلك أحيانا. انتهى.
    (وأما المترجم والمذيّل) فإنه قال في صفحة (70) من تذييله على ذلك الكتاب:
    واعلم أننا لسنا ننكر أن القرآن فصيح في بعض المواضع، وإنما ننكر دعواهم أنه من حيث الفصاحة معجزة تفوق قدرة العباد، كما أنكر ذلك قبلنا بعض فرقهم. أما فصاحته في بعض المواضع على طريقة فصاحة العرب فمسلم بها ولا غرو أن يكون فيه شيء منها، لأن مصنفه من قريش أفصح قبائل العرب ونشأ فضلا عن ذلك في بني سعد وكانوا في الفصاحة كقريش، فاجتمع له بذلك قوة عارضة البادية وجزالتها ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها، وهذا ما حداه الى أن يقول متبجحاً، أنا أفصح العرب وأعطيت جوامع الكلم. ثم أنه أقام في تصنيف كتابه ثلاثاً وعشرين سنة يختار في أثنائها من كلام قبيلته واظآره أبلغ أساليبهم ويتلقف أفصح ألفاظهم ويعبر بها عما يقع في خلده كلما تهيأ له ذلك، فجاء كتابه فصيحاً في كثير من المواضع. لكن لا يلزم من هذا أنه معجزة كما أن أشعار زهير وخطب قسّ بن ساعدة وألفاظ سحبان لا تعد معجزة، مع انها من البلاغة والفصاحة والنصاعة بحيث لو قيس بها القرآن لفاتته بمراحل. ولو كان القرآن كلام الله نفسه وكان الله يروم أن يتحدى العرب بفصاحته لكان ينبغي أن يكون أفصح مما نراه وأحسن نظاماً بكثير ولوجب أن يتنزه عما نراه فيه من اللحن والخطأ والركاكة وغير ذلك من معايب الكلام التي ما قدر الله حق قدره من نسبها اليه. (انتهى).
    ثم شرع المذيل في ذكر مواضع كثيرة من القرآن الشريف زعم أن فيها ما يخالف الفصاحة والبلاغة وأثبت فيها بزعمه عيوباً جمة ظاهرة من الخطأ واللحن والركاكة من قبيل مخالفة القياس والكلام المبتور والزيادة المخلة بالفصاحة المحيلة الى غير مراد قائله. والالتفات من الغيبة الى الخطاب والخطاب الى الغيبة، وتكرار اللفظ الواحد في الجملة الواحدة، وتنافر الحروف، والمعاياة وفساد المعنى. وغيرها من معايب الكلام مما لو أمعن محقق نظره في انتقاداته ليرى أنه ما فلتت من سهام رده وانتقاده إلا آية الكرسي، حيث اعترف بعلو فصاحة هذه الآية الكريمة لئلا يقال أنه جاهل بالفصاحة والبلاغة او أعماه الغرض والتعصب بحيث لا يرى الحقيقة. ولابد من ان يطلي الى تلك الشبهات كثير من أصحاب الأحلام الضعيفة ويميل بها عن الحق ارباب القلوب المريضة لأن الناس بطباعهم متزلفون الى الفئة الغالبة ميالون الى الشبهات الباطلة متملقون لارباب الجاه والسلطة الزائلة. فكم رأينا من الناشئة الحديثة من أبناء صميم العرب من يتعمد الرطانة في كلامه وعجمه في نطقه وتحريفا في لهجته تقليداً لأهل الغرب وتشبهاً بدعاة التمدن الحديث وتزلفاً الى أهل الجاه. وما نتجت تلك الشكوك والشبهات إلا بسبب انحراف المفسرين عن الصراط المستقيم في بيان كيفية حجية القرآن وتفسير آياته. فلو أثبتها العلماء من طريقها وفسروها على وجوهها، لما انتهى الأمر الى المناقشات السخيفة والانتقادات الباردة. وذلك لما أشرنا اليه سابقا أن الفصاحة والبلاغة من الأوصاف الخفية الغامضة الدقيقة التي تختلف فيها الأذواق وتتشعب فيها الآراء والأنظار وتسهل فيها المناقشة والمغالطة وتنطبع الشبهة فيها على القلوب البسيطة والعقول الضعيفة، خصوصاً إذا ساعدتها العاطفة الدينية والرابطة الجنسية والعصبية الجاهلية. وقلّ من يعرف حقيقة بلاغة البيان وفصاحة الكلام من مهرة الكتاب وحملة الأقلام، وإلا لكان كل كاتب مصنفاً بليغاً وكل متكلم خطيباً مصقعاً منطيقا. فما أسهل المناقشة فيها على المستأجرين وما أسهل قبولها على المستضعفين، ولكن ما ظهر من الرسول عليه السلام بسبب نزول القرآن عليه من العلم والقدرة على هداية الأمم وإزالة أسقام أهل العالم وتأسيس الشريعة الالهامية وايجاد الأمة الاسلامية رغما للأمم الكبرى ومباينا للديانات العظمى أمر ظاهر محسوس تصعب فيه المناقشة ولا تفيد معه المغالطة. فمن الذي يمكنه ان ينكر الأمم العظيمة كالعرب والفرس والخزر والترك والهنود والصينيين وأهالي افريقيا خرجوا من ظلمات الشرك وعبادة النار والأوثان وإنكار الأنبياء ودخلوا في نور التوحيد وعبادة الله وحده والايمان بأنبيائه ورسله وملائكته وكتبه. فإن تلك الأمم العظيمة كانوا من عبدة النار والأوثان قبل نزول القرآن وكانوا لا يعرفون موسى وعيسى وسائر الأنبياء عليهم السلام. فتلك الأمم اهتدت وأسلمت وآمنت بسبب السابقين الأولين من المسلمين، والمسلمون أنشاؤا ووجدوا بسبب الاسلام، والاسلام شرعه وأوجده النبي الكريم، والنبي عليه السلام صار نبياً بما نزل عليه من القرآن العظيم. وهذا سرّ ما أفحم الله به المكابرين المكذبين بقوله (فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). نعم كثيراً ما رمي الاسلام بانه نشر بالسيف وقام بالاجبار لا بالدعوة والحجة والاختيار. وقد فندناه وأجبنا عنه سابقاً ونكرر الكلام في هذا المقام إثباتاً للمطلوب وتثبيتاً للقلوب. فإنه لو تصفحنا تواريخ المسلمين وقفينا على آثارهم وتتبعنا أخبارهم لا نجد فيها أدنى إشارة بان النبي عليه السلام أو الخلفاء وملوك الاسلام أجبروا أمماً على اعتناق الديانة الاسلامية. بل نرى بالعكس فيها أن الخلفاء الأمويين والأمراء المروانيين المعبر عنهم في الكتب المقدسة بالتنين الهائل أو الوحش الصاعد من الهاوية، كانوا يمنعون الناس عن الدخول في الديانة الاسلامية خوفاً على الضرائب وتكثيراً للجزية، لحرصهم على جمع الأموال وصرفها في الشهوات الخبيثة واللذات الدنيئة. حتى كتب عمر بن عبد العزيز ذلك الملك الموصوف في كتبهم بالعدل والزهد الى أحد الأمراء توبيخاً له على منع الناس من الاسلام (أن محمداً عليه السلام بعث هادياً وما بعث جابياً)، وهذا مما ينبه العاقل الى كيفية انتشار الاسلام ويكفينا مأونة البحث والتطويل في هذا المقام. وأما الديانة النصرانية على ما نعتقد فيها من أنها ديانة إلهية وشريعة سماوية، لو تصفحنا تواريخها وتتبعنا تصاريفها، لنجدها ملطخة بالدماء مخبرة عن أفظع الأنباء مملوءة من ذكر إجبار الأمم على اتباع ديانتهم بقتل النفوس وحرق الأحياء، فكم أهرقوا دماء وأحرقوا أحياء وأرملوا نساء وأيتموا أولاداً وأبادوا أمماً وأعدموا أقواماً ترويجاً للتثليث وانتصاراً للصليب. ومن شاء الاطلاع على بعض ما ذكرناه فليراجع تاريخ الكنيسة تأليف الفاضل المؤرخ يعقوب مردوك الأمريكاني المطبوع في القاهرة حاضرة بلاد مصر. وما نشاهده اليوم في كيفية نشر دينهم يكفينا عن مأونة البحث والتنقيب فيما سلف. فإن قباب مجد هذا الدين في زماننا منصوبة على ثلاث دعائم. دسائس المبعوثين. ومدافع المحاربين. وهبات المساعدين. على علم منا أن التعليمات المقدسة المسيحية مستغنية بنفسها عن تلك الوسائل وبشارات الانجيل الجليل منزهة بذاتها عن تلك الغوائل. إلا أنه هو البشر إذا زلت قدمه عن الصراط وزاغت بصيرته في رؤية الحق، لا يرى قوة كلمة الله ولا يبصر نور بشاراته ولا يعرف استغناءه عن غيره، فيتمسك بكل باطل ويستنصر من كل زائل. فلنترك أنصار الدين ليبهروا عقول العالمين ببنادق دُم دُم، ومدافع مكسيم، ولنف بما وعدنا به من الردّ على ما انتقدوا به على القرآن العظيم.
    وقد علم مما ذكرناه سابقاً أن اعتقادنا في القرآن أنه حجة بالغة ومعجزة دامغة بسبب ما أودع الله فيه من القدرة والهداية لا ينافي أن نعتقد فيه بأنه بلغ حدّ الإعجاز أيضاً من جهة الفصاحة والبلاغة. لأنا أثبتنا أن مظاهر أمر الله عموماً والسدرة المباركة والكلمة الأولية خصوصاً كما فاقوا الناس في جميع خِلال الشرف وأوصاف الكمال من العلم والحلم والحكمة والشجاعة والصبر والعزم والحزم وغيرها من الأوصاف والخلال، فاقوهم أيضاً في جمال الصورة واعتدال القوام وبلاغة البيان وفصاحة الكلام بحيث لا تضاهيهم نفس في وصف من الأوصاف ولا يماثلهم أحد في خُلق من الأخلاق. غاية ما في الباب هي أن تلك الخِلال ليست مما يدركه كل إنسان ويبلغ الى كل قطر وينتهي الى كل جيل لتكون الحجة بالغة والمعجزة شاملة. فإذاً والحالة هذه يجب أن نفي بما وعدنا به من إبداء ملاحظاتنا على ما كتبه الفاضل الانكليزي في فصاحة القرآن وتفنيد ما زعمه وتوهمه في سبب انتشاره ونفوذه بين الملل والأديان. فنقول متوكلين على الله المستعان.
    (قال صاحب كتاب مقالة في الإسلام)
    وعبارات القرآن حسنة منسجمة في أكثر المواضع. ولا سيما حيث يحاكي اسلوب الأنبياء ويتقيل نمط التوراة وهي موجزة وغالباً عويصة مستغلقة. الى آخر كلامه..
    (ونقول في جوابه)
    يوهم أن عبارات القرآن غير حسنة وغير منسجمة في بعض المواضع. إلا أنه بالدهاء التي عرفت بها الأمة الانكليزية، أبى عن تعيين تلك المواضع وتركها تحت الإجمال، علماً منه أنه سيصادف صعوبات من حملة الأقلام وأشياع الحق وأنصار العلم وحماة الخطابة والكتابة وأعضاد الفصاحة والبلاغة. فأوقع في شَرَكه ذلك المسكين الشامي فعين بزعمه بعض تلك المواضع مما أوجب افتضاحه كما سيوضح إن شاء الله تعالى. ثم أوهم أن عبارات القرآن الكريم في حمد الله وثنائه ونعمه وآلآئه كأنها منتحلة من التوراة الجليل وتقوّله النبي عليه السلام من كتب أنبياء بني اسرائيل. ونحن لا نفند ما زعمه وتوهمه بما نزل في نفس القرآن حيث قال جلّ وعلا (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ). ولا بما جاء في الاصحاح الرابع عشر من كتاب حزقيل حيث قال الرب الجليل (وإذا ضل نبي وتكلم بكلام فأنا الرب قد أغويت ذلك النبي وسأمد يدي عليه وأبيده من بين شعبي اسرائيل). لأن مراتب قدرة الله تعالى وقوته على تنفيذ إرادته وغلبته وقاهريته فوق عباده ومراقبته واحاطته على خلقه هي مما لا تراه الأعين العمشة ولا تدركه البصائر المطموسة ولا تفهمه القلوب المطبوعة. ولذلك لا يخشاه إلا العلماء ولا يهاب سطوته إلا النبهاء ولا يأمن بأسه إلا الجهلة والأغبياء. ومن المقرر أن ما لا يعتبره المغرورون شيئاً في زماننا إنما هو إرادة الله ومشيئته وإحاطته وقدرته. بل نقول لو أصغى الانسان الى أمثال هذه الشبهات ليلتزم أن يكذب جميع الأنبياء ويترك كل الديانات الكبرى ويرجع متقهقراً الى الوثنية بل الهمجية الأولى. لأن الأمة النصرانية تقول أن محمداً تقوّل القرآن على الله وانتحلها من الإنجيل. واليهود يقولون أن عيسى انتحل تعاليمه من كتب أنبياء بني اسرائيل. والزردشتية (أي الفرس الأولى) تعتقد أن موسى وأنبياء بني اسرائيل لفّقوا كتبهم مما انتحلوه من كتب أنبياء الفرس. والصابئة تقول أن المتأخرين جميعاً نهبوا تراث الأولين وانتحلوا لأنفسهم فضائل الأقدمين. قال أحد كبار الزردشتية في كتاب "سذُره وكَشتي" ما ترجمته (أن داود الحداد أخذ عبارات الحمد والثناء والتوحيد والتفريد لله تبارك وتعالى من كتاب "أوستا" ومزجها بالأغاني التي انتحلها من فصحاء الفرس ولفقها بإسم مزامير ونشرها بين رعاة آل اسرائيل). وقد تبين لك مما ذكرناه أن المتأخر يقول في رد مظاهر أمر الله عين ما قاله المتقدم، واللاحق يمشي على أثر السابق. والعاقل المحقق لا يرجح قول أمة على غيرها من غير مرجح، والمرجح مفقود كما يعرفه اللبيب. فإذا جاز لأحد أن يشك في القرآن باحتمال أنه ربما انتحله النبي عليه السلام من كتب أنبياء بني اسرائيل بسبب ما يوجد فيهما من صفات الله تعالى، فلم لا يجوز له أن يشك في الإنجيل مع ما يرى جميع تعليماته في كتاب كنفوشيوس نبيّ الأمة العظيمة الصينية وشارع الديانة البوذية. وهذا سرّ ما قلنا أن الاعتناء بهذه الشكوك ينتهي الى عبادة الأوثان بل ويوجب هدم صروح جميع الأديان. وهل يوجد دين من الأديان إلا وقد وصف الله تعالى شارعه في كتابه بالوحدانية والفردانية والعزة والحكمة والقوة والقدرة وغيرها من أوصاف الكمال ونعوت الجلال؟ ثم وأي مشابهة توجد بين ما جاء في القرآن المجيد من أوصاف التقديس والتنزيه، وما جاء في كتب أنبياء بني اسرائيل من نعوت الحلول والتشبيه؟ هل يوجد في القرآن أنه ترآءى له الرب تعالى كريح عاصف وفي وسطه أربعة حيوانات ولكل واحد أربعة أوجه ولكل واحد أربعة أجنحة وأرجلها أرجل مستقيمة وأقدامها كقدم العجل وهي تبرق بريق النحاس الصقيل.. الى آخر ما جاء في أول كتاب حزقيل في أوصاف الرب الجليل؟ وهل يوجد في القرآن الكريم أنه ترآءى له الرب تعالى قضيباً ساهراً كما جاء في أول سفر أرميا؟ وهل يوجد في القرآن العظيم أنه ترآءى له الرب جالساً على عرش رفيع وأذياله تملأ الهيكل ومن فوقه السرّافون قائمون لكل واحد ستة أجنحة، باثنين يستر وجهه، وباثنين يستر رجليه، وباثنين يطير؟ كما جاء في الاصحاح السادس من كتاب أشعياء. الى كثير من أمثالها. وليس المراد مما ذكرناه إهانة الكتب المقدسة معاذ الله والحطّ من مقامها، لأننا أظهرنا اعتقادنا في وجوب اعتبار القسم الإلهامي منها آنفاً. بل المقصود اثبات عدم المماثلة والمشابهة بينها وبين ما جاء في القرآن الشريف كما تمحله ذاك الفاضل وغيره من أصحاب الرد والتشكيك والتكذيب والتثريب. ومن عجيب ما يرى النبيه في كتب هؤلاء المكذبين هو تناقض ايراداتهم وتخالف شبهاتهم، فإن فاندر النمساوي ردّ على القرآن الشريف في كتاب ميزان الحق، بأنه لا يشابه كتب أنبياء بني اسرائيل في مقامات الحمد والثناء والأخبار والأنباء. وهذا الفاضل الانكليزي يرد عليه بحكم أنه حذى حذوهم وحاكى اسلوبهم. فسبحان من قسم العقول والأحلام وفرق بين المدارك والافهام.
    (وقال المصنف أيضا)
    وهو وان كان قد كتب نثراً فلجمله وفقراته روى كثيراً ما ينقطع من أجله المعنى قبل ان يتم ويتكرر اللفظ تكراراً سخيفاً لم يكن له لولا الروىّ من ضرورة. وهو في النقل أشد سخافة منه في الأصل لأنه يفقد في النقل حلية التسجيع التي جيء به من أجلها. لكن العرب مولعون بهذه الطنطنة، أعني التسجيع جداً، حتى أنهم يجيئون به في أهم مصنافتهم وأكثرها تحريراً ثم يحلونها بآيات مقتبسة من القرآن وباشارات اليه حتى لا تكاد تفهم ما يكتبونه ما لم تكن مطلعاً إطلاعاً كافياً على القرآن. (انتهى).
    طالما رأينا أن كتّاب الأمة الانكليزية ينددون على أهل الشرق ويلومونهم في استعمال علم البيان وتحبير كلامهم بتنميق عباراته وترصيف ألفاظه وتسجيع جمله. كأن ملاحظة تقاطيع الكلام وتزيينه بالرصف والترصيع والتسجيع وغيرها من فنون البديع سيئة لا تمحى وذنب لا يغفر. وحقاً أن هذا من سقم الرأي وجحود الحق، بل هو عين التمويه والمخرقة. ولم أدر لماذا يستحسنون الترتيب والترصيف وملاحظة حسن التقاطيع في آثارهم ومصنوعاتهم ولا في الصنائع والآثار التي تدوم دهوراً وأحقاباً، كالأبنية والجسور والقناطر العظيمة بل وفي المصنوعات الجزئية والآثار الطفيفة أيضاً كالثياب والأحذية والمناطق وأمثالها مما تبلى وتنعدم في سنة أو سنتين. فانهم يتفننون في اتقان صنعها وتزويقها وترصيف أزرارها وتطبيق زواياها غاية التفنن ويهتمون بها كمال الاهتمام. فاذا كان هذا حالهم في الصنائع الزائلة والمهن الطفيفة، لِمَ لا يجوزون لأهل الشرق أن يستعملوا الرصف والتنميق والسجع والترصيع في النطق والبيان الذي هو أحسن مزايا البشر وأعلى خصائص الانسان. فإن الانسان به يمتاز عن سائر أصناف الحيوان ومنه يصنف الكتب وتبقى الآثار الدينية والعلمية وتخلد الفضائل النقلية والعقلية وبه تهذب الأخلاق والأعمال ويتحلى الانسان بكرائم الأوصاف والخلال. أليس هذا من الشطط الفاضح والتمويه الكريه؟
    وليس هذا التنديد والتثريب الفارغ إلا لأن لغتهم خالية عن كل مزيّة وعارية عن كل لطف وسلاسة. وعلم البيان إنما هو هندسة الكلام، كما أن معرفة السطوح ونسبة بعضها الى بعض هو هندسة الأجسام. نعم يجب أن يكون الكاتب والخطيب بصيراً بحسن الترصيف والترتيب، عالماً بمواضع الترصيع والتسجيع، عارفاً بمواقع الاستعارة والتشبيه لئلا يختل به المعنى ويفسد به التركيب فيذهب بطلاوة الكلام ويخلّ بفائدة البيان. كما أنه يجب على الصانع أن يكون بصيراً بحسن ترتيب أجزاء المصنوع ليظهر على هيئة ظريفة وهندسة مقبولة.
    وقد قلنا في سائر رسائلنا أن المحسنات البديعة في الكلام، إنما هي بمنزلة الملح في الطعام قليله نافع وكثيره مضر. وقلنا أن الفصاحة في الكلام هي بمنزلة الحسن الأصلي في الانسان، فإن الفصاحة في الحقيقة ليست إلا حسن ترتيب أجزاء الكلام وانتقاء الألفاظ المناسبة له، كما أن الحسن الأصلي في الانسان ليس إلا اعتدال القوام وتناسب الأعضاء وتحسين الكلام بالمحسنات البديعية إنما هو مثل تزيين الانسان بالحلي والحلل الخارجية. فإذا لم يكن في الانسان حسن الخَلق الأصلي لا يحسنّه التزيين الخارجي، كما أنه لو أفرط في تلك الحلل الخارجية لتستر حسنه الأصلي واعتدال قوامه الذاتي. ولذلك لا يرى في عبارات الحريري والهمداني والخوارزمي وغيرهم من أئمة البيان وكبار الكتّاب من اللطف والرقة والطلاوة وحسن السبك واتقان الوضع، ما يرى في خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ورسائله وخطب سائر الأئمة والخلفاء. مع أن عبارات الحريري وبديع الزمان، أكثر تصنّعاً وأوفر تسجيعاً وأتقن تقطيعاً، لأنها صنفت بالتكلّف والتفكّر والتروي والتدقيق، بخلاف خطب الأئمة، فإنها جاءت طبعا وارتجالاً من غير تكلف وتفكّر وتروّ وتأمل، كما هو عادة أهل الانشاء والتأليف. ولذلك قالوا (الطبع أملك)، وهكذا النسبة بين كلام الله وعبارات الإئمة، فإنه ألطف وأرق وأحلى كما هو ظاهر عند أرباب البصائر والنهى.
    وما توهم المصنف من انقطاع معاني الآيات بسبب التزام الرويّ متسبب عن جهله بتلك المعاني كما شكى منه أولاً حيث قال (وهي معجزة وغالباً عويصة مستغلقة) وليست صعوبة ادراك معاني الآيات السماوية وبعدها عن إفهام العامة خاصة بالقرآن الكريم وحده، فإن كلمات الأنبياء بأجمعها صعبة مستصعبة مختومة مكتومة عويصة على القلوب المقلوبة بعيدة عن العقول الضعيفة خاب من رامها قبل مجيء ذاك اليوم الرهيب العظيم، وضلّ من فسّرها قبل ان يفك ختمها الرحمن الرحيم. وقد قرأنا في كتب أنبياء بني اسرائيل نقلا عن الله تعالى (اني أريد أن أفتح فمي بالأمثال وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم)(1) فلو كانت معاني كلمات الله ظاهرة مكشوفة سهلة مفهومة يفهمه كل بعيد ويدركه كل غبي، لم يبق ثمّ مكتوم حتى يفتح الله فمه به في الأمثال ويختمه أنبياؤه في سابق القرون والأجيال. وأظهر دليل على صعوبة فهم آيات الكتب السماوية، هـــــــــو أن علمـــاء اليهود اتفقوا على عدم انطباق بشـــــارات التوراة
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) وقد جاء في الآية الرابعة من الاصحاح الثاني عشر من سفر دانيال "أما أنت يا دانيال، فاخف الكلام واختم السفر الى وقت النهاية". وفي الآية التاسعة منه "ان الكلمات مخفية ومختومة الى وقت النهاية). والى هذا أشير في المصحف الشريف بقوله تعالى (يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون). فرج الله زكي الكردستاني).
    على عيسى عليه السلام فاتخذوها أقوى دليل على تكذيبه، وعلماء النصارى أجمعوا على أنها منطبقة على ظهوره تمام الانطباق فاستدلوا بها على تصديقه. أليس هذا أظهر حجة وأقوى دليل وأتم برهان على أن كلمات الأنبياء بأجمعهم عويصة مستغلقة صعبة مستصعبة؟ على ان علماء اليهود أخذوا تفاسير الكتب بزعمهم عن آباء الكنيسة وورثوها كابراً عن كابر وحافظوا عليها جيلا بعد جيل. ومن هم آباء الكنيسة. هم الأنبياء العظام اشعيا وارميا وزكريا وأمثالهم عليهم السلام. وحقيقة الأمر أن الأمة الاسرائيلية جهلت معاني بشارات التوراة ولذلك أنكرت عيسى عليه السلام وتبعتها الأمة النصرانية واقتفت آثارهما الأمة الاسلامية، كما تشير اليه الكلمة النبوية (لتسلكن سنن من قبلكم شبراً فشبراً وذراعاً فذراعاً).
    (وقال المصنف أيضاً) ولعل ما ظهر للعرب في هذا الكتاب من سلاسة العبارة وحسن الرصف هو مما حداهم الى قبول الدين الذي جاء به ولعله قوّى في القرآن حججاً ما كانت لتقوم بسهولة لو جيء بها عارية عن هذه الحلية من البديع وفن الخطابة. فكم وكم من قصة تحكي عما لزخرف القول من التأثير وسحر العقول اذا أحسن قائله اختيار الألفاظ وتلطف في سبكها وتنضيدها على ما يوافق غرضه فتفعل في الألباب فعل الموسيقى. ولذلك صار مصاقع الخطباء يعزون الى هذا الباب من فنّ الخطابة تأثيراً لا ينقص عن تأثير غيره من الأبواب. ولعمري أن من لا تشجوه فقرة متزنة اللفظ حسنة السبك فبئس السمع سمعه. وما كان محمد يجهل ما لزخرف الخطابة من فعل السحر وسلب الألباب (وهو القائل: إن من البيان لسحرا)، فلذلك لم يهمل شيئاً من بهرج البيان وزخرف الخطابة فيما ادعاه من الوحي هذا مع افراغ جهده في المحافظة على سموّ عبارته حتى يكون خليقاً بالإله الذي نحله إياه ونسبه اليه وبذل وسعه في محاكاة اسلوب الأنبياء، أنبياء التوراة. فنجح فيما تجشمه أتم النجاح وخلب قلوب مستمعيه بزخرف قوله حتى خيل لخصومه أنه سحر، كما نراه يشكو من ذلك أحيانا.(انتهى الكلام المصنف).
    لا يخفى على أهل العلم أن لكل مزية ومنحة من المزايا والمنح العالية المغبوطة من قبيل العزة والثروة والملك والسلطنة والعلم والفضل والفصاحة والبلاغة وحسن الصوت وحسن البيان وغيرها مما يمكن أن تنفذ به الكلمة وتنجذب اليه القلوب قوة ظاهرة وغلبة وتأثيرات معلومة. إلا أنه لا يعقل أن تبلغ قوة تلك المؤثرات الى حدّ تنشأ بها ديانة جديدة وأمة مستقلة تبقى قرونا وأحقابا بدون إذن من الله تعالى. وإلا لتسقط حجة الديانات الحقة ويخفى طريق معرفة الشرائع الإلهية وينهدم منار الحق وتنطمس أعلام الهداية. إذ لا يبقى ثم مميز بين الحق والباطل والهادي والمضلّ ولا فارق بين الهداية والضلالة والرشد والغواية. وقد بينا فيما مضى من مقالاتنا مقدار دليلية المعجزات وحجية العجائب وأثبتنا بالبراهين الواضحة أنه ليست لها دلالة تامة مستقلة على صدق دعوى المدعي وحقية شريعة الشارع. ولذلك أبى السيد المسيح وامتنع الرسول الكريم صلوات الله عليهما عن إجابة طلبة العجائب واسعاف مأمول مقترحي المعجزات، كما تشهد به مواضيع من الانجيل وتنطق به آيات من القرآن. والأمم بأجمعها شَرَعٌ(1) في رواية المعجزات عن شارع دينهم واسناد العجائب الى مؤسس شريعتهم بل الى شيوخ طرقهم وممهدي مذاهبهم بل الى أتربة أوليائهم ومضاجع
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) شرع أي سواء.
    أصفيائهم. وقد وضع الله تعالى للحق أعلاما لا تشتبه وبنى له مناراً لا ينهدم وقدّر له امارات وآيات لا تنطمس، أعظمها وأوضحها وأجلاها تلك القوة الملكوتية التي لا تشاركه فيها نفس والقدرة الالهية التي لا يأتي بمثلها أحد. وهي قوة انفاذ الكلمة البديعة والقدرة على ايجاد الديانة الجديدة. وهي القوة الوحيدة التي تغالبها قوة العالمين فتغلبها وتقاومها قدرة العلماء والأمراء في شرق الأرض وغربها فتسقطها. فإن محبة الدين المألوف القديم سجية راسخة في قلوب العالمين وكراهية الدين المستحدث الجديد شنشنة معروفة في الجبابرة والمتكبرين. والى هذه القوة الملكوتية والقدرة اللاهوتية أشار السيد المسيح بقوله (من الآن ترون إبن الانسان جالساً على يمين القدرة وآتياً على سحاب السماء)، وجاءت في ام الكتاب (لو يسترونني في طبقات التراب ليجدونني راكباً على السحاب)، وإليها أشير في المصحف المجيد بقوله تعالى (ان جندنا لهم الغالبون)، فلو فرض سقوط هذه الحجة الواضحة وصرف النظر عنها بشكوك واهية باردة. بم تثبت حقية الأنبياء وكيف يفرق بين الحق والباطل والثابت والزائل.
    فإذا عرفت هذا يظهر لك بطلان ما توهم المصنف من ان العرب ربما أذعنوا للقرآن الشريف بسبب فصاحة آياته وطلاوة عباراته. ثم أقسم بذاته وخاطر بحياته بان من لا تشجوه فقرة متزنة اللفظ حسنة السبك فبئس السمع سمعه. وفاته أن فتح باب أمثال تلك الشبهات يضر بدينه أكثر مما يضر بغيره ويثلم سياج الديانة النصرانية قبل أن ينثلم به الشريعة الاسلامية، فان اليهود يرمونهم بأنهم سلبوا عقول السذج بزخارف الدنيا من الصفراء والبيضاء في أول ما قامت قيامة هذه الديانة في أقطار آسيا وأوربا. ولعمر الله أن من ينجذب الى الفضة الوضاحة وينخدع من الذهب الوضاء أكثر بكثير ممن تشجوه الفقرات الموزونة والأغاني المطربة. خصوصاً إذا اختلق له أهل التمويه أعجوبة تنخلع منها القلوب البسيطة وتهلع لها النفوس الساذجة. راجع الفصل الخامس من كتاب أعمال الرسل لترى العجب العجاب مما يسلب العقول ويأخذ بمجامع الألباب. والأمة الانكليزية أدرى الأمم بمحبة المال وفعله في النفوس مما لو قيس به من تأثيرات الأغاني والأنغام لفاتها بمراحل. فإذا اعتبرت أمثال هذه الشبهات الواهية فلا تتوقف دون الاسلام وقل على جميع الديانات السلام.
    نعم لكل من الثروة والقوة والسلطة والخطب والأشعار والأغاني والأنغام آثار لا تنكر وأفعال لا تستر. ولكن كل تلك المؤثرات كانت عند منكري القرآن أوفر وأكثر وكان تأثيرها في ابقاء النفوس على ديانتهم الأصلية وطريقتهم الموروثة أقوى وأسهل. وكان في العرب ممن أنكروا رسالة سيدنا الرسول وحاربوه وناصبوه العداوة كأبي جهل وأبي سفيان بن حرب وعتبة وشيبة أبن ربيعة ونضر بن الحارث وكثير من أمثالهم من مصاقع الخطباء ومشاهير الفصحاء ممن خلد ذكرهم في متون الكتب وصفحات التاريخ. فإذا كانت الفصاحة والبلاغة بهذه الدرجة مؤثرة ونافذة، فهلا أثرت تلك الألسنة الطليقة والخطب البليغة والجمل الموزونة والنغمات الشجية في ابقاء العرب على ديانتهم الأصلية. وقبولها أسهل على النفوس من قبول ديانة جديدة غير موروثة وطريقة غريبة غير مألوفة. أليس ذلك لأن قدرة الله فوق قدرتهم ومشيئته فوق مشيئتهم. وان أسباب السماوات قد تقطعت بها الأسباب. وان الديانة لا تنشأ بتخليب العقول وسلب الألباب. أما صرح زميله الشامي ان في القرآن الشريف كثيراً مما يخلّ بالفصاحة حتى كاد أن لا تفلت من سهام ردوده واعتراضاته إلا آية الكرسي، فأين هذه الفصاحة التي خلبت بها عقول القوم وسلبت بها ألباب العرب؟ ولقد قال صاحب التذييل ان خصوم محمد لم يروا شيئاً من المعجز في هذه المعجزة (أي في كلامه) فردّوها عليه وهم إنما كانوا عربا فصحاء. وقال أيضاً ان أشعار زهير وخطب قس بن ساعدة وألفاظ سحبان لا تعد معجزة مع أنها من البلاغة والفصاحة والنصاعة بحيث لو قيس بها القرآن لفاتته بمراحل. وقال أيضاً. ولو كان القرآن كلام الله نفسه وكان الله يروم أن يتحدى العرب بفصاحته، لكان ينبغي أن يكون أفصح مما نراه وأحسن نظاماً بكثير ولوجب أن يتنزه عما نراه فيه من اللحن والخطأ والركاكة وغير ذلك من معايب الكلام.. الى آخر كلامه. فهدم المذيل الشامي ما شاده أستاذه الانكليزي في أصل المقالة. ولعمر الله لا يعقل ان الأمة العربية التي كان فيها من الشعراء والخطباء من لا تنكر فصاحتهم وبلاغتهم وكانت عندهم من خطب قس وأشعار زهير ما فاق القرآن الشريف بزعمه لتسلب عقولهم وتخلب ألبابهم بالقرآن الذي فيه كما توهمه من الركاكة واللحن والخطأ ما لا يستر ولا يخفى. فإذاً كان القرآن الشريف في مراتب الفصاحة والبلاغة بدرجة أذهل ألباب فصحاء العرب وأعجزهم عن مقاومته حتى خلعوا قميص ديانتهم الأصلية وتقمصوا بحلة الشريعة الجديدة الاسلامية، فقد ثبتت صحة ما قاله علماء الاسلام ان فصاحة القرآن وبلاغته فوق طاقة البشر. وإذا لم يكن فيه من الفصاحة والبلاغة ما يفوق فصاحة العرب وبلاغتهم فقد ثبت بطلان ما توهمه الفاضل الانكليزي من أن محمداً سحر ألباب العرب بتزويق الكلمات وحسن ترتيب الآيات وصح أن هذا السفر الكريم والكلام القديم إنما غلب أهل العالم بقوته الالهية وقدرته السماوية لا برصف الكلمات وتسجيع العبارات. والانسان لا يملك نفسه من الضحك حينما ينظر في تعريض ذاك الفطن الشامي حيث قال (ان خصوم محمد لم يروا شيئاً من المعجز في هذه المعجزة فردوها عليه) فهل رأى خصوم سائر الأنبياء شيئاً من المعجز في معجزاتهم وهل لم يردّوها عليهم. أليست الأمة اليهودية أقرب الأمم الى المسيح عليه السلام ترد عليه جميع معجزاته بعد انقضاء أكثر من ألف وثمانمائة عام. أيجوز على أهل العلم أن تغلب عليهم العواطف الدينية أو العصبية الجاهلية بدرجة تخرجهم عن حد التعقل والاعتدال فيعترضون على شارع الديانة الاسلامية بما لم يسلم منه نبي في سابق القرون والأجيال.
    ونوجّه انظار أهل الاستبصار الى الثورة الفرنساوية التي حدثت في سنة 1792 من السنين الميلادية. فإن فلاسفة فرنسا بعدما نشأت فيهم روح الحرية وقاموا لقلب السلطنة المطلقة الاستبدادية وأزمعوا على رفض العقائد المجهولة الوراثية رأوا أن بقاء الأمم الاوربية على العقائد الراهنة في الديانة المسيحية بعد تقدمهم في المعارف الطبيعية والرياضية والفلكية ضرب من المحال. فأرادوا أن يشرعوا لهم ديناً تكون عقائده الأصولية وشرائعه الأدبية أبسط وأقرب الى العقول والأذواق من تلك العقائد العتيقة التي يمجها الذوق السليم ويأباها العقل المستقيم. فشرعوا ديناً أساسه أن يعبدوا الله وحده وجعلوا الكنائس محلا للعبادات. وكان دستور ايمانهم بسيطاً حاويا لقضيتين كبيرتين (الأولى) الاعتراف بوجود الباري جل وعلا (والثانية) الاذعان بخلود النفس أي بقاء الروح جوهراً مدركا قائما بنفسه بعد الموت. وشرائعهم الأدبية أيضاً مؤسسة على أصلين كبيرين (الأول) محبة الله تعالى (والثاني) محبة الخلق. وجعلوا مناسكهم مشتملة على صلوات وأذكار وتسبيحات رتبها لهم بعض فلاسفتهم. وقرروا لديانتهم هذه بعض شعائر بسيطة أيضاً كوضع أطباق من الأثمار والرياحين على المذابح واستعمال الموسيقى بالآلات والأصوات في المجامع. وبعدما أكملوا وأتقنوا أركان هذه الديانة وأسسوها وشادوها بزعمهم على أساس متين، عيّن وزير الأمور الداخلية جماعة من كبار الكتاب والخطباء وارسلهم الى جميع بلاد فرنسا ليدعو الناس الى قبول هذه الديانة الجديدة. فجدوا كل الجد في إدخال ديانتهم في كل مدن فرنسا وانتشرت مقاصدهم الى بلاد أخرى. قال نوفل بن نعمة الله بن جرجس نوفل الطرابلسي في كتاب زبدة الصحائف في سياحة المعارف بعد نقل هذه الحادثة (وقد اتبعت هذه الديانة بعض أنفار في باريس وغيرها ولكن لم يلتفت اليهم، ثم بعد برهة يسيرة انقرضوا وطفى خبرهم).
    فإذا كانت الفصاحة والبلاغة ورصف الكلمات وتسجيع العبارات تؤثر على عقول البشر بدرجة تذعن للديانة الباطلة وترضخ وتخضع للشريعة المختلفة. فهلا أثرت بلاغة هؤلاء الفطاحل الأفاضل وفصاحتهم في نشر دينهم الذي شرعوه بسامي عقولهم وقوة فلسفتهم وكان فيهم من كبار الكتّاب وأئمة البيان من يضرب الأمثال بسحر ألفاظهم وقوة أقلامهم وطلاقة ألسنتهم وحلاوة عباراتهم من أضراب (ولتير) وأقران (جان جاك روسو). وقد استعملوا العقل والتدبير والعلم والفضل والفصاحة والبلاغة واستخدموا القوة والسلطة والثروة والموسيقى بأجمعها لنشر الديانة التي شرّعها واخترعها بزعمهم أسمى عقول بني الانسان من النوابغ والفحول وكبار الفلاسفة الذين قلّما يجود الزمان بمثلهم. وقد أطاعهم جم غفير من قواد الجيش وزعماء الأمة حيث نجحوا بهم تمام النجاح في تبديل السلطة الاستبدادية بالسلطنة الدستورية.
    ولكن الله تعالى أظهر عجزهم وأضل سعيهم وخيب آمالهم وبدد جمعهم في أمر الديانة التي قدر تشريعها وابقاءها خاصة لمشيئته ومنوطة بإذنه وإرادته لا بسائر الوسائل والأسباب. فكم أظهر الله تعالى ضعف مدارك البشر وضعة أفهامهم وسخافة عقولهم وخفة أحلامهم فيما زعموا أن تشريع الأديان من نتائج العقول البشرية ونشرها واعلاؤها ممكن بالوسائل الملكية. وكم أبطل غرورهم وأوهن قوتهم وقصم ظهورهم واستأصل شأفتهم وأحل بهم بأسه ومثلاته وأنزل بساحتهم نقمه وسطواته بما أرادوا أن يشرعوا ديناً بغير إذنه وحاولوا أن ينشؤا شريعة بلا سابقة من إرادته فإن في قصص أرغون خان المغولي وسعد الدولة اليهودي في إيران وعلاء الدين الخلجي في هندوستان وفلاسفة فرنسا في أوربا عبرة لأولي الألباب وذكرى وموعظة لأهل الكتاب. وقد قلنا آنفاً أنه إذا فتحت أبواب هذه الشكوك ليدخل الانسان منها في سبيل الشك في جميع الأنبياء ولينتهي الأمر الى هدم كل الأديان. وسببه واضح عند من له المام بالبراهين العقلية والقياسات المنطقية وذلك لأن الأحكام العقلية في القضايا كلية لا تقبل التخصيص. ويطرد الحكم العقلي في جميع جزئياته وينطبق الكلي على أفراده طبعاً ويلتفت العقل الى هذا الأطراد فطرة. ولا يمكن أن تحول العوارض الخارجية كالحب والبغض والميل الى العصبية الملية أو الجنسية وأمثالها حين النظر دون هذا الالتفات الطبيعي الفطري. لأنها عوارض خارجة عن ذات القضية فيلتفت العقل اليه عند عدمها وبعد زوالها بحكم النظر عند وجودها. فإذا طرأ الشك في قضية إثبات حقية دين الاسلام بحكم أن شارع هذا الدين ربما طبع أفكاره على عقول القوم بذلاقة لسانه وبلاغة بيانه وجوز العقل إمكان نشر الأديان بمجرد ذلاقة اللسان وسحر البيان فيطرد هذا الشك عقلا في ديانة من سبقه من شارعي الشرائع ومؤسسي الأديان بأنه أيضاً ربما استخدم

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى