من الدرر البهية لأبى الفضائل
(1) ولما غابت شمس الهدى وأفل نيّر البهاء من الأفق الأدنى وتوارت غزالة النور خلف الحجاب الأقصى الأخفى وجادت قرائح أهل الفضل على سبيل الرثاء من القصائد والخطب والقطعات في تلك الرزية الكبرى والمصيبة العظمى بما لا يمكن أن يزيد عليه ألسنة أهل الشعر والانشاء، فتلى ذاك الشاب المهذب المجيد حضرة جاد عيد على سبيل التأبين بهذه الخطابة الغراء والكلم العلياء في محضر السيد المولى وجماعة من القضاة والعلماء، وها نحن ننقلها أيضاً إفادة للقراء لتكون قدوة حسنة للكتاب وطريقة واضحة يمشي عليها أرب الألباب.
(من النثر الفاخر)
تنازل يا مولاي يا فخر الندى وأمير المكرمات وتقبل من مفتون آدابكم عبارات يبعد نطقها عن رقيق معانيكم كبعد الأرض عن نور السماء. حاول أن يأتي على ذكر صفة من صفات مولاكم الجليل وسيدكم النبيل وبدركم الساطع وكوكبكم اللامع. حاول أن يصف خطباً ذهلت لديه بصائر أولى الحكمة وحارت عقول أصحاب العلم والفهم.
(خطب ألم بكل قطر نعيه كادت له شم الجبال تزول)
حاول أن يصف مصيبة كسفت لها شمس الضحى وأفل بدر المكرمات وكبا زناد المجد وانفصمت عرى العلياء وشوه وجه الحزم والعزم. وغاضت ينابيع المعارف وتنكرت سبلها وأقفرت ربوع المسرة ودرست معاهدها. حاول أن يصف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في 2 ذي القعدة سنة 1309 هجرية المطابق 16 ايار سنة 1892 ميلادية.
خطب فقيد تقوضت لمنعاه الأضالع وأرتجت لوقعه القلوب وأستكت المسامع. فشاهدنا الكرامة تندب حظها والسيادة تبكي حامي زمارها والعلى يؤبّن ابن بجدته والجود يرثى راعي حرمته
حتى خلنا من الأسى كل طفل
نائحاً قبل أن يتم الرضاعا
وقام مفتونوا بهائه يبكونه عدد إنعامه وعدله وهبت قلوب أبنائهم تنتحب عليه بمقدار ما زرع فيها من حبه وفضله. كيف لا وهو الراحل الذي تولت المكرمات برحيله والواعظ المرشد الذي هداهم بواسع علمه وجزيل فضله. فأيّ آثاره لا يندبون بعده وهم لا يطلبون محمدة وعدلاً إلا وجدوهما عنده. ءآثار علمه التي خزنها في صدورهم أم واسع فضله الذي شمل به كبيرهم وصغيرهم أم أثيل مجده وجزيل حكمته أم عظيم نبله وشريف كرامته. ولسنا بعد رياسته عنا وعلو مقامه ورفعة شأنه لنستطيع الاتيان بجزء من الواجب في تعداد صفاته وحسناته ولو جمعنا في رثائه جميع ما قيل في الدنيا من رثاء الملوك والأمراء وأفاضل الناس. فلا محاسن فضله تدرك ولا مآثر عدله تعدّ ولا فيوض مراحمه توصف ولا غزارة مكارمه تحصر ولا كرم أعراقه ككرم أعراق الناس. فان كل هذه الصفات التي كان فيها آية الله في خلقه لم تكف بوصف بعثته الشريفة فهو الامام المنفرد بصفاته والحبر المتناهي بحسناته ومبرّاته. بل هو فوق ما يصف الواصفون وينعت الناعتون. الراحل الذي لم يترك للناس زاداً غير أكباد ملتهبة ودمع مصبوب. فكيف يسوغ وصف من جلت صفاته عن التغيير بل كيف يليق أن يخزن الدمع بعد فقد هذا السيد الخطير. ولقد
جمد الماء رعبة وارتياعاً وجرى الصخر أنّة والتياعاً
وضياء الهنا استحال ظلاماً والى المحو مطلقاً قد تداعا
مذ هوى من أعالي الفضل طود راسخ جاوز السماك ارتفاعا
وإنا لنجلّ هذا البدر عن أن يغور في القبور وهذا النجم أن يبيت تحت الثرى. إنما هو نجم بهاء لم يكن لينتقل إلا في بروج سعده ويقترن بمنازل عزه ومجده
حاشا علاه من الممات وإنما هي نقلة فيها المنى والسؤل
ولقد ناداه من أحبه فأجاب بعد أن ترك آثاراً تذكر متمماً بعثته الشريفة وبعد أن أوجد في هذا الوجود معادن لطف وجود كفى بوجودهم عزاً وشرفاً. فسيادتكم مولاي وأتباعكم الكرام أصحاب المآثر الحميدة تجددون بنور حكمتكم وعلمكم ما سنه نجم بهائكم المنتقل في بروج مجده وان أحزنكم وأحزن الجميع بنقلته فقد سرّ ملائك دار النعيم حيث مقره السعيد. فتقبل أيها السيد السند من عاجز عن ادراك سر معجزاتك ومقصر عن أداء حق الواجب نحو كرامة عنصرك أنت يا من زرعت في قلوبنا بزور المحبة وأستملتنا بكليتنا الى عشق صفاتك مراسيم التعزية التي نجهل والله كيف يليق الاتيان بها. فباهر علمك وواسع حلمك يدركان سر قصورنا وتقصيرنا. أدام الله بقائكم وحضرات اخوتكم الكرام بالعز والاسعاد (الفقير جاد عيد سنة 1892). انتهى.
(هذا) وقد جئنا بهذه الخطابة تذكاراً لعذوبة ألفاظه ودماثة أخلاقه على علم منا بأنه إنما تخلق بهذه الأخلاق بما أشرق عليه من أنوار نيّر الآفاق وأفاض عليه في غضاضة غصنه وحداثة سنه من نفحات أطوار مركز الميثاق.
هنا نختم المقال ونرجو منه تبارك وتعالى أن يؤيدك وإيانا في كل الأحوال أنه هو المؤيد المتعال وقد تمت بقلم الفقير أبي الفضل ابن محمد رضا الجرفادقاني الايراني في عشرين من شهر صفر سنة 1318.
(1) ولما غابت شمس الهدى وأفل نيّر البهاء من الأفق الأدنى وتوارت غزالة النور خلف الحجاب الأقصى الأخفى وجادت قرائح أهل الفضل على سبيل الرثاء من القصائد والخطب والقطعات في تلك الرزية الكبرى والمصيبة العظمى بما لا يمكن أن يزيد عليه ألسنة أهل الشعر والانشاء، فتلى ذاك الشاب المهذب المجيد حضرة جاد عيد على سبيل التأبين بهذه الخطابة الغراء والكلم العلياء في محضر السيد المولى وجماعة من القضاة والعلماء، وها نحن ننقلها أيضاً إفادة للقراء لتكون قدوة حسنة للكتاب وطريقة واضحة يمشي عليها أرب الألباب.
(من النثر الفاخر)
تنازل يا مولاي يا فخر الندى وأمير المكرمات وتقبل من مفتون آدابكم عبارات يبعد نطقها عن رقيق معانيكم كبعد الأرض عن نور السماء. حاول أن يأتي على ذكر صفة من صفات مولاكم الجليل وسيدكم النبيل وبدركم الساطع وكوكبكم اللامع. حاول أن يصف خطباً ذهلت لديه بصائر أولى الحكمة وحارت عقول أصحاب العلم والفهم.
(خطب ألم بكل قطر نعيه كادت له شم الجبال تزول)
حاول أن يصف مصيبة كسفت لها شمس الضحى وأفل بدر المكرمات وكبا زناد المجد وانفصمت عرى العلياء وشوه وجه الحزم والعزم. وغاضت ينابيع المعارف وتنكرت سبلها وأقفرت ربوع المسرة ودرست معاهدها. حاول أن يصف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في 2 ذي القعدة سنة 1309 هجرية المطابق 16 ايار سنة 1892 ميلادية.
خطب فقيد تقوضت لمنعاه الأضالع وأرتجت لوقعه القلوب وأستكت المسامع. فشاهدنا الكرامة تندب حظها والسيادة تبكي حامي زمارها والعلى يؤبّن ابن بجدته والجود يرثى راعي حرمته
حتى خلنا من الأسى كل طفل
نائحاً قبل أن يتم الرضاعا
وقام مفتونوا بهائه يبكونه عدد إنعامه وعدله وهبت قلوب أبنائهم تنتحب عليه بمقدار ما زرع فيها من حبه وفضله. كيف لا وهو الراحل الذي تولت المكرمات برحيله والواعظ المرشد الذي هداهم بواسع علمه وجزيل فضله. فأيّ آثاره لا يندبون بعده وهم لا يطلبون محمدة وعدلاً إلا وجدوهما عنده. ءآثار علمه التي خزنها في صدورهم أم واسع فضله الذي شمل به كبيرهم وصغيرهم أم أثيل مجده وجزيل حكمته أم عظيم نبله وشريف كرامته. ولسنا بعد رياسته عنا وعلو مقامه ورفعة شأنه لنستطيع الاتيان بجزء من الواجب في تعداد صفاته وحسناته ولو جمعنا في رثائه جميع ما قيل في الدنيا من رثاء الملوك والأمراء وأفاضل الناس. فلا محاسن فضله تدرك ولا مآثر عدله تعدّ ولا فيوض مراحمه توصف ولا غزارة مكارمه تحصر ولا كرم أعراقه ككرم أعراق الناس. فان كل هذه الصفات التي كان فيها آية الله في خلقه لم تكف بوصف بعثته الشريفة فهو الامام المنفرد بصفاته والحبر المتناهي بحسناته ومبرّاته. بل هو فوق ما يصف الواصفون وينعت الناعتون. الراحل الذي لم يترك للناس زاداً غير أكباد ملتهبة ودمع مصبوب. فكيف يسوغ وصف من جلت صفاته عن التغيير بل كيف يليق أن يخزن الدمع بعد فقد هذا السيد الخطير. ولقد
جمد الماء رعبة وارتياعاً وجرى الصخر أنّة والتياعاً
وضياء الهنا استحال ظلاماً والى المحو مطلقاً قد تداعا
مذ هوى من أعالي الفضل طود راسخ جاوز السماك ارتفاعا
وإنا لنجلّ هذا البدر عن أن يغور في القبور وهذا النجم أن يبيت تحت الثرى. إنما هو نجم بهاء لم يكن لينتقل إلا في بروج سعده ويقترن بمنازل عزه ومجده
حاشا علاه من الممات وإنما هي نقلة فيها المنى والسؤل
ولقد ناداه من أحبه فأجاب بعد أن ترك آثاراً تذكر متمماً بعثته الشريفة وبعد أن أوجد في هذا الوجود معادن لطف وجود كفى بوجودهم عزاً وشرفاً. فسيادتكم مولاي وأتباعكم الكرام أصحاب المآثر الحميدة تجددون بنور حكمتكم وعلمكم ما سنه نجم بهائكم المنتقل في بروج مجده وان أحزنكم وأحزن الجميع بنقلته فقد سرّ ملائك دار النعيم حيث مقره السعيد. فتقبل أيها السيد السند من عاجز عن ادراك سر معجزاتك ومقصر عن أداء حق الواجب نحو كرامة عنصرك أنت يا من زرعت في قلوبنا بزور المحبة وأستملتنا بكليتنا الى عشق صفاتك مراسيم التعزية التي نجهل والله كيف يليق الاتيان بها. فباهر علمك وواسع حلمك يدركان سر قصورنا وتقصيرنا. أدام الله بقائكم وحضرات اخوتكم الكرام بالعز والاسعاد (الفقير جاد عيد سنة 1892). انتهى.
(هذا) وقد جئنا بهذه الخطابة تذكاراً لعذوبة ألفاظه ودماثة أخلاقه على علم منا بأنه إنما تخلق بهذه الأخلاق بما أشرق عليه من أنوار نيّر الآفاق وأفاض عليه في غضاضة غصنه وحداثة سنه من نفحات أطوار مركز الميثاق.
هنا نختم المقال ونرجو منه تبارك وتعالى أن يؤيدك وإيانا في كل الأحوال أنه هو المؤيد المتعال وقد تمت بقلم الفقير أبي الفضل ابن محمد رضا الجرفادقاني الايراني في عشرين من شهر صفر سنة 1318.