منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 35 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 35 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    تذكرة الوفاء لحضرة عبد البهاء 2

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي


    (11) جناب درويش صدق علي

    هو الله
    من جملة المهاجرين والمجاورين والمسجونين، جناب آقا صدق علي، كان درويشًا حرًا، لا أهل له ولا أقرباء، سالكًا سبيل العارفين بالله، ومن الأدباء المعروفين. مرّت عليه أيام عانى فيها عوامل الفقر المدقع سائرًا على نمط الطريقة التي شرب خمرها. ولما كان من أهل التصوف كان يصرف أوقاته في تدخين الحشيش الأغبر الممقوت لعلّه ينال التزكية والخلوص بين معشر المتصوفين، وكان يبحث وينقّب عن الحق. طبعه الشعري في سبيل الحق كان في غاية السلاسة، نظم القصائد الغرّاء في محامد مظلوم الآفاق، وكان بيت القصيد في الخريدة التي نظم عقدها وهو سجين بالمعتقل ما معناه (مترجم):

    لو بعّد الظلام الحالك خُصلاً من شعرك المسدول في ألف قلب

    لترامت القلوب إثر القلوب إذا تموّج الشعر في أي درب

    عاش حرًا طليقًا في بغداد وتقلّد وسام المحبوب اللاوسام وحظي بمشاهدة طلوع نيّر الآفاق من أفق العراق، ونال نصيبًا موفورًا من فيض الإشراق حتى أصبح مفتونَ محبوب الآفاق ومحبوبَ طلعة المحبوب المشفق الكريم. ولو أنه في بعض الأحيان كان ساكتًا صامتًا إلا أنّ كل جوارحه كانت السُنًا ناطقة بالبيانات الفائقة.



    ولما حان تحرك الركب المبارك من دار السلام، أسرع متلهِّفًا وتمنى أن يكون سائسًا لجواد جمال القدم فتمّ له ذلك. وكان يسير مع القافلة طوال اليوم راجلاً ومهرولاً، وفي الليل يقوم بطُمار الخيل بكل روح وريحان ولا يهجع إلا بعد منتصف الليل، منكمشًا تحت لحاف رقيق. وكان لا يفتأ يقرض الشعر في الطريق، ويترنم بالمقطوعات الغزلية بولهٍ زائد مما جلب سرور الأحباء والأصحاب. حقًا إنه كان وصفًا من اسمه وهو الصدق المحض والحب الخالص والروح الطاهرة ومفتون الإيمان بالمحبوب. وكان يفتخر، وهو في هذا المنصب العالي، يعني العظمة الملوكية الحقة، على سلطنة العالم، عاكفًا ما دام على العتبة المقدّسة في مقدمة الأحباء الصادقين حتى وصلت قافلة مليك العشق إلى اسلامبول فإلى سجن عكاء بعد أدرنه. وكان جناب صدق علي هذا، في جميع المراحل لا يفارق الركب المبارك، مستقيمًا في إيمانه، وعظيم الإيقان في معتقده. ونزل ذات ليلة في المعتقل من القلم الأعلى خصيصًا باسم "صدق علي" قوله تعالى:

    "على الدراويش أن يعقدوا مجلسًا في مثل هذه الليلة من كل عام، ويزيّنوا المكان بأنواع الأوراد والأزاهر المختلفة ألوانها، ويشتغلوا بذكر الحق سبحانه. ثم بيّن حضرته حقيقة الدراويش، بأنهم هم الأشخاص الذين يطوفون العالم غير طائشين وغير سلاّبين. والمراد هم النفوس المنقطعة عما سوى الله، المتمسكة بشريعة الله، الثابتة في دين الله، الراسخة على ميثاق الله، القائمة على العبودية لله، ولهم القدم الراسخ في العبادة لا على الطريقة المصطلح عليها بين أهل إيران وهي طريقة الحيرة والارتباك والهجوم على الغير والسير في طريق اللادينيين".

    وبالإجمال، إن هذا الدرويش صاحب المقام الرفيع مضّى كل أيام



    حياته في ظل عناية الواحد الأحد، منقطعًا عما سوى الله، مواظبًا على خدمة عباد الله بكل سرور وارتياح. وفضلاً عن خدمته للجميع، كان قائماُ على عبودية العتبة المقدّسة، إلى أن خلع قميص الوجود وهو في جوار الرب الودود وغاب عن الأبصار. غير أنه كان منظورًا بالبصيرة الخفية، وجلس على سرير العزّة الأبديّة وتخلّص من أسر هذا العالم العنصري، ونصب خيمته في العالم الوسيع غير المحدود. زاده الله قربًا ووصالاً، ورزقه الله المشاهدة واللقاء في عالم الأسرار مستغرقًا في بحر الأنوار. وعليه بهاءالله الأبهى. أما قبره المنور ففي عكاء.



    (12) آقا ميرزا محمود وآقا رضا عليهما بهاءالله
    هو الله

    من جملة المهاجرين والمجاورين والمسجونين، جناب آقا ميرزا محمود من أهالي كاشان، عليه بهاءالله الأبهى، وجناب آقا رضا من أهالي شيراز. كان هذان الشخصان المباركان شمعتي محبة الله المشتعلتين بدُهن معرفة الله، وُفِّقا منذ طفولتهما على القيام بالخدمات المتنوعة في ظل العناية الإلهيّة مدة خمسة وخمسين عامًا. إن القلم يعجز عن حصر الخدمات التي قاما بتأديتها وتقريرها. ولما تحرك الموكب المبارك من بغداد قاصدًا اسلامبول، كان في المعيّة المباركة جمع غفير من الأصحاب وكان غلاء المعيشة شيئًا لا يطاق، والقحط في الطريق ضاربًا أطنابه، فوقع أفراد القافلة في حيرة ولكن الشخصين المذكورين كانا يقطعان مسافة لا تقل عن سبعة أو ثمانية فراسخ كل يوم لشراء ما يسدّ رمق الأصحاب، غير مبالييْن بالرمضاء ووعثاء الطريق، سائرين على الأقدام، ثم يعودان إلى الركب وقد أنهكهما التعب، ويسرعان على الفور بطهي الطعام وإعداده مما أدّى إلى راحة الأحباء، وحقًا إنهما كانا يتحملان المشاق الجسيمة في هذا السبيل، وكانت عيونهما في بعض الأيام لا تذوق طعم النوم أكثر من ساعتين أو ثلاث في الأربع وعشرين ساعة، لأنهما كانا بعد أن يتناول



    الجميع طعامهم، يباشران في غسل الصحون وما إليها من أدوات الطبخ حتى منتصف الليل، ثم يناما إلى طلوع النهار، ثم يجمعان الصحون والأدوات ويحزمانها ويسيران بجوار الهودج المبارك.

    لاحظوا عِظم الخدمات التي وُفّقا إلى القيام بها، والموهبة التي اختُصّا بها حيث كانا يسيران على الأقدام، بجوار الركب المبارك، المسافات البعيدة من بغداد إلى اسلامبول وكانا سببًا لسرور الأحباء وباعثًا على راحة الجميع وابتهاجهم، وعلى كمال الاستعداد لإحضار كل ما يطلبه كل حبيب.

    وبالإجمال، إن آقا رضا وآقا ميرزا محمود كانا من جواهر محبة الله منقطعيْن عما سوى الله، لم يئنّا مما كانا رازحيْن تحته من ثقيل الأعباء وعظيم المتاعب والمشاق، ولم يتكدّر منهما أحد، ناسجيْن على مِنْوَل الصداقة والأمانة في جميع الأحوال، وتشملهما عنايات الجمال المبارك في كل الأحايين، وتراهما على اتصال في المحضر المبارك فائزيْن بالتشرف. وكان الجمال المبارك يُظهر دائمًا الرضا في حقهما.

    أما آقا ميرزا محمود، فقد سافر من كاشان إلى بغداد وهو في سن البلوغ، وأما آقا رضا فقد آمن بالظهور في بغداد. كان لهذيْن الحبيبْين حالات عجيبة وكانا يسكنان مع خمسة من الأحباء الأجلاء في غرفة بسيطة للغاية في مدينة بغداد لضيق ذات اليد، وكانت عيشتهم ضنكًا ولكنهم كانوا على درجة من الروحانية لا تُضارع بحيث كانوا يرون أنفسهم أنهم في فردوس الجنان، روح الفرح والسرور سائدة بينهم يسهرون في بعض الليالي مشتغلين بتلاوة الأدعية ويسعون في النهار في طلب الرزق والكسب من الصباح إلى المساء، وكان دخل الواحد منهم في اليوم يتراوح ما بين ربع القرش و نصفه أو ما يقرب من القرش



    الواحد. وكانوا يجمعون ما حصلوا عليه طول النهار ويشترون به طعامًا لهم. واتفقوا إن أصاب أحدهم نصف قرش أو قُل ثلاثة أرباع القرش ولم يكسب الآخرون فلسًا، حمدوا ربهم واشتروا بما أصابه ذلك الفرد تمرًا وقنعوا بذلك عشاءً لهم. وكانوا يعيشون بقناعة متناهية فرحين مسرورين غير متأففين من هذا الحال.

    وخلاصة القول، إن هذين الشخصين المحترمين أمضيا أيامًا سعيدة في فضائل العالم الإنساني، وكانا من أهل البصيرة والعقل الراجح والأذن الواعية وحلاوة الحديث، وما كان أملهما إلا رضاء المبارك، ويعتبران خدمة العتبة المقدّسة أعظم موهبة وكانا بعد وقوع المصيبة الكبرى، يعني صعود الجمال المبارك، مضيئيْن كالشمع يتمنّيان الانتقال إلى الدار الآخرة. أما ثباتهما على العهد والميثاق فكان عظيمًا، وسعيا بكل ما في مكنتهما في ترويج أمر نيّر الآفاق، واتّخذا عبدالبهاء جليسهما ومؤانسًا لهما ومحلّ اعتمادهما في جميع الأمور. وكانا متواضعيْن خاضعيْن خاشعيْن مبتهليْن، ولم ينبسا ببنت شفه تدلّ على أن لهما كيانًا أو وجودًا، متفانييْن تفانيًا كليًّا إلى أن صعدا إلى ملكوت العزة في غيبة عبدالبهاء عن أرض المقصود. فتأثّرت جدّ التأثر وتحسّرت شديد الحسرة على أنني لم أكن حاضرًا وقت عروجهما إلى الأفق الأعلى ولكنني كنت حاضرًا بالقلب والروح متأثرًا متحسرًا وإن يكن على حسب الظاهر لم يتيسّر لي أن أودعهما الوداع الأخير ولهذا تراني متأثرًا.

    عليهما التحية والثناء، وعليهما الرحمة والبهاء وأسكنهما الله في جنة المأوى وظل سدرة المنتهى مستغرقيْن في بحر الأنوار عند ربهم العزيز المختار.



    (13) جناب پدرجان القزويني

    هو الله

    من الذين هاجروا إلى بغداد جناب، پدرجان القزويني، كان هذا الرجل الطاعن في السن عظيم الانجذاب لطلعة المحبوب بولهٍ زائد، وكالوردة المفتحة في بستان محبة الله. ومنذ حضوره إلى بغداد انشغل بالتبتّل والمناجاة ليل نهار. ولو أنه كان يسير على سطح الغبراء كان في الحقيقة يسير في أعلى العليين ممتثلاً بكل خلوص لأمر الله يباشر الكسب والعمل ولقلّة بضاعته كان يتأبط بعضًا من الجوارب ويحوم في الطرقات قصد بيعها، وكان النشالون يسرقونها منه، فاضطرّ إلى حملها فوق كفيّه والسير بها في الشوارع والأزقّة وهو غارق في بحر المناجاة فاقدًا شعوره. وذات يوم وهو في الحالة المذكورة، أخذ النشالون في سرقة الجوارب من فوق كفيه، على عينك يا تاجر، ولغيبوبته في عالم آخر لم يشعر بما يفعلون. كانت له أحوال غريبة، بمعنى أنه كان دائمًا كالسكران المدهوش.

    وبالاختصار، إنه قد استمر على هذه الحال زمنًا بالعراق وكان يفوز بشرف اللقاء في أغلب الأيام. أما اسمه الحقيقي "عبدالله" ولقَّبه الأحباء ب‍ پدرجان (الوالد الحنون؟). وحقًا، كان كالأب الشفيق للجميع، ورفّ في النهاية إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر. طيّب الله مضجعه بصيِّب رحمته وشمله بلحاظ أعين رحمانيته. وعليه التحية والثناء.



    (14) جناب آقا الشيخ صادق اليزدي

    كان بين الذين هاجروا إلى بغداد، الشيخ صادق اليزدي، وكان هذا الشيخ كالنخلة الباسقة في البستان الإلهي، وكالنجم البارق في أفق محبة الله. هاجر إلى العراق في ظل نيِّر الآفاق، أما انقطاعه وانجذابه فلا حد لهما. كان محبة مجسّمة، وعشقه بارزًا، ولم يتوان عند ذكر الحق طُرفة عين، ولم يدرِ شيئًا عن الدنيا وما فيها غارقًا في بحر التذكر والتبتّل والتضرّع والابتهال في جميع الأوقات، لا يجف دمعه في كثيرٍ من الأحيان. واختصه جمال القدم بعناياته وعطفه حتى أصبح الشيخ عناية مجسمة.

    جاءني الخبر يومًا بأن الشيخ في سكرات الموت فأسرعت لعيادته فوجدته في النزع الأخير مما أصابه من شديد المغص المهلك، فتوّجهت إلى ساحة الأقدس (حضرة بهاءالله) وعرضت الأمر على حضرته فتفضل بقوله: "اذهب وضع يدك على موضع المغْص وقل: "يا شافي". فعدت إلى الشيخ مسرعًا وإذا بمكان المغص قد تورّم وبرز الورم كتفاحة صلبة كالحجر، وكان الشيخ يتقلّب ويتلوّى على الأرض كالحيّة دون هوادة. فوضعت يدي، في الحال، فوق ذلك الورم وتوجهت إلى الله متضرعًا وقلت: "يا شافي". فما لبث الشيخ أن انتفض قائمًا وقد زال عنه المغص وتحلّل الورم للتو ثم غاص.



    وأيم الله، إن تلك الروح المجسّدة (الشيخ) أمضى أيامه في العراق مبتهجًا إلى أن تحرك الموكب المبارك من العراق. أما هو فقد بقي في العراق امتثالاً للأمر المبارك، وما لبث أن اشتعلت بين ضلوعه نيران محبة الله فجعلته لا يطيق الصبر على البقاء في بغداد بعد رحيل حضرة بهاءالله وما كاد الموكب يصل إلى الموصل حتى همّ الشيخ مسرعًا إثر الموكب المبارك حافي القدمين حاسر الرأس إلى أن أدركته المنيّة في الصحراء ودخل في جوار الرحمة الكبرى. سقاه الله كأسًا مزاجها كافورًا وأنزل على جدثه مطر من الماء الطهور وعطّر ترابه بالمسك الزكيّ في تلك الصحراء وأنزل عليه طبقات من النور.



    (15) جناب شاه محمد أمين

    هو الله
    جناب محمد شاه الملقب بالأمين هو من قدماء أحباء الله عاش كالشارد التائه في بيداء الانجذاب. سمع النداء الإلهي وهو في عنفوان الشباب فتوجه إلى الملكوت الرباني وشق ستار الأوهام حتى وصل إلى مقصود القلب والروح. لم تمنعه شبهات القوم ولا شديد اللوم ولم يحل دون مقصود قلبه من حائل ولم تزلزله عواصف المصائب المتراكمة بل كان في كمال الثبوت والاستقامة. قاوم المعرضين والمعترضين يوم ظهور نور الحقيقة وكلما جدّ هؤلاء في إلقاء الشبهات ازداد هو ثبوتًا واستقامة وكلما أظهروا الشدة في مناوأته وأذاه ثبتت قدماه حتى أصبح مفتون جمال الكبرياء، ومجنون الجمال الأبهى، وفائرة محبة الله، وفوارة معرفة الله، وتملّكت منه شعلة نار العشق حتى أضاعت منه الصبر والاستقرار ولم يعد يتحمل ألم الفراق فبارح ولاية يزد (موطنه) وطوى الفيافي والقفار غير عابئ بوعثاء الطريق والتلال والرمضاء والصحارى من شدة شوقه لاستنشاق نسيم الصبا إلى أن وضع قدمه في رحاب محبوب الأرواح وتخلّص من ألم الفراق وفاز بشرف اللقاء في العراق. ولمّا وجد محبوب الآفاق وحظي بمشاهدة طلعته أخذ بعد ذلك في ترك جميع الأفكار وتخلّص من كل قيد حتى أصبح مظهر



    العناية غير المتناهية وآقام عدة أيام بالعراق ثم صدر له الأمر بالعودة إلى إيران حيث أمضى عدة أيام كان إبّانها خير أنيس وجليس للأحباء وأشعلت نفسه الطاهرة نار الحب والانجذاب في قلوب الأحباء وخلق فيهم الوله والشوق اللذين لم يعهدوهما ثم ذهب إلى السجن الأعظم بصحبة جناب ميرزا أبو الحسن الأمين الثاني عليه بهاءالله الأبهى وذاق الأمرّين في تلك الرحلة واحتار في أمره إذ كان دخول السجن أمرًا عسيرًا. وفي النهاية فاز بشرف اللقاء في الحمام الذي كان الجمال المبارك يغتسل فيه. وما أن وقع نظر حضرة الأمين الثاني – ميرزا أبو الحسن- على مظهر الكبرياء في الحمام حتى تأثر واعترته الرعشة وارتعدت فرائصه حتى وقع على أرض الحمام فشجّت رأسه وسال دمه.

    وعلى الجملة، إن حضرة أمين المذكور يعني شاه محمد قد فاز بلقب "الأمين" وأصبح مظهر الألطاف اللانهاية وحامل الألواح الإلهية. ثم سافر إلى إيران مرّة أخرى وهو في غاية الوله والانجذاب القلبي والروحي، وقام بما كُلّف به من الخدمات بكمال الأمانة وكانت خدماته ذات قيمة لأنها جلبت الراحة للأحباء. كانت همته لا نظير لها وكان في تأدية الخدمات عديم النظير وظلاً ظليلاً بين الخلق. وانتشر صيت عبوديته للعتبة المقدّسة في كل صقع واشتهر في محافل الأحباء. لم يهدأ دقيقة واحدة ولم يسترح في مضجعه ليلة كاملة وكان في أغلب لياليه لا يلتحف غير السماء وكان في نهاره كالطير الطائر أو كالظبي الشارد مسرعًا في طلب مقام الوحدانية فسُرّ منه جميع الأحباء كل السرور، إذ كان هو بشير السرور للجميع ومدينة الحب والعطف، تائهًا في بادية محبة المحبوب يقطع البراري والوديان والقفار كالريح العاصف لا يستقرّ حتى على أعلى التلال وشامخ الجبال. تراه يومًا في



    إقليم بالنهار ويَتَنَوّح ليلاً في مملكة أخرى لا يستقرّ ولا يهدأ، قائمًا على الخدمة إلى أن وقع أسيرًا في يد الأشرار من الأكراد بين البحرين في أذربيجان وقتلوه ظلمًا وعدوانًا لظنّهم أنه أحد أعدائهم أتى من قبيلة معادية لهم. فقضى ذلك الحبيب نحبه شهيدًا مظلومًا. وما أن وصل خبر استشهاده إلى أرض السجن حتى عمّ الحزن الشديد وذرفت عيون المسجونين من الأحباء بدل الدمع دمًا على ذلك الشخص جليل القدر، وظهرت آثار الحزن لدى الساحة المقدّسة فجرى القلم الأعلى بالعناية في حق ذلك الشهيد، شهيد الفيافي والقفار عناية لا نهاية لها فضلاً عمّا بحقه من الألواح التي نزلت باسمه. والآن هو في جوار الرحمة الكبرى في جنة الأبهى مع طيور القدس في صحبة وابتهاج، غريقًا في محفل تجلّي الأنوار. عليه التحية والثناء وعليه البهاء الأبهى وعليه الرحمة الكبرى.



    (16) جناب مشهدي فتّاح

    جناب مشهدي فتّاح، عليه بهاءالله الأبهى، كان روحًا مجسّدة من الزهد ومثالاً للتقوى، كان هو وأخوه جناب الحاج عسكر لا يميّز أحدهما عن الآخر لتوافقهما في الشكل والأطوار وعلى اتفاق واحد في شريعة الله. كانا ملتحميْن ببعضهما كالجوزاء في نقطة واحدة، وقد استنارا معًا بنور الهداية، وفضلاً عن تشابههما في الأطوار كانا شريكيْن في الإيمان وشبيهيْن في الوجدان، كما كانا في مسيرهما من أذربيجان إلى أرض السّرّ كشخص واحد في جميع المراتب والشؤون متشابهيْن في المشارب والسلوك والمذهب والأخلاق والأطوار والإيمان والإيقان والعرفان والاطمئنان. وكانا ملازميْن لبعضهما في السجن الأعظم.

    كان لمشهدي فتّاح مبلغ من المال قد عاد إليه من التجارة لا يملك غيره، ولما بارح أرض السر أودعه لدى بعضهم بصفة أمانة. وبعد مدة وجيزة، نهب بعض من عديمي الإنصاف هذا المبلغ وضاع بالكليّة، فأصبح صفر اليديْن، غير أنه كان محترمًا وفي سبيل الله محبوبًا للغاية، ورضي بالقناعة المتناهية إبان وجوده في السجن الأعظم، فانيًا نفسه، ولم تسمع منه كلمة تدلّ على أن له وجودًا بالمرة، وكان دائمًا منزويًا في ركن من أركان السجن لا تسمع له همسًا ولا لمسًا، عاكفًا



    على ذكر الله مستمرًا على حالة التذكر والتضرع إلى أن وقعت المصيبة الكبرى فخارت قواه ووهن عظمه، ولم يعد يقوَى على تحمّل وطأة الفراق من شدّة حزنه وما ألمّ به من فراق المحبوب. إلى أن دنا حينه بعد الصعود المبارك فعرج إلى الملكوت الأبهى. طوبى له ثم طوبى! بشرى له ثم بشرى! وعليه البهاء الأبهى.



    (17) جناب نبيل قائن (القائني)

    هو الله

    جناب نبيل قائن (القائني)، هو الملا محمد علي، عليه بهاءالله الأبهى. كان هذا الشخص العظيم من المنجذبين إلى الجمال المبارك من قبل طلوع صبح الهدى أي من قبل ظهور النقطة الأولى، روحي له الفداء، وشرب صهباء العرفان من يد ساقي العناية؛ وتفصيل ذلك هو أن أحد الأمراء، نجل أمير قائن المدعو مير أسدالله خان، كان مقيمًا في طهران بصفة رهينة سياسية وأنيط بالمحافظة عليه وتهذيبه إلى جناب الملا محمد علي (نبيل قائن)، لأن هذا الأمير كان شابًا بعيدًا عن والده العطوف عليه. ولكونه أميرًا غريبًا في طهران، كان الجمال المبارك يبذل كمال العناية في حقه. وكان هذا الأمير ينزل في أغلب الأحايين ضيفًا على الجمال المبارك برفقة جناب ملا محمد علي الملقب بنبيل قائن وذلك قبل ظهور النقطة الأولى (الباب). وكان النبيل المذكور في مقدمة الثقات وسيّدهم وقد انجذب في ذلك الحين إلى الجمال المبارك كل الانجذاب. وكان في كل محفل أو مجلس لسانًا ناطقًا بمحامد الجمال المبارك مُظهرًا كمال محبته وولهه وتعشّقه لحضرته، وكان يروي على حسب العادة القديمة الكرامات العظيمة للجمال المبارك حتى أنه كان يقول أنه رآها بأمّ عينيه وسمعها بأذنه.



    وبالاختصار كان شغفه وولهه لا حدّ لهما، محترقًا بنار العشق احترآقا لا يوصف. رجع وهو على هذه الحالة مع الأمير إلى قائن، وما لبث أن التقى بجناب الفاضل الجليل النبيل الأكبر، وهو جناب آقا محمد القائني، روح المخلصين له الفداء، الذي عاد إلى إيران بعد أن نال إجازة الاجتهاد من المرحوم الشيخ مرتضى، واشتعاله بنار محبة الله في بغداد. ولمّا شاهد نبيل قائن، أن النبيل الأكبر قد جمع العلماء ومشاهير المجتهدين وانساب لسانه بالتبليغ في قائن أمام الذين يقرّون بفضله وتمكّنه من مختلف الفنون والعلوم، وبمجرّد سماعه اسم حضرة الأعلى (الباب) انجذب إليه وقال، إنه قد فاز بلقاء الجمال المبارك في طهران وإنه اشتعل بنار محبته لأول وهلة.

    وبالإجمال، كان لهذا الشخص المحترم مقام العلوية السماوية، والموهبة الربانية، وانساب من فمه سيل الهداية في قريته وهدى أفراد أسرته رافعًا علم التبليغ وهداية النفوس. وقد ورد على يديه جمّ غفير إلى شريعة محبة الله، وأعطى الناس نصيبهم من الهداية الكبرى. وكان المير علم خان، حاكم قائن، يُظهر له دائمًا كمال المحبة وقد قدّم له خدمات فائقة بكل أمانة واحترام، غير أنه انقلب في نهاية الأمر وقلب ظهر المجن بعد أن تأكد من إيمان نبيل قائن وإيقانه وقام بالإغارة على الأحباء ونهب أمتعتهم وسلب أموالهم لخوفه من ناصر الدين شاه وأخرج جناب النبيل الأكبر وأهان جناب نبيل قائن وآذاه وبعد سلب أمواله وأمتعته وحبسه دفع به إلى الصحراء يتخبط في الوهاد والفيافي والقفار.

    أما هذا الشخص النوراني، فقد عدّ ما حاق به من البلايا سرورًا وبهجة واعتبر نهب أمتعته وسلب أمواله كأنه مَلَكَ الدنيا وما فيها (يعني



    أنه فقد الفاني وتمسّك بالباقي) وعدّ حبسه راحة، ودَفْعه إلى بطن الصحراء بهجة وسرورًا وأعظم موهبة ربانية. ووصل إلى طهران حيث أمضى مدة في حيرة في الظاهر لا مال ولا متاع، ولكنه في الباطن كان في نهاية الروح والريحان. وهذا شأن كل نفس ثبتت على الميثاق. كان يزور محافل الأكابر والأعيان، ولما كان على بيّنة من أحوال الأمراء أخذ في مقابلتهم والتحدث إليهم ويلقي عليهم ما يناسب المقام، وكان يُسلّي الأحباء، وكان كالسيف المسلول في وجه كل من أراد بالجمال المبارك سوءًا. لقد كان حقًا مصداق قوله تعالى في القرآن الشريف: "لا تأخذه في الله لومة لائم". واستمرّ على نشر النفحات وانتشار الآيات البينات بكل ما أوتي من قوة، ثملاً من سلافة خمر محبة الله، زاخرًا كالخضمّ الموّاج، هاطلاً كالسحاب المدرار.

    نسج على هذا المنوال إلى أن أتاه الإذن بالحضور إلى السجن الأعظم بعد أن اتّهمه أهل طهران بالجنون وخلع عذار الحياء حيث كان دائمًا قلقًا لا يعرف للصبر مسلكًا ولا للأناة موردًا ولا للمحاباة والمداراة محلاً، لهذا لم يدبّ في روعه خوف ولا هلع مع عظيم الخطر الذي كان فيه. وما أن وصل إلى السجن (عكاء) حتى أخرجه الأعداء من أولي الأمر وذهبت كل مساعيه للبقاء هناك أدراج الرياح، فأجبره الحال إلى الارتحال إلى بلدة الناصرة حيث آقام عدة أيام كالطائر الشريد هو وولداه، آقا غلام حسين وآقا علي أكبر، وقاسوا ما قاسوا دائبين على التضرّع والابتهال إلى العلي المتعال حتى تدبّروا أمر دخوله السجن (عكاء) وصدر له الإذن بالحضور. فما لبث أن هرع إلى السجن باشتياق بالغ، وفاز بشرف اللقاء. وما أن وصل إلى الساحة المقدّسة ووقع بصره على طلعة الجمال الأبهى حتى أخذته رعدة ووقع مغشيًّا



    عليه وما وعى ونهض إلا بعد أن صدرت العناية المباركة في حقه.

    آقام نبيل قائن في القلعة مخفيًا عدة أيام ثم عاد إلى الناصرة التي أخذ أهلها العجب والاندهاش من حالته وعزّة نفسه، فجزموا بأنه شخص جليل من ذوي البيوتات الأعزاء في أوطانهم، ومن الناس عديمي المثال، واستغربوا اختياره الآقامة بالناصرة ورضاءه بالمعيشة الضنكة والتقشّف الذي لا يحتمل.

    وبالاختصار، إنه بعد أن تمّ ما وعد به الاسم الأعظم (جمال القدم) فتحت أبواب السجن وأصبح دخول الأحباء والمسافرين إلى داخل القلعة (المعتقل بها الجمال المبارك) والخروج منها متيّسرًا للغاية. أما جناب نبيل قائن فكان يحضر من الناصرة مرّة في الشهر ويفوز بشرف اللقاء. واستمرّت آقامته بالناصرة حسب الأمر المبارك وتمكّن من تبليغ نفر من المسيحيين من سكان الناصرة، وكانت دموعه لا تجف من البكاء على ما نزل بالجمال المبارك من ظلم الظالمين، وكان يدبّر أمر معيشته من الربح القليل الناتج من شركة تجارية بيني وبينه، فقد وضعتُ نصف رأس مال هذه الشركة؛ ثلاثة قرانات (عملة إيرانية تعادل كلها ما يقرب ال‍ 150 مليما)، ووضع هو نفس المبلغ. واشترى برأس المال إبرًا للخياطة وجال بها في الطرقات، فكانت نساء الناصرة يشترين منه الإبر ويعطينه مقابل الثمن بيضًا؛ يعني يعطينه بيضة واحدة عن كل ثلاث إبر، ثم يبيع هو بدوره البيض ويشتري بالربح قوت يومه. وكلما فرغت الإبر، أرسل إلى جناب آقا رضا قناد التاجر في عكاء، ليشتري له إبرًا ويرسلها بواسطة القوافل التي كانت متواصلة الذهاب والإياب بين عكاء والناصرة.

    سبحان الله! إن هذا الشخص كان يعيش من ربح رأس المال



    الزهيد هذا مدة عامين كاملين حامدًا وشاكرًا لله عز وجل. فانظروا كيف كان قنوعًا بدرجة جعلت أهالي الناصرة يعتقدون أنه غير محتاج لأحد وظنّوا أنه من ذوي الثراء ويمارس القناعة والتقشّّف خوف نفاد ما لديه من المال وهو في الغربة ويخفي ثروته تحت ستار الاشتغال ببيع الإبر.

    كان كلمّا تشرف بالحضور المبارك تَصْدُر في حقه عنايات جديدة، وقد اتّخذه هذا العبد (حضرة عبدالبهاء) مؤنسًا ونديمًا له في الغدوّ والرواح. وكلّما كانت تنهال عليّ الأحزان كنت أستحضره وبمجرد وقوع نظري عليه يتملّكني السرور. كان حلو الحديث لطيف المشرب هشًا بشًا فارغ القلب محررًا من كل قيد وعلى استعداد تام لمساعدة من يريد. وفي النهاية، سكن في السجن الأعظم (عكاء) فتيسّر له التشرّف بلقاء الجمال المبارك كل يوم حتى أنّه بينما هو سائر مع بعض الأحباء إذ التقى بالتُّرَبيّ المدعو الحاج أحمد وقال له: "اصحبني" فمشى وتبعه التُّرَبِي ومرافقوه إلى جبّانة النبي صالح (خارج عكاء) فالتفت إلى التُّرَبيّ بوجه مبتسم وهو في كمال الصحة والعافية وقال: "يا حاج أحمد، أريد منك شيئًا واحدًا وهو، حيث أنني سأنتقل من هذا العالم إلى العالم الآخر، أرجوك أن تجعل قبري في هذه النقطة (مشيرًا إلى جوار القبر الذي دفن فيه حضرة الغصن الأطهر) وهذا كل ما أريده منك"، ثم ناول التربي بعض الدراهم وانصرف. وما غربت شمس ذلك اليوم حتى أخبرني بعض الأحباء: إن نبيل قائن مريض. فذهب هذا العبد توًا إلى داره فوجدته جالسًا يتحدث مبتهجًا مسرورًا يقرأ ويمازح غير أن جبينه كان يتفصد عرقًا بشدة متناهية، ولم تظهر عليه علامات التوعّك بالمرة. وما زال العرق يتفصد من جبينه حتى خارت



    قواه فاستلقى على الفراش حتى تنفّس الصبح ففاضت روحه الزكية إلى حيث تُعطَى الثواب، ولما وصل خبر وفاته إلى المحضر المبارك أظهر في حقه عنايات لا تحصى وقد أَنزل باسم هذا الشخص في أيام حياته ألواحًا شتّى. وكثيرًا ما ذكر الجمال المبارك اسم نبيل قائن بعد وفاته عند كل مناسبة وكان حضرته يذكر إيمانه وإيقانه وانجذابه بمعنى أن هذا الشخص كان منجذبًا بنفحات الله قبل ظهور حضرة الأعلى، روحي له الفداء. طوبى له وحسن مآب! بشرى له من هذه الموهبة الكبرى! ويختص الله بفضله من يشاء.



    (18) جناب آقا سيد محمد تقي المنشادي
    هو الله

    وصل عَرف النّفحة الرحمانية إلى مشام حضرة السيد تقي المنشادي وهو في عنفوان شبابه في قرية منشاد، فأصبح روحانيًا صرفًا. كل أفكاره ربانية وقلبه نوراني وشملته التوفيقات السبحانية، وخلق فيه النداء السماوي عظيم الوله والطرب حتى ساقه ذلك إلى هجر مسقط رأسه وتَرْك أملاكه وأقربائه وأولاده وهام كالتائه في الصحارى وطوى القفار والفيافي إلى أن طوّحت به يد المسير إلى الساحل، فركب البحر إلى ميناء حيفا حيث نزل ومنها اتّجه إلى بلدة عكاء قَصْد التشرف باللقاء. ولما فاز بالتشرف عاد إلى حيفا وافتتح فيها حانوتًا صغيرًا ليبيع فيه بعض السلع، وكان يقنع بالربح القليل وقد شملته في ذلك البركة والنعمة وأصبح محطّ رحال الأحباء في تلك المدينة وبيته مأوى الزائرين الواردين من الأطراف. فكان يحتفي بهم ويهيّئ لهم الولائم مدّة آقامتهم في حيفا، وكان الكل يلهج بحمده وشكره على ما لآقاه منه من عظيم الحفاوة والإكرام والقِرَى وكان، فضلاً عن كل هذا، يسهّل للمسافرين أمور السفر حال عودتهم إلى أوطانهم مقدِّمًا لهم كل مساعدة ممكنة، بإخلاص تام واستقامة لا تضارع. وأنيط به إرسال الألواح المباركة إلى أربابها في مختلف الأصقاع، وجميع العرائض



    الواردة من الجهات كانت تأتي بعنوانه ويقوم هو بإيصالها إلى الساحة المقدّسة بكل أمانة و دون تأخير. واستمرّ في أداء هذه المهمة زمنًا ليس بالقليل بحيث ارتاحت من عمله الضمائر إذ كان يؤدّي هذه المهمّة بطريقة محكمة وكان في هذا السبيل معتمدًا أمينًا واشتهر بذلك في جميع الأقطار وشملته ألطاف الجمال المبارك حتى أصبح معدن العدل والإنصاف مجردًا عن كل عُلقة دنيوية. وتعوّد خشونة العيش وعدم التقيّد في طعامه أو نومه. لم يركن إلى الراحة والمرح، يسكن منفردًا في غرفة مكتفيًا في أغلب وجبات طعامه برغيف من الخبز بلا إدام، وينام في ركن من أركان غرفته. غير أنه كان كالماء المعين للمسافرين من أهل البهاء ويهيّئ لمن أراد منهم أن ينام عنده فراشًا وثيرًا، ويقدّم لهم أنواع الطعام الشهيّ. كان طلق المحيّا باسم الشفتين حسن الأخلاق مملوءًا بالروح والريحان ودام، بعد صعود نيّر الآفاق إلى الملأ الأعلى، ثابتًا على العهد والميثاق بدرجة لا غبار عليها، وكالسيف القاطع في وجوه الناقضين الذين مارسوا جميع الحيل ليأخذوه إلى جانبهم أو يوجدوا ثُلْمَةً في ثبوته ورسوخه على العهد فلم يفلحوا وباءوا بالفشل العظيم، رغم ما قدموه لشخصه الكريم من الاحترام الزائد وإظهار المحبة له ومدّهم الموائد بأنواع الطعام الفاخر ومواجهته بوجوه باسمة. كل ذلك لم يغيّر من استقامته وأفكاره وتبرّأ من كل شيء عدا العهد والميثاق الإلهي. ولمّا يئسوا من محاولة تزلزله وأخذه إلى جانبهم قلبوا له ظهر المجن وأظهروا له الجفاء وعملوا على مناوأته وبلبلة أفكاره بلا جدوى لأنه كان جوهر الثبوت وحقيقة الاستقامة. وبتحريك من عديمي الوفاء، قام عبدالحميد خان (السلطان العثماني) على مناوأة هذا العبد والتعرض له. ولما كان السيد تقي المذكور مشهورًا بين الجمهور بأنه واسطة



    إرسال المكاتيب الواردة من الساحة المقدّسة إلى أربابها في مختلف البقاع وإيصال العرائض الواردة من الخارج إلى المحضر المبارك، رأيت أن لا مناص إرساله إلى پورسعيد حيث قام بنفس المهمّة التي كان يؤديها، فقام بذلك خير قيام بطريقة تخفى على الأبصار والأوهام وبهذه الوسيلة خابت مساعي عديمي الوفاء ولم يقع في أيديهم شيء من المكاتيب فساقتهم الخيبة إلى دسّ الدسائس لدى الهيئة الحاكمة التي نسّبت مجيء هيئة من المفتشين من الآستانة إلى هذه الديار وكان ذلك في أواخر أيام عبدالحميد ولما حضرت الهيئة المذكورة لعب الناقضون والمعاندون دورهم معها وحملوهم على أن يشيعوا بأنهم سوف يقلعون الشجرة المباركة من جذورها. وصمّمت الهيئة على إلقاء هذا العبد في اليمّ أو نفيه إلى فزّان (من أعمال صحراء ليبيا بشمال إفريقيا) وهذا ما عقدوا عليه نواياهم بعد أن خاب مسعاهم في العثور على المكاتيب. ورغم التضييق الشديد وهجوم كل خبيث من أعضاء هيئة المفتشين وغيرهم على هذا العبد فكانت حركة المكاتبات جارية باستمرار على ما يرام وبغاية الإتقان وفق الخطة المرسومة.

    والخلاصة، إن حضرة السيد تقي المنشادي قد قام بما كلّف به بكل همّة ونشاط عدة سنوات وكان جميع الأحباء في كمال السرور من أعماله، كما كان المسافرون ممنونين للغاية من خدماته الصادقة وكنت ترى المهاجرين في خجل عظيم من حسن معاملته. وأمضى مدة في پورسعيد لم يَرَ منه الأحباء هناك غير ما يجلب سرورهم وابتهاجهم غير أنه كان يكابد عناءً عظيمًا في تحمّل حرارة البلاد المصرية وأدّى ذلك إلى توعّكه وملازمته الفراش. ومن وطأة الحمّى الشديدة خلع ثيابه. ومن پورسعيد رفّت روحه إلى ملكوت الربّ المجيد وصعد إلى جوار ساحة الكبرياء.



    كانت هذه الدرّة اليتيمة جوهرة العقل والنُّهَى وحقيقة التُّقى متحليًّا بالفضائل وجميل الخصال مما استوجب حيرة عقول الفحول من الرجال. ولم يفكّر في غير الحق ولم يطلب غير رضاء الربّ الواحد الأحد وكان مصداق البيان الآتي: "حتى أجعل أورادي وأذكاري وِردًا واحدًا وحالي في خدمتك سرمدًا". برّد الله لوعته بفيض الوصال، وشفى علّته بدرياق القرب في ملكوت الجمال. وعليه البهاء الأبهى.



    (19) جناب آقا محمد علي صبّاغ اليزدي

    هو الله

    من جملة المهاجرين كان جناب آقا محمد علي صباغ اليزدي. إنّ هذا الشخص الغيور قد كشف الحجاب في العراق وهو في شرخ الشباب، وخرق ستار الارتياب وتحرر من الأوهام ثم هرع إلى ظل ربّ الأرباب. مع أنه كان شخصًا أميًّا في الظاهر غير أنّه كان على جانب عظيم من الذكاء وصداقة الوداد، وفاز بشرف اللقاء والمثول بين يدي جمال القدم بواسطة أحد الأحباء وهذا جعله معروفًا بين الأغيار بمعتقده، واتّخذ مأواه ومسكنه بجوار بيت المبارك فكان يتشرف بالحضور المبارك في كل صباح ومساء. وأمضى أيامًا كثيرة فرحًا منشرح الصدر ناعم البال. ولما حان تحرّك الموكب المبارك من بغداد قاصدًا اسلامبول لازم الموكب بشغف زائد مشتعلاً بنار محبّة الله إلى أن وصلنا مدينة القسطنطينية وألقينا بها العصا إلى أن كلّفتنا الحكومة بالذهاب إلى أدرنه، فتركنا آقا محمد علي المذكور في القسطنطينية ليباشر مسألة عبور الأحباء ومرورهم ويكفيهم مُؤْنَة الالتجاء إلى الغير وما إلى ذلك، وتكبّد بعد رحيلنا عظيم المتاعب والمشاق إذ كان فريدًا وحيدًا لا صاحب ولا مؤنس ولا جليس



    ولا من يشاطره الأتعاب أو يرثي لحاله. آقام على هذا الحال عامين كاملين ثم حضر إلى أدرنه والتجأ إلى الجوار المبارك واشتغل بائعًا جوالاً يبيع بعض السلع حائمًا في أنحاء المدينة. ولمّا فار بحر الطغيان وضيّقت الحكومة على الأحباء المسالك وعمدت على نفينا إلى عكاء، كان الحبيب المذكور في معيّتنا وآقام مدة في السجن الأعظم إلى أن صدر له الإذن بالذهاب إلى صيدا قصد الآقامة بها واشتغل فيها بالتجارة، وصار يذهب إلى عكاء للتشرف كلّما سمحت له الظروف، وحلّ محلّ الاعتبار في نظر أهالي صيدا بدرجة يُغبط عليها وقدّره القوم حق قدر وعاش معزّزًا ومحترمًا وبالآخرة عاد إلى عكاء بعد وقوع المصيبة الكبرى (انتقال حضرة بهاءالله إلى عالم الأسرار) وقضى البقية الباقية من أيام حياته بجوار الروضة المطهّرة، روحي لتربتها الفداء، وكان الكل مسرورًا منه وراضيًا عنه وكان مقرّبًا من ساحة الكبرياء. وانتقل بعد استيفاء أيام حياته إلى أفق العزة الأبدية وترك عارفيه يصطلون بنار الحسرة على فراقه.

    كان هذا الشخص طوال حياته مظهرًا للألفة، حميد الخصال، قنوعًا شكورًا، وقورًا صبورًا. عليه البهاء الأبهى. أنزل الله على قبره طبقات النور من السماء. أما قبره ففي عكاء.



    (20) جناب آقا عبدالغفار من أهالي أصفهان
    هو الله

    من جملة المهاجرين والمجاورين والمسجونين جناب آقا عبدالغفار من أهالي أصفهان. وقد أمضى هذا الرجل النبيل عدة سنوات مشتغلاً بالسياحة والتجارة في بلاد الروم وطوّحت به يد الترحال إلى بلاد العراق فهداه أحد مواطنيه، المدعو آقا محمد علي، من أهل الصاد، إلى الدخول في الساحة المقدّسة، ساحة حقيقة الموجود ومليك الوجود، فأزاح ستار الأوهام وطار بجناحيّ الفلاح والنجاح في فضاء محبة الله. ولمّا كان الحجاب الذي حجبه عن الحق رقيقًا تخلّص بمجرد إلقاء الكلمة عليه من عالم الموهوم والتجأ إلى حضرة المعلوم ثم سافر معنا من العراق إلى المدينة الكبرى (إسلامبول)، وكان في الطريق خير أنيس للجميع مطيعًا وأمينًا ممازجًا للجميع وكان ترجمانًا للأحباء، لأنه كان يتقن اللغة التركية كل الإتقان، وقطع الرحلة مرضيًّا عنه بكمال الرَوْحْ والريحان وكان يواسي الأحباء في الآستانة ويجالسهم، ونسج على هذا المنوال أيضًا في أرض السرّ (أدرنه) ثم أُخذ معنا مسجونًا إلى ميناء حيفا. فأبى مفتش الشرطة إنزاله من السفينة وأمر بإرساله إلى جزيرة قبرص، وشدّد في ذلك، وأراد إرساله بالقوة إلى قبرص، فلما رأى جناب آقا عبدالغفار ذلك ضاق ذرعًا وألقى



    بنفسه من سطح السفينة إلى اليمّ، ولم يتنبّه المأمور، عديم الحياء، مما حدث وبالآخرة انتشلوه من البحر وسجنوه في الباخرة وأرسلوه بكل عنف وتجبّر إلى جزيرة قبرص وسجنوه بمقاطعة ماغوستا في أنحاء الجزيرة. أما هو فقد تمكّن، بأي وسيلة، من الفرار وذهب إلى عكاء وسمّى نفسه عبدالله بدلاً من عبدالغفار لينجو من شرّ الشرطة والعيون. وعاش عيشة طيّبة في ظل العناية المباركة هادئًا في روح وريحان إلى أن صعد النيّر الأعظم إلى الأفق الأعلى فتبلبل وارتبك وأحاطت به الأحزان من كل الجهات واستولى عليه القلق والحيرة وما لبث أن سافر إلى الشام وأمضى أيامًا هناك واقعًا في مخالب اليأس والأحزان وكأنه في مأتم ليل نهار، مهمومًا مغمومًا حتى وقع مريضًا فأرسلنا جناب الحاج عباس ليعوله ويواظب على معالجته ومواساته، فبذل هذا الأخير كل ما في وسعه في معالجته وكان يخبرنا يوميًا عن حالة ذلك المريض.

    وبالإجمال، كان جناب آقا عبدالغفار يحادث الحاج عباس ويبدي له أن منتهى آماله أن يطير إلى عالم الأسرار إلى أن حان حينه ورحل إلى ساحة نيّر الآفاق غريبًا ومهاجرًا وفارق كل عارفيه. حقًا، إنه كان حلو الحديث ليّن العريكة حليمًا صبورًا سليم القلب وعلى خلق عظيم. عليه الثناء، وعليه البهاء الأبهى، وعليه الرحمة من ربّه العلي الأعلى. وقد تعطّرت أرض الشام بمواراته في تربتها.

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى