منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 16 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 16 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    المدنيّة الحقيقيّة

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي

    المدنيّة الحقيقيّة

    "يا حزب الله لا تحصروا أفكاركم في أموركم الخاصّة بل فكّروا في إصلاح العالم وتهذيب الأمم".
    (بهاءالله)

    الدّين أساس المدنيّة

    إنّ مشاكل الحياة البشريّة، فرديّة كانت أم اجتماعيّة، قد أصبحت اليوم من وجهة النّظر البهائيّة على شأن من التّعقيد بحيث أضحى العقل البشريّ الاعتيادي عاجزًا عن حلّها حلاً مرضيًا. ولا شكّ أنّ الله تعالى وحده يعلم كلّ العلم الهدف من الخليقة ويعلم كيفيّة تحقق ذلك الهدف. وهو تعالى يكشف للبشريّة عن طريق رسله الهدف الحقيقي من الحياة البشريّة والسّبيل المستقيم الّذي يؤدّي إلى التّقدم والرّقي، وإنّ بناء المدنيّة الحقيقيّة يتوقف على التّمسك بالهدى الفائض من الأديان الإلهيّة تمسّكًا مخلصًا فيقول بهاءالله:-

    "الدّين هو السّبب الأعظم لنظم العالم واطمئنان من في الإمكان، وإنّ ضعف أركان الدّين صار سببًا لقوّة الجّهال وجرأتهم وجسارتهم. حقًّا أقول أنّ ما يُنقِص من علوّ مقام الدّين يزيد في

    غفلة الأشرار، ويؤول الأمر أخيرًا إلى الهرج والمرج (اسمعوا يا أولي الأبصار ثم اعتبروا يا أولي الأنظار)...

    "انظروا إلى تمدّن أهل الغرب، كيف أصبح سببًا لاضطراب العالم ووحشتهم، حيث هيّئت آلات جهنّميّة وظهرت قساوة لقتل النّفوس بدرجة لم تر عين العالم شبهها ولم تسمع آذان الأمم نظيرها، وإنّ إصلاح هذه المفاسد القويّة القاهرة مستحيل إلا باتّحاد أحزاب العالم في الأمور أو مذهب من المذاهب...

    "يا أهل البهاء إنّ كل أمر من الأوامر المنزلة حصن محكم لحفظ الوجود"( ).

    والوضع الحاضر في أوروبا وفي العالم أجمع يؤيّد تأييدًا بليغًا صحّة هذه الكلمات التي دوّنت منذ سنوات عديدة، وإنّ إهمال أوامر الرّسل وشيوع اللاّدينيّة قد رافق حدوث فوضى ودمار بمقياس رهيب في العالم. ويبدو أنّ إصلاح الهيئة الاجتماعيّة بات مستحيلاً إنْ لم تتبدّل القلوب وتتبدّل أهدافها، وهذا ما يصبو إليه الدّين الحقيقي في صميمه.

    العدالة

    يقدّم بهاءالله أول نصائحه في حياة الفرد ويقولها في الكتاب الصّغير المعروف بـ "الكلمات المكنونة" الّذي يتضمّن موجزًا لفحوى تعاليم جميع الرّسل وهذه نصيحته:-

    "املك قلبًا جيّدًا حسنًا منيرًا لتملك ملكًا دائمًا باقيًا أزلا قديمًا".

    والنّصيحة الثّانية الّتي يقدّمها تختص بالمبدأ الأساسي في الحياة الاجتماعيّة الحقيقيّة وهي في "الكلمات المكنونة" أيضًا بالنّص:-

    "يا ابن الرّوح أحب الأشياء عندي الإنصاف لا ترغب عنه إنْ تكن إليّ راغبًا ولا تغفل منه لتكون لي أمينًا، وأنت توفّق بذلك إنْ تشاهد الأشياء بعينك لا بعين العباد وتعرفها بمعرفتك لا بمعرفة أحد في البلاد".

    وأوّل مستلزمات الحياة الاجتماعيّة ومقوّماتها أنْ يكونَ الأفراد قادرين على تمييز الحق عن الباطل، وعلى رؤية الأشياء بأبعادها الحقيقيّة. وإنّ أعظم سبب من أسباب العمى الرّوحانيّ والاجتماعي، وأعظم عدو للتّقدم الاجتماعي، هو "الأنانيّة". فيقول بهاءالله في لوح إلى أحد الأحباء الزردشتيّين ما ترجمته:-

    "يا أبناء النّهى! إنّ الجّفن بكلّ ما هو عليه من الرّقة يمنع العين عن مشاهدة العالم وما فيه، ففكّروا إذن في الحال الّتي فيها ينسدل ستار الجشع على بصيرة الفؤاد. أيّها النّاس إنّ ظلام الحسد والطّمع يجعل نور الرّوح ظلامًا دامسًا كما يفعل السّحاب بنور الشّمس".

    وقد أقنعت التّجارب الطّويلة النّاس بصحّة تعاليم الرّسل القائلة بأنّ الأنانيّة فكرة أو فعلاً تؤدّي إلى كارثة اجتماعيّة. وإذا ما قدّر للبشريّة البقاء فعلى كلّ فرد فيها أنْ يعتبر جاره معادلاً له في أهميّته وأنْ يلحق مصالحه بمصالح البشريّة جمعاء. وبهذه الطّريقة يمكن في النّهاية خدمة مصالح الفرد والمجموع خدمة مثلى. ويقول بهاءالله في "الكلمات الفردوسيّة" بالنّص:-

    "يا ابن الإنسان! لو تكون ناظرًا إلى الفضل ضع ما ينفعك وخذ ما ينتفع به العباد، وإنْ تكن ناظرًا إلى العدل اختر لدونك ما تختاره لنفسك".

    أصول الحكم

    تحتوي تعاليم بهاءالله على نوعين مختلفين من البيانات حول موضوع النّظام الاجتماعي الصّحيح، فالنّوع الأوّل يتجلّى في الألواح الّتي أنزلها إلى الملوك والّتي تعالج مشكلة الحكم القائمة في العالم في زمان وجود بهاءالله على الأرض، والنّوع الثّاني يتجلّى في بياناته حول النّظام الإداريّ الجديد الّذي يتطوّر داخل الجامعة البهائيّة ذاتها.

    وهنا ينشأ التّباين الظّاهري بين أمثال العبارة التّالية: "يا أولياء الله وأمنائه إنّ الملوك هم مظاهر قدرة الله ومطالع عزّته وغناه فادعوا لهم. إنّ حكومة الأرض قد أعطيت لتلك النّفوس وأبقى تعالى قلوب الناّس ملكًا له"، وبين أمثال العبارة التّالية: "ينبغي لعموم الخلق في هذا اليوم أنْ يتمسكوا بالاسم الأعظم ويؤسّسوا الوحدة البشريّة، ولا مفر لأحد ولا ملاذ إلا بها"( ).

    لكنّ هذا التّباين الظّاهري وعدم التّطابق بين هذين الرّأيين يزول عندما نلاحظ الفرق والامتياز الذي يضعه بهاءالله بين "الصّلح الأصغر" و"الصّلح الأعظم". ففي ألواحه إلى الملوك دعاهم إلى الصّلح وإلى اتّخاذ الإجراءات الكفيلة بحفظ السّلم السياسي وتخفيض الأسلحة ورفع الأعباء الثّقيلة والأخطار عن الفقراء. لكنّ كلماته إليهم توضح توضيحًا تامًا أنّ فشلهم في تلبية مطالب الزّمان

    سيؤّدي إلى حروب وثورات بها ينهار النّظام القديم. ولهذا نراه حينًا يقول:- "إنّ ما تحتاج إليه البشريّة اليوم هو إطاعة أولي الأمر والسّلطة"، ونراه حينًا آخر يقول: "إنّ الّذين جمعوا زخارف الأرض وزينته وأعرضوا عن الله خسروا الدّنيا والآخرة وعن قريب سوف يسلبهم الله بِيَد قدرته ما يملكون ويحرمهم من رداء فضله... لقد عيّنا لكم ميقاتًا أيّها النّاس إنْ لم ترجعوا إلى الله في الوقت المعّين لكم فإنّه سوف يأخذكم وتأتيكم المصائب من جميع الجّهات... وإنّا لنرى علائم فوضى واضطراب محيق كلّما بدا نقص النّظام السّائد نقصًا يرثى له... ولقد آلينا على أنفسنا نصرتك على الأرض وإعلاء أمرك على النّاس وإنْ لم يتوجه إليك أحد من الملوك"( ).

    وكتب ما ترجمته:-

    "إنّ جمال القدم أراد أنْ ينزل ما يلزم لصلح العالم واستقرار وتقدّم الأمم، فتفضل: سيأتي الوقت الّذي فيه يعترف الكلّ بضرورة عقد مجمع عام شامل من البشر يحضره حكّام الأرض وملوكها، ويتشاورون فيه حول كيفية تأسيس الصّلح الأعظم بين البشر. ومثل هذا الصّلح يستلزم عزم الدّول الكبرى على أنْ تصلحَ ذات بينها صلحًا كاملاً حبًّا لاستقرار الأمم، وإذا قام بعد ذلك أحد الملوك على الآخر يجب على الكلّ أنْ يهبّوا لصدّه بكل اتّحاد"( ).

    وفي أمثال هذه النّصائح، يكشف بهاءالله عن الأوضاع التّي فيها

    يتحمّل المسؤولون أعباء المسؤوليّة في هذا اليوم الإلهيّ. وحينما نراه يدعو النّاس إلى تراص الصّفوف والوحدة الدّوليّة، نراه من جهة أخرى ينذر حكّام العالم إنذارًا واضحًا بأنّ استمرارهم على الحروب سوف يهدم سلطانهم. وما أبدع تأييد التّاريخ الحديث لصحّة هذا الإنذار وذلك بقيام حركات العنف الّتي بلغت في جميع الأمم المتمدّنة إلى درجة التدمير وبتطوّر وسائل الحرب إلى درجة أصبح فيها النّصر مستحيلاً نواله على أحد الطّرفين المتحاربين. وفي هذا يقول:-

    "والآن بعد أنْ رفضتم "الصّلح الأعظم" تمسكوا "بالصّلح الأصغر" لعلّكم بذلك تحسّنون قليلاً أموركم وأمور رعاياكم... (وما جعله الله الدّرياق الأعظم والسّبب الأتم لصحّته [أي العالم] هو اتّحاد من على الأرض على أمر واحد وشريعة واحدة وهذا لا يمكن أبدًا إلا بطبيب حاذق كامل مؤيّد)"( ).

    والمقصود بـ "الصّلح الأصغر" هو الوحدة السّياسية بين الدّول، في حين أنّ "الصّلح الأعظم" يشمل العوامل الرّوحانيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة للوحدة كلّها.

    وقد عَنيت الحكومات في العصور السّابقة بالأمور الخارجيّة والشّؤون الماديّة، لكنّ عمل الحكومة اليوم يتطلّب القيادة الحكيمة والإخلاص للخدمة والعرفان الرّوحانيّ، وهي صفات يستحيل وجودها إلا في من توجّه إلى الله.

    الحريّة السياسيّة

    ومع أنّ بهاءالله يشترط شكلاً مثاليًّا من الحكومة التمثيليّة في الحكم المحلي والقطري والدّولي، لكنّه ينصح الكلّ بأنّ هذا يمكن إجراؤه عندما يبلغ البشر درجة سامية كافية من التّقدم الفردي والاجتماعي. وإذا ما منح الحكم الذّاتي فجأة إلى قوم ليست لديهم التّربية الكافية وتغلّب عليهم الدّوافع الأنانيّة وليست لديهم خبرة في إدارة الشّؤون العامّة فإنّ ذلك يؤدّي إلى الكوارث. وليس هناك خطر أكبر من الحريّة تمنح إلى قوم ليسوا أهلاً لاستعمالها بحكمة ورويّة وقد كتب بهاءالله في الكتاب الأقدس بالنّص:-

    "إنّا نرى بعض النّاس أرادوا الحريّة ويفتخرون بها أولئك في جهل مبين. إنّ الحريّة تنتهي عواقبها إلى الفتنة الّتي لا تخمد نارها كذلك يخبركم المحصي العليم. فاعلموا أنّ مطالع الحريّة ومظاهرها هي الحيْوان، والإنسان ينبغي أنْ يكونَ تحت سنن تحفّظه عن جهل نفسه وضرّ الماكرين.

    "إنّ الحريّة تخرج الإنسان عن شؤون الأدب والوقار وتجعله من الأرذلين.

    "فانظروا الخَلق كالأغنام لا بدّ لها من راعٍ ليحفظها. إنّ هذا لحقّ يقين. إنّا نصدقها في بعض المقامات دون الآخر إنّا كنّا عالمين. قل الحريّة في اتّباع أوامري لو أنتم من العارفين. لو اتّبع النّاس ما نزّلناه لهم من سماء الوحي ليجدنّ أنفسهم في حريّة بحتة...

    "قل إنّ الحريّة الّتي تنفعكم إنّها في العبوديّة لله الحق، والّذي وجد حلاوتها لا يبدلّها بملكوت ملك السموات والأرضين".

    والدّواء الأنجع لتحسين أحوال الشّعوب المتأخرة هو التّعاليم الإلهيّة. وعندما يتعلّم النّاس ورجال الحكم هذه التّعاليم ويتبنونها فحينذاك تنطلق الأمم من جميع قيودها.

    الحكّام والرّعايا

    يحرّم بهاءالله الظّلم والاسّتبداد بعبارات شديدة، فقد كتب في "الكلمات المكنونة":-

    "يا ظَلَمَة الأرض كفّوا أيديكم عن الظّلم، لأنّي قد أقسمت أنْ لا أتجاوز عن ظلم أحد، وهذا عهد حتّمته في اللّوح المحفوظ وختمته بخاتم العزّة"( ).

    وأولئك الّذين ائتمنوا بصياغة القوانين والتّعليمات وبإدارتها يجب:-

    "أنْ يتمسّكوا بحبل المشورة، ويشرّعوا ما هو سبب وعلّة أمن العباد ونعمتهم وثروتهم واطمئنانهم، ويقوموا على تنفيذ ما شرّعوه، لأنّه لو حدث غير هذا التّرتيب فإنّ ذلك يكون سببًا في حدوث الاختلافات والفوضى"( ).

    ومن جهة أخرى يجب على النّاس أنْ يكونوا مطيعين للقوانين ومخلصين للحكومة العادلة، وعلى الحكّام أنْ يعتمدوا على

    طرق التّربية والتّعليم وعلى القدوة الحسنة لا على استعمال العنف والقوّة في تحسين شؤون النّاس، فيقول بهاءالله:-

    "إنّ هذا الحزب( ) إذا أقام في بلاد أيّ دولة يجب عليه أنْ يسلكَ مع تلك الدّولة بالأمانة والصّدق والصّفاء"( ).

    وفي لوح الإشراقات:-

    "يا حزب الله زيّنوا هياكلكم بطراز الأمانة والدّيانة ثم انصروا ربّكم بجنود الأعمال والأخلاق. إنّا منعناكم عن الفساد والجدال في كتبي وصحفي وزبري وألواحي، وما أردنا بذلك إلا علوّكم وسموّكم".

    التّعيين بالوظائف والتّرقية فيها

    إنّ المقياس الوحيد في التّوظيف يجب أنْ يكونَ اللّياقة للوظيفة، وأمام هذا المقياس يجب أنْ تنهارَ جميع المقاييس الأخرى كالأقدميّة أو الحالة الاجتماعيّة أو الحالة الماليّة أو الاعتبارات العائليّة أو الصّداقات الفرديّة، فيقول بهاءالله في لوح الإشراقات:-

    "الإشراق الخامس في معرفة الحكومات أحوال مأموريها وإعطائهم المناصب بالجّدارة والاسّتحقاق. يجب على كل رئيس وسلطان مراعاة هذا الأمر، حتّى لا يغتصب الخائن مقام الأمين ولا

    النّاهب مكان الحارس"( ).

    ولا حاجة إلى القول بأنّ هذا المبدأ لو قبل قبولاً شاملاً وعمل به فإنّ تغيير حياتنا الاجتماعيّة يكون تغييرًا مذهلاً. وحينما يعطى كلّ فرد الوظيفة الّتي تؤهّله لها مواهبه وقابليته، فإنّه يبذل جهده وقلبه في عمله، ويصبح فنّانًا في مهنته، الأمر الّذي يعود عليه وعلى العالم بالنّفع الجزيل الّذي لا يحصى.

    المشاكل الاقتصاديّة

    إنّ التّعاليم البهائيّة تؤكّد بأقوى العبارات على ضرورة إصلاح العلاقات الاقتصاديّة بين الغني والفقير فيقول عبدالبهاء:-

    "يجب أنْ يكون تعديل أمور معيشة الخَلق وترتيبها بشكل ينعدم فيه الفقر والفاقة حتّى يكون لكلّ فرد على قدر مقامه ودرجته نصيبًا من السّعة والرّفاهية. وهناك اليوم بعض النّاس في منتهى الثّراء والبعض الآخر في منتهى الفاقة يحتاجون إلى القوت اليومي. فإنسان يعيش في قصر عالٍ جدًّا وإنسان آخر لا يملك حفرة يأوي إليها. إنّ هذا الوضع وهذا التّرتيب ليس صحيحًا، ويجب إصلاحه وحلّ مشكلته ويجب إجراء ذلك بكمال الدّقة عن طريق استعمال القوانين لا عن طريق المساواة التّامة بين البشر، لأنّ المساواة التّامة غير ممكنة، بل هي على العكس من ذلك وَهْم من الأوهام لا يمكن تحققه أبدًا. وإذا ما طبّقت المساواة فإنّها لن تدوم ولن تبقى بل ترتبك من جديد، ولو أمكن إيجادها فإنّ نظام العالم يرتبك.

    فنظام العالم يقتضي هذا الاختلاف، لأنّ البشر في خلقتهم مختلفون.

    "والعالم الإنسانيّ أشبه بفرقة عسكريّة. فالفرقة تحتاج إلى قائد، كما تحتاج إلى الجندي البسيط. أفهل يمكن الاسّتغناء عن وجود القائد أو عن صاحب المنصب الكبير ويكون الجّميع جنودًا؟

    "لا شكّ أنّ الرّتب المختلفة ضروريّة لانتظام الأمور، ولكنّ هناك اليوم البعض ممّن يعيشون في منتهى الغنى والبعض في منتهى الفقر فلا بدّ من إيجاد قانون ليقوم بالإصلاح والتّعديل. ومن الأمور الهامّة وضع حدود للثّروة ووضع حدود كذلك للفقر، ولا يجوز الإفراط في كليهما. فإذا ما لوحظ فقر وبؤس فمن اليقين وجود ظلم وإجحاف فكأنّ ظهور البؤس دائمًا نتيجة حتميّة لوجود الظّلم. ويجب قيام النّفوس بهذا الأمر الخطير، ولا يجوز أبدًا التّردد في تغيير وإصلاح الأمور الّتي سبّبت الفقر المدقع والجوع للجموع الغفيرة.

    "وعلى الأغنياء أنفسهم أنْ ينفقوا على الفقراء من أموالهم، ويكسبوا محبّة الفقراء، ويجذبوا قلوبهم نحوهم، وعليهم أنْ يبذروا بذور الشّفقة والمحبّة في القلوب، وأنْ يفكّروا دائمًا في حال المحزونين واليائسين الّذين هم في حاجة إلى القوت الضّروري.

    "ويجب تقنين قوانين خاصّة وحلّ مشكلة هذا الغنى الفاحش وهذا الفقر المدقع، ويجب أنْ تشتملَ قوانين البلاد وفق شريعة الله على كلّ ما يؤدّي إلى الرّفاه. وما لم يتم هذا فإنّ شريعة الله تبقى غير مطاعة"( ).

    وتحدّث عبدالبهاء حول العلاقات الاقتصاديّة بين الرّأسمالييّن والعمّال فقال:-

    "إنّ هذه هي إحدى المبادئ الأساسيّة لحضرة بهاءالله، ولكنّها يجب أنْ تعالجَ بالاعتدال لا بالتّهور. وإنْ لم يفصل في هذه المسألة بطريق المحبّة فإنّ الأمر سيؤول أخيرًا إلى الحرب. وإنّ الاشتراك والتّساوي التّام غير ممكنين، لأنّ أمور العالم ونظامه يختلاّن. ولكنّ هناك طريق واحد معتدل وهو أنْ لا يبقى الفقراء على هذه الحال من الاحتياج ولا يبقى الأغنياء على هذه الحال من الغنى بل يعيش الفقراء ويعيش الأغنياء حسب درجاتهم براحة واطمئنان وسعادة..."

    "لهذا فمسألة المساواة مستحيلة... فلا يكون ذلك جبرًا بل بالقانون حتّى يعرف كلّ واحد واجبه حسب القانون العمومي. فمثلاً شخص غني عنده حاصلات كثيرة وشخص فقير حاصلاته قليلة، أو نقول بصورة أوضح أنّ شخصًا غنيًّا له حاصلات تعادل عشرة آلاف كيلو وشخصًا فقيرًا حاصلاته عشرة كيلوات، فليس من الإنصاف أنْ تؤخذَ ضرائب متساويّة من الاثنين، بل يجب إعفاء هذا الفقير في هذه الحال عن الضّرائب، فلو أعطى الفقير ضريبة العشر وأعطى الغني ضريبة العشر فليس هذا إنصافًا، إذن يجب وضع قانون لإعفاء هذا الفقير الّذي عنده عشرة كيلوات فقط يحتاجها لمعيشته الضّرورية، ولكنّ الغني الّذي عنده عشرة آلاف كيلو لو أعطى عشرًا أو عشرين لن يصيبه ضرر. فلو أعطى الغني لبقيت عنده ثمانية آلاف أخرى. وإنسان آخر عنده خمسون ألف كيلو فإنّه لو أعطى عشرة آلاف كيلو لبقي لديه بعد ذلك أربعون

    ألف كيلو، لهذا يجب وضع القوانين على هذا المنوال".

    "أمّا قوانين الأجور الموجودة فيجب إلغاؤها تمامًا. فلو زاد أصحاب المعامل أجور العمّال اليوم فإنّهم بعد شهر أو سنة أخرى يتظاهرون أيضًا ويضربون ويطلبون المزيد. وليست لهذا نهاية".

    وأخبركم الآن بشريّعة الله في هذا الباب. فبموجب شريعة الله لا تعطى أجور فقط لهؤلاء بل يكونون في الحقيقة شركاء في كلّ عمل. فمثلاً زارع في قرية يزرع ويجمع حاصلات زراعيّة فتؤخذ ضريبة العشر من الزّرّاع أغنياء وفقراء حسب حاصلاتهم.

    "ويؤسّس في تلك القرية مخزن عمومي فيه تجمع جميع الضّرائب والحاصلات ثمّ ينظر أيّ النّاس فقير وأيّهم غني. فالزّرّاع الّذين يحصلون على حاصلات تساوي طعامهم ومصروفاتهم لا يؤخذ منهم شيء".

    "وخلاصة القول أنّ جميع الضّرائب من الحاصلات تجمع في مخزن عموميّ. وإنْ وُجِدَ في القرية عاجز يعطى له بقدر معيشته الضّروريّة. وإذا وُجِدَ غنيّ يحتاج إلى خمسين ألف كيلو فقط، ولكنّ حاصلاته تزيد على مصروفاته بمقدار خمسمائة ألف كيلو، يؤخذ منه عشران".

    "وكلّ ما يبقى في المخزن آخر السّنة ينفق على المصروفات العموميّة"( ).

    الماليّة العامّة

    يقترح عبدالبهاء أنْ توكلَ إدارة الشّؤون الماليّة في كلّ مدينة أو قرية أو محافظة، كلّما أمكن ذلك، إلى تلك المدينة أو القرية أو المحافظة ذاتها، لتقوم بإجراء ذلك داخل حدودها، ولتقدم إلى الحكومة المركزيّة نصيبًا من المصروفات العامّة. ويجب أنْ تكونَ ضريبة الدّخل التّصاعديّة أحد المنابع الرّئيسيّة الماليّة. وإذا لم يزد دخل الإنسان على مصروفه الضّروري لن تؤخذ منه ضريبة، ولكنْ عندما يزداد الدّخل في جميع الأحوال على المصروفات الضّروريّة فهناك تفرض الضّريبة، وترتفع النّسبة المئويّة فيها كلّما ازداد فائض الدّخل على المصروفات الضّروريّة.

    ومن جهة أخرى لو أنّ إنسانًا بسبب المرض أو بسبب قلّة المحصول أو بسبب آخر خارج عن نطاق قدرته لم يكسب الدّخل الضّروري لسد مصروفاته الضّروريّة في العام، فإنّ ما ينقصه لإعاشة نفسه وعائلته يؤخذ من الخزانة العامّة.

    وهناك موارد أخرى للماليّة العامّة، مثال ذلك العقارات الّتي لا وارث لها والمناجم والكنوز الّتي يعثر عليها والتّبرعات الاختياريّة. أمّا المصروفات العامّة فمنها المنح الّتي تقدّم للعجزة والأيتام والمدارس والصّم والعميان ولإدامة الصّحة العامّة وبهذه الوسيلة تضمن راحة ورخاء جميع النّاس.

    وقد كتب عبدالبهاء حول هذا الموضوع سنة 1912 ما يلي ترجمته:-

    "... وحلّ المسألة الاقتصاديّة يجب أنْ يبدأَ بالفلاح ثم ينتهي

    الأمر إلى المهن الأخرى، لأنّ عدد الفلاّحين يزيد أضعافًا على عدد المشتغلين بالحرف الأخرى، ولهذا ينبغي البدء بقضية الفلاّح الّذي هو العامل الأوّل في الهيئة الاجتماعيّة.

    "فعلى عقلاء كلّ قرية أنْ يؤسّسوا جمعيّة تكون بيدها إدارة تلك القرية، وأنْ يؤسّسوا كذلك مخزنًا عامًّا يعيّنون له كاتبًا، وفي موسم الحصاد يؤخذ قسم معيّن من المحصولات العموميّة ويوضع في المخزن بإشراف الجمعيّة.

    "وواردات هذا المخزن سبعة، وهي: واردات العشر، ورسوم على الحيوانات، والمال الّذي لا وارث له، واللّقائط الّتي لا يعرف أصحابها، وثلث الكنوز الّتي يتمّ العثور عليها، وثلث المعادن، والتّبرعات.

    "ومصروفاته سبعة أيضًا: أولّها المصروفات المعتدلة العموميّة كمصاريف المخزن وإدارة مراكز الصّحة العامّة، وثانيها أداء العشر للحكومة، وثالثها أداء رسوم الحيْوانات للحكومة، ورابعها إدارة دور الأيتام، وخامسها مساعدة العجزة، وسادسها إدارة التّعليم، وسابعها إكمال المعيشة الضّروريّة للفقراء.

    "فأوّلاً واردات العشر- وهذه يجب تحصيلها بالأسلوب التّالي: مثلاً إنسان تبلغ وارداته العموميّة خمسمائة دولار ومصروفاته خمسمائة دولار، فلا يستحصل منه العشر، والّذي مصروفاته خمسمائة دولار ووارداته ألف دولار يستحصل منه العشر، لأنّه يملك أكثر من حاجته، فإذا أعطى العشر لا تختلّ معيشته أبدًا. وإنسان آخر مصروفاته ألف دولار ووارداته خمسة آلاف فيستحصل

    منه العشر ونصف العشر، لأنّه يملك زيادة إضافيّة. وإنسان مصروفاته الضروريّة ألف دولار ووارداته عشرة آلاف دولار فيستحصل منه عشران، لأنّه يملك زيادة إضافيّة. وغيره مصروفاته الضّروريّة أربعة آلاف أو خمسة آلاف دولار أمّا وارداته فمائة ألف دولار فيستحصل منه الرّبع. ومن ناحية أخرى إذا وجد إنسان حاصلاته مائتا دولار واحتياجاته الضّروريّة الّتي هي أدنى حدود القوت والطّعام الضّروري له تساوي خمسمائة دولار، ولم يقصّر في سعيه وجدِّه لكنّ زراعته لم تجد بركة، فتجب إعانته من المخزن العمومي، كي لا يبقى محتاجًا بل يعيش مرتاحًا.

    "وجميع أيتام القرية يجب تأمين ما يحتاجونه من هذا المخزن، كما يجب أنْ يخصّص قسم من هذا المخزن للمحتاجين الّذين لا يستطيعون العمل، وقسم لإدارة التّعليم وقسم للأمور الصّحيّة".

    "أمّا إذا بقي شيء من المال فيجب نقله إلى المخزن العمومي لينفق في المصروفات العموميّة.

    "وعندما يوضع مثل هذا النّظام، يعيش كلّ فرد من أفراد الهيئة الاجتماعيّة بكمال الرّاحة والسّعادة.

    "كذلك يجب الإبقاء على الرّتب فلا ينالها خلل أبدًا، لأنّ تفاوت المراتب من مستلزمات الهيئة الاجتماعيّة الضّروريّة. فالهيئة الاجتماعيّة أشبه بفرقة من فرق الجّيش، ففي فرقة الجّيش لا بدّ من وجود القائد الأعلى ووجود الزّعيم ووجود العقيد ووجود الضّابط ووجود الجندي. ولا يمكن أنْ يكونَ الجّميع في رتبة واحدة فالرّتب إذًا ضروريّة ولكنْ يجب أنْ يعيشَ كلّ فرد من أفراد الجّيش

    في تمام الرّاحة والهناء، فلا بدّ أنْ يكونَ هناك والٍ وقاض وتاجر وغني وزارع وعامل، ولا شكّ أنّ هذه المراتب يجب المحافظة عليها وإبقاؤها وإلا اختلّ النّظام العمومي..."( ).

    المؤاساة المتبادلة

    في رسالة كتبها عبدالبهاء إلى جمعية الصّلح الدّائم المركزيّة في سنة 1919 يقول ما ترجمته:-

    "ومن جملة تعاليم بهاءالله إشراك الإنسان أخاه الإنسان إشراكًا اختياريًّا فيما يملكه، وهذا الإشراك أعظم من المساواة، وهو أنْ لا يرجّح الإنسان نفسه على غيره، بل يفديه بروحه وبماله، ولكنّ ذلك لا يكون بالعنف والقوّة، فيكون قانونًا يجبر الإنسان على عمله، بل يكون عن طيب خاطر، فيفدي ماله وروحه للآخرين، وينفق على الفقراء بحسب ميله ورضاه، كما يجري ذلك اليوم في إيران بين البهائيّيّن".

    وجوب العمل على الجميع

    من أهم أوامر بهاءالله الخاصّة بالمشكلة الاقتصاديّة أمره بوجوب اشتغال كلّ فرد بعمل نافع، فلا يبقى يعسوب في الخليّة الاجتماعيّة، ولا يبقى طُفيليّ يعيش عالّة على الهيئة الاجتماعيّة. فيقول في لوح البشارات بالنّص:-

    "قد وجب على كلّ واحد منكم الاشتغال بأمر من الأمور من

    الصّنائع والاقتراف وأمثالها وجعلنا اشتغالكم بها نفس العبادة لله الحقّ، تفكّروا يا قوم في رحمة الله وألطافه ثمّ اشكروه في العشيّ والإشراق".

    "لا تضّيعوا أوقاتكم بالبطالة والكسالة، واشتغلوا بما تنتفع به أنفسكم وأنفس غيركم. كذلك قضي الأمر في هذا اللّوح الّذي لاحت من أفقه شمس الحكمة والبيان".

    "أبغض النّاس عند الله من يقعد ويطلب، تمسّكوا بحبل الأسباب متوكّلين على الله مسبّب الأسباب"( ).

    فكم من المجهودات في عالم التّجارة تصرف اليوم على إفساد مجهودات الشّعوب الأخرى وإبطال أتعابها عن طرق المزاحمة الضّارة والحروب الوبيلة! وكم منها في طريق الضّياع بأساليب أشد خطرًا! ولو عمل جميع النّاس وكان عملهم الفكري أو اليدوي موجّهًا لنفع الإنسانيّة، كما يأمر بهاءالله، لكفّى ذلك مؤونة تجهيز احتياجات جميع البشر الضّروريّة لصّحتهم وراحتهم وحياتهم حياة نبيلة، ولما بقيت هناك أحياء قذرة تزدحم بالمساكن الوبيئة، ولما بقيت هناك مجاعات ولا فاقة ولا عبوديّة صناعيّة ولا كدح يستنزف صحّة الكادحين.

    آداب الثّروة

    إنّ الثّروات المكتسبة بطريقة شريفة والمستعملة لأغراض شريفة ممدوحة ومحترمة في نظر التّعاليم البهائيّة، وتجب مكافأة كلّ

    من الخدمات مكافأة لائقة. فيقول بهاءالله في لوح الطّرازات:-

    "يجب على أهل البهاء... أنْ لا ينكروا فضل أحد ويحترموا أرباب الفنون... ويجب على الجّميع أنْ يتكلّموا بالإنصاف ويقدّروا النّعمة قدرها"( ).

    أمّا بخصوص أرباح النّقود فقد كتب بهاءالله في لوح الإشراقات:-

    "ويرى أكثر النّاس محتاجًا إلى هذه الفقرة، إذ لو لم يكن ربح متداول معمول به بين النّاس لتعطّلت الأمور وتأخّرت، وقلّما نجد من يوفّق بمراعاة بني جنسه وأبناء وطنه أو إخوانه ليقرضهم قرضًا حسنًا لذا فضلاً على العباد قرّرنا الرّبا كسائر المعاملات المتداولة بين النّاس أي ربح النّقود... وصار ربح النّقود حلالاً طيّبًا طاهرًا...".

    "ولكنْ يجب أنْ يكون هذا الأمر بالاعتدال والإنصاف. وقد توقّف القلم الأعلى في تحديده حكمة من عنده ووسعة لعباده. ونوصي أولياء الله بالعدل والإنصاف وما يظهر به رحمة أحبائه وشفقتهم بينهم...".

    "ولكنْ فوَّض إجراء هذه الأمور إلى رجال بيت العدل، حتّى يعملوا بمقتضيات الوقت والحكمة"( ).


    منع استعباد العمال

    يحرّم بهاءالله في الكتاب الأقدس الرّق والاستعباد، ويشرح عبدالبهاء ذلك مؤكّدًا أنّ هذا التّحريم لا يشمل الرّق الشّخصي فحسب بل يشمل الرّق الصّناعي أيضًا، لأنّه يخالف أوامر الله. وحينما كان عبدالبهاء في الولايات المتّحدة سنة 1912 خاطب الأمريكان قائلاً:

    "بين سنتي 1860 و1865 وفّقتم في الحقيقة إلى أمور عظيمة ممدوحة، وقد أصلحتم مشكلة الرّقيق والاستعباد الزّراعي. أمّا اليوم فيجب عليكم أنْ تقوموا بخدمات أعظم من ذلك وهي أنْ تمنعوا الرّق الصّناعي وعبوديّة العمّال.

    "إنّ حلّ المشاكل الاقتصاديّة لا يتحقّق أبدًا عن طريق الكفاح والنّزاع بين الرّأسمالييّن وبين العمّال بل بحسن التّفاهم والتّسامح وبطيبة خاطر الطّرفين، فحينذاك تنتظم الأمور وتستمر العدالة الحقيقيّة.

    "وليس بين البهائيّيّن أبدًا سلب واغتصاب وطمع وظلم وثورة على الحكومة القائمة في أيّ بلد أو مطالبة تؤدّي إلى الهياج.

    "ولن يكون في استطاعة النّاس جمع ثروة عظيمة من أتعاب العمّال. وسوف يقسم الغني ثروته عن طيب خاطره، ويقوم على إنفاقها. وسوف يتحقّق هذا بصورة تدريجيّة وبرضاه وموافقة صاحب المال. وهذه المسألة لا يمكن تحقّقها بالحرب وبسفك الدّماء"( ).

    وسيكون بالإمكان خدمة مصالح رأس المال والعمل كليهما خدمة مثلى عن طريق المشاورات الوديّة والتّعاون وعن طريق الشّراكة الفعليّة بالمشاريع وعن طريق اقتسام الأرباح. فسلاح الإضراب وسلاح إغلاق المصانع لا تضرّ بالتّجارة مباشرة فحسْب، بل تضرّ بالهيئة الاجتماعيّة البشريّة جمعاء. ولهذا يجب أنْ تعملَ الحكومات على ابتكار الوسائل الّتي تَحُول دون اللّجوء إلى الأساليب البربريّة في حلّ النّزاعات. وقد خطب عبدالبهاء في مدينة دوبلين نيوهامشاير بأمريكا سنة 1912 قائلاً:-

    "والآن أريد أنْ أبيّنَ لكم قانون الله. فبمقتضى القانون الإلهيّ يجب أنْ لا يعطى المستخدمون أجرًا معيّنًا فحسْب بل يجب إسهامهم في أرباح العمل. إنّ مسألة الاشتراكيّة مهمّة جدًّا، ولا تحلّ بإضراب العمال.

    "ويجب أنْ تتّفقَ جميع الدّول، وفي مجلس يُنتخب أعضاؤه من برلمانات الأمم وأعيانها، يقرر هؤلاء الأعضاء في منتهى العقل والكفاءة قرارًا لا يتضرّر بموجبه الرّأسماليّون كثيرًا ولا يبقى العمّال محتاجين، ويضعون قانونًا بمنتهى الاعتدال ثم يعلنون أنّ حقوق العمّال مضمونة بضمان قويّ، وكذلك حقوق أصحاب رؤوس الأموال. وإذا تمّ تطبيق هذا القرار برضى الطّرفَين، فإنّ أيّ إضراب ينشأ فيما بعد يكون عرضة لمقاومة جميع الدّول له. وإلاّ انتهى الأمر إلى خراب أكثر وأكثر وخاصّة في أوروبا حيث يحدث فيها اضطراب عظيم.

    "ومن بين أسباب الحرب العامّة في أوروبا هذه المسألة نفسها.

    فمثلاً يملك أحد الرّأسمالييّن مَنْجمًا ويملك الآخر مصنعًا. فإذا أمكن أن يُشْرِكَ صاحب المنجم وصاحب المصنع عمّالهما في الأرباح وبصورة معتدلة بأنْ يعطيا العمّال نسبة مئويّة من الأرباح العامّة، فإنّ العمّال يبذلون الجهد بأرواحهم، وسوف لن تبقى في المستقبل احتكارات وسوف تلغى الاحتكارات بالكليّة.

    "وكذلك يخصّص كلّ مصنع يملك عشرة آلاف سهم ألفيْ سهم منْ هذه الآلاف العشرة للعمّال وباسمهم، حتّى يكون ملكًا لهم، وما يبقى آخر الشّهر أو السّنة من الأرباح يقسمه أصحاب الأموال بعد دفع الأجور والمصروفات تقسيمًا متناسباّ مع الأسهم بين الطّرفين.

    "وفي الحقيقة قد جرى حتّى الآن ظلم كبير بحقّ العوام، فيجب وضع قوانين، لأنّه لا يمكن أنْ يرضى العمّال بالأوضاع الحاضرة، فهم يضربون في كلّ شهر وفي كلّ سنة ويكون الضّرر آخر الأمر على الرّأسمالييّن..."( ).

    الوصيّة والميراث

    قرّر بهاءالله أنْ تكونَ لكلّ شخص الحريّة في التّصرف في أملاكه أيّام حياته بأيّة طريقة يراها، وواجب على كلّ فرد كتابة وصيّته مبيّنًا فيها كيفيّة التّصرف بميراثه بعد موته. وإذا توفّي شخصٌ دونَ أنْ يتركَ وصيّة قُدِّرت ثروته وقسِّمت تقسيمًا متناسبًا وفق نسبة

    معيّنة بين سبع طبقات من الورّاث هي: الذّريّة، الزّوجة أو الزّوج، الآباء، الأمهات، الإخوان، الأخوات والمعلّمون. ويُقسّم الميراث تقسيمًا تنازليًّا من الطّبقة الأولى إلى الأخيرة. وإذا لم تكن للمتوفي ذريّة ذَهَبَ سهمها إلى الخزانة العامّة وإذا كانت له ذريّة ولم تكن له إحدى الطّبقات السّت الأخرى أو كلّها ذَهَبَ ثلث سهمها إلى الخزانة العامّة ورجع الثّلثان إلى الذّريّة( )

    وليس هناك في شريعة بهاءالله نص يمنع الإنسان من التّوصية بميراثه إلى فرد واحد إذا شاء ذلك، ولكنّ البهائيّيّن طبعًا يتأثّرون في كتابة وصاياهم بالطّريقة الّتي وضعها بهاءالله للميراث الّذي لا وصيّة فيه، وهي الطّريقة الّتي تضمن تقسيم الميراث بين عدد كبير من الورّاث.

    مساواة النّساء بالرّجال

    إنّ أحد المبادئ الاجتماعيّة الّتي ينيط بهاءالله بها أهميّة عظمى هو أنّ النّساء يجب أنْ يُعتبرنَ مساويات للرّجال، فيتمتّعن بحقوق وامتيازات مساوية لما يتمتّع به الرّجال كما ينلن تعليمًا مساويًا لتعليم الرّجال وتتاح لهنّ ذات الفرص الّتي تتاح للرّجال. وإنّ

    أعظم وسيلة يُعتمد عليها في الوصول إلى تحرير المرأة هي التّربية والتّعليم العام، فتنال البنات تعليمًا لا يقلّ جَوْدة عن تعليم البنين. وفي الحقيقة يجب اعتبار تعليم البنات أهم من تعليم البنين، لأنّ هؤلاء البنات سيصبحن أمّهات في المستقبل، وبصفتهن أمّهات فهنّ أوّل المعلّمات للجّيل القادم. إنّ الأطفال أشبه بالأغصان النّضيرة الغضّة، فإنْ كانت تربية الأطفال في السّنوات الأولى من حياتهم تربية صحيحة فإنّ أغصانهم ترتفع قويمة، وإنْ كانت تربيتهم مغلوطة اعوجّت أغصانهم وتعرّضت جميع أيّام حياتهم إلى نفوذ تربيتهم في سنواتهم الأولى، لهذا ما أهمّ تربية البنات تربية صحيحة حكيمة!

    وخلال زيارة عبدالبهاء لبلاد الغرب وجد مناسبات عديدة أتاحت الفرصة له لتوضيح التّعاليم البهائيّة الخاصّة بهذا الموضوع. فقد قال في أحد اجتماعات "عصبة حريّة المرأة" في لندن في يناير (كانون الثّاني) سنة 1913 ما ترجمته:-

    "إنّ العالم الإنسانيّ أشبه بطير له جناحان أحدهما الرّجال والآخر النّساء، وما لم يكن الجناحان قويين تؤيدهما قوّة واحدة فإنّ هذا الطّير لا يمكن أنْ يطير نحو السّماء. ويقتضي هذا العصر ارتقاء النّساء، فيقمن بوظائفهن كلّها في مدارج الحياة، ويكونن مثل الرّجال، ويجب أنْ يَصِلنَ إلى درجة الرّجال ويتساوين في الحقوق معهم. هذا هو أملي. وهذا هو أحد تعاليم حضرة بهاءالله الأساسيّة.

    "ويرى بعض العلماء أنّ دماغ الرّجال أثقل من دماغ النّساء. وهم يقيمون الأدلة على رأيهم هذا، لكننا حينما نمعن النّظر نرى أنّ رؤوس

    بعض الرّجال صغيرة ويجب أنْ تكون أدمغتهم خفيفة لكنّهم في منتهى الذّكاء ويمتلكون قوى إدراك عظيمة والبعض الآخر من الرّجال ذوو رؤوس كبيرة يجب أنْ تكونَ فيها أدمغة ثقيلة ومع ذلك فهم ضعاف العقول والذّكاء. إذن فمقاييس الذّكاء والإدراك لا تتعلّق بثقل الدماغ أو بخفّته، لكنّ الرجال يتشبّثون بأمثال هذه الأدلة لإثبات تفوّقهم على النّساء.

    "ويقولون بأنّ النّساء لم تظهر منهن حتّى اليوم أمور عظيمة كالرّجال، لكنّ حجّتهم هذه ضعيفة واهية لا تتّفق وحوادث التّاريخ ولو كان لهم اطّلاع في التّاريخ لعلموا أنّ عظيمات النّساء في الأزمنة السّالفة قد قمن بحوادث عظيمة وكثيرات منهنّ في هذا العصر يقمن بأعمال عظيمة".

    ثم شرع عبدالبهاء ببيان ما حقّقته الملكة زنوبيا من إنجازات، وأضاف إلى ذلك إنجازات غيرها من عظيمات النّساء في التّاريخ، خاتمًا حديثه بثناء عاطر على شجاعة مريم المجدليّة الّتي ظلّت راسخة في إيمانها بينما تزلزل إيمان الحواريّين، واستمر عبدالبهاء يقول:-

    "وفي العصر الحاضر ظهرت من بين النّساء قرّة العين ابنة أحد علماء المسلمين. فقد ظهرت منها في بداية ظهور حضرة الباب آثار عجيبة وقدرة وشجاعة نادرة تحيّر منها كلّ من سمعها. فرفعت عن وجهها الحجاب على خلاف عادة الإيرانييّن القديمة وكشفت النّقاب عن محّياها. ومع أنّ التّحدث إلى الرّجال كان خروجًا على الآداب، لكنّ هذه المرأة كانت جريئة إلى حدّ كانت تتباحث مع

    أعظم العلماء وكانت تتفوّق عليهم في كلّ مجالس البحث، لكنّ الحكومة الإيرانيّة سجنتها وقام النّاس برجمها في الشّوارع والمعابد وكفّروها ونفوها من مدينة إلى أخرى وهدّدوا بقتلها، لكنّها لم تفتر أبدًا في عزمها وفي مطالبتها بحريّة أخواتها النّساء. وقد تحمّلت كلّ بلاء وأذيّة بمنتهى الشّجاعة، حتّى أنّها قامت في سجنها بتبليغ الكثيرات من النّساء. وحينما كانت مسجونة في بيت أحد الوزراء خاطبته قائلة: "إنّكم تستطيعون بكلّ سهولة، ومتى شئتم، قتلي لكنّكم يجب أنْ تعلموا أنّكم لن تستطيعوا الوقوف أمام تحرّر المرأة ونجاتها". وخلاصة القول، لمّا اقتربت نهاية حياتها المحزنة، أخذوها إلى حديقة وشنقوها. وقد لبست في ذلك اليوم أبدع ألبستها كأنّها تذهب إلى حفلة عرس، وأنفقت روحها بكمال الشّجاعة والحشمة، وقد دهش الّذين رأوها. لقد كانت في الحقيقة جريئة جدًّا. وهناك اليوم في إيران بين البهائيّات من النّساء من يتكلّمن بين النّاس بمنتهى الفصاحة نثرًا وشعرًا ويلقين أفصح الخطب في المجالس والمحافل.

    "يجب أنْ ترتقي النّساء يومًا فيومًا، ويحصلن على اطّلاعات واسعة في العلوم وفي التّاريخ حتّى تكمل كمالات العالم الإنسانيّ، وسوف ينلن عما قريب حقوقهن كاملة، وحينذاك سيشاهد الرّجال كيف أنّ النّساء يقمن بكلّ جدّ واجتهاد على اكتساب العلوم والآداب ليصبحن سببًا في عظمة البلاد ويصبحن أعداء للحروب ويتغنين بنغمات المساواة بالرّجال ويطالبن بتساوي حقوقهن

    بالرّجال. وأملي وطيد بأنّهنّ سيرتقين في جميع شؤون الحياة ويلبسن على رؤوسهن تيجان العزة الأبديّة".

    المرأة والعصر الجديد

    وعندما تنال وجهة النّظر الخاصّة بالمرأة الاعتبار اللائق بها ويسمح للنّساء بالتّعبير عن إرادتهن في إدارة الشّؤون الاجتماعيّة، فحينذاك يمكننا أنْ نتوقّعَ حدوث تقدّم عظيم في الشّؤون الّتي أُهملت سابقًا إهمالاً مؤسفًا تحت حكم سلطنة الرّجال وهي: شؤون الصّحة وضبط النّفس، والسّلام، واحترام قيمة حياة الفرد. وستكون هناك آثار بعيدة المدى للتّحسينات الّتي تجري على هذه الشّؤون. ويقول عبدالبهاء:-

    "كان العالم في العهود السّالفة أسير سطوة الرّجال تحكمه قسوتهم وتسلّطهم على النّساء بصلابة أجسامهم وقوة عقولهم وسيطرة شدّتهم، أمّا اليوم فقد اضطربت تلك الموازين وتغيّرت واتّجه العنف جهة الاضمحلال، لأنّ الذّكاء والمهارة الفطريّة والصّفات الرّوحانيّة من المحبّة والخدمة الّتي تتجلّى في النّساء تجليًّا عظيمًا صارت تزداد سموًّا يومًا فيومًا. إذن فهذا القرن البديع جعل شؤون الرّجال تمتزج امتزاجًا كاملاً بفضائل النّساء وكمالاتهنّ. وإذا أردنا التّعبير تعبيرًا صحيحًا قلنا أنّ هذا القرن سيكون قرنًا يتعادل فيه هذان العنصران: الرّجل والمرأة تعادلاً أكثر، ويحصل بينهما توافق أشدّ"( ).

    ترك أساليب العنف

    ينصح بهاءالله بعدم استعمال وسائل العنف للوصول إلى تحرير المرأة وإلى غيرها من الأمور. وقد قدّم النّساء البهائيّات في إيران ومصر وسوريا أمثلة رائعة على وسائل الإصلاح الاجتماعي البهائيّ. فمن عادة النّساء المسلمات في هذه الأقطار حين خروجهن إلى الشّارع حجاب وجوههن، فأشار السّيد الباب في هذا الدّور الإلهيّ الجديد إلى إنقاذ المرأة من هذا القيد المنهك. أمّا بهاءالله فقد نصح أحباءه أنْ يحترموا العادات السائدة إنْ لم تكن مخالفة للأخلاق النبيلة، وبهذا يتجنّبون العداء والفضائح مع الّذين يعيشون بين ظهرانيهم إلى أنْ يحينَ الوقت الّذي فيه يتهذّب النّاس. ومع علم النّساء البهائيّات بأنّ عادة الحجاب القديمة البالية ليست ضروريّة ولا مريحة للمهذّبات من النّساء، فقد وطّدن أنفسهن على هذه العادة الثّقيلة خيرًا من إثارتهن عاصفة من التّعصب والبغضاء والضّغينة والتّصادم الّذي ينتج عن سفورهن بين الجّمهور. وليس هذا الانسجام مع العادات بناتج عن خوفهن بل عن ثقتهن التّامة بقوة التّربية والتّعليم وبثقتهن بنفوذ الدّين الحقيقي في تغيير النّفوس. ويكرّس البهائيّون جهودهم من أجل تربية وتعليم أطفالهم وبصورة خاصّة بناتهم وكذلك من أجل انتشار وترويج المثل البهائيّة، وهم يعلمون بأنّ الحياة الرّوحانيّة الجديدة تنمو وتنتشر بين النّاس، ويعلمون بأنّ العادات البالية والتّعصّبات الذّميمة سوف تتناثر لا محالة تناثر أوراق البراعم في الرّبيع حين تنمو الأوراق والأزهار تحت أشعة الشّمس.

    في التّربية

    إنّ التّربية باعتبارها أداة لهداية البشر ولتطويرهم ولتهذيب مَلَكاتهم الباطنيّة هي أسمى أهداف الرّسل العظام منذ بداية العالَم. وقد أعلنت التّعاليم البهائيّة بأفصح العبارات أهميّة الإمكانيّات التّربويّة غير المحدودة. فالمعلّم أقوى عامل في بناء المدنيّة، وإنّ عمله أسمى عمل قد يطمح إليه النّاس، وتبدأ التّربية من رحم الأم ثمّ تبقى ببقاء حياة الفرد، وهي من المستلزمات الدّائميّة للحياة الصّحيحة وأساس السّعادة الفرديّة والاجتماعيّة. وعندما تصبح التّربية الصّحيحة عامّة بين الجميع تتحوّل الإنسانيّة وتتغيّر ويصبح العالَم جنّة النّعيم.

    والرّجل المهذّب تهذيبًا صحيحًا شيء نادر في الوقت الحاضر وظاهرة قليلة الوجود، لأنّ كلّ إنسان لديه تعصّبات باطلة ومُثُل عليا مغلوطة وإدراكات غير صحيحة وعادات ذميمة نشأ عليها منذ صباه. وما أندر الّذين تربّوا منذ طفولتهم على محبّة الله بكلّ قلوبهم وأوقفوا حياتهم له، فاعتبروا خدمة الإنسانيّة أسمى مقاصدهم في الحياة، وطوّروا مَلَكاتهم الفرديّة إلى ما ينتفع به المجموع خير انتفاع! حقًّا إنّ هذه هي العناصر الأساسيّة للتّربية الصّحيحة. وإنّ مجرد شحن الذّاكرة البشريّة بحقائق عن الرّياضيّات وقواعد اللّغات والجّغرافية والتّاريخ وغيرها أمر له تأثيره الضّعيف في خلق حياة نبيلة نافعة. ويوصي بهاءالله أنْ تكونَ التّربية تربية عموميّة ففي الكتاب الأقدس يقول بالنّص:-

    "كتب على كلّ أب تربية ابنه وبنته بالعلم والخط ودونهما عمّا حدّد في اللوّح، والّذي ترك ما أمر به فللأمناء أنْ يأخذوا منه ما يكون لازمًا لتربيتهما إنْ كان غنيًّا وإلا يرجع إلى بيت العدل إنّا جعلناه مأوى الفقراء والمساكين".

    "إنّ الذي ربّى ابنه أو ابنًا من الأبناء كأنّه ربّى أحد أبنائي. عليه بهائي وعنايتي ورحمتي الّتي سبقت العالمين".

    ويقول في لوح الدّنيا ما ترجمته:-

    "على جميع الرّجال والنّساء أنْ يُوْدِعوا قسمًا ممّا يحصلون عليه من المال من مهنهم وحرفهم وزراعتهم وغيرها من أعمالهم لدى من يأتمنونه من اجل تربية أطفالهم وتعليمهم حتّى يُصرف ذلك على تربيتهم تحت إشراف أمناء بيت العدل".

    الفروق الفطريّة في طبيعة الكائنات

    إنّ وجهة النّظر البهائيّة حول طبيعة الطّفل ترى أنّ الطّفل ليس شمعًا يصّب في قوالب مختلفة حسب الأشكال الّتي يريدها المعلّم، بل إنّ الطّفل منذ بدايته له خصائص أعطاها الله، وله شخصيّة فرديّة يمكنها أنْ تتطوّر إلى أحسن ما ينتفع به بأسلوب معيّن، وذلك الأسلوب فريد من نوعه في كلّ حالة من الحالات، ولا يتشابه إنسانان في القابليّات والمَلَكات. ولا يحاول المربي الصّحيح أنْ يصبّ طبيعتين متفاوتتين في قالب واحد. والواقع أنّه لا يحاول أنْ يصبّ أيّة طبيعة في أيّ قالب. بل يرمي بكلّ احترام إلى تطوير قدرات النّاشئين فيشجعهم ويحميهم ويمدّهم بالتّغذية والمعونة الّتي يحتاجونها، ويشبه عمله عمل البستاني الّذي يرعى النّباتات

    المختلفة، فأحد النّباتات يحبّ أشعة الشّمس السّاطعة، والآخر يحبّ الظّل البارد الظّليل، وأحدها يحبّ أن ينمو فوق حافّة مجرى مائيّ، والآخر يحبّ تربة جافّة، وأحدها ينمو فوق تربة رمليّة شحيحة، والآخر ينمو فوق تربة صلصاليّة غنيّة، لكنّ كلّ واحد منها يجب أنْ ينالَ ما يحتاجه، وإلاّ فإنّ كمالاته لا يمكن أبدًا أنْ تظهرَ وتتجلّى. ويقول عبدالبهاء في "لوح التّربية" ما ترجمته:-

    "إنّ الرّسل كذلك يؤيّدون الرّأي القائل بأنّ التّربية لها منتهى الأثر في البشر، ولكنّهم يقولون أنّ العقول والإدراكات متفاوتة في الأصل في فطرتها. وهذا أمر بديهي لا يقبل الإنكار، حيث نلاحظ أنّ أطفالاً من عمر واحد ومن وطن واحد ومن جنس واحد بل وحتّى من عائلة واحدة وتحت تربية شخص واحد ولكنّهم مع كلّ هذا لهم عقليّات متفاوتة وإدراكات متباينة، فأحدهم يرتقي رقيًّا سريعًا وثانيهم يكتسب نور العلم بصورة بطيئة وثالثهم يبقى في دركات الانحطاط، فالخزف مهما ربّيته لا يصبح لؤلؤًا برّاقًا، والصّخر الأسود لا يصبح جوهرة مشرقة، والحنظل والزقوم لن يصبح بالتّربية شجرة مباركة. وهذا يعني أنّ التّربية لا تبدّل جوهر الإنسان إلا أنّ لها تأثيرًا كلّيًا وتخرج إلى عالم الشهود بقوّتها النّافذة كلّ ما هو مكنون في حقيقة الإنسان من الكمالات والاستعدادات"( ).

    التّربية الأخلاقيّة

    إنّ الأمر الهام جدًا في التّربية هو التّربية الأخلاقيّة. وهنا تكون القدوة أكثر نفوذًا من العقيدة. فحياة الآباء وأخلاقهم وكذا حياة المعلّمين والرّفاق المعاشرين عوامل مؤثّرة لها فعلها ولها أهميّتها ولها أثرها.

    إنّ رسل الله هم عظماء المربين للعالم البشريّ، وإنّ نصائحهم وقصص حياتهم يجب أنْ ترسخَ في عقل الطّفل حالما يستطيع الطّفل إدراكها وبصورة خاصّة كلمات بهاءالله المربي الأعلى للإنسانيّة الّذي أنزل المبادئ الأساسيّة الّتي يجب أنْ تشاد عليها مدنيّة المستقبل فيتفضّل في الكتاب الأقدس بالنّص:-

    "علّموا ذرّياتكم ما نزل من سماء العظمة والاقتدار، ليقرأوا ألواح الرّحمن بأحسن الألحان في الغرف المبنيّة في مشارق الأذكار".

    العلوم والفنون والصّنائع

    إنّ تعلّم العلوم والفنون والصّنائع والحرف النّافعة ضروريّ وهام، فيقول بهاءالله في لوح التّجليات ما ترجمته:-

    "إنّ العلم بمثابة الجناح لعالم الوجود، وبمثابة المرقاة لسموّه، وإنّ اكتساب العلم واجب على كلّ إنسان، ولكنّ المقصود بالعلوم هو العلوم الّتي ينتفع بها أهل الأرض لا العلوم الّتي تبدأ بالكلام وتنتهي بالكلام. وللعلماء وللمخترعين فضل عظيم على أهل العالَم... والعلم في الحقيقة كنز حقيقيّ للإنسان وسبب لعزّته ونعمته وفرحه ونشاطه وبهجته وانبساطه".

    معاملة المجرمين

    تحدّث عبدالبهاء حول أحسن السّبل في معاملة المجرمين فقال:-

    "... ولكنّ الأصل وجوب تربية النّفوس بحيث لا ترتكب الجّرائم، لأنّه من الممكن تربية جمع بدرجة يجتنبون معها ارتكاب الجّرائم، ويستنكرون وقوعها لدرجة أنّهم يرون أنّ نفس الجرم أعظم عقوبة وأكبر قصاص وأشدّ عذاب، وبذلك لا يقع جرم فلا يكون قصاص. ويجب أنْ نتكلّم عن أشياء يمكن إجراؤها في عالم الإمكان، لأنّ

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    مواضيع مماثلة

    -

    » الرّسالة المدنيّة

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى