بالرغم من البشارات الواضحة فى كل الكتب المقدسة عن ظهورات الأنبياء والمرسلين فلماذا كان البشر دائما يرفضون هذا الظهور الجديد ؟
هناك عدة أسباب أدت إلى رفض الظهورات الجديدة لمظاهر الرحمة الإلهية الرسل والأنبياء والرسالات السماوية فقد قال المسيح حينما رفضه اليهود :
( لا كرامة لنبى فى وطنه ) .
وقال القرءان المقدس :
بسم الله الرحمن الرحيم
( وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين )
الشعراء ( 5 )
وقد أوضحت كل الكتب المقدسة هذه الحقيقة إعراض البشر عن كل مظهر جديد من الله بالرغم من أن البشارات بالظهورات الجديدة واضحة كالشمس ناصعة الرؤية فى الآيات المقدسة .
ولتحليل موقف البشر من هذا الإنكار والجحود والرفض نتناول هذه الحقيقة فى ضوء العوامل التالية :
1 – عوامل تتعلق بالأفراد أنفسهم
2 – عوامل تتعلق بالنخبة الدينية من الكهنة ورجال الدين
3 – عوامل تتعلق بالنخبة السياسية وتمثل الطبقة الحاكمة
4 – عوامل تتعلق بالتراث الدينى والفرقة بين المذاهب ومدارس التفسير للكلمة الإلهية .
5 – عوامل تتعلق باستخدامات اللغة كوسيلة لفهم المعانى والتى تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان لآخر .
أولاً : العوامل التى تتعلق بالأفراد :
رضع الناس أفكاراً منذ نعومة أظفارهم ورثوها جيلاً قبل جيل وورثوها لأبنائهم جيلاً بعد جيل وترسخت فى عقولهم وأصبحت فى قوة الجبال فى عقولهم وقلوبهم وارتبطت بها عواطفهم وأحاسيسهم ومشاعرهم وأصبحت مصدر الأمان النفسى لهم فكيف يمكنهم أن يتخلوا عن هذه الأفكار بين عشية وضحاها
وتعود الناس على التلقى لهذه الأفكار من أشخاص معينين ارتبطوا فى ذهن الناس إرتباطاً شرطياً بهذه الأفكار التى تمثل عقيدتهم الثابتة فكيف يتجه الناس إلى الداعى الجديد الذى يقول أفكاراً جديدة لم يألفوها ولم يألفوا الداعى ذاته :
( يوم يدعون إلى شئ نكر ) يعتبره الناس منكراً لأنه يتعارض مع ما تعودوا أن يسمعوه من رؤسائهم فتقع بلبلة فكرية وصراعات نفسية وحروب وجدانية تجعل الناس سكارى وما هم بسكارى وتجد جبال الأفكار الراسخة فى عقولهم منذ زمن بعيد أصبحت كالعهن المنفوش ويضطرب وضع الكهنة الذين أرضعوا الناس الأفكار القديمة حيث يمن الله على بعضهم بنعمة الإيمان بالظهور الجديد ويظل الآخرون فى مقاومة الظهور الجديد وتضع كل ذات حمل حملها فى القيامة الجديدة للظهور الجديد .
هذا بجانب أن الفروق الفردية بين شخصية كل فرد وآخر تلعب دوراً كبيراً فى درجة المرونة والتقبل للجديد من عدمه وهذه عوامل تتعلق بالتكوين الشخصى للفرد الذى هو منحة من الخالق حسب القاعدة المعروفة ( كل ميسر لما خلق له وما ربك بظلام للعبيد ولكنهم ظلموا أنفسهم فحق عليهم العذاب فعاشوا فى ظلمات الجهل وعذاب الكفر فى غيهم يعمهون ولم تسنير عقولهم وقلوبهم ولم تتطهر أرواحهم فظلوا من أصحاب السعير .
ثانيا : العوامل التى تتعلق بالنخبة الدينية :
النخبة الدينية التى يمثلها الكهنة ورجال الدين التى دأبت على إرضاع الناس الماء الروحى وتقديم غذاء مائدة العقيدة لهم .
ويلخص حضرة المسيح العوامل التى تفرض على الكهنة مقاومة الظهور الجديد فى العبارات التالية :
( يعرضون عصائب رؤوسهم ويأخذون المتكأ الأول فى الولائم والأفراح ويقول لهم الناس فى الأسواق سيدى سيدى ) .
فقد ارتبطت مصالح الكهنة بما روجوه بين الرعية وحققوا من خلاله المكاسب المادية والمكانة الإجتماعية بين الناس وحازوا الرضى من النخبة السياسية وعاشوا فى الأبهة والبذخ والرفاهية على حساب الأرامل والأيتام والفقراء والمرضى والمعوذين وغيرهم .
كيف يقوموا إذن بالتضحية بكل هذه المكاسب ؟
وكيف يصيرون تابعين بعد إذ دانت لهم الريادة والرئاسة بين الناس ؟
فلماذاً إذن لا يقوم الكهنة ورجال الدين بمقاومة الظهور الجديد وتحريض الناس على الكفر وقيادة الجيوش لمقاومته .
ولكن ربك شاء أن يتم نوره على المؤمنين الذين فازوا بنعمة الإيمان ويدحر الكافرين وتنتصر كلمة الله والرسل والأنبياء رويداً رويداً وتظهر الورود بين غابة الأشواك .
ثالثاً: العوامل التى تتعلق بالنخبة السياسية التى تمثل الطبقة الحاكمة:
لا شك أن مصالح النخبة السياسية فى التحكم فى رقاب العباد لاستمرارهم فى ابتزاز الرعية وترويضها يستلزم التنسيق مع دور النخبة الدينية مع وعود بالمشاركة فى الأرباح والغنائم وعلى هذا الأساس تقوم النخبة السياسية بمصادرة حرية العقيدة وحرية التعبير وغيرها من الحريات التى تتعلق بحقوق الإنسان من منطلق الخوف على مصالحها المادية ومكانتها الاجتماعية وضمان استمرار الولاء من جانب الرعية .
لهذا تسن القوانين التي تجرم حرية العقيدة فتقاوم التغيير التي تظن أنه سيجتاحها أيضا مع النخبة الدينية وهذا درس تاريخي تعلموه قبل أن تهل علينا القيم الديمقراطية وتركز المنظمات الدولية على مفهوم حقوق الإنسان والحريات الشخصية وتضغط على النظم الديكتاتورية بتطبيق الديمقراطية وتطبيق ميثاق حقوق الإنسان الذي تدعمه هيئة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها والأمل في المستقبل كبير لأن هذه القيم لا بد وأن تجتاح العالم وينتهي إلى غير رجعة تحكم النخبة السياسية والنخبة الدينية في رقاب العباد ويصبح الإنسان حراً طليقاً حسابه على الله . والله فقط . فلا يجب أن يكون هناك مؤمناً بقوة القانون . أو يكون هناك كافراً بقوة القانون أيضاً . حرية العقيدة للجميع وحرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية التعبير يجب أن تكون مكفولة للجميع وحرية العمل والاتصال والدعوة للأفكار بأسلوب متحضر بعيداً عن العنف أو إلحاق الضرر بالآخرين .
رابعاً : العوامل التى تتعلق بالتراث الدينى واختلاف الفرق ومذاهب التفسير .
لا شك أن انحلال العقيدة إلى مذاهب شتى وطوائف متعددة وفرق وفروع كثيرة أدى إلى تشرذم الرعية وأدى أيضاً وهو الأخطر إلى اختلاف الآراء حول العقيدة الواحدة حتى أصبحت عدة عقائد فرقت الناس شيعاً وأحزاباً يقاتل بعضهم بعضاً فسادت البلبلة والتوتر والصراعات مما أدى إلى ظهور مدارس متعددة لتفسير كلمة الله التى بالضرورة لا بد وأن يكون لها معنى واحداً فقط مما يدل على أن هذا التباين والتعدد خطأً كبيراً فى تفسير الكلمة الإلهية .
وهذه البلبلة فى تفسير كلمة الله ساعدت على طمس المعنى الحقيقي للكلمة الإلهية مما جعل الناس يعترضون على الظهور الجديد في كل عصر ومصر ويرفضون بكل همة الرسالات السماوية والرسل والأنبياء الذين جاءوا لهدايتهم ولكنهم لا يعلمون أنهم يحملون لهم البلسم الشافي من جميع أسقامهم وأمراضهم . حتى أن بعض الأنبياء تعرضوا للقتل والسحل والسجن والتعذيب والإهانات والبذاءات من الداني و القاصي من الناس ومن رجال النخبة الدينية السابقين ومن رجال النخبة السياسية أيضاً .
خامساً : عوامل تتعلق باستخدامات اللغة كوسيلة لفهم المعانى والتى تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان لآخر .
لأن الكلمة تحتمل أكثر من معنى فوصولها مكتوبة إلينا على فترة من الزمن تحتاج إلى جهد المفسرين الذين إذا اختلفوا تكون الطامة الكبرى والتشويه الحقيقي للمعنى الحقيقي للكلمة . فوجود تفسيرات متعارضة تؤكد على فساد المنهج والعقيدة وعلى هذا الأساس وقع التشتت والتمذهب وشتى أنواع الصراعات والحروب بسبب هذه الآفة وإليك أمثلة للاستخدامات المتعارضة للكلمة :
في الوقت الذي كان يستخدم أهل الجزيرة العربية الذين يستخدمون اللغة العربية فى التخاطب والتعبير والكتابة كلمة ( الإصطبل ) مكاناً لربط الخيول . استخدم أهل الشام الذين يستخدمون اللغة العربية فى التخاطب والتعبير والكتابة أيضاً نفس الكلمة ( الإصطبل ) بمعنى الأعمى فى ذات الزمن الذي قام أهل الجزيرة العربية باستخدام نفس الكلمة بالمفهوم الذي تم توضيح بيانه .
فما بالك لو اختلفت اللغات وتم استخدام الترجمة للكلمة الإلهية من لغة لأخرى أو قد تكون كلمة الله قد مرت بعدة ترجمات من عدة لغات كما حدث فى ترجمة الإنجيل من لغة حمدوت العبرى إلى السريالية إلى اللاتينية إلى السكسونية إلى الإنجليزية والفرنسية إلى اللغة العربية وهكذا وكذلك تفسيرات كلمة الله .
المثال الثاني :
استخدم الصابئة والقبائل الوثنية كلمة ( إله ) في وصف الولي عند المسلمين والقديس عند المسيحيين والنبي عند اليهود .
حتى أن حضرة المسيح استخدم كلمة ( إله ) فى وصف التلاميذ مع أنهم كانوا من البشر فى الآية 6 , 7 مزمور 82 ما يلى :
( أنا قلت لكم أنكم آلهة وبنو العلي كلكم لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون ) .
ووصف داود المسيح ذاته بأنه ( إله ) أيضاً وكذلك تلاميذ المسيح كما فى الآية الأولى من مزمور 82 ما يلى :
( والله قائم فى مجمع الله فى وسط الآلهة يقضى ) .
الله الأولى تعنى المسيح والثانية تعنى الله الواحد الأحد الفرد الصمد والثالثة تعنى التلاميذ .
والذى أدى إلى استخدام كلمة ( إله ) لوصف المسيح وكذلك التلاميذ أن روح الله كانت عليهم ودخلت فيهم أجمعين فيكون بذلك الوصف سليم عكس استخدام الصابئة والقبائل الوثنية للكلمة بالمقارنة عما نستخدمه نحن الآن بشأن كلمة إله .
فهذه الاستخدامات المتعددة على فترة من الزمن واختلاف الأقطار تؤدى إلى صعوبة فهم معانى الكلمات وتسبب كثير من الاعتقادات المغلوطة والتصورات الخاطئة فظهرت المذاهب والطوائف والفرق والجماعات وحدثت البلبلة فى فهم كلمة الله لأن كل فصيل يعتقد أنه يمتلك الحقيقة وحده والجميع على خطأ فكان التكفير والحروب .
هناك عامل آخر وهو الأهم والأساسى لم يرد الإشارة إليه لأنه يحتاج إلى تفصيل خاص ألا وهو :
سادساً : العوامل التى تتعلق بالكتب المقدسة ذاتها :
وهذا العامل كان اختباراً من الله ليختبر به قلوب المؤمنين ويحق العذاب على الكافرين .
أن الكلمة الإلهية كانت مستورة مغلقة مستعصية على الفهم من جانب غير المؤمنين فظلوا كافرين وضلموا أنفسهم وظلوا من أهل السعير وحق عليهم العذاب وما ربك بظلام للعبيد . أما الذين من الله عليهم بنعمة الإيمان أضاء الله قلوبهم وأبصارهم وامنوا وفازوا بالجنة والملكوت الإلهى .
وإليك الأمثلة من الكتب المقدسة التى تؤكد هذا المعنى :
ما ورد فى اشعيا ص 6 آية 9 :
( إذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعاً ولا تفهموا وأبصروا أبصاراً ولا تعرفوا . غلظ قلب هذا الشعب وثقل أذنيه وأطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى ) .
فكما هو وارد بالسفر المقدس أن غلاظ القلوب لا يفهمون ما يقرأون ولا يبصرون ما يروا بأعينهم ولا يسمعون ما يقال لهم فكيف إذن يصدقون ويؤمنون .
وورد فى سفر دانيال ص 2 آية 4 :
( أما أنت يا دانيال فاخف الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية ) .
فإذا كان الأمر هكذا الكلام مخفي لا تظهر معانيه إلا للمختارين والسفر مختوم مغلق حتى النهاية فكيف يصدقون ويؤمنون .
وورد أيضاً فى نفس الإصحاح الآية 9 :
( إذهب يا دنيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية ) .
نفس الكلمات والمعانى ظهرت على لسان حضرة المسيح فى الآية رقم 34 من إنجيل متى :
( هذا كله كلم به يسوع المسيح الجموع بأمثال وبدون مثل لم يكن يكلمهم لكى يتم بالنبي القائل سأفتح فمى بالأمثال وأنطق بمكنونات منذ تأسيس العالم وقد وبخ تلاميذه وقال لهم حين يستفسرون حتى أنتم غير فاهمين ) .
فكلمات المسيح أيضاً كانت مختومة ومغلقة حتى على التلاميذ فى مرحلة معينة لأنه لابد وأن يرتقى الإنسان روحياً حتى يكون مستحق لدخول الملكوت فتنكشف أمام عينيه أسرار الكلمة الإلهية وتستنير روحه وتحدث له الولادة الثانية التى هى من فوق من الله .
وفى داخل أمثال المسيح أسرار وكنايات واستعارات لا تفهم إلا فى آخر الزمان حينما يأتى الموعود بفك طلاسم المحجوبات ( لتكن أيامه قليلة وليأخذ وظيفته آخر ) كما نصت مزامير داود 109 : 8 وورد فى أعمال الرسل 1 : 20لأنه مكتوب فى سفر المزامير وليأخذ وظيفته آخر ) .
وورد فى يوحنا ص 16 :
( إن لى أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه )
لا يتكلم من نفسه بل من الله علمه شديد القوى فأحسن تعليمه . أما لماذا لم يوضح حضرة المسيح تلك الأمور التى أشار إليها لأنه يستلزم بالضرورة وصول الإنسان لدرجة معينه من النضج الروحى تجعل القلب مستعداً للقبول فتنقشع الغمامة من فوق عينيه فيرى ومن داخل أذنه فيسمع المعانى الجميلة للكلمة الإلهية ذات الأنغام البديعة من ورقات الفردوس الأعلى . أما المحرومون فلا يرون ولا يسمعون ولا يصدقون ولا يؤمنون .
وقد وردت هذه المعانى بشأن إخفاء جوهر الجواهر للكلمات الإلهية فى القرءان المقدس أيضاً :
بسم الله الرحمن الرحيم
( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ).الاعراف ( 52 و 53 )
وتؤكد آيات الله المقدسة فى القرءان أن الآيات لها تأويل إشارى لم يتم توضيحه فى حينه لحكمة إلهية ويؤكد أيضاً أنه سوف يتم توضيح السفر المختوم والكلام المخفي والمعانى الباطنية لاحقاً فى الظهور التالى الجديد .
ومثال آخر :
بسم الله الرحمن الرحيم
( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ) . يونس ( 39 )
فإذا كانت المعانى مخفية والتأويل لم يأتى بعد زمانه فكيف يصدقون ويؤمنون ولكن الذين أنار الله قلوبهم فهموا التأويلات للبشارات المقدسة بمطالع الظهور فآمنوا وصدقوا وفازوا فوزاً عظيماً أما غلاظ القلوب ظلت الأختام مغلقة والتأويلات مخفية عنهم فلم يؤمنوا ولم يصدقوا وأصبحوا من أصحاب السعير وحق عليهم العذاب .
وتتشابه جميع الكتب المقدسة فى توضيح هذه الحقيقة .
هناك عامل اخر يتعلق بمستوى نضج العقل البشرى ومدى استعداده وتطور قدراته وهذا يتعلق بتطور المراحل التاريخية للعمران البشرى لهذا لم يكن البشر مستعدون لفهم الحقيقة أما وقد بلغ العقل البشرى فى العصر الحديث إلى مرحلة النضج قلا بد وأن يرسل لهم من يفك أختام الآيات المغلقة والأسفار المختومة التى ورد ذكرها فى التوراة والإنجيل والقرءان . لأنهم على أتم الاستعداد الآن .
أما كيف يمكن تمييز كلمة الله ؟
تلخص آيات القرءان المقدس إجابة هذا السؤال فى قول الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ) .الرعد 17
بالرغم من المقاومة الشرسة حين ظهور الكلمة الإلهية إلا أنها تسير رويداً رويداً وتسحق أمامها كل وسائل المقاومة وتنتصر فى النهاية وتتهاوى تحت أقدامها كل جيوش الشر و تتهاوى القصور والقلاع والسلطنة والعظمة والإمبراطوريات وينتصر الله والأنبياء لأن الله قال : لأغلبن أنا ورسلى والأنبياء وقال حضرة المسيح موضحاً هذه الحقيقة إننى قد غلبت العالم بينما كان هو بحكم الظاهر مهزوماً ضعيفاً ووصل الأمر إلى قتله . ولكن انظروا الآن على خريطة العالم تجد نور المسيح يكاد يغطى العالم وآمن العالم بالمسيحية بالرغم من قتل المسيح . لأن كلمة الله مكتوب لها الانتصار دائماً . فالمسيح قال لتلاميذه اذهبوا إلى كل العالم وكرزوا بالإنجيل الذى هو كلمة الله وكما تعطوا تكلموا لأنه ليس أنتم المتكلمين بل الله وبالفعل انتصر تلاميذ المسيح وانتشرت كلمة الله وغلبت العالم كما تنبأ حضرة المسيح تماماً وأصبح معظم سكان الأرض من أتباع المسيح بالكلمة الإلهية وقوة الإنجيل المقدس كلمة الله العليا .
كلمة الله لها من القوة والإعجاز ما يبهر الألباب وتترك آثاراً تدل على قوتها وعظمتها ولننظر إلى كلمة الله فى حوار موسى مع فرعون من الذى انتصر فى النهاية ؟ وقد غرق فرعون وجنوده بشركهم وكفرهم ولنتأمل معجزة حضرة إبراهيم التى استمدها من كلمة الله فى حواره مع النمرود حيث يسجل القرءان هذه الحقيقة فى قوله :
بسم الله الرحمن الرحيم
( ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذى يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتى الشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ) . البقرة 258
كلمة الله تكتب لها القوة والعظمة والانتصار وتمكث فى الأرض لأنها تنفع الناس وأما االإدعاءات البشرية الباطلة تزول كزبد البحر .
علاوة على أنها تترك آثاراً عظيمة فلننظر حال الأمة العبرية قبل ظهور موسى كانوا فى أسوأ الحالات من الذل والهوان والعبودية والخذلان وما آلت إليه أحوالهم بعد ظهوره ونزول كلمة الله التوراة المقدس حيث تبدلت أحوالهم وتغيرت أفكارهم فصاروا ملوكاً وحكاماً وأئمة أعلاماً وانبجست من أحجار عقولهم الحكمة والمعرفة الروحية اللدنية فعرف كل منهم مشربهم بعد أن كانوا عبيداً رذله ورعاة جهلة فخرجوا بالتوراة كلمة الله من الظلام إلى النور ومن الموت إلى الحياة ومن الهمجية إلى الحضارة والمدنية .
وكذلك الأمم الكبرى من حدود الشرق الأقصى إلى أقاصى إفريقيا خرجوا من ربقة الوثنية وعبادة النار إلى التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد عن طريق القرءان وقد تحرروا من العقائد الفاسدة والأعمال القبيحة ووصلوا للأخلاق الفاضلة والعقائد الصحيحة عن طريق كلمة الله . هذه هى قوة الكلمة الإلهية المقدسة فيها هدى ونور ورحمة وطمأنينة والعلم والبصيرة والعظمة والسلطنة الحقيقية والانتصار وتعلو ولا يعلى عليها
هناك عدة أسباب أدت إلى رفض الظهورات الجديدة لمظاهر الرحمة الإلهية الرسل والأنبياء والرسالات السماوية فقد قال المسيح حينما رفضه اليهود :
( لا كرامة لنبى فى وطنه ) .
وقال القرءان المقدس :
بسم الله الرحمن الرحيم
( وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين )
الشعراء ( 5 )
وقد أوضحت كل الكتب المقدسة هذه الحقيقة إعراض البشر عن كل مظهر جديد من الله بالرغم من أن البشارات بالظهورات الجديدة واضحة كالشمس ناصعة الرؤية فى الآيات المقدسة .
ولتحليل موقف البشر من هذا الإنكار والجحود والرفض نتناول هذه الحقيقة فى ضوء العوامل التالية :
1 – عوامل تتعلق بالأفراد أنفسهم
2 – عوامل تتعلق بالنخبة الدينية من الكهنة ورجال الدين
3 – عوامل تتعلق بالنخبة السياسية وتمثل الطبقة الحاكمة
4 – عوامل تتعلق بالتراث الدينى والفرقة بين المذاهب ومدارس التفسير للكلمة الإلهية .
5 – عوامل تتعلق باستخدامات اللغة كوسيلة لفهم المعانى والتى تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان لآخر .
أولاً : العوامل التى تتعلق بالأفراد :
رضع الناس أفكاراً منذ نعومة أظفارهم ورثوها جيلاً قبل جيل وورثوها لأبنائهم جيلاً بعد جيل وترسخت فى عقولهم وأصبحت فى قوة الجبال فى عقولهم وقلوبهم وارتبطت بها عواطفهم وأحاسيسهم ومشاعرهم وأصبحت مصدر الأمان النفسى لهم فكيف يمكنهم أن يتخلوا عن هذه الأفكار بين عشية وضحاها
وتعود الناس على التلقى لهذه الأفكار من أشخاص معينين ارتبطوا فى ذهن الناس إرتباطاً شرطياً بهذه الأفكار التى تمثل عقيدتهم الثابتة فكيف يتجه الناس إلى الداعى الجديد الذى يقول أفكاراً جديدة لم يألفوها ولم يألفوا الداعى ذاته :
( يوم يدعون إلى شئ نكر ) يعتبره الناس منكراً لأنه يتعارض مع ما تعودوا أن يسمعوه من رؤسائهم فتقع بلبلة فكرية وصراعات نفسية وحروب وجدانية تجعل الناس سكارى وما هم بسكارى وتجد جبال الأفكار الراسخة فى عقولهم منذ زمن بعيد أصبحت كالعهن المنفوش ويضطرب وضع الكهنة الذين أرضعوا الناس الأفكار القديمة حيث يمن الله على بعضهم بنعمة الإيمان بالظهور الجديد ويظل الآخرون فى مقاومة الظهور الجديد وتضع كل ذات حمل حملها فى القيامة الجديدة للظهور الجديد .
هذا بجانب أن الفروق الفردية بين شخصية كل فرد وآخر تلعب دوراً كبيراً فى درجة المرونة والتقبل للجديد من عدمه وهذه عوامل تتعلق بالتكوين الشخصى للفرد الذى هو منحة من الخالق حسب القاعدة المعروفة ( كل ميسر لما خلق له وما ربك بظلام للعبيد ولكنهم ظلموا أنفسهم فحق عليهم العذاب فعاشوا فى ظلمات الجهل وعذاب الكفر فى غيهم يعمهون ولم تسنير عقولهم وقلوبهم ولم تتطهر أرواحهم فظلوا من أصحاب السعير .
ثانيا : العوامل التى تتعلق بالنخبة الدينية :
النخبة الدينية التى يمثلها الكهنة ورجال الدين التى دأبت على إرضاع الناس الماء الروحى وتقديم غذاء مائدة العقيدة لهم .
ويلخص حضرة المسيح العوامل التى تفرض على الكهنة مقاومة الظهور الجديد فى العبارات التالية :
( يعرضون عصائب رؤوسهم ويأخذون المتكأ الأول فى الولائم والأفراح ويقول لهم الناس فى الأسواق سيدى سيدى ) .
فقد ارتبطت مصالح الكهنة بما روجوه بين الرعية وحققوا من خلاله المكاسب المادية والمكانة الإجتماعية بين الناس وحازوا الرضى من النخبة السياسية وعاشوا فى الأبهة والبذخ والرفاهية على حساب الأرامل والأيتام والفقراء والمرضى والمعوذين وغيرهم .
كيف يقوموا إذن بالتضحية بكل هذه المكاسب ؟
وكيف يصيرون تابعين بعد إذ دانت لهم الريادة والرئاسة بين الناس ؟
فلماذاً إذن لا يقوم الكهنة ورجال الدين بمقاومة الظهور الجديد وتحريض الناس على الكفر وقيادة الجيوش لمقاومته .
ولكن ربك شاء أن يتم نوره على المؤمنين الذين فازوا بنعمة الإيمان ويدحر الكافرين وتنتصر كلمة الله والرسل والأنبياء رويداً رويداً وتظهر الورود بين غابة الأشواك .
ثالثاً: العوامل التى تتعلق بالنخبة السياسية التى تمثل الطبقة الحاكمة:
لا شك أن مصالح النخبة السياسية فى التحكم فى رقاب العباد لاستمرارهم فى ابتزاز الرعية وترويضها يستلزم التنسيق مع دور النخبة الدينية مع وعود بالمشاركة فى الأرباح والغنائم وعلى هذا الأساس تقوم النخبة السياسية بمصادرة حرية العقيدة وحرية التعبير وغيرها من الحريات التى تتعلق بحقوق الإنسان من منطلق الخوف على مصالحها المادية ومكانتها الاجتماعية وضمان استمرار الولاء من جانب الرعية .
لهذا تسن القوانين التي تجرم حرية العقيدة فتقاوم التغيير التي تظن أنه سيجتاحها أيضا مع النخبة الدينية وهذا درس تاريخي تعلموه قبل أن تهل علينا القيم الديمقراطية وتركز المنظمات الدولية على مفهوم حقوق الإنسان والحريات الشخصية وتضغط على النظم الديكتاتورية بتطبيق الديمقراطية وتطبيق ميثاق حقوق الإنسان الذي تدعمه هيئة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها والأمل في المستقبل كبير لأن هذه القيم لا بد وأن تجتاح العالم وينتهي إلى غير رجعة تحكم النخبة السياسية والنخبة الدينية في رقاب العباد ويصبح الإنسان حراً طليقاً حسابه على الله . والله فقط . فلا يجب أن يكون هناك مؤمناً بقوة القانون . أو يكون هناك كافراً بقوة القانون أيضاً . حرية العقيدة للجميع وحرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية التعبير يجب أن تكون مكفولة للجميع وحرية العمل والاتصال والدعوة للأفكار بأسلوب متحضر بعيداً عن العنف أو إلحاق الضرر بالآخرين .
رابعاً : العوامل التى تتعلق بالتراث الدينى واختلاف الفرق ومذاهب التفسير .
لا شك أن انحلال العقيدة إلى مذاهب شتى وطوائف متعددة وفرق وفروع كثيرة أدى إلى تشرذم الرعية وأدى أيضاً وهو الأخطر إلى اختلاف الآراء حول العقيدة الواحدة حتى أصبحت عدة عقائد فرقت الناس شيعاً وأحزاباً يقاتل بعضهم بعضاً فسادت البلبلة والتوتر والصراعات مما أدى إلى ظهور مدارس متعددة لتفسير كلمة الله التى بالضرورة لا بد وأن يكون لها معنى واحداً فقط مما يدل على أن هذا التباين والتعدد خطأً كبيراً فى تفسير الكلمة الإلهية .
وهذه البلبلة فى تفسير كلمة الله ساعدت على طمس المعنى الحقيقي للكلمة الإلهية مما جعل الناس يعترضون على الظهور الجديد في كل عصر ومصر ويرفضون بكل همة الرسالات السماوية والرسل والأنبياء الذين جاءوا لهدايتهم ولكنهم لا يعلمون أنهم يحملون لهم البلسم الشافي من جميع أسقامهم وأمراضهم . حتى أن بعض الأنبياء تعرضوا للقتل والسحل والسجن والتعذيب والإهانات والبذاءات من الداني و القاصي من الناس ومن رجال النخبة الدينية السابقين ومن رجال النخبة السياسية أيضاً .
خامساً : عوامل تتعلق باستخدامات اللغة كوسيلة لفهم المعانى والتى تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان لآخر .
لأن الكلمة تحتمل أكثر من معنى فوصولها مكتوبة إلينا على فترة من الزمن تحتاج إلى جهد المفسرين الذين إذا اختلفوا تكون الطامة الكبرى والتشويه الحقيقي للمعنى الحقيقي للكلمة . فوجود تفسيرات متعارضة تؤكد على فساد المنهج والعقيدة وعلى هذا الأساس وقع التشتت والتمذهب وشتى أنواع الصراعات والحروب بسبب هذه الآفة وإليك أمثلة للاستخدامات المتعارضة للكلمة :
في الوقت الذي كان يستخدم أهل الجزيرة العربية الذين يستخدمون اللغة العربية فى التخاطب والتعبير والكتابة كلمة ( الإصطبل ) مكاناً لربط الخيول . استخدم أهل الشام الذين يستخدمون اللغة العربية فى التخاطب والتعبير والكتابة أيضاً نفس الكلمة ( الإصطبل ) بمعنى الأعمى فى ذات الزمن الذي قام أهل الجزيرة العربية باستخدام نفس الكلمة بالمفهوم الذي تم توضيح بيانه .
فما بالك لو اختلفت اللغات وتم استخدام الترجمة للكلمة الإلهية من لغة لأخرى أو قد تكون كلمة الله قد مرت بعدة ترجمات من عدة لغات كما حدث فى ترجمة الإنجيل من لغة حمدوت العبرى إلى السريالية إلى اللاتينية إلى السكسونية إلى الإنجليزية والفرنسية إلى اللغة العربية وهكذا وكذلك تفسيرات كلمة الله .
المثال الثاني :
استخدم الصابئة والقبائل الوثنية كلمة ( إله ) في وصف الولي عند المسلمين والقديس عند المسيحيين والنبي عند اليهود .
حتى أن حضرة المسيح استخدم كلمة ( إله ) فى وصف التلاميذ مع أنهم كانوا من البشر فى الآية 6 , 7 مزمور 82 ما يلى :
( أنا قلت لكم أنكم آلهة وبنو العلي كلكم لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون ) .
ووصف داود المسيح ذاته بأنه ( إله ) أيضاً وكذلك تلاميذ المسيح كما فى الآية الأولى من مزمور 82 ما يلى :
( والله قائم فى مجمع الله فى وسط الآلهة يقضى ) .
الله الأولى تعنى المسيح والثانية تعنى الله الواحد الأحد الفرد الصمد والثالثة تعنى التلاميذ .
والذى أدى إلى استخدام كلمة ( إله ) لوصف المسيح وكذلك التلاميذ أن روح الله كانت عليهم ودخلت فيهم أجمعين فيكون بذلك الوصف سليم عكس استخدام الصابئة والقبائل الوثنية للكلمة بالمقارنة عما نستخدمه نحن الآن بشأن كلمة إله .
فهذه الاستخدامات المتعددة على فترة من الزمن واختلاف الأقطار تؤدى إلى صعوبة فهم معانى الكلمات وتسبب كثير من الاعتقادات المغلوطة والتصورات الخاطئة فظهرت المذاهب والطوائف والفرق والجماعات وحدثت البلبلة فى فهم كلمة الله لأن كل فصيل يعتقد أنه يمتلك الحقيقة وحده والجميع على خطأ فكان التكفير والحروب .
هناك عامل آخر وهو الأهم والأساسى لم يرد الإشارة إليه لأنه يحتاج إلى تفصيل خاص ألا وهو :
سادساً : العوامل التى تتعلق بالكتب المقدسة ذاتها :
وهذا العامل كان اختباراً من الله ليختبر به قلوب المؤمنين ويحق العذاب على الكافرين .
أن الكلمة الإلهية كانت مستورة مغلقة مستعصية على الفهم من جانب غير المؤمنين فظلوا كافرين وضلموا أنفسهم وظلوا من أهل السعير وحق عليهم العذاب وما ربك بظلام للعبيد . أما الذين من الله عليهم بنعمة الإيمان أضاء الله قلوبهم وأبصارهم وامنوا وفازوا بالجنة والملكوت الإلهى .
وإليك الأمثلة من الكتب المقدسة التى تؤكد هذا المعنى :
ما ورد فى اشعيا ص 6 آية 9 :
( إذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعاً ولا تفهموا وأبصروا أبصاراً ولا تعرفوا . غلظ قلب هذا الشعب وثقل أذنيه وأطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى ) .
فكما هو وارد بالسفر المقدس أن غلاظ القلوب لا يفهمون ما يقرأون ولا يبصرون ما يروا بأعينهم ولا يسمعون ما يقال لهم فكيف إذن يصدقون ويؤمنون .
وورد فى سفر دانيال ص 2 آية 4 :
( أما أنت يا دانيال فاخف الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية ) .
فإذا كان الأمر هكذا الكلام مخفي لا تظهر معانيه إلا للمختارين والسفر مختوم مغلق حتى النهاية فكيف يصدقون ويؤمنون .
وورد أيضاً فى نفس الإصحاح الآية 9 :
( إذهب يا دنيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية ) .
نفس الكلمات والمعانى ظهرت على لسان حضرة المسيح فى الآية رقم 34 من إنجيل متى :
( هذا كله كلم به يسوع المسيح الجموع بأمثال وبدون مثل لم يكن يكلمهم لكى يتم بالنبي القائل سأفتح فمى بالأمثال وأنطق بمكنونات منذ تأسيس العالم وقد وبخ تلاميذه وقال لهم حين يستفسرون حتى أنتم غير فاهمين ) .
فكلمات المسيح أيضاً كانت مختومة ومغلقة حتى على التلاميذ فى مرحلة معينة لأنه لابد وأن يرتقى الإنسان روحياً حتى يكون مستحق لدخول الملكوت فتنكشف أمام عينيه أسرار الكلمة الإلهية وتستنير روحه وتحدث له الولادة الثانية التى هى من فوق من الله .
وفى داخل أمثال المسيح أسرار وكنايات واستعارات لا تفهم إلا فى آخر الزمان حينما يأتى الموعود بفك طلاسم المحجوبات ( لتكن أيامه قليلة وليأخذ وظيفته آخر ) كما نصت مزامير داود 109 : 8 وورد فى أعمال الرسل 1 : 20لأنه مكتوب فى سفر المزامير وليأخذ وظيفته آخر ) .
وورد فى يوحنا ص 16 :
( إن لى أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه )
لا يتكلم من نفسه بل من الله علمه شديد القوى فأحسن تعليمه . أما لماذا لم يوضح حضرة المسيح تلك الأمور التى أشار إليها لأنه يستلزم بالضرورة وصول الإنسان لدرجة معينه من النضج الروحى تجعل القلب مستعداً للقبول فتنقشع الغمامة من فوق عينيه فيرى ومن داخل أذنه فيسمع المعانى الجميلة للكلمة الإلهية ذات الأنغام البديعة من ورقات الفردوس الأعلى . أما المحرومون فلا يرون ولا يسمعون ولا يصدقون ولا يؤمنون .
وقد وردت هذه المعانى بشأن إخفاء جوهر الجواهر للكلمات الإلهية فى القرءان المقدس أيضاً :
بسم الله الرحمن الرحيم
( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ).الاعراف ( 52 و 53 )
وتؤكد آيات الله المقدسة فى القرءان أن الآيات لها تأويل إشارى لم يتم توضيحه فى حينه لحكمة إلهية ويؤكد أيضاً أنه سوف يتم توضيح السفر المختوم والكلام المخفي والمعانى الباطنية لاحقاً فى الظهور التالى الجديد .
ومثال آخر :
بسم الله الرحمن الرحيم
( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ) . يونس ( 39 )
فإذا كانت المعانى مخفية والتأويل لم يأتى بعد زمانه فكيف يصدقون ويؤمنون ولكن الذين أنار الله قلوبهم فهموا التأويلات للبشارات المقدسة بمطالع الظهور فآمنوا وصدقوا وفازوا فوزاً عظيماً أما غلاظ القلوب ظلت الأختام مغلقة والتأويلات مخفية عنهم فلم يؤمنوا ولم يصدقوا وأصبحوا من أصحاب السعير وحق عليهم العذاب .
وتتشابه جميع الكتب المقدسة فى توضيح هذه الحقيقة .
هناك عامل اخر يتعلق بمستوى نضج العقل البشرى ومدى استعداده وتطور قدراته وهذا يتعلق بتطور المراحل التاريخية للعمران البشرى لهذا لم يكن البشر مستعدون لفهم الحقيقة أما وقد بلغ العقل البشرى فى العصر الحديث إلى مرحلة النضج قلا بد وأن يرسل لهم من يفك أختام الآيات المغلقة والأسفار المختومة التى ورد ذكرها فى التوراة والإنجيل والقرءان . لأنهم على أتم الاستعداد الآن .
أما كيف يمكن تمييز كلمة الله ؟
تلخص آيات القرءان المقدس إجابة هذا السؤال فى قول الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ) .الرعد 17
بالرغم من المقاومة الشرسة حين ظهور الكلمة الإلهية إلا أنها تسير رويداً رويداً وتسحق أمامها كل وسائل المقاومة وتنتصر فى النهاية وتتهاوى تحت أقدامها كل جيوش الشر و تتهاوى القصور والقلاع والسلطنة والعظمة والإمبراطوريات وينتصر الله والأنبياء لأن الله قال : لأغلبن أنا ورسلى والأنبياء وقال حضرة المسيح موضحاً هذه الحقيقة إننى قد غلبت العالم بينما كان هو بحكم الظاهر مهزوماً ضعيفاً ووصل الأمر إلى قتله . ولكن انظروا الآن على خريطة العالم تجد نور المسيح يكاد يغطى العالم وآمن العالم بالمسيحية بالرغم من قتل المسيح . لأن كلمة الله مكتوب لها الانتصار دائماً . فالمسيح قال لتلاميذه اذهبوا إلى كل العالم وكرزوا بالإنجيل الذى هو كلمة الله وكما تعطوا تكلموا لأنه ليس أنتم المتكلمين بل الله وبالفعل انتصر تلاميذ المسيح وانتشرت كلمة الله وغلبت العالم كما تنبأ حضرة المسيح تماماً وأصبح معظم سكان الأرض من أتباع المسيح بالكلمة الإلهية وقوة الإنجيل المقدس كلمة الله العليا .
كلمة الله لها من القوة والإعجاز ما يبهر الألباب وتترك آثاراً تدل على قوتها وعظمتها ولننظر إلى كلمة الله فى حوار موسى مع فرعون من الذى انتصر فى النهاية ؟ وقد غرق فرعون وجنوده بشركهم وكفرهم ولنتأمل معجزة حضرة إبراهيم التى استمدها من كلمة الله فى حواره مع النمرود حيث يسجل القرءان هذه الحقيقة فى قوله :
بسم الله الرحمن الرحيم
( ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذى يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتى الشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ) . البقرة 258
كلمة الله تكتب لها القوة والعظمة والانتصار وتمكث فى الأرض لأنها تنفع الناس وأما االإدعاءات البشرية الباطلة تزول كزبد البحر .
علاوة على أنها تترك آثاراً عظيمة فلننظر حال الأمة العبرية قبل ظهور موسى كانوا فى أسوأ الحالات من الذل والهوان والعبودية والخذلان وما آلت إليه أحوالهم بعد ظهوره ونزول كلمة الله التوراة المقدس حيث تبدلت أحوالهم وتغيرت أفكارهم فصاروا ملوكاً وحكاماً وأئمة أعلاماً وانبجست من أحجار عقولهم الحكمة والمعرفة الروحية اللدنية فعرف كل منهم مشربهم بعد أن كانوا عبيداً رذله ورعاة جهلة فخرجوا بالتوراة كلمة الله من الظلام إلى النور ومن الموت إلى الحياة ومن الهمجية إلى الحضارة والمدنية .
وكذلك الأمم الكبرى من حدود الشرق الأقصى إلى أقاصى إفريقيا خرجوا من ربقة الوثنية وعبادة النار إلى التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد عن طريق القرءان وقد تحرروا من العقائد الفاسدة والأعمال القبيحة ووصلوا للأخلاق الفاضلة والعقائد الصحيحة عن طريق كلمة الله . هذه هى قوة الكلمة الإلهية المقدسة فيها هدى ونور ورحمة وطمأنينة والعلم والبصيرة والعظمة والسلطنة الحقيقية والانتصار وتعلو ولا يعلى عليها