منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 37 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 37 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    تذكرة الوفاء لحضرة عبد البهاء 5

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    جناب آقا ميرزا محمد خادم المسافر خانة

    إن الشاب الإلهي، جناب آقا ميرزا محمد خادم المسافر خانة، هو من أهالي أصفهان ومن المهاجرين والمجاورين. وقد اشتهر وهو في ريعان شبابه بين العلماء بأنه حاضر الذهن، شديد الذكاء، وكان من ذوي البيوتات، محترمًا بين القوم، نجيبًا فطنًا مجدًا ومجتهدًا في تحصيل العلوم والمعارف وعلى قسط وافر من العلوم والفنون المتنوعة والمعقول والمنقول، وكان فضلاً عن كل هذا، متلهفًا إلى الارتواء من مَعين أسرار الحقيقة طالبًا لمعرفة الأحدية، ولم يطفئ زلال العلوم والفنون والمعارف، حرارة عطشه مع شدّة بحثه وتنقيبه في مجالس العلماء والفقهاء، إلى أن تحقق كل ذلك وظهر السرّ المكنون والرمز المصون لائحًا واضحًا فتعطرت مشامه من نفحة جنة أوراد الأبهى وتنور قلبه وروحه بسطوع أشعة شمس الحقيقة فوصل الحوت الظمآن إلى عين الحياة وعكفت الفراشة المشتاقة المتهافتة على الشمعة الموقدة فأحيت البشارة الكبرى روح ذلك الطالب الصادق واستنار قلبه بضياء نور صبح الهدى وأوقدت فيه نار المحبة بدرجة جعلته يعوف هذا العالم وما فيه من نعيم موفور وراحة كبرى وأخيرًا هرع إلى السجن الأعظم (عكاء).

    كان هذا الشخص في أصفهان يعيش في هناء ورفاه ورخاء مسرورًا قرير العين غير أن شوقه للّقاء حفزه على التخلص من كل قيد وقطع



    المسافات البعيدة غير عابئ بما لآقاه من وعثاء الطريق والمتاعب ومشقة الأسفار واستتب به الرحيل إلى الهدوء والسلام في السجن الأعظم، وقام على عبوديته للجمال الأبهى وداوم على خدمة الأحباء وبعد أن كان مخدومًا أصبح خادمًا، وأصبح عبدًا بعد أن كان سيّدًا، وأسيرًا بعد أن كان قائدًا، لم يذق للراحة طعمًا في كل آناته. وأصبح كهفًا لجميع المسافرين ومؤنسًا عديم النظير للمجاورين يعمل فوق طاقته جائش الحميّة في محبة الأحباء واكتسب محبة المسافرين والمجاورين ورضاهم ساكتًا صامتًا حال تأدية خدماته.

    واستمر على هذا الحال إلى أن وقعت المصيبة الكبرى فانهار بنيان صبره واستقراره وأحرقت نار الفراق قلبه، فكان لا يهدأ ليلاً ولا نهارًا مضيئًا كالشمعة المشتعلة فأثرت فيه شدة الالتهاب ووصلت ناره إلى قلبه وكبده فخارت قواه ولم يعد يتحمل ما هو فيه فجنح إلى التضرع والتبتل ليل نهار متمنيًا أن يطير إلى عالم الأسرار ويقول: "رب أدركني، أدركني من هذا الفراق وجرعني كأس الوصال، وأجرني في جوار رحمتك يا رب الأرباب" إلى أن أدركه الحال فطار إلى العالم العلوي غير المحدود. هنيئًا له هذه الكأس الطافحة بموهبة الله، مريئًا له هذه المائدة التي هي حياة للقلوب والأرواح. متّعه الله بالورود على الورد المورود، ورزقه الحظ الموفور من الرفد المرفود.



    (42) جناب آقا ميرزا محمد الوكيل

    كان ضمن الأسرى الذين نفوا من الزوراء إلى الحدباء، جناب آقا ميرزا محمد الوكيل. وهذه النفس الزّكيّة تجرعت كأس التسليم والرضاء في دار السلام، ومكث في ظل شجرة الطوبى آمنًا مستريحًا وأمينًا كريمًا موصوفًا بالغيرة والهمة في تسيير الأمور بدرجة لا مثيل لها وذاع صيته بين القوم بالعراق، على الأخص بحسن التدبير. ولما دخل الإيمان والإيقان في قلبه لُقِّبَ بالوكيل الممتاز والسبب في منحه هذا اللقب هو أنه كان في بغداد شخص مشهور اسمه الحاج ميرزا هادي الجواهرجي وله ابن عزيز يدعى آقا ميرزا موسى، الذي لقبه القلم الأعلى بحرف البقاء، وهذا الأخير آمن بالأمر ثابتًا راسخًا في معتقده وكان أبوه شخصًا مهيبًا وفي عظمة الأمراء معروفًا في بلاد إيران وبلاد الهند بالجود والسخاء والبذل والعطاء والإنفاق عن سعة. أصله من وزراء إيران، ولكنه لما شاهد أن المرحوم فتح علي شاه ميالٌ لجمع الأموال واغتيال أموال الوزراء والاستيلاء على ما لديهم من حطام الدنيا طوعًا وكرهًا ويُعِدّ من أظهر عدم تنفيذ رغائبه من ذوي الجرائم التي لا تغتفر، بادرَ لخوفه من هذه الورطة إلى ترك الإمارة والوزارة وذهب إلى بغداد. فطلب فتح علي شاه من والي بغداد المدعو داود باشا أن يُعيده إلى إيران، أما الوالي المذكور فكان ذا شهامة وغيرة، فلم يلبِّ طلب شاه إيران، وعمل كل ما في وسعه لرعاية واحترام الحاج المذكور الذي اشتهر بحسن التدبير، واشتغل بتجارة المجوهرات



    واشتهر بالجواهرجي ولكنه كان يعيش عيشة الملوك في قصورهم، وهذا الشخص كان من نوادر الدهر إذ كان يعيش في مقرّه بكل عزة ومكنة ولكنه ترك الخدم والحشم وآثر العمل بالتجارة وكسب المنافع الكلية وكان باب داره مفتوحًا على مصراعيه للزائرين والقاصدين من الغرباء والأقربين على السواء، غوثًا للمحتاجين حين يستقبل زائريه على اختلاف طبقاتهم بكل ترحاب وإعزاز، وكان أغلب أكابر الإيرانيين ينزلون ضيوفًا عليه عندما يأتون في مواسم حجهم لزيارة أضرحة الأئمة المكرمين وكان مصفوفًا على موائده ما تشتهيه الأنفس من فاخر الطعام المتنوعة وأصنافه، وكان القوم يقدّمون له عظيم الاحترام أكثر من الصدر الأعظم بمراحل، وفاق احتشامه جميع الوزراء وعلى الأخص في العطاء والقِرى والبذل والسخاء المتزايد يومًا إثر يوم حتى أصبح مفخرة الإيرانيين في العراق وعمّت إنعاماته مواطنيه بل وزراء آل عثمان والمشيرين في دولتهم حتى أكابر القوم في بغداد هذا فضلاً عن رجاحة عقله وعظم تدابيره للأمور مهما عظمت.

    وعلى الرغم من أن تجارة الحاج المشار إليه قد أصبحت لكبر سنه في ارتباك، غير أنه لم يطرأ على معيشته أدنى تغيير أو تبديل أبدًا وعاش معزّزًا محتشمًا مع أن أمواله قد ذهبت ديونًا على أكابر القوم وعظماء أهل البلاد ولم يؤدّ واحد منهم ما عليه من الديون بالمرة. ومن جملة من استدانوا منه والدة آقا خان المحلاتي بمبلغ لا يقل عن المائة ألف تومان ولم تؤدِّ منها فلسًا لأن المنيّة وافتها بعد فترة قصيرة وماتت والدّيْن في ذمتها، وعدة أشخاص أُخر كقائد الجيوش المدعو علي قلي خان وسيف الدولة نجل فتح علي شاه والسيدة والية كريمة الشاه المذكور وغيرهم من الأكابر والأعيان والإيرانيين وأمراء آل عثمان وأعاظم أهل العراق. وبالاختصار، إن كل هذه الديون قد أُكِلت عن آخرها مع كل



    هذا لم تتغير حال ذلك الأمير الكبير أكان ذلك في المعيشة أو البذل والسخاء والكرم. وتضاعفت محبته للجمال المبارك في أواخر أيام حياته بدرجة تسترعي الأنظار، وكان يحضر للتشرف في المحضر المبارك بكل خضوع وخشوع. ومما لا أنساه أنه قد حضر ذات يوم إلى الساحة المقدّسة وقال: "قد تصادف أنني بينما كنت في رحلة إلى زيارة العتبات المقدّسة (أضرحة الأئمة من آل بيت الرسول) بعد عام 1250 بقليل وإذا بالمنجّم المشهور ميرزا موكب يفاجئني بقوله: "يا جناب الميرزا، إنني أرى في النجوم قرآنًا عجيبًا لم يشاهد له نظير قبل اليوم، وهذا دليل على ظهور أمر عظيم ومما لا شك فيه أن هذا الأمر العظيم هو ظهور القائم (المهدي) الموعود".

    وما عتم الحاج المذكور أن قضى نحبه تاركًا ولدًا وبنتين ورّاثًا له وظنّ الناس أن ثروته باقية على ما كانت عليه، ولم يشكّ أحد في ذلك لما شاهدوه منه طوال أيام حياته مما حرك ثائرة الطمع في أذهان القائم بأعمال القنصلية الإيرانية وزمرة مجتهدي آخر الزمان وقاضي الشرع عديم الإيمان، فألقوا العراقيل بين الوراث وأوجدوا بينهم روح العداء والخلاف والتنافر وتمكنوا بذلك من التدخل في أمورهم بالكلية وعملوا على تقويض دعائم ثروتهم لسد أطماعهم وأنشبوا مخالبهم في التركة حتى وقع الورثة في مخالب الفاقة والفقر المدقع حفاة عراة بعد أن استولى على أموالهم كل من القائم بأعمال القنصلية الإيرانية والمجتهدين والقاضي الشرعي.

    أما ابن المرحوم المدعو حرف البقاء وهو ميرزا موسى كان شخصًا مؤمنًا وموقنًا ونفسًا مطمئنة غير أن أختيه كانتا لأبيه ولم تعلما عن الأمر شيئًا. ذات يوم ذهب هاتان الأختان مع المدعو ميرزا سيد رضا المرحوم وهو أحد أصهارهما إلى دار المبارك ودخلتا إلى الحرم وأبقتا الصهر المذكور خارج البيت في انتظارهما ثم عرضتا في الحضور



    المبارك: "إن القنصل والمجتهدين وقاضي الشرع قد خرّبوا دارنا وبدّدوا أموالنا وأن والدنا المرحوم كان لا يعتمد في أواخر أيام حياته إلا المقام المقدّس (الجمال المبارك) ولو أننا قد غفلنا وتأخرنا عن الالتجاء إلى مقامكم المقدّس فها نحن الآن جئناكم لاجئين ملتمسين العفو عن قصورنا آملين أن لا تخيّبوا رجاءنا وتشملونا بعنايتكم وتصونونا في كهف حمايتكم وتنقذونا من هذا الخطر الشديد الداهم بأن تعيروا أمورنا ومطالبنا جانب النظر ولا تنظروا إلى قصورنا."

    فأجابهم الجمال المبارك بشكل قاطع بأنه ينفر من التدّخل في مثل هذه الأمور. أما هما فقد تشبثا بذيل حضرته وألحّا في طلبهما ولم يتركا البيت المبارك مدة أسبوع كامل، تصيحان في كل صباح ومساء طالبتين الأمان في جنابه قائلتين: "إننا لا نبرح داركم أبدًا، لأنا عاكفتان على رحابكم مرتميتان على أعتابكم المقدّسة، واقفتان على عتبة الملائكة الحافظين حتى تنظروا في أمرنا وتخلّصونا من يد الأعداء الظالمين".

    أما الجمال المبارك فكان يكرّر على مسامعهما نصحه بأن هذه الأمور ترجع إلى الحكام والمجتهدين، ولا دخل لحضرته بشأنها. أما هما فلم تكفّا عن الإلحاح في هذا الصدد بكل إصرار مستدعيتين نظر عنايته بشأن مطالبهما. ولما كان البيت المبارك خلوًّا من حطام الدنيا في ذلك الحين فقد قنعتا بالخبز والماء والطعام الذي كان يجهز بالدّيْن، وبالاختصار إن الأمور كانت معقدة من جميع الوجوه. وفي النهاية طلبني الجمال المبارك ذات يوم وتفضل بقوله: "إن هاتين المخدرتين قد أثقلتا علينا من كثرة إلحاحهما، ولا حيلة غير أنك تذهب وتنهي هذه المسألة المهمة في يوم واحد". فتوجهت، امتثالاً للأمر المبارك،



    في صبيحة اليوم التالي مصطحبًا جناب الكليم إلى بيت المرحوم، وأحضرنا أرباب الخبرة وجمعوا جميع المجوهرات في غرفة على حدة ووضعوا دفاتر الأملاك في غرفة وبقية الأشياء ذات القيمة في غرفة ثالثة، وقام نفر من بائعي المجوهرات بتثمين الموجود منها وقام أرباب الخبرة بتثمين البيوت والحوانيت والبساتين والحمامات. أما أنا فقد تركت الخبراء والمثمّنين وتوسّدت من شدة التعب مضجعًا بعد أن وضعت في كل غرفة شخصًا ليراقب الأعمال بكل دقة، وما أن انتصف النهار حتى كان كل شيء قد انتهى. وبعد تناول طعام الغداء أبدى أرباب الخبرة رأيهم بتقسيم التركة إلى قسمين واحد منهما للبنتين والآخر لجناب حرف البقاء بطريقة الاقتراع. وبعد أن اضطجعت قليلاً وشربنا الشاي قرب العصر دخلت داخل الحرم فوجدت أن التركة قد قسمت إلى ثلاثة أقسام! فسألت عن السبب في ذلك التقسيم، وأبديت بأنني أُخبرت بتقسيم التركة إلى قسمين فقط فأجاب جميع الوراث والمتعلقين في نفس واحد قائلين: "لابد من ذلك إذ رأينا أن يُعطى الثلث لجناب حرف البقاء والثلث الثاني للبنتين والثلث الأخير يوضع تحت تصرف حضرتكم، إذ رأينا أن يكون ثلث مال الميت تحت تصرفكم على الوجه الذي ترونه. فأغضبني ذلك جدّ الغضب وقلت: "إن هذا لا يمكن أبدًا، ومن باب أولى أن تُغلقوا هذا الباب إذ يستحيل أن أجري ما تقولون وقسمًا بالجمال المبارك إنني لا أقبل فلسًا واحدًا. فأقسموا هم أيضًا بأنهم لا يرضون إلا بما أقروه ولا يقبلون غيره. فقال لهم هذا العبد (عبدالبهاء): "دعونا من ذلك، فهل لديكم شيء آخر؟" فقال جناب حرف البقاء: "أين النقود؟ وسأل عن مقدارها؟ فقيل إن النقود لا تقل عن ثلاثمائة ألف تومان. قالت الكريمتان: "إن النقود،



    إما أن تكون داخل صندوق في نفس البيت وإما أن تكون مدفونة في الأرض أو في الخارج أمانة عند أحد، فنحن نسلّم الدار بأجمعها إلى جناب الميرزا ونخرج بعباءاتنا فقط فإذا عثر حضرته على شيء من النقود فهي هبة منا له وأما إذا كانت النقود مودعة بصفة ما عند بعضهم وإذا شعر المؤتمن على المال بما حدث فكيف يقرّ بالمبلغ المودع عنده أو يعيده إلينا وإنه لا شك أنه سيستولي عليه، وعلى جناب الميرزا توضيح هذه المسألة المعقّدة وغير المثبوتة. فقال جناب حرف البقاء إن جميع الأموال كانت مسلّمة للكريمتين ولم أعلم عنها شيئًا بالمرة ومجرد الادعاء لا يثبت الحق إذ ليس هناك دليل واضح يمكن الاستناد عليه وقال إن الحاج المرحوم ربما لم يكن لديه نقود بالمرة.

    أخيرًا لاحظ هذا العبد (عبدالبهاء) أن ليس هناك برهان قاطع في هذه الدعوى وأن الإلحاح في الموضوع لا يسبب غير الأسف ولا ينتج شيئًا ولهذا رأيت أن تعمل قرعة بخصوص الثلث المنوه عنه وفي النهاية وضعناه في غرفة على حده وأغلقنا بابها وختمناه بالشمع الأحمر وأخذت المفتاح للحضور المبارك وعرضت على حضرته أن العمل قد انتهى وما ذلك إلا بتأييد الجمال المبارك وإلا كان الحال يستلزم حوْلاً كاملاً على الأقل وشرحت بتفصيل كل ما حدث من الإشكالات والادعاءات وفقدان البينات وبأن حضرة حرف البقاء أثقلت كاهله الديون وأن ما خصه من التركة لا يفي بأدائها ومن المستحسن، إذا وافقت الحضرة، قبول ملتمس الورثة في مسألة الثلث. فقبل حضرته ذلك بعد الإلحاح الزائد ثم وهبه لجناب حرف البقاء لعله يتمكن من التخلص مما عليه من الديون ويستعين بما يتبقى على عيشة وما يحتاج إليه.

    وفي اليوم التالي، حضر جميع الورثة إلى الساحة المقدّسة ورجوا أن أقبل ذلك الثلث. فتفضل جمال القدم بأن ذلك من المحال فألحوا



    أن يقبله حضرته ليصرفه بمعرفته في الأمور الخيرية. فقال حضرته: "أما أنا فأرى صرف هذا المبلغ في مورد واحد" فقالوا إنهم لا يعارضون في ذلك حتى ولو قذفه حضرته في اليم، ولا يرجون إلا قبول ملتمسهم. فقال حضرته: "إنني قبلت هذا الثلث ووهبته لحضرة حرف البقاء بشرط أن لا يدّعي شيئًا بعد ذلك". ثم قام جميع الورثة بأداء عظيم الشكر لحضرته وانتهت القضية في يوم واحد بكل راحة وهدوء ولم يبق هناك ادعاء ولا ملاحقة. بعد ذلك رأى حضرة حرف البقاء أن يقدّم للحضرة بعد المجوهرات بصفة هدية فلم يقبل حضرته ذلك، فالتمس من الجمال المبارك قبول خاتم ذي فصّ من الياقوت الرماني الحبابي نادر المثال خال من العيوب مرصعة أطرافه بالماس غالي الثمن فلم يقبل حضرته ذلك أيضًا مع أن حضرته في ذلك الحين كان لا يملك عباءة واحدة بل كان يرتدي قفطانًا مصنوعًا من القطن أكل عليه الدهر وشرب ولا يملك فلسًا واحدًا على حدّ قول حافظ الشيرازي (الشاعر المشهور) ما معناه:

    الكنز في الكم لكن كيسي من الدراهم خال

    ومجمل القول، إن جناب حرف البقاء قدّم كل ما يملك من عقار وبساتين وأملاك وأراض للجمال المبارك والتمس قبولها فلم يقبل حضرته، فتوسل حرف البقاء بعلماء بغداد لدى حضرته فحضر جميعهم إلى الساحة المقدّسة ورجوا قبول ذلك فأبا حضرته فألحّوا وألحَفُوا إن حضرة حرف البقاء سيبدّد كل ما يملك في قليل من الزمن ومن باب أولى أن لا يتصرّف هو في كل ما يملك وقدّموا للحضرة صك الهبة بخط حرف البقاء من نسختين بالفارسية والعربية طبقا للمذاهب الخمسة، وفي ذيل ذلك الصك تواقيع وأختام العلماء في مدينة بغداد بصفة شهود ومن جملة العلماء كان عبدالسلام



    أفندي العالم النحرير والسيد داود أفندي الفاضل الشهير. أما الجمال المبارك فقد تفضل بقوله: "إننا قد جعلنا ميرزا موسى وكيلاً عنّا في هذا الأمر". وبعد أن شرف الجمال المبارك إلى الروملي (أدرنه) ألزمت الحكومة جناب حرف البقاء بدفع أعشار إقليم هندية الذي هو بالقرب من بغداد وهو من ممتلكاته وكان هو وقتئذ في حالة إعصار فحلت به من جراء ذلك خسائر فادحة تقدر بمائة ألف تومان حيث عجز عن دفعها. فوضعت الحكومة يدها على أملاكه وباعتها بأبخس الأثمان، وقد عرض هذا الأمر على الجمال المبارك فأمر حضرته أن يضعوا هذا الأمر في زوايا الكتمان وأن لا يأتي ذكر ما يحل بهذه الأملاك على لسان أحد. وفي تلك الأثناء، وقع حادث النفي من أدرنه إلى عكاء وقام جناب آقا ميرزا محمد بإخبار الحكومة أن حرف البقاء ليس بمالك وأنا الوكيل إذ الأملاك تتعلق بحضرة جمال القدم فكيف تضع الحكومة يدها عليها وحيث أنه لم يكن في يده صك الهبة بأنه كان في عكاء فرفضت الدعوى، واشتهر باسم ميرزا محمد الوكيل وهذا سبب تلقيبه بالوكيل.

    أما الخاتم الذي فصّه من الياقوت فقد أرسله إلينا حضرة حرف البقاء ونحن في أدرنه بواسطة المدعو سيد علي أكبر، فأمر الجمال المبارك بقبوله. وعندما وصلنا إلى عكاء مرض من كان معنا من الأحباء بدرجة أعيتهم عن الحراك من شدة المرض، فأرسل هذا العبد (عبدالبهاء) الخاتم المذكور إلى أحد الأحباء في بلاد الهند ليبيعه ويوافينا بثمنه بكل سرعة ممكنة لكي نصرفه على المرضى. أما الحبيب المذكور، فلم يوافِنا بفلس واحد من ثمن الخاتم ثم كتب لنا بعد عامين كاملين أنه قد باع الخاتم بمبلغ خمسة وعشرين جنيها، وصرفها



    على الزائرين مع العلم أن الخاتم يقدّر بأكثر من ذلك بكثير وأما هذا العبد (عبدالبهاء) فلم يلجأ إلى الشكوى بل شكر الباري على ما وقع حيث لم يتلوث ذيلنا بغبار تلك الأموال. وبعد كل هذا، وقع جناب ميرزا محمد الوكيل أسيرًا ونفوه إلى الحدباء (الموصل) فوقع في المتاعب الشديدة من شدة الفاقة إذ كان غنيًا فأصبح فقيرًا وكل ذلك في سبيل الله، وكان في أتم الراحة فوقع في الشقاء في سبيل الله أيضا، ومضى بقية أيامه في بلدة الموصل بغاية التذلل والتبتل إلى أن صعد من هذا العالم الظلماني إلى العالم النوراني وهو في كمال الانقطاع عما سوى الله، وفي نهاية الانجذاب بنفحات الله.

    عليه التحية والثناء وفتح الله على ترابه أبواب السماء بماء منهمر من العفو والغفران.



    (43) جناب الحاج محمد رضى الشيرازي

    جناب الحاج محمد رضى الشيرازي، هو أحد المهاجرين والمجاورين وهذا الشخص الرباني من أهالي مدينة شيراز. وكان مظهرًا للإيمان والإيقان بعجز وانكسار متناهيين، وبغاية الاطمئنان سرع إلى ظل العناية الربانية بمجرد ارتفاع النداء وهو ألسْت (بربكم) إذ قال – بَلَى – فأصبح مشكاة مصباح الهدى وفي غاية التبتل والابتهال ووُفق لخدمة أحد أفنان السدرة المباركة المدعو الحاج ميرزا محمد علي مدة طويلة وكان أنيسًا ومجلسه لا يمل ولا يرجو غير الخير للجميع. ثم طوّحت به يد الأسفار إلى مختلف الأقطار إلى أن ألقى عصاه في الأرض المقدّسة ووصل إلى الساحة المقدّسة وفاز بشرف اللقاء بكمال الخضوع والخشوع وانتهل من بحر الألطاف غير المحدود وآقام بجوار العتبة العليا زمنًا ليس باليسير متمتعًا بالمثول بين يدي الحضرة في أغلب الأوقات مشمولاً بنظر العناية والفضل والموهبة الكاملة. أما في حسن الأخلاق فقد بزّ الكثير من أقرانه عاملاً بالتعاليم الإلهية، ساكنًا صبورًا على الشدائد، متفانيًا في تنفيذ إرادة من لا شبيه له، زاهدًا في الدنيا، غاية أمله الوحيد رضاء الله ولم يتحول عن ذلك أيام حياته. وسافر بعد ردح من الزمن إلى مدينة بيروت وقام على خدمة حضرة الأفنان المذكور عليه بهاءالله بكل إخلاص مدة طال أمدها، ولم ينقطع عن زيارة العتبة المقدّسة والتشرف بالمثول بين يدي المنظر الأكبر. ثم



    ألمّ به مرض وهو في مدينة صيدا وأعياه عن الذهاب إلى عكاء ثم أدركته المنون فانتقل بكمال التسليم والرضاء إلى الملكوت الأبهى، واستغرق في بحر الأنوار وقد جرى من القلم الأعلى عنايات لا حدّ لها في ذكره.

    في الحقيقة، إن هذا الشخص يعدّ من الثابتين الراسخين في الأمر وركنًا ركينًا في العبودية للجمال المبارك ولطالما سمعت ذكره بالخير من الفم المطهر.

    عليه التحية والثناء، وعليه البهاء الأبهى، وعليه الرحمة الكبرى، وله المغفرة العظمى من رب السموات العلى. أما قبره المنور ففي مدينة صيدا بجوار المقام المشهور بمقام سيدنا يحيى.



    (44) جناب حسين أفندي التبريزي

    كان من جملة المهاجرين والمجاورين حسين أفندي التبريزي وهو ممن شربوا من الكأس الطافحة بصهباء محبة الله. سافر إلى بلاد اليونان وهو في عنفوان الشباب ومكث فيها مدة مشتغلاً بالكسب هانئ العيش حيث ظهرت بوارق الظهور فرحل إلى أزمير واستمع للنداء الجديد فاشتعلت في قلبه نار محبة الحق وزاد هيامه فهام في بيداء العشق الإلهي، والشوق لمشاهدة المحبوب، فساعدته الظروف ووصل إلى العتبة المقدّسة وفاز باللقاء، ولازم التشرف زمنًا ليس بالقليل وكان من المقربين. وأخيرا، أمره النيّر الأعظم بالذهاب إلى حيفا للآقامة فيها، فصدع بما أمر وأوقف حياته على خدمة الأحباء محطًا لرحال المسافرين من الأحباء. وكان على جانب عظيم من مكارم الأخلاق، ليّن العريكة، حسن الطباع والنوايا، محبوبًا لدى الجميع من أحباب وأغيار، محبًّا للخير، ودام على استقامته بعد صعود الجمال المبارك إلى الملأ الأعلى، راسخًا في العبودية لجمال القدم ولم يتحول عن ذلك طرفة عين، مؤنسًا للأحباء نديمًا للأصفياء. ونسج على هذا المنوال السنين الطوال عزيزًا في نفسه يرى كأنه أعز من سلاطين الأرض وملوكها بقوة إيمانه، وقد صاهر جناب آقا محمد قلي أحد أخوة الجمال المبارك وكان حسن المعاملة بعيدًا عن المداهنة، دائم الخوف من الامتحانات والافتتانات، حذرًا من تدفق طوفان



    الامتحانات الإلهية على الأكوان مخافة أن يقذف موجه بالنفوس في هوة لا قرار لها، لا يفتأ يئن من شدة الخوف حتى أدركته المنون وتخلص من هذه الدار الفانية وبيده خلع ثوب حياته.

    عليه التحية والثناء، وعليه الرحمة والرضوان، وغفر عنه وأدخله الله في الجنة العليا وفردوسه الأعلى. أما قبره المعطر ففي حيفا.



    (45) جناب آقا جمشيد الكرجي

    كان المذكور من جملة المهاجرين والمجاورين. ولد هذا الرجل الرشيد في مقاطعة كرجستان (من إقليم القوقاز) وترعرع واشتد في مدينة كاشان، ونشأ محبًا للصداقة والأمانة والديانة والعزة. ولما بلغ سمعه نداء البُشرى بطلوع صبح الهدى وارتفع ذلك النداء شمس الحقيقة من أفق إيران، اشتعل في فؤاده نار الشغف والوله وأوقد في قلبه نار محبة الله. فخلع عذار الشبهة والارتياب عند سطوع أنوار شمس الحقيقة وأوقدت في وجوده شموع الهداية وسكن إيران مدة من الزمن ثم غادر إلى الروملي (في البلاد العثمانية) ومَثُلَ بين يديّ جمال القدم في أرض السرّ وفاز بشرف اللقاء وهو في غاية الانجذاب منشرح الصدر ومسرورًا للغاية حتى صدر له الأمر المبارك بالسفر مع كل جناب آقا محمد باقر وجناب آقا عبدالغفار إلى إسلامبول حيث وقع في مخالب الأعداء هدفًا للسلاسل والأغلال هو وجناب الأسطى محمد على الدلاّك واعتبروا جناب جمشيد من الوحوش الكاسرة وجناب الأسطى محمد علي الدلاك من السباع الشاردة ثم دفعوا بهذين الشخصين المحترمين، بعد أن عذبوهما في السجون، إلى حدود إيران بصفة أسرى ليسلّما إلى الحكومة لصلبهما أو لشنقهما محذرين بكل شدة من تركهما مخافة أن يفلتا لذا كانوا يحبسونهما في أماكن صعبة للغاية حتى إنهم ألقوهما في غيابة جب عميق قاسيَا فيه أنواع العذاب



    طوال الليل حتى الصباح وعند ذلك صاح آقا جمشيد قائلاً: "أيها الحراس هل نحن يوسف الصديق حتى تلقونا في غيابة الجب! أما سيدنا يوسف فقد ارتفع من غيابة الجب إلى أوج قمر السماء. ولما كان إلقاؤنا في غيابة الجُبِّ هو في سبيل الله فلا شك ولا شبهة في أن هذا البئر العميق هو لنا عين الرفيق الأعلى".

    ومختصر القول، إن الحراس قد سلموهما لرؤساء الأكراد على حدود إيران ليبعثوا بهما إلى طهران غير أن هؤلاء الرؤساء لما تأكدوا أن هذين المظلومين من محبي الخير لجميع العباد وأنهما قد سطت عليهما يد التطاول دون ذنب اقترفاه أطلقوا سراحهما ولم يرسلوهما إلى طهران.

    وبمجرد إطلاق سراحهما قصدا محبوب العالمين سيرًا على الأقدام حتى وصلا إلى السجن الأعظم وألقيا عصاهما في جوار جمال القدم وآويا إلى رحابه. وقضى آقا جمشيد زمنًا طويلاً في غاية السرور والبهجة والفرح هانئ العيش في ظل ألطاف الرحمن فائزًا باللقاء في أكثر الأوقات ساكنًا مستقرًا وكان جميع الأحباء راضين عنه وهو راضٍ بما قسم له واستمر على هذا الحال حتى سمع نداء "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية"، فأجاب بقوله: "بلى!" وانتقل من السجن الأعظم إلى الأوج الأعلى طائرًا من عالم التراب إلى العالم الطهور. أغاثه الله في الرفيق الأعلى وأدخله في فردوس الأبهى وأخلده في جنة المأوى وعليه التحية والثناء. أما قبره المعنبر ففي عكاء.



    (46) الحاج جعفر التبريزي وأخواه

    كان للحاج جعفر التبريزي، الذي كان من جملة المهاجرين والمجاورين، أخوان هما الحاج حسن والحاج تقي، وكان هؤلاء الثلاثة كالنسور الطائرة أو كالنجوم البازغة المضيئة بنور محبة الله وأشعة أنوارهم بادية من أفق إيمانهم وإيقانهم.

    أما الحاج حسن فكان من المؤمنين السالفين استضاء ولمع بأنوار فجر الظهور منذ بزوغه، وكان فطنًا شديد الوله والانجذاب. سافر وانتقل بعد إيمانه إلى كل بلدة وقصبة في إيران تؤثر أنفاسه في قلوب المشتاقين حتى وضع الرحال في العراق. وفاز بشرف المثول بين يدي حضرة المحبوب وبمجرد مشاهدة أنوار الجمال انجذب إلى ملكوت الجلال فهام ووله واستنار وأنار ثم أُمر بالرجوع إلى إيران. ولما كان بائعًا جوالاً حمل سلعه متنقلاً من بلدة إلى أخرى ثم عاد إلى العراق للمرة الثانية فازدادت شعلة اشتياقه للجمال الأبهى حتى أصبح، وهو في دار السلام، في غاية الانجذاب ثملاً بصهباء الوصال واستمرّ على سفراته بين دار السلام وإيران لا يفكر إلا في ترويج الأمر وإعلاء كلمة الله ولم يكن يعبأ بأمور تجارته، ثم وقع في مخالب اللصوص وجردوه من سلعه وأصبح صفر يدين وكان يردد قوله: "إن حملي أصبح خفيفا". فانقطع عن كل علقة بهذه الدنيا ووصل انجذابه إلى حد



    الجنون وغدا مفتون جمال محبوب العالمين واشتُهر بين الخلق بالمجذوب إذ كانت تصدر منه حالات غريبة. مثلاً تراه أحيانًا يجالس الناس ويحادثهم في مسائل التبليغ ببيان فصيح مستشهدًا بالآيات والأحاديث المناسبة للمقام مع الأدلة العقلية والحجج الدامغة حتى إن سامعيه كانوا يقرّون برجاحة عقله ورزانته وسعة اطّلاعه. وكنت طورًا تراه من فرط انجذابه قد عيل صبره فيقوم ويرقص من شدة طربه، وكان طورًا يغني بصوت مرتفع ويترنم بالأشعار بأبدع الألحان وطورًا تراه يبتدع أنواعًا من الأغاني. وفي أواخر حياته، اقتصر على مصاحبة المدعو – جناب منيب – وصار يجالسه ويؤانسه وكان يجمعهما تناغم الأفكار والألحان في الروح والجنان.

    ومختصر القول، إنه بعد أن سافر الأحباء من بغداد رحل إلى أذربيجان وأخذ في نشر النفحات بنعرة – يا بهاء الأبهى – غير هيّابٍ ولا وجِل فتصدّى له جماعة من الملحدين الذين اتحدوا مع بعض آقاربه وأخذوه إلى حديقة هناك وبدءوا يستدرجونه في الحديث وكان يجيب عن أسئلتهم دون تستّر كاشفًا لهم الحجاب عن كل ما يتعلق بالظهور الأعظم ببراهين قاطعة بأفصح العبارات مستشهدًا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمأثورة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام برهانًا على ما يقول. وكان كلما أتم حديثه أخذه عامل الشوق والوله فيأخذ من شدة انجذابه في الغناء بألحان شجية أمام الحاضرين، وينشد الأشعار بخصوص هذا الظهور دون تلعثم أو انتظار، مما أثار حفيظة الملحدين من الأعداء فتجمعوا عليه وأوسعوه ضربًا حتى فارق الحياة ثم قطعوا جسده إربًا إربًا وطمروه في التراب.

    كان هذا الشخص الطاهر عديم النظير، قد جذب أخاه الحاج



    محمد جعفر إلى أنوار الجمال وقد فاز هذا الأخ بالتشرف بلقاء نيّر الآفاق في العراق واشتعل بنار محبة الله وكان بائعًا جوالاً مثل أخيه المرحوم واتفق أنه كان في إيران حال رحيل الجمال المبارك من بغداد إلى عاصمة مملكة الإسلام (إسلامبول) وما أن بلغ حضرته أرض السر حتى جاء ذلك الأخ مع أخيه الأخير – الحاج تقي – إلى أدرنه من أذربيجان واستأجرا بيتًا وسكناه إلى أن كانت نتيجة أعمال الأعداء إرسال الجمال المبارك إلى السجن الأعظم – عكاء – ومنعت الحكومة الأحباء عن مرافقة حضرته وقصدت بذلك أن يسافر الجمال المبارك ولا يكون في معيته غير أفراد أسرته وذويه، فلما شعر بذلك الحاج حسن المذكور لم يستطع صبرًا وجزّ حلقومه بموسى حاد ففزع القوم وهالهم هذا العمل بدرجة لا حدّ لها. ولما شاهدت الحكومة ذلك (يعني أن أهل البهاء لا يستطيعون الحياة بعد سفر محبوبهم) أجازة سفر الجميع في معيّة الجمال المبارك وكل هذا كان ببركة الحركة التي أبداها الحبيب الذي جُزّ حلقومه. ثم خاطوا الجرح ولم يكن هناك أمل في التئامه ونقلوا الجريح إلى المستشفى بأمر الجمال المبارك مؤكدين له بأنه سيحضر إلى عكاء بعد شفائه فاطمأن قلبه ثم سافر جمال القدم ومن معه إلى السجن الأعظم ولم يمض أكثر من شهرين إذ جاء جناب الحاج المذكور مع أخيه إلى قلعة عكاء وانضمّا إلى المسجونين من أهل البهاء فأخذت شعلة اشتياقه في الازدياد آنا غُبّ آن حتى إنه كان يسهر ليله حتى السحر يتلو الأنجية وعيناه تذرفان الدمع من شدة البكاء حتى سقط ذات ليلة عن سطح الثكنة فكانت القاضية وصعدت روحه إلى ملكوت الآيات.

    أما أخوه النوراني – الحاج تقي – فكانت أحواله وأطواره تتشابه



    مع ما كان لأخيه المرحوم جعفر بالضبط غير أنه كان أكثر سكونًا وعاش بعد أخيه منفردًا صامتًا في غرفته. وكان يجلس في كمال الأدب واتفق أنه بينما كان على سطح بيته مشغولاً بتلاوة الآيات إذ به يسقط خلف الدار وبالبحث عنه وجدوه فاقد الوعي. أما سبب وقوعه فلم يُعلم، أكان عمدًا أم سهوًا. ولما أفاق من غشيته قال: "إنني كرهت البقاء ولذا رجوت الفناء لأني لا أحب البقاء في هذا العالم ولو دقيقة واحدة وأرجوكم أن تدعوا الله أن يكون لي ذلك حتى أفارق هذه الدار."

    هذا شرح حال الأخوة الثلاثة الذين كان كل منهم نفسًا مطمئنة راضية مرضية مشتعلة منجذبة طاهرة مقدسة ولذا فارقوا هذا العالم وهم في غاية الانقطاع إلى الله والتوجه إليه والإيقان به ودخلوا الملكوت الأعلى. ألبسهم الله خِلع الفضل والإحسان في ملكوت الغفران وأغرقهم في بحار رحمته إلى أبد الآباد وعليهم التحية والثناء.



    (47) حضرة الحاج ميرزا محمد تقي أفنان

    كان حضرة الحاج ميرزا محمد تقي أفنان، الملقب بوكيل الدولة، من النفوس الزكية والحقيقة النورانية والجلوه الرحمانية.

    هذا الفرع الجليل هو من أفنان السدرة المباركة. اجتمع فيه شرف الأعراق مع حسن الأخلاق أما حسبه ونسبه فكان حقيقيًا وهو من الذين انجذبوا بنفحات الله بمجرد قراءة كتاب الإيقان وانشرحت صدورهم بترتيل الآيات فطغى عليه الوجد والوله بحيث ترك إيران قاصدًا العراق، ملبيًا النداء بالروح والريحان فقام من شدة الاشتياق وطوى الفيافي والقفار بكل روح وريحان إلى أن وصل إلى العراق وهو فائر لم يهدأ له بال ثم ذهب وهو في دار السلام إلى الساحة المقدّسة وفاز بشرف المثول بين يدي الجمال المبارك واعتلى ذروة القبول، فوله وانجذب وانقطع عما سوى الحق بدرجة تفوق الوصف. كان صبيح الوجه، نوراني الطلعة حتى إن جميع الأحباء في العراق سمّوه "أفنان المليح" وكان في الحقيقة نفسًا مباركة، ومحترمًا للغاية. لم يقصّر في خدماته طوال حياته، انجذب بنفحات الله من فاتحة أيام حياته وتوجت خاتمة مطافه بأعظم خدمة لأمر الله. كان حسن المعاملة، شهي الحديث، لم يفتر عن عبوديته للحق لحظة واحدة، يؤدي أعماله فرحًا مسرورًا، وكان كل ذلك مع ما كان عليه من حسن السلوك ينم



    عن مقدرة في تبليغ أمر الله وتنبيه الكثيرين. وبعد أن فاز بشرف اللقاء في بغداد، عاد إلى إيران وباشر أمر التبليغ بلسان فصيح، إذ هكذا يجب أن يكون التبليغ بلسان فصيح وقلم بليغ مشموليْن بحسن الأخلاق وحلاوة القول وطيب الأعمال والاستقامة في السير والسلوك حتى شهد الأعداء والخصماء بعلوه وروحانيته وأقرّوا بأن هذا الشخص لا نظير له في العمل والقول والتقوى والأمانة والديانة وهو فريد ووحيد في جميع الشؤون ولكنه للأسف بهائي أي أنه ليس مثلنا متهورًا غير مبالٍ ومرتكبًا للسيئات ومنهمكًا في الشهوات ومطيعًا للنفس والهوى.

    سبحان الله! فقد لاحظوا أن هذا الشخص الذي لا مِراء في أنه مطلع الهدى قد انقلبت أطواره العتيقة وأصبح بمجرد وصول نفحات الأبهى إلى سمعه، مشكاة شعاع شمس الحقيقة.

    لم يتنبه للأمر أيام كان تاجرًا في يزد، وبعد ذلك أصبح سبب انتشار نور الهداية حقًا. ولم يكن له مقصد سوى إعلاء كلمة الله، جل أمله نشر النفحات فكره محصور في التقرب من ساحة الكبرياء مطمئن القلب بترتيل آيات الله، مظهر رضاء الجمال المبارك ومطلع عطاء الاسم الأعظم، وكثيرًا ما تكررت على لسان جمال القدم عبارات الرضاء في حقه حتى إن الجميع تأكدوا أنه سيكون هذا الشخص مصدرًا لأمر عظيم. أما ثبوته ورسوخه على الأمر بعد الصعود المبارك فكان لا ينكره أحد ولم يكن ليتأخر عن الخدمة مهما كانت الحال رغم ما كان هناك من موانع وعقبات كأداء ومشاغل لا حصر لها. ولما عاف تشتت أفكاره ترك الراحة والتجارة والأملاك والأراضي والعقار ورحل إلى عشق آباد وشرع في بناء مشرق



    الأذكار هناك ولا مِراء في أن هذه الخدمة عظيمة للغاية لأنه كان أول شخص قام ببناء مشرق الأذكار (في مدينة العشق) وأصبح الباني الأول لبيت توحيد العالم الإنساني ووفق إلى ذلك بمعونة أحباء (عشق آباد) واعتبر السبّاق في هذا الميدان حيث لم يسبقه أحد في آقامة مشرق للأذكار. آقام في عشق آباد زمنًا طويلاً لم يذق للراحة طعمًا يحث الأحباء ويشوّقهم إلى ما هو قائم بعمله وهم بدورهم أيضًا قد بذلوا ما وسعهم في هذا السبيل مضحين بكل مرتخصٍ وغالٍ إلى أن تم البناء المذكور وعم صيته الشرق والغرب. أما هو فقد أنفق كل ماله، إلا القلة، في هذا السبيل. هكذا يكون الإنفاق وهذا هو شرط الوفاء.

    ثم توجه بعد ذلك إلى الأرض المقدّسة وآقام بجوار مطاف الملأ الأبهى ملتجئًا إلى المقام الأعلى (مقام حضرة الباب) بنهاية التضرع والابتهال وفي غاية التنزيه والتقديس، مشتغلاً بذكر الله على الدوام يناجي الحق بقلبه ولسانه.

    كانت روحانيته عظيمة ونورانيته لا مثيل لها، وكان من الذين قالوا في قلوبهم "بلى" قبل أن يُقرع طبل "ألسْت". وقد اشتعل في العراق بنار محبة نيّر الآفاق بين سنة السبعين والثمانين بعد المائتين للهجرة، وشاهد الإشراق من الأفق الأبهى، ولاحظ ببصيرته قوله: "إنني حي في الأفق الأبهى".

    أما بشاشتة فحدّث عنها ولا حرج. كان إذا ألمّ بي حزن ولاقيته استبدل حزني بالفرح والسرور في الحال. وكانت عاقبته، والحمد لله، ساطعة الأنوار للغاية وانتقل إلى الملكوت الأبهى بجوار المقام الأعلى فأثرت مصيبة انتقاله في عبدالبهاء أيما تأثير.



    أما مرقده المنور في حيفا بجوار حظيرة القدس قرب مقام سيدنا الخضر ويجب أن يشاد له قبر بكل إتقان. نوّر الله مضجعه بأنوار ساطعة من ملكوت الأبهى وطيب الله جدثه المطهر بصيّب مدرار من الرفيق الأعلى. عليه البهاء الأبهى.



    (48) جناب آقا عبدالله البغدادي

    كان من زمرة المهاجرين والمجاورين، جناب آقا عبدالله البغدادي الذي اشتهر بين الخلق في أول أدوار شبابه أنه من أهل اللهو والهوى المنهمكين في اللذائذ، وشهد الكل أنه من أسرى الشهوات المستغرقين في بحور المشتهيات الجسمانية، ولكنه بمجرد إيمانه وإيقانه وانجذابه بنفحات الرحمن أصبح خلقًا جديدًا في حالة تستوجب الاستغراب إذ انقلب فجأة بالكلية وأصبح سماويًا بعد أن كان أرضيًا، وروحانيًا بعد أن كان جسمانيًا، ونورانيًا بعد أن كان ظلمانيًا، ورحمانيًا بعد أن كان شيطانيًا، ولؤلؤ صدف لامع بعد أن كان خزفًا، وجوهرًا وضّاءًا بعد أن كان حجرًا أسودًا، وقد احتار الأغيار في أمره وقالوا: "ما هذا الانقلاب الذي حصل لهذا الشاب الذي أصبح منقطعًا عن الدنيا، منجذبًا إلى الحق، طاهرًا بعد أن كان دنسًا، لابسًا ثياب الزهد والتقوى بعد ما كان منهمكًا في اللهو والهوى. نراه اليوم قد زهد في الدنيا وطوى بساط اللذات والمرح وقنع من الدنيا بالوله والانجذاب إلى الحق".

    وخلاصة القول، إنه قد عاف الهناء ولذة العيش وتوجه راجلاً إلى عكاء بوجه مستبشر، كان بهي الطلعة نورانيًا وروحانيًا بدرجة أن قَلْبَ كل من رآه كان يمتلئ سرورًا وبهجة.

    سألته مرّة: "آقا عبدالله كيف حالك؟"، فأجابني: "كنت، يا



    مولاي، مظلمًا أصبحت بعناية الجمال المبارك وفضله منيرًا، كنت بلقعًا أصبحت روضة أوراد غناّء، كنت معذّبًا أصبحت في نعيم، كنت مكبلاً بالقيود الدنسة أصبحت حرًا منزهًا طاهرًا، كنت متعلّقًا بعالم الناسوت أصبحت متعلّقًا بعالم الملكوت، كنت كطائر في قفص أصبحت طليقًا أفترش الأرض في الصحاري الغبراء وألتحف السماء مسرورًا مبتهجًا. ولو أن فراشي كان قبل اليوم من الخزّ الناعم غير أن روحي كانت في عذاب أليم، ولو أني الساعة خالي الوفاض ولكنني في غاية الروح والريحان.

    وعلى الجملة، إن هذا الشخص المنجذب بالنفحات قد ذاب قلبه أسى لما شاهد مظلومية نيّر الآفاق وتمنى أن يفدي حضرته بالروح حتى حان حينه واستجيب دعاؤه وانتقل من هذا العالم الظلماني إلى العالم النوراني.

    أما قبره المنور ففي عكاء. عليه البهاء الأبهى وعليه الرحمة من فيض الكبرياء.



    (49) حضرة آقا محمد مصطفى البغدادي

    كان حضرة آقا محمد مصطفى البغدادي في عداد المهاجرين والمجاورين. هذا السراج الوهاج، النجل الخليل للعالم النحرير الشيخ محمد شبل، من أهل العراق العربي. اشتهر حضرة محمد مصطفى البغدادي بتفرده في جميع الآفاق بالشجاعة، والشهامة، والوفاق من فجر شبيبته. اهتدى إلى فجر الظهور منذ كان طفلاً على يد والده، فاستنار قلبه وأحرق ستر الوهم وفتح حديد بصره، فشاهد الآيات الكبرى وأعلى نعرة "قد أشرقت الأرض بنور ربّها" غير هيّاب ولا وجل.

    كنت ترى هذا الشخص الكريم، رغم التعرض الشديد للمؤمنين وسوط عذاب أولي الشأن وانزواء الأحباء خلف ستار التقية (عدم إظهار المعتقد) من شدة الخوف من الأعداء، غاديًا ورائحًا في دار السلام بكل شجاعة وجسارة يقاوم كل ظالم بعزم ثابت وقوة خارقة، واشتهر في سنة السبعين في العراق بمحبة نيّر الآفاق. وأما الذين اتخذوا الحيطة والكتمان أصبحوا في زوايا النسيان.

    وأيم الحق، إن هذا الهزبر الذي لا يضارع، كان يمرّ في أسواق بغداد يهابه كل من رآه، وتخشى الأشرار بأسه ولم يتعرضوا له مخافة بطشه. وقد ظهرت، على الأخص رجولة هذا الرجل الرشيد بأجلى



    معانيها للقاصي والداني، بعد رجوع جمال القدم من كردستان (السليمانية) إذ كان يتشرف بالحضور المبارك كلما صدر له الإذن بذلك، وكان يمتع سمعه بما يخرج من فم المبارك من البيانات ويفوز بالعنايات وهو أول محبّ ظهر في العراق جاهرًا بمعتقده واستمر بعد أن تحرك الموكب المبارك من دار السلام إلى المدينة الكبرى (اسلامبول) على مقاومة الأعداء وخدمة الأمر بكل همة ونشاط، يبلّغ الناس علانية ولما ذاع في الآفاق إعلان من يظهره الله كان من الذين أذعنوا لظهوره مع أنه كان متأكدًا من ذلك ومؤمنًا قبل الإعلان حتى إنه قال: "إنّا آمنا قبل أن يرتفع النداء، لأنه قد رفع الستار عن الإشراق بين الآفاق قبل ارتفاع النداء وشاهد الأنوار كل ذي بصر حديد ورأى الجمال المطلوب كل طالب بصير".

    وعلى الجملة، إن هذا الشخص قام على خدمة الأمر بكل ما أوتي من قوة، ولم يهدأ لحظة في هذا السبيل. وبعد حركة جمال القدم إلى السجن الأعظم لاقى هذا المحب من الأعداء ما لاقى، فبعد أسر الأحباء ونفيهم من الزوراء إلى الحدباء (الموصل)، وخصومة الأعداء وتعرّض أهل دار السلام، لم يفتر عن مقاومة الأعداء واستمر على ذلك زمنًا ليس بالقليل حتى تأججت نار الشوق للقاء المحبوب بين ضلوعه فترك الأوطان والأهل والخلاّن وتوجه منفردًا إلى السجن الأعظم (عكاء) فوطئ المدينة في أيام الشدة والضيق وفاز بشرف اللقاء وطلب السماح له بالسكنى حوالي عكاء. فصدر له الإذن بالآقامة في بيروت، فصدع بالأمر وآقام في تلك المدينة خادمًا للأمر بكل إخلاص، محطّ رحال جميع الأحباء الذاهبين للتشرف والآيبين من أرض المقصود. وكان يرحب بالجميع بكل حفاوة، يعاونهم ويسهل لهم الطريق بكل مودّة،



    مضحّيًا بكل مرتخصٍ وغالٍ في سبيل راحة الأحباء الذاهبين إلى عكاء والعائدين منها، والكل يشهد بذلك. وعمّت شهرته في هذا الصدد كل صوب وحدب. واستمر بعد أفول شمس الحقيقة وصعود نيّر الملأ الأعلى، ثابتًا مستقيمًا على العهد والميثاق الإلهي بدرجة زلزلت فرائص المتزلزلين الناقضين ولم يجرؤ أحد منهم أن يحرك لسانه بكلمة أمامه لأنه كان كالشهاب الثاقب يرجم الشياطين، وكالسيف القاطع على أعناق الناكثين، ولم يجرؤ أحد منهم أن يمرّ من الحي الذي هو فيه، وإذا تصادف أن مرّ به أحد الناقضين، في الطريق مثلاً، مرّ هذا الأخير مرّ الكرام وكأنه من الصم البكم العمي الذين لا يرجعون.

    حقًا، إنه كان بين القوم مصداق "لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا تزعزعه صولة شاتم".

    ومختصر القول، إنه لم يتزعزع عن أسلوبه، من قلب فارغ ونيّة صادقة وإخلاص في خدمة الأحباء قاصدي الروضة المطهرة، الطائفين حول مطاف الملأ الأعلى. ثم انتقل في أخر الأمر إلى بلدة الاسكندرونة وعاش فيها زمنًا منجذبًا إلى الله منقطعًا عما سواه مستبشرًا ببشارات الله متشبثًا بالعروة الوثقى مشهورًا بالتقديس، إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.

    رفعه الله إلى الأوج الأعلى والرفيق الأبهى، وأدخله في عالم الأنوار، ملكوت الأسرار، محفل تجلي ربه العزيز المختار. وعليه البهاء الأبهى.



    (50) جناب سليمان خان التنكاباني

    كان من جملة المهاجرين والمجاورين جناب سليمان خان التنكاباني الملقب ب‍ جمال الدين. ولد في مدينة تنكابان وهو من العائلات القديمة في ذلك الإقليم. نشأ ونما ورضع من ثدي الراحة والعزّة، وتربّى في أحضان الرفاهية والثروة، وكان ذا همّة عالية منذ طفولته، مقاصده نبيلة، ذا غيرة مجسمة ونشاط ملحوظ، كان يفكّر في التربع في دسوت المناصب، طالبًا التفوق على أقرانه وأترابه. ولذا بارح موطنه الأصلي إلى مقر سرير السلطنة يعني مدينة طهران أملاً في علو اسمه ورفعة مكانته وعظمة قدرته وتفوقه على أقرانه. غير أنه في طهران وصلت إلى مشامه نفحات الرحمن، وطرق سمعه نداء المحبوب العطوف، فخلّص نفسه من ارتباكات الفكر الناشئة من طلب الجاه وغلغلة العظمة والأبّهة الفانية وعزة هذا العالم الترابي وما به من غرور، وتحرر من القيود فعمّ قلبه الفرح والسرور بالموهبة الإلهية وتأكد أن صدر الجلال هو صفّ النعال وأن المناصب والدسوت سريعة الزوال فترك الدنيا ووطّد العزم على الراحة وعدم انشغال البال وتخلص من أغلال قيود البشرية وسلاسل التعلق بالدنيا فلبس إحرام حرم الكبرياء وعزم على التوجه إلى حيث المحبوب فقطع الفيافي والقفار إلى أن وصل إلى سجن عكاء وفاز باللقاء ومضى مدة في رحاب جمال القدم مستمعًا للنغمات الخارجة من الفم المبارك صاغيًا لجوامع الكلام



    وفصل الخطاب. وبعد أن تعطرت مشامه وتنورت بصيرته وتمتع بالعطاء الموفور وثمل من رحيق الرب الجليل وفاز من كل ذلك بنصيب موفور، صدر له الإذن المبارك بالسفر إلى بلاد الهند مأمورًا بتبليغ كل طالبٍ صادق، فصدع بالأمر وذهب إلى بلاد الهند. متوكلاً على الله منجذبًا بنفحات الله مشتعلاً بنار محبة الله وهام في تلك الأقطار وجاس خلال تلك الديار مدنها وبلدانها وقراها يضرب ناقوس الملكوت عاليًا مبشرًا بظهور مكلم الطور سالكًا سبيل رجال الله العاملين وغرس بذور التعاليم الطاهرة في تلك الأصقاع فنبتت نباتًا حسنًا ونمت وأينعت وانقاد الكثيرون إلى سفينة النجاة واهتدوا بنور الهدى وتنورت بصائرهم من مشاهدة الآيات الكبرى وكان هو الشمعة المضيئة للجميع في تلك الآقاليم واستمرت آثاره واضحة في بلاد الهند كل الوضوح وقام أغلب الذين آمنوا على تبليغ الأمر واشتغلوا بهداية الخلق مقتفين أثره.

    وخلاصة القول، فقد عاد بعد سياحته في بلاد الهند إلى الساحة المقدّسة وكان وصوله بعد الصعود المبارك فاتقدت في صدره نيران الحسرة وأصبح باكي العين مكلوم الفؤاد يفور قلبه كالأتون ولكنه كان ثابتًا على العهد والميثاق نابتًا في روضة الرضوان.

    وحدث أن تفضل جمال القدم قبل الصعود بقوله تعالى: "إذا توجه أحد إلى إيران، فليوصل من قِبَلي لأمين السلطان الرسالة الآتية: أن يا أمين السلطان، إذا بذلت الهمة في حق الأسرى وقمت بمعونة المحتاجين والمظلومين (من أهل البهاء) فخدمتك هذه لا تنسى وكن على يقين من أن هذا العمل سيكون لكم سبب العزة والبركة في جميع الشؤون. يا أمين السلطان اعلم أن كل بنيان في هذا العالم يؤول إلى الانهيار عدا البنيان الإلهي وهو الذي تزداد مت

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى