فى
مقالة رائعة للأستاذ خالص جلبى تحدث بعمق شديد عن الحرب كقيمة مزيفة
والسلام والمشورة والتفاهم كقيم بديلة تأخذ البشرية الى منحى اخر واتجااه
مختلف من التطور والنضج فأردت ان تشاركونى روعة كلماته فلم تكن الحرب
ابدا" ولن تكون حلا" لمشاكل بل هى طريق ملئ بالأشواك والمحن لايستفيد منها
فى النهاية إلا نفرا" قليلا"....
الحرب والإنسان والأخلاق...
بقلم خالص جلبي
في
خريف عام 1993 م كنت في زيارة للعاصمة الكندية مدينة (أوتاوا) ، وفي رحلة
التعرف على البرلمان الكندي والكومنولث البريطاني والمكتبة الرائعة
التابعة للكومنولث والتي تحوي 600 ألف كتاب من ذخائر المعرفة الإنسانية،
ثم المجلس الذي تدار فيه مناقشات الأحزاب، وحيث يهيء وفي مكان مرتفع منه
للراغبين من الجمهور في حضور هذه المناقشات الساخنة.
وفي
نهاية الرحلة وقفت السيدة التي كانت تقوم بدور المرشد السياحي أمام لوحة
تذكارية لتقولَ بخشوع: هذه اللوحة هي ذكرى للخسائر التي مُنيت بها كندا في
الحرب العالمية الأولى، حيث اشتركت الوحدات الكندية في ساحات القتال
الأوربية، مع مجموعات دول الكومنولث من استراليا والهند ونيوزيلندا
وبالطبع بريطانيا، حيث سيق 600 ألف جندي كندي يمثلون زهرة شباب المجتمع
الكندي و( عُشر ) ( 1 \10 ) مجموع الأمة الكندية في ذلك الوقت، وقتل منهم
أيضاً العُشر ( قُتل 60 ألفاً )؟!.
وقفت أتأمل اللوحة التذكارية والشعر الحزن المسطَّر عليها، تساعدني ابنتي التي تدرس في جامعة (مك جيل Mc Gil) في فك معاني بعض الكلمات، ذلك أن الأسطر كتبت بلغةٍ فخمةٍ: عندما
ترسل الشمس أشعتها الدافئة، وتمتلىء حقول الربيع بورود الزنبق والياسمين،
وتشعرُ بالسلام يظلل الوطن الذي تعيش فيه، فلا تنسى البؤساء في حشرجة
الموت، تنزف جراحاتهم في ساحات القتال.
وتمنيت
أن تُختم الأبياتُ بالاستفادة من هذا الدرس المريع كي لا يتكرر الخطأ،
بكل أسف خُتمت الأبيات بــ ( ثقافة البطولة ) مرةً أخرى: لا تنسى دماء
القتلى وآهات الجرحى وعذاب المشوهين من أجل الثأر لهم والانتقام
لتضحيتهم!!
ولم يختموها كفى بالحرب واعظاً !!
قلت لمرشدتنا الكندية: إنني جداً متألم لما ذكرتَ، وأرجو أن لا تتكرر هذه المأساة بتقديم المزيد من القرابين البشرية على مذبح الحروب البئيسة، فهزت رأسها متأثرةً بالإيجاب.
هذا هو عالم الكبار اليوم فما هو حال عالم الصغار ؟؟
إن
الصغار إذا لجئوا إلى القوة في حل مشكلاتهم، فإنهم يكونوا قد باعوا
قضيتهم للمترفين في الأرض، لسماسرة الحروب، والأخيرون ينظرون فمن يكون
انتصاره في مصلحتهم نصروه، وإلا فإنهم يتركونهم ينحر بعضهم بعضاً، أو
يمدونهم بالأسلحة التقليدية بتغافلٍ وشماتة، وهذا الوضع العالمي بين
الصغار والكبار وضع جديد، علينا أن نتفهمه ونتكيف معه بدون تبلد.
وعلينا
أن ننسخ الثقافة المبنية على العهد العتيق، عهد اعتبار العنف (بطولة)،
ولنبدأ التكيف مع العهد الجديد في الأرض الجديدة، عهد السلام ولنبدأ بصنع
( ثقافة السلام ).
ذلك أن صنع ثقافة السلام شرط لقيام العيش المشترك معا ً بسلام.
وهذه
الثقافة ـ التي ينبغي أن نصنعها ـ هي التي ستبدل الذهنية الجماعية
التقليدية التي تنظر إلى العنف أنه بطولة وقداسة، بدلاً من النظر إليه أنه
أمر يدعو إلى الغثيان، وأنه كفَّ عن كونه بطولة بل تحول إلى جريمة، وما لم
نحقق هذه النقلة الثقافية والقطيعة المعرفية فلن نكون قد صنعنا شيئاً.
فكما
كانت الجراثيم القاتلة قبل كشفها ومعرفة كيفية التعقيم ، كانت مبثوثة في
أعيننا ، وكانت تداهمنا من غير أن نعرف كيف تأتي وتحصد الناس ، كذلك فإن
الجراثيم الفكرية الثقافية المبثوثة في أغذيتنا الفكرية تأتي وتحصدنا ثم
نعيش حيارى مفلسين.
إنه
لم يبق في العالم إلا مذهبان ، من يؤمن بالعنف، ومن يرفضه ويتحداه
بالسلام، وما هو أمام العرب اليوم أن يتمرنوا على حل مشاكلهم فيما بينهم
سلمياً، فإن نجحوا في ذلك فستحل المشكلات بينهم وغيرهم تلقائياً، ويظن
كثير من الناس أن حل المشكلات عند السياسيين، والواقع أن السياسي هو حفيد
المثقف، فهم ثمار الشجرة التي غرسوها.
مقالة رائعة للأستاذ خالص جلبى تحدث بعمق شديد عن الحرب كقيمة مزيفة
والسلام والمشورة والتفاهم كقيم بديلة تأخذ البشرية الى منحى اخر واتجااه
مختلف من التطور والنضج فأردت ان تشاركونى روعة كلماته فلم تكن الحرب
ابدا" ولن تكون حلا" لمشاكل بل هى طريق ملئ بالأشواك والمحن لايستفيد منها
فى النهاية إلا نفرا" قليلا"....
الحرب والإنسان والأخلاق...
بقلم خالص جلبي
في
خريف عام 1993 م كنت في زيارة للعاصمة الكندية مدينة (أوتاوا) ، وفي رحلة
التعرف على البرلمان الكندي والكومنولث البريطاني والمكتبة الرائعة
التابعة للكومنولث والتي تحوي 600 ألف كتاب من ذخائر المعرفة الإنسانية،
ثم المجلس الذي تدار فيه مناقشات الأحزاب، وحيث يهيء وفي مكان مرتفع منه
للراغبين من الجمهور في حضور هذه المناقشات الساخنة.
وفي
نهاية الرحلة وقفت السيدة التي كانت تقوم بدور المرشد السياحي أمام لوحة
تذكارية لتقولَ بخشوع: هذه اللوحة هي ذكرى للخسائر التي مُنيت بها كندا في
الحرب العالمية الأولى، حيث اشتركت الوحدات الكندية في ساحات القتال
الأوربية، مع مجموعات دول الكومنولث من استراليا والهند ونيوزيلندا
وبالطبع بريطانيا، حيث سيق 600 ألف جندي كندي يمثلون زهرة شباب المجتمع
الكندي و( عُشر ) ( 1 \10 ) مجموع الأمة الكندية في ذلك الوقت، وقتل منهم
أيضاً العُشر ( قُتل 60 ألفاً )؟!.
وقفت أتأمل اللوحة التذكارية والشعر الحزن المسطَّر عليها، تساعدني ابنتي التي تدرس في جامعة (مك جيل Mc Gil) في فك معاني بعض الكلمات، ذلك أن الأسطر كتبت بلغةٍ فخمةٍ: عندما
ترسل الشمس أشعتها الدافئة، وتمتلىء حقول الربيع بورود الزنبق والياسمين،
وتشعرُ بالسلام يظلل الوطن الذي تعيش فيه، فلا تنسى البؤساء في حشرجة
الموت، تنزف جراحاتهم في ساحات القتال.
وتمنيت
أن تُختم الأبياتُ بالاستفادة من هذا الدرس المريع كي لا يتكرر الخطأ،
بكل أسف خُتمت الأبيات بــ ( ثقافة البطولة ) مرةً أخرى: لا تنسى دماء
القتلى وآهات الجرحى وعذاب المشوهين من أجل الثأر لهم والانتقام
لتضحيتهم!!
ولم يختموها كفى بالحرب واعظاً !!
قلت لمرشدتنا الكندية: إنني جداً متألم لما ذكرتَ، وأرجو أن لا تتكرر هذه المأساة بتقديم المزيد من القرابين البشرية على مذبح الحروب البئيسة، فهزت رأسها متأثرةً بالإيجاب.
هذا هو عالم الكبار اليوم فما هو حال عالم الصغار ؟؟
إن
الصغار إذا لجئوا إلى القوة في حل مشكلاتهم، فإنهم يكونوا قد باعوا
قضيتهم للمترفين في الأرض، لسماسرة الحروب، والأخيرون ينظرون فمن يكون
انتصاره في مصلحتهم نصروه، وإلا فإنهم يتركونهم ينحر بعضهم بعضاً، أو
يمدونهم بالأسلحة التقليدية بتغافلٍ وشماتة، وهذا الوضع العالمي بين
الصغار والكبار وضع جديد، علينا أن نتفهمه ونتكيف معه بدون تبلد.
وعلينا
أن ننسخ الثقافة المبنية على العهد العتيق، عهد اعتبار العنف (بطولة)،
ولنبدأ التكيف مع العهد الجديد في الأرض الجديدة، عهد السلام ولنبدأ بصنع
( ثقافة السلام ).
ذلك أن صنع ثقافة السلام شرط لقيام العيش المشترك معا ً بسلام.
وهذه
الثقافة ـ التي ينبغي أن نصنعها ـ هي التي ستبدل الذهنية الجماعية
التقليدية التي تنظر إلى العنف أنه بطولة وقداسة، بدلاً من النظر إليه أنه
أمر يدعو إلى الغثيان، وأنه كفَّ عن كونه بطولة بل تحول إلى جريمة، وما لم
نحقق هذه النقلة الثقافية والقطيعة المعرفية فلن نكون قد صنعنا شيئاً.
فكما
كانت الجراثيم القاتلة قبل كشفها ومعرفة كيفية التعقيم ، كانت مبثوثة في
أعيننا ، وكانت تداهمنا من غير أن نعرف كيف تأتي وتحصد الناس ، كذلك فإن
الجراثيم الفكرية الثقافية المبثوثة في أغذيتنا الفكرية تأتي وتحصدنا ثم
نعيش حيارى مفلسين.
إنه
لم يبق في العالم إلا مذهبان ، من يؤمن بالعنف، ومن يرفضه ويتحداه
بالسلام، وما هو أمام العرب اليوم أن يتمرنوا على حل مشاكلهم فيما بينهم
سلمياً، فإن نجحوا في ذلك فستحل المشكلات بينهم وغيرهم تلقائياً، ويظن
كثير من الناس أن حل المشكلات عند السياسيين، والواقع أن السياسي هو حفيد
المثقف، فهم ثمار الشجرة التي غرسوها.