خطأ المذهب المادي...
إن
ثقافة الاستهلاك حين لم تجد لها منافسًا أصبحت لنا تركة ورثناها اليوم عن
رسالة المادية الخاصة بتحسين أحوال البشر ، أما أهدافها وأغراضها الآنية
العابرة فلم تسبب للقائمين على تنفيذها أي إرباك أو إحراج . أما فيما يخص
تلك القلة المقتدرة من الناس فيمكنهم الحصول على تلك الفوائد فورًا ، وما
من عذر يبرره العقل لوجود مثل هذه الحالة ، وبانهيار نظم الأخلاق المتعارف
عليها انتشرت العقيدة المادية الجديدة بجرأة ، ولم يكن تقدمها سوى انتصار
لدافع حيواني ، غريزي أعمى كالجوع مثلاً . وقد تحرر هذا الدافع الحيواني
أخيرًا مما كان يضبطه ويقيده من الموانع الغيبية . وكان أبرز ضحايا هذه
الثقافة واسطة التعبير عنها . ومن ثمّ غدت النزعات ، التي شجبها المجتمع
على نحوٍ عام لكونها شذوذًا أخلاقيًا يستوجب التوبيخ والعقاب ، من ضرورات
تقدم المجتمع . وفي مثل هذه الظروف تصير الأنانية صفة لها قيمتها كموئل
للتعامل التجاري . ويأخذ الزور والافتراء قالبًا جديدًا ويتحول مادة تغذي
وسائل الإعلام . ويطالب بعض الناس دون أي خجل بالاعتراف بأنواع مختلفة من
مظاهر الشذوذ حقوقًا مدنية . واستُخدمت الكنايات تلطيفًا لبعض الألفاظ ،
فأصبحت كلمات الجشع والشهوة الجنسية والكسل والبلادة والكبرياء وحتى العنف
، مقبولة على نطاق واسع ، بل إنها اكتسبت أيضًا قيمة اجتمعية واقتصادية .
ومن عجائب التقادير أن المغانم المادية ووسائل الراحة التي صُلبت عليها
الحقيقة قد فقدت طعمها على غِرار الكلمات التي أُفرغت من معانيها أيضًا .
من
الواضح أن خطأ المذهب المادي لم يكن نتيجة جهوده الجديرة بالثناء لتحسين
ظروف الحياة ، بل كان نتيجة ما حدّد رسالة ذلك المذهب من ضيق في العقل
وثقة بالنفس لا مبرر لها . ويجب ألا ننسى أن أهمية كل من الرفاهية المادية
والتقدم العلمي والتقني المطلوب لتحقيق تلك الرفاهية هما من المواضيع التي
يجري بحثها عبر الآثار الكتابية المقدسة للدين البهائي . وكما أن لم يكن
من مناص في البداية من بذل جهود اعتباطية لصل أسباب الرفاهية وسلامة الحال
المادية عن تلك التي تساعد على التنمية الروحية والأخلاقية للبشر ، انتهى
الحال بالثقافة المادية إلى فقدان ولاء تلك المجموعات البشرية ذاتها التي
ادّعت أنها تخدم مصالحها .
فلقد
حذر حضرة بهاء الله قائلاً : ( انظروا كيف أصاب العالم بلاءً جديدًا
يتزايد آنًا بعد آن ... فالأمراض المزمنة التي أودت بالمريض إلى وهدة
اليأس ، ومُنع الطبيب الحقيقي الحاذق عن إشفاء المريض ، وقُبِل عديم
الخبرة غيره ليفعل ما يريد .)