منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 37 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 37 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    تذكرة الوفاء لحضرة عبد البهاء 7

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    عاطف الفرماوى


    عضو ذهبي
    عضو ذهبي
    جناب حسين آقا التبريزي

    جناب حسين آقا التبريزي، كان من جملة المهاجرين والمجاورين. وهذا الشخص المقرب من باب الكبرياء هو النجل العزيز لجناب آقا عسكر التبريزي، وقد بارح مدينة تبريز في معيّة والده بكل شوق ووله إلى أرض السر (أدرنه) ومنها إلى السجن الأعظم بمحض اختياره وميله. وبمجرد وصوله إلى السجن عهد إليه بعمل القهوة للزائرين في نفس المعتقل قائمًا لدى العتبة المباركة بخدمة الأحباء. كان هذا الرجل الأديب حليمًا وسليم النية بدرجة أنه كان يقوم بخدمة كل وافد سواء أكان من الأحباء أو من الأغيار، وكان يظهر العبودية للجميع واستمر على هذا الحال أربعين عامًا لم يتأفف منه أحد خلال هذه المدة ولم يشكَّ أحد منه بالمرة وإن هذا لمن المعجزات حقًا، وإن غيره لم يقوَ على القيام بالخدمات التي أوكلت إليه.

    كان على الدوام بشوشًا مسرورًا مواظبًا على القيام بما عهد به إليه من الخدمات بكل إتقان. وكان مخلصًا غيورًا ثابتًا ووقورًا راسخًا في أمر الله حمولاً صبورًا على البلايا. ورغم اشتعال نيران الامتحانات وهبوب أرياح الافتتان التي هدمت كل بنيان بعد الصعود المبارك، فقد دام هذا الشخص الموقن مستقيمًا مع أنه كان يمتّ لبعض أفراد بيت الناقضين بصلة المصاهرة، وأصبح مصداق "لا تأخذه في الله



    لومة لائم". ولم يعتره أدنى تزلزل ولم يتوقف في معتقده، بل كان بمثابة الجبل الراسخ لا يتزعزع رزينًا كالحصن الحصين. أما الناقضون فقد أخذوا أمةالله المقدّسة والدته إلى دارهم، حيث توجد ابنتها، وبذلوا ما في وسعهم ليزلزلوها فلم يفلحوا رغم إظهارهم كمال المودّة لها بدرجة تفوق الوصف، وكانوا يخفون عنها نقضهم للعهد.

    وما لبثت أن اشتمت منهم رائحة النقض حتى بادرت تلك الأمة المحترمة، بمبارحة القصر إلى عكاء وهي تقول: "إنني إحدى خدّام الجمال المبارك، وليس هناك ما يزعزع ثبوتي ورسوخي على العهد والميثاق. لو كان زوج ابنتي أمير البلاد فليس هناك من فائدة تعود عليّ، ولا تعنيني قرابتي لأحد، ولا تؤثر أمومتي في معتقدي، وإنني لمنصرفة عن جميع المظاهر النفسية، مع ثبوتي على العهد وتمسكي بالميثاق". ومن ثم لم ترض مشاهدة الناقضين، وتبرّأت منهم وارتبطت مع الحق ليتولاها.

    ومختصر القول، إن جناب حسين آقا المذكور لم ينفكّ عن عبدالبهاء لحظة، مواظبًا على مؤانستي ولذا كان تعلقي به شديدًا واعتبرت صعوده مصيبة عظمى، وإني أتأثر جدًا كلما تذكرته وتستولي عليّ الحسرة. ولكني أشكر الله، على أن هذا الرجل الإلهي عاش في جوار البيت المبارك مظهرًا للرضاء وكثيرًا ما سمعت من لسان العظمة قوله تعالى: "إن حسين آقا قد خلق لهذه الخدمة".

    وأيم الله، إن هذا المؤمن النوراني قد ترك هذا العالم الفاني بعد أن قام بالخدمة أربعين عامًا، وطار إلى العالم الإلهي.

    عليه التحية والثناء، وعليه الرحمة من فيض الكبرياء، وحفف جدثه بأنوار ساطعة من الرفيق الأعلى.

    أما قبره النوراني ففي حيفا.



    (62) جناب الحاج علي عسكر التبريزي

    كان هذا الرجل الجليل من أهالي تبريز، مشتغلاً بالتجارة في أذربيجان، محترمًا بين القوم مشهورًا بتدينه وأمانته وزهده وورعه وتقواه. وجميع أهالي تبريز يقرون له بذلك، ويقدرون مقامه ومكارم أخلاقه وحسن طويته، وينعتونه بعظيم المناقب. هو من قدماء الأحباء وأجلّة المؤمنين.

    انصعق منذ النفخة الأولى في الصور، وانجذب إبان النفخة الثانية ونال حياة جديدة، وأصبح شمعة محبة الله، وشجرة مباركة في جنة الأبهى، وآمن على يديه كل أهل بيته وآقاربه وعارفيه، وتوفق إلى عظيم الخدمات. ولمّا وقع في الضيق الشديد وتوالي البلايا من ظلم الأشرار في مدينة تبريز لم يضجر بل تحمل كل ذلك وكان إيمانه وإيقانه يزداد يومًا فيومًا مضحيًا بكل مرتخصٍ وغالٍ في سبيل الله. وأخيرًا ملّ الآقامة في وطنه فسافر هو وأهل بيته إلى أرض السرّ (أدرنه) وأمضى أوقاته بها في حالة إعسار شديد، وعاش بمنتهى القناعة صابرًا وقورًا وراضيًا وشكورًا، وكان يبيع ما تأبطه معه من السلع في الأسواق التي كانت تقام أيام الجمع في أدرنه للحصول على ما يسد رمقه هو وذويه. ولما كانت بضاعته مزجاة، سطت عليها يد النشالين حتى أصبحت في خبر كان. ولما علم قنصل إيران بما حدث قدّم للحكومة



    التركية تقريرًا بالحادث وقدّر المسروقات بمبلغ باهظ، فما كان من الحكومة إلا أن ألقت القبض على اللصوص، ولما تبين أنهم من أهل الثراء، استغل القنصل الفرصة واحضر جناب الحاج المذكور وأخبره أن الذين سرقوا سلعه هم من أهل الثراء العظيم، وأنه (القنصل) قد قدّر مبلغًا باهظًا ثمنًا للمسروقات في تقريره للحكومة. وعليه يرى من الواجب على الحاج عسكر في هذا الحال أن يوافق، عندما يدعى للتحقيق، على ما جاء في تقرير القنصل، وذلك ليحصل على مبلغ وافر يتقاسماه معًا، فأجابه الحاج بقوله: "يا جناب القنصل، إن ما سرق مني هو شيء زهيد فكيف أن أقرر خلاف الواقع، وهذا ما سيكون مني إذا دعيت للاستنطاق. وإني لن أعمل بما تقول مهما كان الحال". فقال القنصل: "يا جناب الحاجي، إن الفرصة الآن سانحة لك للحصول على المال الذي سيستفيد منه كلانا فائدة لا بأس بها، فلا تضيّع هذه الفرصة". فقال له ذلك الحبيب: "يا جناب الخان (القنصل)، ماذا يكون جوابي بين يدي الله؟ أرجوك أن تتركني وشأني، وتأكد أنني لا أقول غير الواقع". فاشمأزّ القنصل وهدده وتوعده ثم قال: "أتريد تكذيبي وفضيحتي. لا سبيل من سجنك ونفيك وإيصال الأذى إليك. والآن سأسلمك للشرطة بدعوى أنك من المغضوب عليهم من دولة إيران ويجب أن يقيّدوا يديك بالأصفاد ويسوقوك إلى حدود إيران". فتبسّم ذلك الرجل عظيم الشأن وقال: "يا جناب الخان (القنصل)، إننا قد جعلنا أرواحنا فداء الصدق والأمانة وتركنا كل شيء، وحضرتك الآن تحرضنا على استعمال الكذب والافتراء، فافعل ما بدا لك، ثم اعلم أننا لا نحيد عن عبادة الحق والصدق". فسكت القنصل، ثم التفت إلى ذلك الشخص الجليل وقال له بعبارة ملؤها الرجاء: "من



    باب أولى أن تسافر من هنا حتى أكتب للحكومة أن صاحب المال المسروق ليس موجودًا، وإن لم تفعل ذلك فتتضح فضيحتي". فعاد جناب الحاج علي عسكر إلى أدرنه ولم يذكر شيئًا عن أمواله التي سرقت. ولما ذاع صيت هذه المسألة اندهش القوم كل الاندهاش.

    وأيم الله، إن هذا الشخص الطاعن في السن، والذي لا نظير له، قد آقام في أدرنه وأصبح في عداد الأسرى كباقي الأحباء، وسار في الموكب المبارك إلى السجن الأعظم الذي هو من أحط السجون. وصبر على السجن مدة طويلة هو وأفراد أسرته حامدًا شاكرًا على أنه قد سجن في سبيل الله، وازداد من جرّاء سجنه بهجة وسرورًا وشغفًا وحبورًا، واعتبر السجن إيوانًا ولم يفُه بكلمة غير الحمد والشكر. وكلما اشتد عليه ظلم الأعداء ازداد سرورًا، وكثيرًا ما جرى من فم المبارك المطهر عبارات العنايات في حقه حيث كان يتفضل بقوله: "إنني راضٍ عنه".

    وعلى الجملة، إن هذا الشخص الذي كان روحًا مجسمة قد انتقل من عالم التراب إلى العالم الطهور بعد أن أفنى السنوات الطوال، كان إبّانها مثال الثبوت والاستقامة والفرح والسرور، وخلّف بعده أثرًا عظيمًا، كان أنيس هذا العبد (عبدالبهاء) ونديمه. ومما يجدر بالذكر أنني ذهبت ذات يوم من أيامنا الأولى في السجن إلى الغرفة المتواضعة التي كان يسكنها، فرأيته محمومًا بدرجة لا توصف، وملقى كالسكران مدهوشًا، وزوجته المحترمة عن يمينه وقد اعترتها رعشة شديدة، وعن يساره ابنته المحترمة المسماة فاطمة، وقد أصابتها الحمّى الشديدة، وأمام رأسه ولده حسين آقا مريضًا بالحصبة، وترى أن ذلك الشخص كأنه قد نسي اللغة الفارسية وأصبح يلهج بلغة أهالي أذربيجان ويقول،



    (ياندى يوره كم) يعني أن قلبي لفي احتراق، وكانت إزاء قدميه إحدى بناته منكمشة في زاوية من شدة المرض أيضًا، وكان أخوه المرحوم المدعو مشهدي فتاح، يهذي من شدة الحمّى، وهو على هذه الحال، كان لا ينطق إلا بالشكر لله وتلوح عليه إمارات البشاشة والسرور والحمد لله تعالى. ثم صعدت روحه وهو في السجن الأعظم صابرًا شاكرًا ثابتًا ووقورًا إلى جوار الرب الغفور.

    عليه البهاء الأبهى، وعليه التحية والثناء، وعليه الرحمة والغفران إلى أبد الآباد.



    (63) جناب آقا علي القزويني

    جناب آقا علي القزويني هو من زمرة المهاجرين والمجاورين، وهو من ذوي الهمم العالية العلوية، عظيم الثبوت والاستقامة، محكم ومتين في قوة الإيمان، ومن الأحباء الأقدمين، ومن أجلّة الأصحاب. انجذب إلى حضرة الأعلى، روحي له الفداء، من أول طلوع صبح الهدى، وقام على هداية الناس. يشتغل في محله بصناعته، وفي الليل يهيئ الموائد والولائم للأحباء الروحانيين الذين كان يدعوهم مع غيرهم، وبهذه الوسيلة كان يتوصل لهداية الخلق، وكان يترنم بنغمات شجية تدل على انجذابه وعشقه الإلهي، همته لا تضارع، وثبوته ورسوخه حدّث عنهما ولا حرج. ولما انتشرت نفحات بستان الأوراد الإلهية، وعطرت مشامه، أشعل النار الموقدة وحرق أستار الأوهام، وأخذ في نشر الأمر المبارك، وكان في الليالي يرتل الآيات والأنجية في المجامع والمحافل بألحان تطرب القلوب وتسترعي الأسماع بدرجة تغبطه عليها الرياض والأوراد مبشرًا بالظهور الأعظم، مُظهرًا كمال المحبة للأحباء والأغيار، ألِفًا وفيًا للجميع، كريمًا، واسع الصدر، ونسج على هذا المنوال إلى أن ضرب ناقوس الرحيل إلى السجن الأعظم (عكاء) فتوجه إليها ومعه أهل بيته وكابد مشاق وعثاء الطريق، ولم يعبأ بما لآقاه من البلايا لشدّة شوقه للقاء المحبوب، ولم تُثْنِ همته الحوادث عن المسير في الوديان



    والصحارى حتى ألقى عصاه بعكاء، وآوى في جوار الرحاب المبارك، وعاش في أول الأمر عيشة ناعمة في راحة وهناء، وبعد ردح من الزمن وقع في مخالب الفاقة والإعسار الشديد حتى بلغ به الحال أنه كان في أغلب الأحايين يطوي الضلوع على الجوع حيث لم تصل إلى يده كسرة من الخبز ليسدّ بها رمقه، واستبدل شرب الشاي بالماء القراح.

    ورغم كل هذا فكان قانعًا مسرورًا وراضيا بما قسم له، وكان شرف الحضور بالساحة المقدّسة يفيض عليه غيث السرور والحبور، ويعدُّ لقاء المحبوب نعمة موفورة. غذاؤه كان مشاهدة الجمال وشرابه نسمة الوصال، كان دائم البشاشة، قليل الحركة ساكنًا، أما قلبه وروحه ففي نهاية الاشتعال والوله، وكان ألِفًا وفيًا لهذا العبد (عبدالبهاء) بل رفيقًا مسرّا وجليسا محبوبا وأنيسا لا يمل، مقربا لدى الساحة المقدّسة، محترما بين الأحباء والأصحاب، زاهدًا كل الزهد في الدنيا، متوكلاً على حضرة الواحد الأحد، لا يتلوّن ولا يتغير بالمرة ثابتا مستقيما كالجبل الراسخ في الأمر.

    إنني كلما تذكّرت صبر هذا الشخص وسكونه وقناعته وثبوته اندفعت، دون تكلّف، إلى طلب الألطاف له من حضرة الأحدية. كان هذا الشخص يشكو باستمرار من الأمراض والعلل والنوازل التي استولت عليه مما كان يكابده من المتاعب والمشاق التي لا تحصى. ولما كان في قزوين وقع فريسة أهل النفاق الذين كانوا يصفعونه على أم رأسه المباركة بالأكف وغيرها، وآثار ذلك ظاهرة حتى الساعة في سمت رأسه ولم تختف حتى لفظ النفس الأخير. ولكم أذاقه الظالمون من العذاب ألوانا، ولكم توالى عليه الأذى من أهل النفاق ولا ذنب له



    إلا الإيمان والإيقان، ولا جرم اقترفه سوى محبته لله، على حدّ قول الشاعر:

    أزالوا الشعر من رأسي جزافًا بصفعاتٍ شدادٍ لا بموسَى

    وكل تعرض لاقيت منهم ولم أر بينهم شخصًا أنيسَا

    وذنبي كان إيماني بربي وودي أن أكون له جليسَا

    وأنشر أمره بين البرايا لأحيي من بريته نفوسَا

    فيوسف ما الذي قد كان منه من الإجرام يوم غدا حبيسَا

    وهذا مصداق حال جناب آقا علي.

    وبالاختصار، إن هذا الشخص الجليل مضى كل أوقاته وهو في السجن الأعظم، مشتغلاً بالتبتل والتضرع والتقرب إلى الله، وكان مورد عناية الرب الغفور مشمولاً بالألطاف بدرجة لا حدّ لها، وكان يفوز بشرف اللقاء في أغلب الأحيان، وفي ذلك كان سروره وانشراح صدره وبهجته وارتياحه، حتى وافاه الأجل المحتوم وصعدت روحه إلى العالم اللامتناهي، وطار إلى ملكوت الأسرار واستظل في ظل الجمال.

    عليه التحية والثناء، وعليه الرحمة من رب الآخرة والأولى، نوّر الله مضجعه بأنوار ساطعة من الرفيق الأعلى.



    (64) جناب آقا محمد باقر وآقا محمد إسماعيل

    إن جناب آقا محمد باقر وآقا محمد إسماعيل، هما من الذين زُج بهم في سجن عكاء في سبيل الله، وهما أخوا المرحوم پهلوي رضا، ويشتغلا بمهنة الخياطة. هاجرا من إيران إلى أرض السرّ (أدرنه) واستظلا في ظل العناية الرحمانية، ثم سافرا إلى عكاء صحبة الجمال المبارك.

    أما أخوهما المرحوم پهلوان رضا، عليه الرحمة والرضوان وعليه البهاء الأبهى وعليه التحية والثناء، فكان شخصًا عاريًا عن رداء العلم، مشتغلاً بالتكسب لوقوعه في الفاقة كسائر أهل العشق الإلهي، وأخيرًا خلع رداء الحياة وطار إلى أوج العرفان الأعظم. إنه كان من المؤمنين السابقين. ومع قلة بضاعته قد أدهش أهالي كاشان بما كان يتدفق من فيهِ من البيانات حتى بُهتوا وتملكتهم الحيرة. وقد ذهب ذلك الشخص الأمي، في الظاهر، ذات يوم إلى المدعو الحاج كريم خان، في مدينة كاشان، وسأله قائلاً: "يا جناب الخان، هل أنت الركن الرابع؟ أفدني لأني متعطش لعرفان الركن الرابع لأني أحب أن أكون من عارفيه". ولما كان في محضر الخان المذكور جمع من الأمراء السياسيين والعسكريين، أجاب بقوله: "أستغفر الله، إنني بريء من كل من ادعى أنني الركن الرابع، وأنا لا أدعي ذلك، ومن روى عني مثل هذا الادعاء



    فهو كذاب أشر وعليه لعنة الله". ثم زاره پهلوان رضا للمرة الثانية بعد أيام قلائل وقال له: "إنني قد تصفّحت (مؤلّفكَ) الكتاب المعروف ب‍‍‍ إرشاد العوام كله، وعلمت منه أنك من الواجب المفروض معرفة الركن الرابع. وأنك، والحقيقة هذه قد ساويته بنفس الإمام صاحب الزمان، ولهذا أرجوك كل الرجاء أن تعرّفني إياه وأين هو، وإني أكرر رجائي أن تدلني عليه". فاشمأز الحاجي المشار إليه وقال: "إن الركن الرابع ليس شخصًا موهومًا بل شخص معلوم ومعروف كشخصي وأنا لابس عمامتي وفوق ظهري عباءتي وعصاي في يدي". فتبسّم پهلوان رضا وقال: "عفوًا يا جناب الحاجي، إن أقوالك متناقضة، إذ قلتَ لي في المرة الأولى شيئًا والآن تقول شيئًا آخر". فحنق الحاجي جدّ الحُنق، ثم قال: "ليس لدي الآن متسع من الوقت، وسنتكلم في هذه المسألة في وقت آخر فاعفني الآن". والمقصود أن هذا الشخص، پهلوي رضا، وإن كان في الظاهر أميّا غير أنه كان مصداق ما قاله العلام الجلّى قد أوقع الركن الرابع في الركن الرابع وألزمه الحجة وحيّره.

    ومختصر القول، إن فارس الميدان وغضنفر العرفان هذا (پهلوي رضا) كان كلما حرّك لسانه في المحافل أدهش المستمعين، وكان ملجًا للاجئين، ومساعدًا للطالبين، واشتهر باسم الحق في جميع الآفاق. ثم ترك الرخيص والغالي وصعد إلى الملكوت الأبهى.

    أما أخواه العزيزان، فقد وقعا أسيرين في يد الأعداء، ودخلا في عداد المظلومين في السجن الأعظم. وأما هو فقد أسرع إلى الملكوت الأبهى بينما كان في حالة الانقطاع الكلي، وكمال الانجذاب وذلك في أول أيامنا في عكاء التي كان هواؤها في ذلك الحين مسمومًا، حتى



    جعل كل وارد عليها عرضة للمرض وملازمة

    فراشه، وما لبثت الأمراض أن نشبت أظفارها في كل من جناب محمد باقر وآقا محمد إسماعيل ولم يكن هناك وجود للأطباء والعلاج. وصعد هذان النوران المجسمان إلى عالم الأبدية في ليلة واحدة حاضنيْن بعضهما البعض، فتحسّر عليهما الأحباء جدّ التحسّر وبكاهما الكل ليلة صعودهما.

    ولما أتيتُ في الصباح لآخذ الرفاتيْن المطهريْن للدفن، حال دون ذلك الحراس وقالوا: "لا يجوز لأحد منكم الخروج من القشلة (الثكنة) فأعطونا الرفاتين حتى نغسلهما وندفنهما وعليكم دفع التكاليف". ولسوء الحظ، لم يكن لدينا ما ندفعه للمصاريف، بل كانت هناك سجادة موضوعة تحت قدمي الجمال المبارك الذي تكرّم حضرته، روحي له الفداء، برفعها من تحت قدميه بغية بيعها وإعطاء ثمنها للحراس لتجهيز الرفاتين ودفنهما. ثم بعنا السجادة المشار إليها بمائة وسبعين قرشًا وسلّمنا هذا المبلغ للحراس، فما كان من هؤلاء الظالمين إلا أن واروا الرفاتين بثيابهما دون غُسلٍ في قبر واحد. ولما كانت روحاهما متحدتين في الملكوت الأبهى، فجسماهما أيضًا يحتضنان بعضهما تحت الثرى.

    كانت عناية الجمال المبارك بشأن هذين الحبيبين لا حدّ لها، إذ كانا مشموليْن بالألطاف طوال أيام حياتهما وقد جرى القلم الأعلى بذكرهما في الألواح المباركة بعد وفاتهما.

    أما قبراهما ففي عكاء. عليهما التحية والثناء وعليهما البهاء الأبهى وعليهما الرحمة والرضوان.



    (65) جناب آقا أبو القاسم السلطان آبادي

    وجناب آقا فرج

    كان في عداد المسجونين جناب آقا أبو القاسم السلطان آبادي، رفيق المدعو آقا فرج في أسفاره. فهذان الشخصان المؤمنان الثابتان المستقيمان، قد بارحا إيران إلى أدرنه بقلب سليم وروح أحيتها نفثات الروح الأمين لأنهما لم يستطيعا البقاء في وطنهما العزيز من ظلم أولي الشأن واعتساف الأعداء، وأخذا يطويان الصحارى والهضاب طليقيْن غير مقيديْن، وتحملا وعثاء الطريق وركوب البحار، ينامان على التراب ويلتحفان السحاب، غذاؤهما ما تنبت الصحراء رغم ندرة الماء، ترعى عيونهما في الليالي نجوم السماء، وبعد التي واللتيّا وصلا إلى أرض السر (أدرنه) في الأيام الأولى من ورود الجمال المبارك إليها فأخذا أسيريْن وذهبا في معيّة الجمال المبارك إلى السجن الأعظم.

    وهنا أصيب جناب آقا أبو القاسم بالحمى الشديدة وفارق الحياة، وحكاية دفنه لا تقل،ّ عما حدث للأخوين آقا محمد باقر وآقا محمد إسماعيل السالف ذكرهما، ولا تزيد غير أنهم دفنوه خارج عكاء حيث جسده المطهر الآن. وقد أظهر الجمال المبارك بشأنه كمال الرضاء وقد بكاه جميع الأحباء بكاء مرًا، واحترقت قلوبهم من هذا الفادح الجليل عليه البهاء الأبهى.



    أما جناب آقا فرج فقد كان في جميع الأحوال رفيقًا حميمًا لأبي القاسم المذكور وملازمًا له. وما أن ذاع خبر الظهور الأعظم في عراق العجم، حتى تزلزلت أركانه وردد صداه مهللاً وظعن إلى العراق العربي فوجد ضالته وكان سروره لا يقدّر عندما أتى إلى الساحة المقدّسة ودخل في محفل الأنس وفاز بشرف الحضور، وبعد برهة عاد إلى سلطان آباد، يحمل أعظم البشارات، في حين كان أهل النفاق مترصدين للأحباء مشعلين نيران الفساد، وكانوا يفتكون بالأحباء ويسقونهم كأس الشهادة ظلمًا وعدوانًا. وكان بين من استشهدوا ظلمًا واعتسافًا تلك النفس الطاهرة المقدسة (الملا باشي). أما آقا أبوالقاسم وآقا فرج فكانا قد تواريا عن أعين الظالمين ثم سافرا إلى أرض السر (أدرنه) ومن هناك إلى السجن الأعظم (عكاء) في معيّة المحب المحبوب. وهنا انفرد آقا فرج بشرف خدمة الجمال المبارك وملازمة العتبة المقدسة، لا يألو جهدًا في تسلية الأحباء وكان الخادم الصادق في أيام الجمال المبارك والخل الوفي لجميع أهل البهاء. وظلّ بعد الصعود المبارك ثابتا على العهد والميثاق وكالنخلة الباسقة في إظهار عبوديته للأحباء. دام هذا الشخص البارع الصادع ناسجًا على منوال القناعة صابرًا في موارد البلاء.

    وبالإجمال، إنه رحل من هذا العالم وهو في كمال الإيمان والإيقان والتوجه، وكان في أيامه مظهر الألطاف اللانهاية. عليه الرحمة والرضوان وعليه التحية في جنة الرضوان وعليه الثناء في فردوس الجنان.



    (66) حرم حضرة سلطان الشهداء

    كانت في عداد المهاجرات أمةالله – فاطمة بيگم – حرم حضرة سلطان الشهداء. وقعت هذه الورقة المقدّسة، ورقة الشجرة الإلهية، من أول شبابها في غمار البلايا اللامتناهية وذلك في سبيل الله وكان أول ما انصبّ عليها من المصائب وفاة والدها ذلك الجوهرة النقية بعد أن أضناه التعب ووهن العظم منه في الغربة مما قاساه في طي الصحاري وعظيم المشاق والكروب التي لا حد لها ووافاه الأجل المحتوم في إحدى النزل الريفية في ضواحي بدشت. فتيتّمت هذه المخدّرة من بعده إلى أن ساقتها العناية الإلهية ودخلت في عصمة حضرة سلطان الشهداء.

    ولما كان سلطان الشهداء مشهورًا بين الجميع ببهائيته وبانقطاعه الكلي للجمال الرحماني حتى أصبح حيرانا هائما في ذلك الميدان، وحيث إن ناصر الدين شاه كان مولعًا بسفك الدماء والأعداء يقفون بالمرصاد للأحباء ويقومون ضدهم بالسعاية وإثارة كوامن الفتن والاضطرابات. لهذا كله، كانت أسرة سلطان الشهداء غير مطمئنة عليه وتترقب استشهاده في كل لحظة، فاستولى عليهم الاضطراب الشديد لأن الأسرة كلها كانت مشهورة بالبهائية، وكان الأعداء يناوئون أفرادها ظلما وعدوانا، وكانت الحكومة تتعرض لهم باستمرار وكذلك شاه إيران كما ذكرنا.



    ومن هذا يتبين حال هذه الأسرة وكيف كانت تعيش والشعب يُظهر لأفرادها كل الكراهية، وتقوم عليهم الغوغاء في كل حين ويشهّرون بهم حتى وقع حادث استشهاد حضرة سلطان الشهداء وحدّث ولا حرج عما أظهرته الحكومة من الوحشية المتناهية التي فزع وجزع لهولها البشر. وما اكتفت بذلك بل نهبت أمواله وبددت ممتلكاته الأمر الذي جعل كامل أفراد الأسرة في حاجة إلى القوت الضروري. أما فاطمة بيكم فقد أخذت في البكاء والنحيب والتحسر ليل نهار وكانت تخفي ذلك على أطفالها رأفة بهم وعليهم رغم التهاب نار الحسرة والأسى بين ضلوعها غير أنها كانت تتلو على الدوام آيات الشكر لله الواحد الأحد لأنها اعتبرت أن كل هذه المصائب والنوائب كانت، والحمد لله، في سبيل نيّر الآفاق وفي محبة كوكب الإشراق. وكل هذا جعل أفراد أسرة سلطان الشهداء ممتازين بين أهل الإيمان، وكانت أمةالله المذكورة كلما حلّت بهم مصيبة قالت بكل إخلاص: "الحمد لله الذي ساوى هذه الأسرة بالأسرة النبوية".

    ولما كان التضييق على هذه الأسرة من قبل الحكومة والأعداء على أشده، أمر الجمال المبارك بإحضار جميع أفرادها إلى السجن الأعظم (عكاء) ليعيشوا مطمئنين بجوار الموهبة الكبرى. فأمضوا زمنا هانئين في الجوار الرحماني ورغم كل هذا فقد أصيبت هذه العائلة بوفاة نجل سلطان الشهداء المدعو آقا ميرزا عبدالحسين، فما كان من والدته فاطمة بيگم إلا التسليم والرضاء ولم تجنح إلى النحيب والعويل حتى إنها لم تقِم له عزاء ولم تفه بشيء يدل على التأثر أو التحسر.

    كانت هذه السيدة (فاطمة بيگم) متردية برداء الصبر الجميل والوقار شاكرة لله بدرجة تفوق الحدّ، ومع وقوع المصيبة الكبرى والرزية العظمى بصعود



    سراج الملأ الأعلى (حضرة بهاءالله) عيل صبرها ونفد استقرارها وزاد اضطرابها وحرقة قلبها حتى أصبحت كالحوت المتبلبل على التراب من شدة العطش ولم تهدأ لها حال ولم تقوَ على تحمل الفراق، فودعت أطفالها وعاجلها الأجل المحتوم وصعدت في جوار الرحمة الكبرى منتقلة إلى ظل عناية حضرة الأحدية واستغرقت في بحر الأنوار.

    عليها التحية والثناء، وعليها الرحمة والبهاء، وطيب الله ثراها بصيّب الرحمة من السماء، وأكرم الله مثواها في ظل سدرة المنتهى.



    (67) شمس الضحى

    كانت أمةالله المنجذبة بنفحات الله حضرة خورشيد بيگم الملقبة ب‍‍‍‍ شمس الضحى والدة حرم سلطان الشهداء في عداد المهاجرات والمجاورات. وأمةالله المفوّهة هذه، هي ابنة عم الحاج سيد محمد باقر المعروف بالعلم في جميع الآفاق والذي كان أمير العلماء في أصفهان.

    ولما فقدت أمةالله هذه، المنجذبة، والديها وهي في سن الطفولة، تولت جدتها أمر تربيتها فترعرعت واشتدت في سراي ذلك العالِم الذي لا يجارَى والمجتهد المشهور سالف الذكر، ونمت في أحضان العلوم والفنون والمعارف. ولما بلغت سن الاحتلام، تزوجت جناب آقا ميرزا هادي النهري. ولما كانت مشام الزوجين قد تعطرت بنفحات العرفان من ذلك النجم الساطع البارع الصادع ألا وهو حضرة الحاج سيد كاظم الرشتي، لهذا رحلا إلى كربلاء صحبة المدعو آقا ميرزا محمد علي النهري شقيق ميرزا هادي المذكور وأخذا يحضران مجالس دروس السيد كاظم لاقتباس أنوار المعارف حتى أصبحت أمةالله المنجذبة (شمس الضحى) متفقهة في المسائل الإلهية وما ترمي إليه الكتب السماوية وتتبعت الحقائق والمعاني بكل دقة. ثم أنجبت ولدًا وبنتًا وهما السيد علي وفاطمة بيگم التي تزوجت بعد سن البلوغ من حضرة سلطان الشهداء.



    في أثناء آقامة تلك الأم النورانية (شمس الضحى) في كربلاء، وإذ ارتفع نداء الرب الأعلى من مدينة شيراز قالت: "بلى!"، وآمنت على الفور. وفي تلك الآونة، سافر إلى شيراز قرينها المحترم آقا ميرزا هادي النهري وأخوه المبجّل لأنه قد سبق لهذين الأخوين أن شاهدا جمال النقطة الأولى (الباب)، روحي له الفداء، في ضريح سيد الشهداء (الحسين بن علي) عليه الصلاة والسلام وعند ذلك أخذتهم الحيرة بمجرد مشاهدة شمائله النورانية وخصاله وفضائله الرحمانية حتى قالا لبعضهما: لا شبهة في أن هذا الرجل رجل عظيم ولذا أجابا ب‍‍‍‍ "بلى" بمجرد استماع النداء واشتعلا بنار محبة الله لأنهما كانا يسمعان المرحوم السيد كاظم كل يوم ينادي في مجالسه المملوءة بالفيض ويقول صراحة: "إن الظهور لقريب!"، وإن هذا المطلب غاية في الدقة والرقة وعلى الكل أن يتنسموا أخباره ويتفحصوا أيضًا لعل حضرة الموعود يكون حاضرًا وموجودًا بين الناس. لكن الكل غافلون كما أشير إلى ذلك في بعض الأحاديث (الشريفة).

    وما أن بلغ الشقيقان إيران حتى بلغهما أن حضرة الأعلى (الباب) قد سافر إلى مكة المكرمة. لهذا ذهب حضرة آقا سيد محمد علي إلى أصفهان، أما آقا ميرزا هادي فقد عاد إلى كربلاء. وكانت شمس الضحى قد تعرفت في تلك الأثناء بأمةالله ورقة الفردوس أخت جناب باب الباب (ميرزا حسين البشروئي) ثم تقابلت بواسطة هذه الأخيرة مع جناب الطاهرة، وتمكنت عرى الألفة والمحبة والمؤانسة بينهن، وكن يجتمعن ليل نهار ويشتغلن بأمر التبليغ. ولما كان الأمر الإلهي في بدايته كان القوم ينفرون منه بعض النفور. وأدت ملآقاة شمس الضحى بحضرة الطاهرة إلى زيادة انجذابها واشتعالها واستفاضتها التي لا حدّ لها وقد



    استمرت في عشرة حضرة الطاهرة في كربلاء مدة ثلاث سنوات تجالسها ليل نهار، وكانت كلما تحدثت تدفق من فمها الحديث كالبحر الزاخر بنسائم الرحمن وهي هائجة مائجة تتكلم بلسان فصيح.

    ولما اشتهر أمر الطاهرة في كربلاء وانتشر صيت أمر حضرة الأعلى (الباب)، روحي له الفداء، في أنحاء إيران قام علماء آخر الزمان على تكفير معتنقيه وتحقيرهم وتدميرهم وأصدروا فتوى بقتل عموم أتباع الباب. وقام علماء السوء في كربلاء على تكفير جناب الطاهرة ثم هاجموا بيت شمس الضحى ظانين أن حضرة الطاهرة فيه، ثم أحاطوا بأمةالله المنجذبة (شمس الضحى) وأوسعوها ضربًا وشتمًا ولعنًا وزجرًا وتأنيبًا بدرجة لا توصف ثم سحبوها من الدار إلى السوق، فهجم عليها الأعداء وأوسعوها ضربًا بالعصي وقذفوها بالحجارة وبينما هي على هذه الحال إذ أتى والد زوجها المحترم الحاج سيد مهدي وصاح في القوم قائلا: "إن هذه السيدة ليست بجناب الطاهرة". فلم تصدقه الشرطة والعامة ولم يتركوها ثم طلبوا من حضرة الحاج سيد مهدي أن يأتي بمن يشهد على ما يقول وما لبثوا أن سمعوا أحد الغوغاء يصيح قائلا: "إن قرة العين قد قبض عليها"، ولهذا تركوا شمس الضحى.

    ومختصر القول، إن الحكومة وضعت بعضًا من الحراس في بيت جناب الطاهرة ومنعوا الناس من الدخول والخروج حتى تأتي الأوامر من بغداد وإسلامبول. ولما طالت مدة انتظار الأوامر طالبت جناب الطاهرة لها ورفيقاتها بالذهاب إلى بغداد ريثما تأتي الأوامر بشأنها من إسلامبول ويفعل الله ما يشاء. فلبّت الحكومة طلبها فسافرت من



    كربلاء هي وجناب ورقة الفردوس ووالدتها وجناب شمس الضحى إلى بغداد وكان الرعاع يرجمونهن بالحجارة على مسافة من كربلاء ولما وصلن بغداد نزلن في بيت حضرة الشيخ محمد شبل والد جناب آقا محمد مصطفى البغدادي. ولما كثر الوافدون على جناب الطاهرة هاج أهالي ذلك الحي فاضطرت إلى الانتقال إلى منزل خاص بجهة أخرى من المدينة وداومت على التبليغ وإعلاء كلمة الله ليل نهار وكان يفد عليها العلماء والمشايخ وغيرهم، ويلقون عليها بعض الأسئلة فكانت تجيبهم بما يقنعهم واشتهرت في بغداد شهرة عجيبة لأنها كانت تتكلم في المسائل الإلهية ذات الشأن والدقة. ولما علمت الحكومة بذلك نقلتها هي وشمس الضحى وورقة الفردوس إلى دار المفتي حيث أقمن مدة ثلاثة شهور حتى وصلت الأوامر من إسلامبول بشأنهن.

    أما مفتى بغداد فكان دائمًا يحادثهن ويناقشهن مدة آقامتهن في داره وكن يقمن له الحجج والبراهين القاطعة على دعواهن وكن يشرحن له المسائل الدينية شرحًا وافيًا ويتباحثن معه في مسائل الحشر والنشر والحساب والميزان ويوضحن له معضلات الحقائق والمعاني.

    تصادف أن حضر والد المفتي إلى الدار ذات يوم، وما أن وقع نظره على جناب الطاهرة ورفيقاتها حتى انهال عليهن بما لا يليق من الألفاظ النابية، وكان المفتي حاضرًا فاستاء مما كان من والده واعتذر للسيدات ثم أخبرهن بورود الأوامر بشأنهن من إسلامبول تفيد أن السلطان العثماني قد عفا عنهن شريطة مغادرة الدولة. فخرجت في صباح اليوم التالي من بيت المفتي وتوجهت إلى الحمام، وبعد عودتها أخذ جناب الحاج الشيخ محمد شبل وجناب الشيخ سلطان العربي بتهيئة لوازم السفر وبعد ثلاثة أيام بارحت جناب الطاهرة



    بغداد هي وجناب شمس الضحى وجناب ورقة الفردوس ووالدة آقا ميرزا هادي ونفر من سادات مدينة يزد قاصدين إيران والذي تولى الصرف على هذه الرحلة من جيبه الخاص هو جناب الشيخ محمد شبل إلى أن وصلوا مدينة كرمانشاه فنزلت المخدّرات في دار على حدة والرجال في بيت آخر واستمر أمر التبليغ على ما كان عليه في بغداد ولما علم العلماء بذلك حكموا بإخراج الجميع من المدينة وهذا حفّز حاكم المدينة وأناسًا آخرين على مهاجمة السيدات ونهب ممتلكاتهن ثم أركبوا السيدات هودجًا مكشوفا وذهبوا بهن إلى الصحراء حيث تركوهن في العراء يتخبطن في البادية بلا زاد ولا فراش. عند ذلك، كتبت الطاهرة لوالي كرمانشاه تقول: "إننا مسافرون وضيوف (وجاء في الحديث): "أكرموا الضيف ولو كان كافرا فهل من اللائق والجائز إهانة الضيف وتحقيره؟"، وما أن وصل ذلك إلى الوالي حتى أمر بإعادة المسروقات وكل ما سلب من السيدات. فأعيدت في الحال إليهن بتمامها ثم أحضروا لهن الركائب من المدينة وأركبوهن إلى همدان حيث توافدت عليهن النساء حتى نساء العائلة المالكة لملاقاة جناب الطاهرة يوميًا.

    آقامت جناب الطاهرة ومن معها في همدان مدة شهرين وفي غضونهما سمحت لبعض من كانوا برفقتها بالعودة إلى بغداد ورافقها الباقون إلى مدينة قزوين وبينما هي في الطريق إذ أتى ركب من آقاربها يعني إخوانها وقالوا لها: "إننا أتينا إلى هنا بأمر والدنا وإرادته حتى نأخذك منفردة إلى الدار. أما جناب الطاهرة فلم تقبل ذلك ومن ثمّ وصلوا جميعًا إلى قزوين. وذهبت جناب الطاهرة إلى دار أبيها مع رفيقاتها أما الرجال فقد نزلوا في نُزُل.



    وكان جناب آقا ميرزا هادي قرين شمس الضحى قد عاد إلى قزوين منتظرًا إيّاها بعد أن تشرف بحضور حضرة الأعلى (الباب) في قلعة ماه كو (يعني قلعة جبل القمر)، ثم اصطحبها إلى أصفهان، ومنها توجه جناب آقا ميرزا هادي إلى قرية بدشت التي لاقى فيها وفي ضواحيها من الأذى والجفاء والمشاق والابتلاء وما لا يدخل تحت حصر فضلاً عن رجمه بالحجارة حتى أدركته المنية في إحدى النُزُل الخربة فدفنه أخوه المدعو آقا ميرزا محمد علي على رأس الطريق بين أصفهان وبدشت أما شمس الضحى فقد بقيت في أصفهان مشغولة بذكر الله في جميع آناتها قائمة بتبليغ أمرالله بين النساء بلسان فصيح بتوفيق من الله ومؤيدة بالبيان البديع وكانت ماجدات أصفهان يحترمنها كل الاحترام، وكان الكل على بيّنة من زهدها وورعها وتقواها وعفّتها المجسمة وعصمتها المشخّصة وهي مشتغلة إما بترتيلها للآيات ليل نهار أو بتفسير آيات الكتاب أو بشرح غوامض المسائل الإلهية أو بتبليغ أمرالله ونشر النفحات القدسية. فسبب كل ذلك اقتران حضرة سلطان الشهداء، روح المقربين له الفداء، بابنتها المحترمة أما هي فقد سكنت في سراي صهرها حضرة سلطان الشهداء فتوالت عليها الزائرات من النساء الماجدات ممن تعرف وممن لا تعرف من الأحباء والأغيار فزاد ذلك من اشتعالها بنار محبة الله وانجذابها إلى إعلاء كلمة الله بكل ما في مكنتها حتى لقبها الأغيار "فاطمة الزهراء" عند البهائيين.

    ولما استمر الحال على هذا المنوال اتفق كل من الرقشاء والذئب (أما الرقشاء فهو المدعو ميرزا محمد حسين إمام الجمعة بأصفهان، والذئب هو المدعو الشيخ محمد باقر الأصفهاني قد جرى القلم الأعلى بتلقيب الأول بالرقشاء والثاني بالذئب) وأصدرا فتوى بقتل



    حضرة سلطان الشهداء وشقيقه حضرة محبوب الشهداء فباغتهما بالهجوم عليهما كل من الرقشاء وأعوانه والذئب والجلادون والشرطة المملوءة قلوبهم بالجفاء وصفدوهما بالسلاسل والأغلال وساقوها إلى السجن ثم سطوا على سرايهما وبددوا محتوياتها ولم تنج الأطفال الرضع من أذاهم وصبوا على أقرباء هذين الشخصين المقدّسين سياط الطعن واللعن والسب والضرب والتعذيب بدرجة لا توصف.

    وقد حكى لي أثناء وجودي في باريس المدعو – ظل السلطان – مؤكدًا ما حكاه بالأيمان المغلّظة بأنه طالما نصح هذين السيدين الجليلين بالإقلاع عن معتقدهما دون جدوى. وقال: "إنني دعوتهما ذات ليلة وألححت عليهما بترك ما هما عليه، وأريتهما أن حضرة الشاه قد أمر بقتلهما ثلاث مرات، وقد أتى المرسوم الشاهاني بالحكم القطعي في هذا الصدد، وإذًا لا مفر من أنكما تتبرآن من هذا الدين أمام العلماء. فأجابا بما يلي: "يا بهاء الأبهى، إن روحينا مقدمتان قربانًا"، وفي النهاية قبلت أن يقولا: "إننا لسنا بهائييْن، وقلت لهما إنني أكتفي بهاتين الكلمتين وأحرر واقعة الحال لجلالة الشاه متخذا إقراركما وسيلة لخلاصكما ونجاتكما"، فقالا: "إن هذا لا يكون منا أبدًا، إننا بهائيان، يا بهاء الأبهى! إننا لمتعطشان لشرب كأس الشهادة الكبرى". فاغتظت وخاطبتهما بحدة وشدة علّهما ينصرفا عن تصميمهما فما أمكن، فاضطررت أخيرًا إلى تنفيذ ما جاء بالفتوى التي أصدرها الرقشاء والذئب الضاري".

    وبالإجمال، إن رجال الحكومة، بعد استشهاد هذيْن الشخصين تعقبوا السيدة شمس الضحى التي اضطرت أن تذهب إلى بيت أخيها، والحال أن أخاها لم يكن مؤمنا تمامًا وهو مشهور في أصفهان بالزهد



    والتقوى والعلم والفضل والاعتكاف والانزواء ولذا أصبح محل احترام الجميع واعتمادهم، وظلّت الحكومة تتعقبها وتبحث عنها إلى أن علمت بمكانها فاستدعتها، بالاتفاق مع علماء السوء. فاضطر أخوها أن يأخذها إلى بيت الحاكم، فدخلت إلى محل الحريم أما أخوها فقد انتظرها خارج باب الدار، وما أن وصلت إلى مدخل محل الحريم قابلها الحاكم وأخذ يركلها بكل ما أوتي من قوة حتى سقطت على الأرض مغشيًا عليها، وعند ذلك نادى الحاكم زوجته وقال لها، انظري فاطمة البهائيين الزهراء، ثم نقلوها إلى إحدى الغرف وأخوها خارج السراي محتار في أمره، وأخيرًا تقدم إلى الحاكم ليشفع لأخته، ثم قال: "إن أختي هذه قد أوشكت على الموت من شدة الضرب، فما الفائدة من وجودها في داركم ما دام الأمل في حياتها مفقود، وأملي أن تسمحوا لي بأخذها إلى دارنا، إذ من باب أولى أن تقضي نحبها هناك، مع العلم بأن هذه السيدة من السلالة الطاهرة، لم تقصّر ولم تقترف جرمًا –وذنبها- فقط أنها منسوبة إلى زوج ابنتها". فقال الحاكم: "إنها لمن صناديد البهائيات، ولا بد من أنها سوف تحدث هيجانًا بعد"، فقال أخوها: "إنني أتعهد بأنها لا تنبس ببنت شفة ومن المؤكد أنها سوف لا تعيش إلا أيامًا قليلة، إذ إنها جسم بلا روح ولا حياة، وقد أخذ الضعف منها كل مأخذ، ووهن العظم منها وأصبحت عرضة لمختلف الصدمات".

    ولما كان أخوها محترمًا للغاية ومحل اعتماد الخاص والعام، لهذا، سمح له الحاكم وسلّمه أخته (شمس الضحى). فمضت في دار أخيها أيامًا تبكي وتنتحب ليل نهار وكأنها في مأتم وعزاء، وهذا أقلق راحة أخيها، والأعداء لا يفترون عن مناوأتها وقَلْبِ ظهر المجن لها



    يوما إثر يوم. ولما شاهد أخوها ذلك، رأى من المصلحة، حسمًا للضوضاء والغوغاء، أن يأخذها إلى مشهد قصد زيارة أهل البيت، وأسكنها في بيت على حدة، بجوار ضريح حضرة علي بن موسى الرضا عليه السلام. ولما كان أخوها غارقًا في بحار الزهد والتقوى، كان لا ينقطع عن زيارة أضرحة آل البيت في كل يوم من الصباح الباكر إلى الزوال وبعد الظهر يذهب إلى البقعة المباركة قصد التعبد والصلاة وتلاوة الأدعية والأذكار إلى آخر النهار. وكانت شمس الضحى، أثناء تغيب أخيها عن البيت، تعقد مجالسًا لنساء الأحباء وتتحدث إليهن لأنها كانت لا تتحمل السكوت لاشتعال نار محبة الله في قلبها، وكانت نساء الأحباء يكثرن من الذهاب إليها ويستمعن لبياناتها التي كانت تلقيها بلسان فصيح وعبارات بليغة.

    وعلى الجملة، إنه لما كانت الأحوال في شدة الصعوبة في مشهد، في تلك الأيام، وكان الأعداء يتعقبون الأحباء، حتى إنهم إذا ما عثروا على أحد من الأحباء قتلوه، وانعدمت الراحة والأمان. أما شمس الضحى، فقد أخذ من يدها زمام الاختيار، واستمرت على ما هي عليه ورمت بنفسها في غمار البلايا غير هيابة ولا وجلة ولم تهدأ عن التبليغ. ولم يكن عند أخيها خبر عما تجريه، لأنه لم يعاشر أحدا ويمضي نهاره وليله في الزيارات للأضرحة المذكورة ويعود إلى البيت قصد النوم، ولم يعرف أحدا في تلك الجهة لانزوائه، حتى كان لا يحادث أحدا. ومع كل هذا، فقد شاهد في المدينة غاغة ولغطًا يؤديان إلى شديد التصادم (مما تجريه أخته). ولما كان دائمًا ساكنًا لا يُسمع له صوت، فلم يتعرض لأخته بل أخذها توًا إلى أصفهان وأرسلها إلى دار ابنتها حرم سلطان الشهداء، ولم يُنزلها في داره.



    وبالاختصار، إن شمس الضحى أمضت أيامًا في أصفهان وكانت جريئة في إلقاء البيانات الأمرية، وبكل جسارة كانت تنشر نفحات الله. ومن اشتعالها بنار محبة الله كانت تفتح لسانها بالتبليغ لكل طالب، ولما كان متوقعًا وقوع أسرة سلطان الشهداء مرة أخرى في المصائب الشديدة وأن تصبح في شديد المتاعب والقلق، لهذا، تعلقت إرادة المبارك بأن تحضر هذه الأسرة إلى السجن الأعظم، وصدر لها الأمر المبارك بذلك. فسافرت شمس الضحى وحرم سلطان الشهداء وجميع الأطفال إلى الأرض المقدّسة، وأمضى جميعهم فيها أوقاتهم في غاية من الروح والريحان والسرور الذي لا مزيد عليه إلى أن توفي، في مدينة عكاء، نجل حضرة سلطان الشهداء المدعو آقا ميرزا عبدالحسين، متأثرًا بمرض السل الذي أصابه في أصفهان، فضلاً عما لآقاه من المصاعب والصدمات. فتأثرت لوفاته السيدة شمس الضحى وحزنت حزنًا عظيمًا، واكتوت بنار الفرقة والحسرة، وعلى الأخص، لحدوث المصيبة الكبرى والرزية العظمى (وهي الصعود المبارك) فتزلزل بنيان حياتها، وأخيرا وهنت قواها فلازمت الفراش بعد أن كانت كالشمعة المضيئة. مع كل هذا لم تركن إلى السكوت والسكون، إذ كانت طورًا تتحدث عن أيامها السالفة، وطورًا عن الوقائع الأمرية، وطورًا ترتل الآيات البينات، وطورًا تتضرع وتتلو الأنجية، حتى طارت وهي في السجن الأعظم إلى العالم الإلهي، وتخلصت من عالم التراب وخلعت الثوب الترابي، ورحلت إلى عالم الأنوار. عليها التحية والثناء وعليها الرحمة العظمى في جوار رحمة ربها الكبرى.



    اللوح الذي نزل بشأنها

    هو الله

    وإنك أنت يا إلهي، ترى في جوار روضتك الغناء وحوالي حديقتك الغلباء مجمع أحبائك واجتماع أرقائك في يوم من أيام عيدك الرضوان يوم السعيد الذي فيه أشرقت بأنوار تقديسك على الممكنات وأظهرت أنوار توحيدك على الآفاق. وخرجت من الزوراء بقدرة وسلطنة أحاطت الآفاق، وعظمة خرت لها الوجوه وذلت لها الرقاب وعنت لها الوجوه وخضعت لها الأعناق متذكرين بذكرك منشرحين الصدر بأنوار ألطافك، ومنتعشين الروح بآثار إحسانك، وناطقين بالثناء عليك ومتوجهين إلى ملكوتك ومتضرعين إلى جبروتك، ليتذكروا بذكر أمتك المقدّسة النوراء وورقة شجرة رحمانيتك الخضراء، الحقيقة النورانية والكينونة المتضرعة الرحمانية التي ولدت في حضن العرفان ورضعت من ثدي الإيقان ونشأت في مهد الاطمئنان وانتعشت في حجر محبتك يا رحيم ويا رحمن، وبلغت أشدها في بيت انتشرت منها نفحات التوحيد على الآفاق، وأصابتها الضرّاء والبأساء في صغر سنها في سبيلك يا وهّاب وتجرعت كؤوس الأحزان والآلام منذ نعومة أظفارها حبا بجمالك يا غفار.

    إلهي أنت تعلم البلايا التي احتملت بكل سرور في سبيلك، والرزايا التي قابلتها بوجه طافح بالسرور في محبتك. فكم من ليال استراحت النفوس في مضاجعهم، وهي تبتهل وتتضرع إلى ملكوتك. وكم من أيام اطمأنت عبادك في حصن أمنك وأمانك وهي مضطربة القلب مما جرى على أصفيائك.



    فيا إلهي، مضت عليها أيام وأعوام، كلما أصبحت بكت على مصائب أرقائك، وكلما أمست ضجت وصرخت واحترقت حزنا على ما ورد على أمنائك، وقامت بجميع قوائها على عبادتك والتضرع إلى سماء رحمتك والتبتل إليك والتوكل عليك. وظهرت بإزار التقديس في حلل التنزيه عن شؤون خلقك إلى أن دخلت في ظل عصمة عبدك الذي أكرمت عليه بمواهبك الكبرى، وأظهرت فيه آثار رحمتك العظمى، ونوّرت وجهه بنور البقاء في ملكوتك الأبهى، وأسكنته في نزل اللقاء في الملأ الأعلى، ورزقته كل الموائد والآلاء ولقبته بسلطان الشهداء. فعاشت أعوامًا في حمى ذلك النور المبين، وخدمت بروحها عتبتك المقدّسة النوراء بما كانت تهيئ الموائد والمنازل والمضاجع لعموم أحبائك، وليس لها سرور إلاّ ذلك. فخضعت وخشعت وبخعت لكل أمَةٍ من إمائك وخدمتها بروحها وذاتها وكينونتها حبا بجمالك وطلبا لرضائك إلى أن اشتهر بيتها باسمك وشاع صيت قرينها بنسبته إليك. واهتزت وربت أرض الصاد بنزول ذلك الفيض المدرار من ذلك الجليل المغوار وأنبتت رياحين معرفتك وأوراد موهبتك واهتدى جمّ غفير إلى معين رحمانيتك، فقاموا عليه جهلاء خلقك والزنماء من بريتك وأفتوا بقتله ظلما وعدوانا وسفكوا دمه الطاهر جورا واعتسافا، وذلك الرجل الجليل يناجيك تحت اهتزاز السيف ويقول: "لك الحمد يا الهي على ما وفقتني على هذا الفضل المشهود في اليوم الموعود واحمرت الغبراء بثاري في سبيلك وأنبتت بأزهار حمراء. لك الفضل ولك الجود على هذه الموهبة التي كانت أعظم آمالي في حيز الوجود. ولك الشكر بما وفقتني وأيدتني وسقيتني هذا الكأس الذي مزاجها كافور في يوم



    الظهور عن يد ساقي الشهادة الكبرى في محفل الحبور. إنك أنت المعطي الكريم الوهّاب.

    وبعد ما قتلوا أغاروا إلى بيته المعمور وهجموا هجوم الذئاب الكاسرة والسباع الضارية ونهبوا الأموال وسلبوا الأمتعة والحليّ والحطام، فكانت هي مع أفلاذ كبدها في خطر عظيم. وكان هذا الهجوم الشديد عند انتشار نبأ قتل الشهيد. فضج الأطفال وارتعب قلوب الأولاد وبكوا وصرخوا وارتفع العويل من ضواحي ذلك البيت الجليل فلم يرثِ لهم أحد ولا ترق لهم نفس، بل زادوا الظلمة طغيانا واشتد جحيم الاعتساف نيرانا فما ابقوا من عذاب إلاّ أجروه وما بقي من عقاب إلا نفذوه وبقت هذه الورقة المباركة مع أطفالها تحت سلطة الظالمين وتعرض الغافلين بلا ناصر ومعين وقضت أيامها وأنيسها بكاؤها وجليسها ضجيجها وقرينها أحزانها وخدينها آلامها. وما وهنت يا إلهي مع كل هذه الآلام في حبك ولا فترت يا محبوبي مع هذه الأحزان في أمرك فتتابعت عليها المصائب والرزايا، وترادفت عليها المحن والبلايا، وتحملت وصبرت وشكرت وحمدت على هذه المحنة العظمى وعدتها أنها هي المنحة الكبرى يا ذا الأسماء الحسنى، ثم تركت وطنها وراحتها ومسكنها ومأويها وطارت كالطيور مع أفراخها إلى هذه الأرض المقدّسة النوراء حتى تتعشش في أوكارها وتذكرك كالطيور بألحانها وتشتغل بحبك بجميع قويها وخدمتك بقلبها وروحها وكينونتها وخضعت لكل أمَةٍ من إمائك وخشعت لكل ورقة من أوراق حديقة أمرك وانقطعت عن دونك وتذكرت بذكرك وكان يرتفع ضجيجها في الأسحار وصوت مناجاتها في جنح الليالي ورابعة النهار إلى أن رجعت إليك وطارت إلى



    ملكوتك والتجأت إلي عتبة رحمانيتك وصعدت إلى أفق صمدانيتك.

    أي رب أجبها بمشاهدة لقائك وارزقها من مائدة بقائك وأسكنها في جوارك وارزقها ما تحب وترضى في حديقة قدسك وأكرم مثواها وظلل عليها بسدرة رحمانيتك، وأدخلها في خيام ربانيتك واجعلها آية من آياتك ونورا من أنوارك. إنك أنت المكرم المعطي الغفور الرحيم.



    (68) جناب الطاهرة

    هو الله

    من النساء الطاهرات والآيات ا

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى