منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عظمة هذا اليوم
عزيزي الزائر الكريم يسعدنا انضمامك للصفوة في منتديات عظمة هذا اليوم
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
منتديات عظمة هذا اليوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا إلهي أغث هؤلاء البؤساء، ويا موجدي ارحم هؤلاء الأطفال، ويا إلهي الرّؤوف اقطع هذا السّيل الشّديد، ويا خالق العالم أخمد هذه النّار المشتعلة، ويا مغيثنا أغث صراخ هؤلاء الأيتام، ويا أيّها الحاكم الحقيقيّ سلّ الأمّهات جريحات الأكباد،ع ع

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address

اضف ايميلك ليصلك كل جديد Enter your email address:

Delivered by FeedBurner


المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 37 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 37 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 138 بتاريخ 2019-07-30, 07:24
إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان


    [/spoiler]

    أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

    الفصل التاسع

    اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    1الفصل التاسع Empty الفصل التاسع 2009-01-23, 22:26

    Admain

    Admain
    رئيس مجلس الادارة
    رئيس مجلس الادارة
    الحب والخير والجمال في حياة حضرة عبد البهاء

    أعماله الخيرية


    مهد المستر فليب المحامى بمدينة نيويورك بأمريكا تاريخه عن البهائية بالكلمة التي كتبها عن عباس أفندي وجعلها مقدمة كلامه فقال:

    " نزلت في سياحتي الفلسطينية بمدينة عكاء في منزل عتيق يطل على شارع مبلط قليل الإتساع بحيث يتسنى للرجل النشيط أن ينظفه في لمحات قليلة تعلوه شمس فلسطين اللامعة المضيئة وعلى يمينه السور البحري القديم, والبحر الأبيض المتوسط 0

    وفى ذات يوم ( بعد شهر أقمتة بذلك المنزل) بينما نحن جلوس وإذا بجلبة عظيمة وضجة وضوضاء على بعد ثلاثين قدما منا ففتحنا النافذة فوقع نظرنا على جملة أناس بأثواب بالية مرقعة ممزقة 0 ثم نزلنا لنرى من هؤلاء فعلمنا أنهم من البائسين الجديرين بالإحسان إذ تراهم بين عميان ونحاف نحلين صفر الألوان وشيوخ طاعنين في السن ومن ذوى العكازات العاجزين عن المشي والضعاف الذين لا يمشون إلا بشق الأنفس ومن بينهم نساء مقنعات وبانكشاف المقنعات عرفنا انهن لم يسترهن إلا البؤس المؤلم ومنهن من يحملن أطفالا نحيلي الأبدان صفر الألوان ويبلغ هذا الجمع نحو مائة شخص سوى كثير من الأطفال وهم يكونون في مجموعهم جميع العناصر التي يراها المار في هذه الشوارع من شوام وعرب وزنوج وغيرهم 0 وما لبث هذا الجمع أن إصطفوا منتظرين فطفقنا ننظر ماذا ينتظر هؤلاء ؟0 وإذا بباب يفتح وخرج منه رجل متوسط القامة منتظم التركيب يلبس قفطانا أبيض وعلى رأسه العمامة ويبلغ من العمر نحو ستين سنة ويتدلى شعرة المشوب بالشيب على كتفيه عريض الجبهة الوضاحة العالية أقنى الأنف خفيف الشارب واللحية المستديرة التي غزا شعرها المشيب , ذو عينين زرقاوين واسعتين مع نظر ثاقب , وهيئة بسيطة إلا أن في انتظام حركاته ما يدل على الجمال والجلال0

    خرج هذا الرجل وإتجه نحو الجميع وبوصوله إليهم أخذ يحييهم بألفاظ لا نفهمها ولكن ما يرى من هيئته ينم عن رقة وشفقة ثم وقف في زاوية ضيقه من الشارع وأشار إليهم بالإقبال عليه فالتفوا حوله إلتفاف السوار بالمعصم إلا انه كان يبعدهم عنه بلطف ويدعوهم بالمرور أمامه واحداً واحداً وكلما مر عليه رجل من القوم رأيت يده إليه ممدودة حيث يضع بعض النقود وهو يعرفهم جميعا ويلاطفهم بوضع يده على وجوههم تارة وعلى أكتافهم ورؤوسهم تارة أخرى 0 ويوقف بعضهم ويستعلم عن حاله ويحيى أحد العبيد المتقدمين في السن والإستعلام منه عن أمره ببعض عبارات رقيقة فيبدو السرور على وجه الرجل وتظهر ثناياه البيضاء من وجهه الابنوسى عند الجواب وتارة يوقف إحدى السيدات ويلاعب طفلها بشفقة عظيمة وحين مروره عليه وتقبيل بعضهم يديه يحييهم جميعا بقوله ( مرحبا مرحبا ) وعلى هذا النحو يمر الجميع0

    وكان صاحبنا الملقب " بأبي الفقراء " متبوعا بجملة رجال يلبسون الطرابيش الحمر ويظهر على وجوههم الحنان والبشر وكانوا وقوفا بالقرب منه ولهم يد في تنظيم هذا الجمع0 فلما قفل راجعا تبعوه مع غاية الاحترام حيث يتأخرون عنه مسافة وكلما أرادوا نداءه دعوه بلفظ (المولى ) 0

    ويمكنك أن ترى هذا المنظر بشوارع عكاء في أي يوم من أيام السنة وله نظائر مماثلة له لكنها لا تحدث إلا في إبتداء الشتاء حيث يتألم الفقراء 0 ويمكنك ( لو دلك إنسان على الزمان والمكان ) أن ترى فقراء عكاء مجتمعيـن في أحد حوانيت بائعـي الملابـس ليستلم كل منهم رداء من ( المولى) وهو يلبس أغلبهم بنفسه وخصوصا العجزة والمقعدين ويقيسها عليهم بيديه قائلا لهم ( مبروك ) 0

    ويوجد بعكاء نحو خمسمائة أو ستمائة فقير يأخذ كل منهم رداءً جميلا منه كل عام 0 وفى أيام المواسم يزور الفقراء في بيوتهم ويتحدث معهم ويسألهم عن حالهم وعن صحتهم وراحتهم ذاكرا أسماء الغائبين منهم ويترك هدايا للجميع0 وليس فقط هؤلاء الشحاذون الذين يوجه عنايته إليهم بل ينتظم في سلك عنايتة أيضا أناس لا يمكنهم إراقة ماء وجوههم بذل السؤال وإنما يتألمون في نفوسهم كالذين لا يكفيهم مكسبهم اليومي كى يعول عائلاتهم 0 لمثل هؤلاء يرسل الخبز سراً بحيث لا تعرف يمينه ما تصنعه شماله0

    الناس جميعا يعرفونه ويحبونه غنيهم وفقيرهم وصغيرهم حتى الأطفال في أحضان أمهاتهم 0 لو سمع أن احدهم ألم به المرض مسلما أو مسيحيا أو متدينا بأي دين كان يهتم بذلك كثيرا وتراه عندهم بجانب فراشهم كل يوم أو يرسل رسولا أمينا 0 ولو كان العليل فقيرا وإقتضى الحال طبيبا أرسل في طلب طبيب وفى إستدعاء الإسعافات الضرورية من الدواء 0 وإذا وجد أن سقف المكان أصبح غير محكم أو زجاج بعض النوافذ مكسورا وأن ذلك يهدد صحة أصحابه , أرسل في إستحضار أحد العمال للإصلاح ثم إنتظر تمام العمل ليتأكد من حصول المطلوب0

    وإذا تعب أحدهم أو ألُقِيَ أحدُ أقاربه في أعماق السجون أو وقع تحت طائلة القانون أو حدثت له مشكلـة نأى عن حملهـا توجه في الحال إلى ( المولى ) ليستنجده أو يستمد منه النصيحة أو المعونة 0 نعم يحضر الجميع ليستمدوا منه النصيحة غنيهم وفقيرهم كأستمدادهم من أب شفوق لهم0 وأظن أن القارئ يتوهم في رجل جواد كهذا يعطى بلا حساب أنه غنى لا وَعْمر الحق ولو أنه كان من أغنى عائلة في الفرس ومع هذا فإن الرجل جرى عليه ما جرى على الجليلين ذلك أنه منذ خمسين سنة نفى وسجن هو وعائلتة وصودرت بعض أملاكه ونهب البعض الآخر ولم يبق له إلا القليل 00 فهو يقتصد من نفقاتة كي يتمكن من الإحسان 0 وملابسة عادة قطنية رخيصة الثمن ولا يسمح لعائلتة بمعيشة الرفاهية ولا يأكل سوى مرة واحدة في اليوم ويكفية شئ من الخبز والزيتون والجبن أما غرفته فصغيرة وعارية من الأثاث وليس فيها سوى حصير 0 ودائما يقول كيف أتمتع بنوم الرفاهية بينما الكثير من الفقراء ليس لهم مأوى لذا ينام على البلاط ويلف نفسه بعباءتة فقط"0 (1)

    كانت طفولة عباس أفندي خارقة للعادة من كل الوجوه فلم يكد يناهز العقد الأول من سني حياته حتى بدا عليه من مخايل النجابة والفطنة الوقادة والشجاعة والثبات والشهامة مالا يكاد يظهر من أقرانه في هذا السن فلم يصبو إلى اللعب والتسلي كسائر الأولاد0 ونتذكر قصة سخائه العظيم في أيام طفولته الباكرة والتي وردت سابقا في الصفحة رقم (33) من هذا الكتاب0

    * " ذهب حضرة عبد البهاء – ذات يوم – وهو صغير السن لمشاهدة أملاك والده من قطعان الخراف وهى ترعى في الجبال وكانت تعد بالآلاف 0 وترحيبا بضيفهم وسيدهم الصغير " عباس أفندي" جهز الرعاة وليمة عظيمة بمناسبة الزيارة 0 وفى نهاية اليوم وقبل أن يعاد "عباس" إلى بيته أخبر رئيس الرعاة أن العرف السائد والعادة الجارية هي ضرورة تقديمك هديه للرعاة بإعتبارك صاحب المال 0 ردا لما قدموه لك من كرم واضح أجاب عباس الصغير ببراءة الأطفال انه لا يملك ما يقدمه هديه لهم 0

    لكن ذلك لم يقنع الرجل وأصر على أن يترك حضرته أي شئ هديه للرعاة إذ لا يمكن مخالفة العرف خاصة والرعاة ينتظرون كرمه 0 فما كان منه إلا انه أمر للرعاة بكل القطيع هديه لهم" 0

    وعندما علم والده حضرة بهاء الله بما فعل ضحك كثيرا وتفضل معلقا : -

    " يجب علينا حماية الاقا من نفسه 00 فسوف يهديها ذات يوم إن لم يجد بين يديه ما يهديه "0 (2)

    " تتحدث لوا جتسنجر, إحدى البهائيات الأمريكيات القديمات , عن تجربة مرت بها في عكا حيث قامت برحلة لزيارة حضرة عبد البهاء 0 ففي يوم من الأيام قال لها حضرة عبد البهاء أنه مشغول ولا يستطيع زيارة صديق له كان فقيرا ومريضا فطلب منها حضرة عبد البهاء أن تذهب بدلا منه0 وطلب منها أن تجلب له الطعام وتعتني به كما كان يفعل وسرعان ما عرفت لوا العنوان وقامت بإنجاز ما طلبه منها حضرة عبد البهاء فورا0 وشعرت بالفخر من أن حضرة عبد البهاء قد عرض عليها بعضا من اعماله0 لكنها ما لبثت إلا أن عادت على الفور إلى حضرة عبد البهاء وهى مستغربة وقالت : " أرسلتني إلى مكان رهيب يا سيدي , وكاد يغمى علي من الروائح الكريهة والغرفة القذرة والحالة المخزية لذلك الرجل ومنزله حيث غادرت بسرعة قبل أن أصاب بأي مرض0

    نظر لها حضرة عبد البهاء نظرة تأسف وصرامة وقال لها : " إذا أردت أن تخدمي الله فعليك أن تخدمي ذلك الرجل لأن في كل إنسان

    يجب أن ترين صفة الله ومحبته "0 ومن ثم طلب منها أن تعود إلى منزل ذلك الرجل وتنظف البيت إذا كان قذرا وتغسل الرجل إن كان متسخا وان تطعمه أن كان جائعا0 وبهذه الطريقة علم حضرة عبد البهاء لوا كيف تقوم على خدمة ذلك الرجل0 (3)

    * حكى أحد الزائرين لعكا في هذا الوقت:

    " إن عادة عبد البهاء في صباح كل يوم جمعه أن يوزع المساعدات على المساكين, ويعطى من مخزونه الضئيل لكل شخص من المعوزين والمساكين, الذين يحضرون طالبين مساعدته شيئا قليلا 0 وفى صباح هذا اليوم جلس نحو مائة شخص في صف واحد على الأرض في الساحة التي يقع فيها منزل عبد البهاء, وهم مجموعة غريبة متنوعة من الرجال والنساء والأطفال – فقراء بائسون وفى منظرهم كالعرايا وأغلبهم عجزة وعميان وشحاذون – فهم حقا بؤساء ولا تفي العبارة بوصف فقرهم المدقع 0 وكانوا ينتظرون بلهف خروج عبد البهاء من الباب00 فيمر بينهم مسرعا, من واحد لآخر , وأحيانا ينتظر قليلا ليواسى مسكينا أو يشجعه ملقيا قطعة من النقود في كل كف ممدودة , أو يلمس – أحيانا – وجه طفل , أو يأخذ بيد عجوز تتعلق بذيل ردائه في وقت مروره, ويتفوه ببعض العبارات الرحيمة للعجزة والعمي من الرجال, ويسأل عن الضعفاء الذين يمنعهم ضعفهم عن الحضور لأخذ نصيبهم الضئيل , فيرسله لهم مع عبارات المحبة والتسلية"0 (4)

    " وفى زمن الحرب قاست الأراضي المقدسة ويلات الحاجة والعَوَز والنقص الخطير في الإمدادات الغذائية ولم ينقذها سوى حكمة وتنبؤات حضرة عبد البهاء وبعد نظره الثاقب من وقوع هذه المحنة فكان حضرته " 000 يحسن إلى مئات المساكين يوميا بمبلغ مناسب من النقود وكان يعطيهم بالإضافة إلى النقود تموراً أو أشياء أخرى مثلها إن لم يوجد الخبز0وكان كثيرا ما يقوم بزيارة الأحباء في عكا لمساعدة المؤمنين ومواساة المساكين هناك 0 وفى زمن الحرب كان يجتمع كل يوم بالأحباء 0 وكانوا جميعا مسرورين مطمئنين هادئي البال بسبب تلك المساعدة أثناء تلك السنين المليئة بالمتاعب والأهوال"0 (5)

    " وكان يخرج رغم الأخطار المحدقة به إلى الفقراء والمعوزين المحتشدين على بابه وفى فناء بيته صباح كل يوم جمعة ويفرق فيهم الصدقات بسخاء وإستمرار منحاه لقب " أبى الفقراء " ولم يكن ثمة شئ في تلك الأيام العاصفة يزعزع من ثقته, ولم يكن يأذن شئ من الأشياء أن يتدخل في عنايته بالمعوز واليتيم والمريض والمسكين ولم يكن ثمة شئ من الأشياء يمنعه من أن يزور أولئك الذين عجزوا أو خجلوا من تلقي معونته "0 (6)

    صبياَن فى محنة

    هذه القصة هي قصة شخصية .. رواها لي الصديق أنور نجم الدين لما حدث لوالده وأعمامه أبان ولاية حضرة عبد البهاء0 قصة لم تنشر من قبل ولا يعرفها سوى أصحابها وعدد قليل من الناس انطوت عليها صدورهم وقلوبهم 0قصة يمكن إن تعتبر عاديه إلى حد ما ولكن عندما نتأمل هذه الرواية بعين البصيرة الروحانية يتضح أمام أعيننا تلك العلاقة المبهرة وتلك الصلة الوثيقة التي كانت تربط قدامى الأحباء بحضرة عبد البهاء مركز العهد والميثاق ونلمس ذلك الحب الذي كانوا يكنونه لحضرته والطاعة والولاء التي كانوا يسدونها لمولاهم ونرى في المقابل الحب والعطف الذي كان يغدقه حضرة عبد البهاء لكل الأحباء في كل مكان رغم مشاغله ومتاعبه ..

    " كان الشيخ محمد نعيمي رجلا موفور الثراء يشغل منصبا مرموقا في كردستان حيث كان يعمل كقاضي القضاة في إقليم كردستان .. وكان الشيخ قد تزوج من زوجتين وأنجب من كل منهما عددا من الأبناء قبل إن يؤمن بالأمر هو وزوجته الثانية بينما بقيت زوجته الأولى وأبنائها على موقفهم المعارض للدين الجديد . وحدث إن توفى الشيخ محمد نعيمي .. فانتهزت الزوجة الأولى المتسلطة الفرصة سانحة لتستأثر بأموال زوجها وأملاكه وحرمان الزوجة الثانية وأبنائها0 فتفتق عقلها الآثم عن فكرة شريرة , ودبرت اتفاقا مع البعض لقتل الوريثين الصغيرين ولكن إرادة الله لم تشئ لهما مثل هذا المصير القاسي0 فزع الولدين الصغيرين عندما همس صديق.. في أذن الولد اِلأكبر بما يدبر له ولشقيقة , وقررا الهرب في نفس الليلة الموعودة قبل منتصف الليل .. وخرجا هاربين في رحله عجلى سيرا على الأقدام , ودون إن يحملا ما يقيم أوداهما من مال أو طعام0 سار الصبيان يقطعان الفيافي والغابات ويعبران الجبال الوعرة الشاقة ولاقوا من المصاعب والأهوال ما تقشعر له الأبدان .. حتى وصلا أخيرا إلى مدينه بيروت .. وهناك توجها على الفور لمقابلة القنصل الإيراني الذي كان يعرف والدهم وأسرته0 واخبر القنصل الصبيان إنه يعرف شقيق لهم يعيش في القاهرة وعلى الفور أرسل الرجل رسالة إلى شقيقهم الشيخ محمد مرعي يبلغه بكل ما حدث ويطلب منه إن يستقدم إخوته للعيش معه بالقاهرة0 كان من المفترض ان يبعث الشيخ محمد برد إلى القنصل ليشكر له جهده فى مساعدة اخوته , لكنه بدلا عن ذلك كتب رسالة إلى حضرة عبد البهاء شرح له كل ما حدث وطلب مشورته فيما يفعل وعلى الفور أرسل حضرة عبد البهاء موافقته كي تلتئم شمل الأسرة , وحماية الصغيران في كنف شقيقهم الأكبر0 كما أرسل حضرته على الفور احد الأحباء إلى بيروت للقاء الصبيين وحجز لهما تذكرتين على إحدى البواخر المتجهة إلى مصر على نفقة حضرة عبد البهاء وأرسل للشيخ رسالة يقول له " انتظر أشقائك في بورسعيد " 0 ويبتسم حفيد الشيخ محمد نعيمى وهو يتذكر ما كان يرويه له والده من إن ثمن تذكرة " وابور البحر " فى ذلك الزمن كانت مائة وثمانون قرشا وهو ما كان يعتبر مبلغا كبيرا فى تلك الازمان

    Admain

    Admain
    رئيس مجلس الادارة
    رئيس مجلس الادارة
    المحبة في حياة حضرة عبد البهاء

    قال حضرة بهاء الله " إعلم أن الأوامر الإلهية تتغير في كل عصر وتتشكل بحسب مقتضيات الزمان, ما عدا قانون المحبة فأنه كالنبع الذي يفيض دائما بلا تغيير" (7)
    ويتفضل حضرة عبد البهاء فيقول : -

    " إن أول فيض من الحق هو المحبة والإتحاد والوفاق وبدون هذه تذهب كل الأعمال سدي ولا يكون لها اثر ما0(Cool

    " اذا فالمحبة هي مبتدأ هذه الدورة ومنتهاها 0 كذلك شاء الله قبل أن تكون الدنيا, وكذلك نفخ بها في جسد العالم في عصره المجيد مسيطرا على مجراها, وقائدا خطواتها 0 فانبعثت أشعتها المجيدة عن ينابيعها الربانيين الثلاثة ... (ثرياها 0 وشمسها0 وقمرها ) إنبعاثا خصيبا دافقا بغير حساب ولا توقف ولا حد, مبددة الظلم التي غلف العالم0 بل لقد كانوا أنفسهم محبه, لان الله محبه , وهم كانوا يحكون جوهره 0 كانت أخلاقهم وحياتهم محبة وكذلك كانت كل أوامرهم وتعاليمهم تظهرنا على أن المحبة هي قانون الوجود الخلاق "0 (9)

    " وهذا صوت الله يعلن في الكلمات المكنونة : " كنت في قدم ذاتي وأزلية كينونتي عرفت حبي فيك 0 خلقتك وألقيت عليك مثالي , وأظهرت لك جمالي " (10)

    " لقد أثمرت اليوم كل الجهود التي بذلها رسل الله السابقون, ولم يضع من مجهودهم شئ0 جاء وقت الحصاد بعد أن عمل على قدومه أحباء الله والشهداء والأولياء في كل العصور و سواء منهم من عرفهم العالم ومن جهلهم وكل مؤمن يذكرهم كل يوم بين يدي الله ويمجدهم, لإن الغاية التي هدف إليها كل رسل الله كانت تقوية روح الوحدة عن طريق المحبة"0 (11)

    وقال حضرة عبد البهاء : - " المحبة نور يضيء في كل منزل, والعداوة ظلمه تأوي إلى كل كهف فيا أحباء الله ابذلوا الهمة عسى أن تزول هذه الظلمة تماما فيتكشف السر المستور وتبدوا حقائق الأشياء وتتجلى للعيان "0

    وحينما قال أحد الهنود لعبد البهاء:" إن رسالتي في الحياة هي أن ابلغ رسالة كرشنا بكل طاقتي " أجابه المولى: " أن رسالة كرشنا رسالة المحبة وكل أنبياء الله قد جاءوا برسالة المحبة " (12)

    * كما كتب حضرة عبد البهاء لأحد المؤمنين فقال:" إن جوهر تعاليم بهاء الله هو المحبة التي هي أساس كل فضائل العالم الإنساني والتي هي سبب الحياة الخالدة وتقدم أفراد الجنس البشري " (13)

    " إن محبة الله تحيط بكل قلب ولكنها لن تدخله إلا كما يدخل الضيف المرحب به 0 والإنسان في إدراكه لضعفه وبؤسه, ولحياته العابرة الزائلة, ومعرفته الناقصة بسعادته الضيقة المتزعزعة – يحن إلى أمور أفضل من هذه, ويحلم بالجنان لو أن شيئا من هذا القبيل موجود حقا 0 نعم إن محبة الله هي تلك الجنان, وإليها يدعو حضرة بهاء الله كل بنى الإنسان ! " (14)

    وكتب مرة أخرى يقول " وكانت الغاية من ظهور الجمال المبارك إتحاد شعوب الأرض وإتفاقهم, ولذلك فإن رغبتي القصوى هي أولا الوئام والإتحاد والمحبة بين المؤمنين, ثم بين كل شعوب الأرض "0

    * وفى أحد رسائل حضرته يقول :-

    (إن المحبة سر البعث الإلهي والمحبة هي التجلي الرحمانى0المحبة هي الفيض الروحاني 0 المحبة هي النور الملكوتى 0 المحبة هي نفثات روح القدس في الروح الإنساني 0 المحبة هي سبب ظهور الحق في العالم الإمكانى 0 المحبة هي الروابط الضرورية المنبعثة من حقائق الأشياء بإيجاد الهي 0 المحبة هي نور يهتدي به في الغيهب الظلمانى 0

    المحبة هي الرابطة بين الحق والخلق في العالم الوجدانى0 المحبة هي سبب الترقي لكل إنسان نوراني 0 المحبة هي الناموس الأعظم في هذا الكور العظيم الإلهي 0 المحبة هي النظام الوحيد بين الجواهر الفردية بالتركيب والتدبير في التحقق المادي 0 المحبة هي القوه الكلية المغناطيسية بين السيارات والنجوم الساطعة في الأوج العالي0 المحبة هي روح الحياة لجسم الكون المتباهى 0 المحبة هي سر تمدن الأمم في هذا الحياة الفاني0 المحبة هي الشرف الأعلى لكل شعب متعالي ... ) (15)

    ومجد حضرة عبد البهاء القوة التي تخلقها محبة الله في الإنسان فقال:-

    " يحترق بنار المحبة الإلهية القناع الذي يحجب الحقائق الإلهية, فنستطيع بالبصر الصافي – أن نشق الطريق إلى الأمام, والى العلا في سبيل الفضيلة والقداسة, حتى نصبح مشاعل النور للعالم, وليس هناك أعظم من محبة الله 0 فهي شفاء العليل وبلسم الجريح, وهى السرور والعزاء للعالم بأسره 0 وعن طريقها وحدها يستطيع الإنسان أن يحصل على الحياة الأبدية 0 إن جوهر كل الديانات محبة الله, وهى أساس كل التعاليم المقدسة" (16)

    ويحذر حضرة عبد البهاء المستمعين إليه من وضع ثقتهم في محبه لا تكون خالصة نقية 0 فحذر بأسلوبه اللطيف من محبه قائمة على غرض, من محبة يكون أساسها المنفعة الذاتية, من محبة لا تُفْضِي إلا إلى البُغض والكراهية 0 إذا فالمحبة الأنانية أو المحدودة لا تغني , لان المحبة الخالصة لا تلتمس منفعة خاصة بأي حال من الأحوال ولا تمن على أحد بفضل000 إن المحب الصادق لله يتوق إلى البلايا والشدائد في سبيله0 ولقد ضحى الباب وحضرة بهاء الله وعبد البهاء بأنفسهم في سرور مشرق متلألئ على مذبح العبودية0 خارجين لله

    عن كل ما ملكوا, جميعا, ولم يستبقوا لانفسهم شيئا مما ملكوا ولا من أرواحهم ولا من ذويهم0 بل انهم كانوا يبتهلون طمعا في بلاء أعظم0

    * فيتفضل حضرة بهاء الله بقوله الأحلى :

    " وما مررت على شجر إلا وقد خاطبه فؤادي ياليت قُطِعْت لأسمى, وَصِلبَ عليك جسدي في سبيل ربي " (17)



    * يحكى إستاد محمد علي سلماني الذي كان يعمل حلاقا خاصاً لحضرة بهاء الله في مذكراته قصة بسيطة لكنها تحمل في طياتها دلالة عميقة لِكَمْ الحب والحنو في قلب حضرة عبد البهاء حتى لأبسط الناس وأقلهم قدرا فيذهب إليه بنفسه ليرفع عن قلب إنسان الحزن والغم الذي كان يعانى منهما نتيجة هجر بهاء الله فيقول:

    " بعد وقوع الفصل الأكبر في أدرنه بين حضرة بهاء الله وميرزا يحيى , أغلق حضرته باب بيته , وأعتزل الجميع , أعلن صراحة عدم السماح لأحد بزيارته أو التحدث إليه 0 وهذا ما حدث بالفعل 000 وجاء اليوم الذي أمر حضرته بإعادة فتح باب بيته في وجه الجميع وترك لهم حرية الإختيار في الإنضمام إليه أو الإبتعاد عنه 0

    كانت هناك غابة جميله كثيفة الأشجار, تقع خارج مدينة أدرنه, يخترقها نهر من وسطها, وفى داخلها قصر كبير, يعود لأحد الملوك السابقين, إعتدت الذهاب إليها بمفردي كل يوم, للتجول فيها والتمتع بمناظر أشجارها 0 ذات يوم وأنا واقف هناك كعادتي, أقف عند جذع شجرة, تنتابني حالة من اليأس الشديد, شاهدت فجأة حضرة عبد البهاء يعبر النهر وحيدا من الضفة الأخرى, متجها إلى ناحيتي 0 حاولت الإختباء حال مشاهدته, معتقدا عدم رغبته في لقائي أو التحدث معي خاصة أني لم إُسْتَدْعَ إلى البيت المبارك بعد ( كما أن أقا جان, كان يشيح بوجهه عن الأصحاب, كلما التقى بهم في السوق ) 0

    وصل حضرته, إلى مكان إختبائي بين الأشجار, ونادى : ( يا إستاد ) !

    أجبته: نعم 0

    قال: تفضل أخرج 0 دعني أراك 0

    فخرجت, وبدأت في البكاء وذرف الدموع, وشكوت لحضرته أمر إبعادي, فواساني بعطفه المعهود وكلماته الجميلة وتفضل: -

    ( 00 لا 00 ليس الأمر كذلك, لقد عدتم إلى ظل حماية حضرة بهاء الله 0 فلا تحزن 0 وأضاف مازحا, ألآ تسمع ضفادع النهر وهى تنادى ( إذهب ) 0 عليك أن تكون مخلصا وصادقا, ولا تبالي بما يقول الناس ) 0 بعدها, تجول في الغابة قليلا, ثم غادر المكان 0 فعدت إلى البيت عبر طريق آخر وأنا اشعر بالراحة التامة"0 (18)

    ولقد نبه حضرة عبد البهاء – في أحاديثه في باريس – على لانهائية المحبة الخالصة, مؤكدا أن مثل هذه المحبة قد أصبحت بفضل الله العلي القدير في متناول البشر 0 أما محبة الأسرة, ومحبة الوطن, ومحبة الجنس والحزب وأمثال ذلك من التعبيرات المحدودة للمحبة فكلها تعبيرات ناقصة غير وافيه:-

    " إن المحبة العظيمة المتفانية للإنسانية لا تتقيد بقيد من تلك القيود الناقصة الأنانية 0 ولكن هذه هي المحبة الوحيدة الكاملة, وهى في مقدور البشر جميعا 0 وهى لا تتحقق إلا بقوة من روح القدس, لان قوة أرضية ما لا تستطيع أن تحقق هذه المحبة العالمية " (19)

    كما أن الله لا يقبل من البهائي أن تنقص محبته لآي سبب من الأسباب أو تحت أي ظرف من الظروف 0 لان المحبة يجب أن تكون ينبوعا لا ينضب أبدا ومسلكا روحيا لا يحاد عنه قط 0



    ولقد كتب حضرة عبد البهاء لأحد الأحباء الذين نفذ صبرهم, فقال: -

    " كلما إزدادوا ظلما وإعتسافا, زد لهم عدلا وإنصافا 0 وكلما إشتد بهم الاعتراض والشقاق, اظهر لهم الإخلاص والوفاق " (20)

    * وفى رسالة أخرى نبه على أن البهائيين يجب عليهم – وفقا لتعاليم بهاء الله – بأن يكونوا في هذا العصر أصدقاء لكل الأمم والطوائف, وان يغضوا الطرف عما يصيبهم من أذى أو عنف أو عداء أو إضطهاد 0 بل على العكس يجب عليهم أن ينظروا إلى الملكوت الأبهى, معتبرين هؤلاء الذين أساءوا إليهم مخلوقات خلقهم الله " وآيات رب الآيات " درجوا إلى الوجود من فضله الرحمانى ومشيئته الربانية 0 فهم لذلك ليسوا بمعزل منهم , ولا غرباء عنهم , بل هم معارف وأصدقاء 000 وان يظهر المحبة الحقيقية للآخرين مهما كانت الظروف والأحوال , دون أن يأذن لهذه المحبة أن تتكدر بكراهية الناس , ولا بحقدهم , ولا بإزدرائهم 0 فان جعلوه هدفا للسهام قدم لهم الشهد واللبن 0 وإن دسوا له السم قدم لهم الحلوى , وان أصابوه بجرح كان لهم مرهما 0

    * قال " المحبة والإخلاص يجب أن يملأ القلب بحيث يرى الرجل الغريب صديقا 000 ويعد أعداءه أحباءه, وغرماءه إخوانه المحبين وسافك دمه واهب حياته, والمنكر مصدقا, والكافر أحد المؤمنين "

    وفى كل التعاليم ينبث التنبيه على تربية النفوس بالمحبة الشاملة, وعلى أن تكون الأعمال مظهر قانون المحبة العامة, ويتكرر هذا التنبيه بكل تفصيلاته ومناحيه 0 فمثلا هذا التخطيط الصغير الذي رسمه حضرة عبد البهاء – والذي أصبح شهادة كل بهائي – نرى في كل فقرة من فقراته شيئا من التطبيق العملي لمبدأ المحبة السامي:

    " ألا نكون سببا في حزن أحد, أن نكون رحماء بكل الناس, وأن نحبهم حبا صادقا, "

    " أن نحتمل الأذى والإضطهاد إذا لحقنا الأذى والإضطهاد, وأن نظهر العطف على الناس بكل ما في طاقتنا من رحمة, وأن نحب العالم في جميع الحالات, وأن نفرح إذا إشتدت بنا المصائب لأن المصائب عين المواهب "

    " أن نصمت عن خطأ غيرنا, وأن نصلى من أجلهم, وأن نساعدهم بالمحبة ليصلحوا غلطاتهم "

    " أن ننظر إلى الحسن لا إلى القبيح,

    " لا نسمح لأنفسنا أن نتكلم بكلمة واحدة رديئة عن شخص آخر, ولو كان ذلك الآخر عدونا " 0

    " أن نعمل كل أعمالنا برفق, وان ننقطع بقلوبنا عن أنفسنا وعن الدنيا, أن نكون متواضعين, وأن يخدم بعضنا بعضا, وأن نعلم أننا أقل من غيرنا "

    " أن نكون نفساً واحدة في أجساد كثيرة, فإنه بقدر ما نحب بعضنا بعضا يكون قربنا إلى الله, ولكن يجب علينا أن نعلم أن حبنا وإتحادنا وطاعتنا لا تكون بالقول بل بالعمل "

    " أن نعمل بحرص وحكمة, أن نكون صادقين, أن نكون كرماء, أن نكون وقورين0

    " أن نكون شفاء لكل مريض, وعزاءً لكل حزين, وماءً لكل ظمآن, ومائدة سماويه لكل جوعان, ونجماً لكل أفق, ونوراً لكل مصباح, وبشيراً لكل من يشتاق إلى ملكوت الله " (21)

    حينما زار الغرب محاولا – وقد تقدمت به السن وضعفت صحته – أن يصرف الناس عن الحرب المتوعدة, رآه آلاف من الناس في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا, واستمعوا إليه وهو يتكلم وكان سلوكه الملائكي, وعطفه الحار وطيبته الفياضة, وتفانيه في أمر أبيه من الأمور الجليلة الظاهرة لكل من فاز بلقياه ولو أنه كان منهك البدن ضعيف الصحة إلا أنه لم يدع فرصه دون أن يؤدى رسالته وكان يقول " حيثما تكون المحبة يكون التعب راحة "

    * وقد كتب كاتب عن زيارة حضرة عبد البهاء للندن فقال" خلف وراءه كثيراً من الأصدقاء, لأن حبه أشعل في صدورهم الحب0 وإنفتح قلبه للغرب فالتف الغرب حول هذا المحضر الأبوي القادم من الشرق 00 عرفه كل الناس, وأحبه كل الناس 00 أحبه الغني والفقير والصغير والكبير, بل والرضع في أحضان أمهاتهم" (22)



    ومازال في الغرب والشرق رجال يشهدون بقوة بيانه الذي حرك كل القلوب, وجاء كل أذن واعيه بعلم جديد عن معنى الطيبة والمحبة 0

    " هذه المحبة التي تفيض عن الله الآن بأوسع مداها على وعى الإنسانية المتثائب هي القوة التي سوف تعيد الطبيعة البشرية إلى الحياة , وتسمو بها إلى النسق الأعلى , وتخلق سموات جديدة وأرضا جديدة حقا وصدقا (23)

    Admain

    Admain
    رئيس مجلس الادارة
    رئيس مجلس الادارة
    حضرة عبد البهاء والفنون
    عندما أعلن حضرة بهاء الله رسالتة إلى العالم فى القرن التاسع عشر كانت الفنون - خصوصا الموسيقى والغناء – محورا يدور حوله الكثير من الجدل والخلاف ومثارا للنزاع والخصومة بين أقلية من أصحاب الذوق الرفيع تُجِلُّ وتشجع الفنون وتحاول ان ترعى أصحاب تلك المواهب المشتتين المشردين, وبين غالبية من الناس متشددة ناقمة تُحرّم بل وتُجَرّم تلك المهن الوضيعة – فى نظرهم – وتشكك فى نوايا أصحابها سيئي السمعة كما كانوا يؤمنون0 وزاد من عظم معاناتهم وقسوة محنتهم أن ساعدت المحاكم الشرعية فى إضفاء الصفة القانونية والشرعية لكل الشبهات التى كانت تحوم حولهم, وتلطخ سمعتهم وشرفهم , ذلك أن المحاكم – وحتى بدايات القرن العشرين – كانت ترفض الأخذ بشهادات هؤلاء الفنانين والمنتسبين الى تلك الفئة المظلومة أمام ساحات عدالتها0

    لكن ما أن أشرقت شمس حضرة بهاء الله حتى لاقت الفنون بكل ألوانها الكثير من عنايته ورعايته, وأحاطها بسياج من الجَلال والرِفْعَة أعاد للفنون جمال إشراقها وروعة إبداعاتها , وحَصََّنَ للفنان شرفه وكرامته وضمن له قيمتة وعلو مكانتة المتميزة فى مجتمعه, فأعلن حضرته فى بيان حاسم ورائع أن الفنون ومن ضمنها الموسيقى والغناء من الأمور الممدوحة والمقبولة عند الله سبحانه وتعالى وأبان حضرته أن إحدى وظائفها الهامة والأساسية هو الإرتقاء بالأرواح إلى عوالم الملأ الأعلى إذا ما إستخدمت تلك الفنون بطريقة روحانية راقية بعيدا عن عوامل الإسفاف والجهل والإثارة 0 فيتفضل فى الكتاب ألأقدس الذى يحتوى على التوجيهات الأساسية قائلا : -
    " إنا حللنا لكم إصغاء الأصوات والنغمات إياكم أن يُخرجكم الإصغاء عن شأن الأدب والوقار إفرحوا بفرح إسمي الأعظم الذي به تولَّهت الافئدة وإنجذبت عقول المقربين. إنا جعلناه مرقاة لعروج الأرواح إلى الافق الأعلى لا تجعلوه جناح النفس والهوى إني أعوذ أن تكونوا من الجاهلين" (24)

    والفنون هى وسيلة من أروع وأبدع وسائل التعبييرالتى وهبها الله عقل ووجدان الإنسان للتعبير عن إنفعالاته وعواطفه وخبراته وإستثاراته فى الحياة0 وعندما إخترع الإنسان الآلَة ولغة الكلام كان قد إخترع الفن فى نفس الوقت تقريبا,ولتتوهج شعلتة المقدسة فى النفس البشرية كالنار الأزلية تعكس صلة الانسان بالكون وإدراكه لعظمتة وقيمتة, ومنها يستلهم الفنان رؤآه وإبداعاته السامية, كى يغير الحاضر بنظرته المستقبلية ويجعلنا نشاهد بأعيننا اليوم ما يتمناه الناس فى الغد , ويضفى بخياله وفنه على الحياة الكثير من سمات العظمة والتحضر والرقي الروحاني , والتى قد تكون من القوة والسمو ما يحفز ويلهم بها فكر وآمال وطموحات وإبداعات أناس أخرين, ولولا الفنون لما تطور عالم الإنسان كثيرا عن عالم ما قبل التاريخ , ولأصبحت دنيا البشر كصحراء مقفرة قاحلة بلا فكر أو خيال ولتبلدت العواطف وخلت القلوب من أى أثر للمشاعر الوجدانية, وخيم الجمود على أرجاء المجتمع الانسانى0

    كانت طبيعة المهمة المقدسة التى أنيطت بحضرة عبد البهاء – سر الله الأعظم - كمبين ومروج لشريعة حضرة بهاء الله تستلزم ان تُضْفَى عليه روح الفنان الخالص فى أروع وأبهى صورها, مما جعل لكلماته نفوذاً تستمده من القوة الغيبية التي أودعتها فيه الرسالة الإلهية فضلا من لدنها فإتسمت كل كلمة تفوه بها بالخلاقية0 وتميز كل نشاط قام به بالفعالية والإبداع 0

    فنشأ فنانا شاعراً وأديبا موهوباً0 كما كان يمتلك صوتا قويا وجميلا ككل أفراد أسرة حضرة بهاء الله 0 وعَرَفَ منذ صباه الباكر ما للفنون من قيمة عظيمة فى تنمية القوى الروحانية للإنسان وأثرها فى تقدم الجنس البشرى وإزدهار أمر الله 0 فكان محبا للفنون بكل أشكالها وراعيا لها ومشجعا لكل من يمارسونها, بل كان يبرز ويوضح للجميع الصلة الوثيقة بين تلك الفنون وبين عظمة الفيوضات الإلهية , ولم يذكر لنا التاريخ أنه إعترض ولو مرة وآحدة بكلمة وآحدة على أية وسيلة من وسائل الفنون التعبيرية الراقية أو قلل من شأنها مهما كانت درجة جودتها أو تأثيرها أو مهارة القائمين عليها0

    كان حضرة عبد البهاء يكتب بلغات ثلاث, ومعظم ما كتبة كان باللغة الفارسية0 وفتحت كتاباتة بابا جديداً في الأدب الفارسي الذي أغنى هذا الأدب من ناحية اللفظ وعلو المعاني، الفصاحة والبلاغة والجمال وأيضا التوازن الذي يوصله إلى حد الكمال وأحيانا يتجاوز الحدود الأدبية البسيطة ليجسد لنا صورا جميلة كالرسام الماهر أو كالمُوسِيقي الذي يُعطي النثر روح الشعر0

    وعندما كان حضرة عبد البهاء يَسْتعين بالتشبيه في مناجاته كان يعمل على إكتمال اللوحة الأدبية في أروع حالاتها, فمثلا عندما يشبه الأطفال بالنبتة الصغيرة فيربط معه مجموعة أخرى من التشبيهات التي ترتبط بالنبتة لتكتمل اللوحة فنجد كلمة غصن أو نبات، كلمات مثل السحاب الأمطار، الرياض، الإهتزاز، الحرارة، الشمس، تفتح الأزهار، والثمار0

    وكتـب أمير البيــان الأمير شكيـب أرسـلان يصف حضرته فـي كتابه المعــروف ( حاضر العالم الإسلامي ) فيقول : - " حتى كأن فصاحته صوب الصواب, وأقوالة فصل الخطاب وكتاباته الديباج المحبر وفصولة الوشي المنمنم يفيض بيانه جوامع كَلِم وتسيل عارضته سَيل عارض مُنسجم ويود اللبيب لو أقام العمر بمجلسهِ يَجنى من زهر أدبه البارع ويرد من منهل حكمتة الطيبة المشارع0 "

    إرتبط الفن منذ أقدم العصور بالعقائد والأديان وبالمشاعر الطيبة الرقيقة والأمال النبيلة والأحلام الجميلة , وعندما نتأمل غالبية الأعمال الفنية العظيمة التى خلدت فى تراث الانسانية العالمى سواء أكانت أهرامات ومعابد أو كنائس وكاتدرائيات أو مساجد ومنارات أو لوحات فنية وزخارف جصية أو مشغولات وتعاشيق خشبية , كل ذلك التراث الحضارى الخالد لم يبتدع ويظهر للعيان من نفوس خاوية مظلمة ! بل كانت له جذور دينية عميقة ونبع من عقائد إلهية متحمسة وظهرللوجود إستجابة للمشاعر الروحانية المتأججة والحماسة الدينية المشتعلة0 ويؤكد حضرة عبد البهاء تلك الحقيقة بكلماتة الرقيقة الفياضة بالشاعرية والحب والصفاء ويكشف للعالم الانسانى فى عذوبة بالغة عن أصل ذلك النبع الخالد الذى نستقى ونستلهم من أمواج بحر عطائه فيض تلك الفنون فيتفضل قائلا : -

    " الفنون هي عطايا من روح القدس. عندما تسطع هذه الأنوار في ذهن الموسيقي تتجلى في صورة نغمات جميلة. عندما تسطع في خاطر الشاعر ، تخلق أثرا لطيفا من الشعر والنثر. عندما تلهم أنوار شمس الحقيقة فكر الرسام ، تخلق صورا رائعة. هذه العطايا تصل إلى منتهى غايتها عندما تُظّهِر ذِكّر وثناء الحق." (25)

    يقول حضرة عبدالبهاء عن طبيعة الموسيقى :

    "... في هذا الدور البديع صرح النور المبين في الالواح المقدسة ان الموسيقى والغناء هما الرزق الروحاني للقلوب والارواح ..." مترجم (26)

    "... الالحان مع انها امور مادية إلا أن لها ارتباط مع العوالم الروحانية ، ولهذا فان تأثيرها شديد. بعض النغمات تفرح الروح ، وبعضها بالعكس تحزن الروح ونوع آخر تبعث على الاثارة. " مترجم (27)

    ولعل تلك البيانات تذكرنا ببعض ما كتبه حضرة شوقى أفندى فى كتابة "القرن البديع " وهو يصف مشهدين متباينين كان للغناء وللفن فيهما أثر كبير على حضرة عبد البهاء0

    حدث الموقف الأول فوق جبال تركيا الوعرة المغطاة بالثلوج أثناء رحلة جماعة المنفيين من بغداد إلى إستنبول يقول : - " ولم يكن بمقدور أفراد القافلة على الغالب أن يتكلموا مع بعضهم البعض بسهولة, وفى ظروف كهذه لا يجد المرء أكثر إنعاشا للروح من سماع صوت عذب يشدو بترتيل جميل 0 ذلك كان صوت المنيب الذي شنف الأذان بقصائد غنائية وأشعار متنوعة يتردد صداها في الحقول الواسعة والجبال المرتفعة من تركيا فكانت تجلب السعادة والراحة لكل من كانوا برفقة حضرة بهاءالله "0 (28)

    أما المشهد الثانى فكان فى مدينة لندن عاصمة إنجلترا " حينما شاهد حضرته مسرحية ( القلب المتلهف) في وست منسترعن حياة السيد المسيح وبكى حضرته وتأثر من المشهد الذي فيه تحمل الأم طفلها المقدس وتسير في الطريق منهكة وتعانى من الجوع والعطش, وفى الختام شجع حضرته الذين قاموا بالتمثيل وأبلغهم الرسالة الإلهية وتكلم عن أهمية تلك الأحداث والمعاني الحقيقية لها "

    وكما أن هناك عالم الناسوت عالم الإنسان الأرضى وهناك عالم اللاهوت عالم الروح الأزلى فإن الله شاءت قدرته أن جعل عالم الخيال والفن والإبداع عالما وسيطا يوحد ما بين هذين العالمين ويصل بينهما برباط روحانى غيبى0 يستمد إلهاماتة من العالم السرمدى ويفيض بها على عالم الإنسان البشرى فى خصوصية عجيبة تجعل كل إنسان – أى إنسان – يُحَلّق بخيالة الجامح طليقا كيفما يشاء فى عوالم الطيف الرقيق بلا موانع أو إحتكار أو حدود 0

    بل ومن العجيب حقا ان تكون الفنون طريقا وآسعاً ممتدا نحو خلود الإنسان الفانى فالعظماء يموتون, لكن أعمالهم العظيمة تبقى على مر الزمن فَتُخلَّد وتُخَلدَهم0 ولهذا فكل إنسان يعتبر فنانا من زاوية ما إذا كان قادراً على صياغة أفكارة ومادتة التعبيرية فى قالب يستطيع الناس بدورهم أن يعوا ما فيها ويتقبلوها0

    ويتفضل حضرة عبد البهاء موضحا ذلك الفضل الالهى قائلا : -

    " ايها الحزب الالهى , ان القدرة القديمة خصصت كل كائن من الكائنات وكل نوع من انواع الموجودات بمزية ومنقبة وكمال حتى يكون كل واحد منهم فى حد ذاته آية مدلة على علو المربىالحقيقي وسمو مقامه, ويصبح كل واحد منهم بمثابة مرآة صافية ينعكس فيها فيض شمس الحقيقة وتجليها "0(29)

    بين حضرة عبد البهاء أن الإنسان لم يكن فى قدرتة أن يكتشف عالم الفنون بطبيعتة البشرية لولا العناية الإلهية التى وهبتة هذه الموهبة وأفاضت علية تلك النعمة0 فلقد أودع الله فى النفس الإنسانية – ضمن السجايا الروحانية التى وهبها الله للإنسان - موهبتين إلهيتين متكاملتين وصفتين متلازمتين من الصفات الملكوتية قادرتين على تطوير سجايانا ومنحنا القوة على تقبل عطايا الله سبحانه وتعالى , ألا وهما ( الشوق الى المعرفة وقوة الإنجذاب الى الجمال) فكان الحافز الأول سببا جوهريا فى تقدم العلوم والأداب والفنون أما الحافز الثانى فقد إرتقى بحواس الإنسان العنصرية الى العوالم الملكوتية ولتنجذب كالمغناطيس نحو كل ماهو طاهر وجميل ورقيق وتنفر من كل ماهو دميم وفظ وقبيح0 كما نبه حضرته على ضرورة الإهتمام بكل من الشكل والروح, لإن الشكل الخارجى يكتسب قيمتة من الجمال الداخلى فقال :

    " الجسم بلا روح غير قادر على انجاز حقيقى حتى وان كان فى منتهى الجمال والامتياز الا انه بحاجة الى الروح 0 الزجاج مهما كان مصقولا وكاملا فهو بحاجة الى السراج 0 بدون السراج لا يمكن للمصباح او الشمع ان يضيىء " 0 (29))


    وفى بيان آخر تفضل حضرة عبد البهاء موضحا السرور الحقيقى لموسيقى البشر وعظمة وروعة التقائها بالحان الملكوت الالهى 0

    "... انشاد النغمات يبعث على سرور وانعاش العالم الانساني ، وسوف تبهج وتسر السامعين وتثير عمق عواطفهم. ولكن هذا السرور وهذا الشعور العاطفي مؤقت وسوف يتم نسيانه في وقت قصير. ولكن الحمد لله فقد مزجتم هذه النغمات بألحان الملكوت ، وهذا ما يضفي البهجة لعالم الأرواح ويثير المشاعر الروحانية."مترجم (30)

    Admain

    Admain
    رئيس مجلس الادارة
    رئيس مجلس الادارة
    كما يتضاعف تأثير الموسيقى عندما تُسْتَلْهم من التعاليم المباركة :-

    "الموسيقى وسيلة مؤثرة لتربية البشر وتكاملهم ولكن الطريق الوحيد لنيل هذا الهدف هو بواسطة التعاليم الألهية. الموسيقى كالزجاج النقي اللامع مثل هذه الكأس النظيفة التي أمامنا ، والتعاليم والبيانات الالهية كالماء. عندما يكون الزجاج نظيفا صافيا والماء في منتهى النقاء والشفافية ، عندئذ يمنح الحياة. لذا فان الآيات الالهية سواء كانت على هيئة ترنيمة او تضرع او دعاء ، عندما يتم تلاوتها بصوت ولحن جميل فان تأثيرها اكبر." (31)


    وفى البيان التالي بين حضرة عبدالبهاء أهمية الموسيقى وأثرها عند الشعوب عبر التاريخ لنقل رسالة ما : - "... على الرغم من أن الموسيقى أمر مادي ، إلا أن تأثيرها شديد على الروحانيات. إرتباطها مع الروح عظيم وتعلقها إلى عالم الروحانيات كبير. إذا أراد شخص ما أن يلقي خطابا ، فإن تأثيره أكبر بعد إستماع النغمات الموسيقية. كان اليونانيون القدماء وفلاسفة الفرس يلقون خطابهم بالشكل التالي : في البداية كانوا يعزفون النغمات الموسيقية وعندما كان المستمعون يكتسبون قابلية المزيد من الفهم كانوا يتركون الآلات الموسيقية فورا ويبدأون في القاء الخطاب. من بين أشهر الموسيقيين الفرس كان هناك رجل يسمى "باربد" وكلما تطلب الأمر طرح موضوع مهم في بلاط الملك ولم يكن بإستطاعة الوزير إقناع الملك على تنفيذه ، كان يرجع

    الأمر إلى "باربد" الذي يذهب مع آلته الموسيقية إلى بلاط الملك ويعزف انسب الألحان وأكثرها تأثيرا ، مما كان يتحقق معه الهدف فورا ، لأن الملك كان يقع تحت تأثير تلك المقطوعة الموسيقية ويزداد كرمه وسخاؤه ويستسلم" (32)

    ويرسم حضرة عبد البهاء صوراً بسيطة وأمثلة رقيقة لذلك التناغم والتكامل فى حياة الانسان بين القلب والروح والجمال فيتفضل قائلا : -

    " من الطبيعي أن يستمتع القلب والروح من جميع الأشياء التي تظهر التماثل والتناغم والكمال. مثلا : بيت جميل ، حديقة منسقة ، خط متماثل ، حركة رشيقة ، كتاب رُقِم بصورة جيدة ، ثوبُ جميل - في الحقيقة جميع الاشياء التي تحمل في طياتها الرشاقة والجمال تكون سببا لسرور القلب والروح." (33)

    وما أن فُتِحَت سماء الرحمة الإلهية وهطلت من غمام الفيض الرحمانى آيات الله مبشرة بقيمة الفن والفنان حتى أضحت تلك البشارات أمراً إلهيا وقانونا سرمديا أوجب على العالم أن يخضع لمشيئتها ويفرح ببشاراتها0

    " وأصبح الإنجذاب الى الجمال قوة قاهرة تجبرنا على طلب التناغم والانسجام فى حياتنا اليومية وفى حياتنا مع الآخرين" (34)



    فلم تكد فجر أنوار القرن العشرين تبزغ حتى لم يعد الناس يتقبلون فكرة أن الفن مكانه المتاحف أو صالات العرض أو قصورالأباطرة والملوك فقط وإنما مجاله الحياة بأسرها واضحى كل ما يصوغة الانسان أو يصنعة يخضع للقيم الجمالية0

    أخيرا 00 أرجو ان تسمحوا لى بأن نتشارك فى ذكر عمل أدبى رائع ونحكى القصة الحقيقية وراء هذا العمل العظيم والذى ساهم أعظم مساهمة فى بزوع فجر يوم الله الجديد وعاون وساعد على ظهور المدنية الإلهية لدين حضرة بهاء الله بصورة لا أعتقد – وذلك فى تقديرى الشخصى - أن عملا أدبيا آخر يفوق قدرة , وجل ما اتمناه إن نتأمل ببصائرنا فى المغزى العميق لاحداث تلك القصة التى وقعت أحداثها فوق أرض بعيدة كل البعد عن طهران مهبط الظهور وفى دلالة التواريخ التى سترد خلال أحداث هذه القصة والتى تزامنت – بشكل يدعو إلى العجب – مع بزوغ فجر حضرة بهاء الله 0

    فأشعلت كاتبة هذا العمل الأدبى الضئيلة الحجم بمفردها شمعة كبيرة فأضاءت عالما من النفوس المظلمة وأحرقت عالما من الجهل والإنحطاط وساعدت فى رتق أشلاء الجنس البشرى الممزق المهلهل0 حتى إننى أكاد اؤمن أن هذا العمل كان إلهاما وتقديرا إلهيا ومثالا حيا على قدرة الانسان فى أن يكون – بفضل الله ومحبته ورأفته – وسيلة من وسائل إزدهار أمره المبارك 0

    تعتبر قصة " كوخ العم توم " أشهر قصة فى الأدب الامريكى كله وقد صورت حياة الزنوج الامريكين قبل الحرب الأهلية فألهبت بها أصحاب النفوس الكريمة وأثارت الرأى العام الأمريكى ضد هذه المظالم النازلة بتلك الفئة البائسة من المواطنين, وفى هذا الوقت كانت الولايات الجنوبية لوحدها تضم ثلاثة ملايين من السود الأرقاء وكانت أسواق نيو اورليانز تشهد بيع سبعين ألف رجل وإمرأة وطفل كل عام0

    وكانت السيدة هارييت بيتشو ستو تلك التى كتبت قصة " كوخ العم توم " سيدة فقيرة فى خريف العمر نحيلة شاحبة معروقة الوجه تقطن مدينة بنسلفانيا بامريكا الشمالية , وكانت تعاني من تربية أطفالها السبعة ومن قسوة الحياة وتبذل أعنف جهد فى إدارة أمور منزلها لضيق مواردها المالية المتعثرة , وتمضي بعضا من الوقت فى كتابة القليل من المواضيع الأدبية القصيرة للمجلات لتساعد زوجها الفقير على مواجهة الحياة 0

    وكان السبب الذى دفعها الى كتابة هذه القصة العالمية أنها رأت فى صباح أحد الأحاد عام 1851 م رجلا من الجنس الأبيض يأمر عماله بجلد عجوز أسود إشتعل رأسة شيبا0 وحز فى قلبها وأثار فى نفسها أبلغ العطف على هؤلاء السود المستعبدين فى أمريكا ان العمال ظلوا يجلدون العجوز المسكين حتى فاضت روحه , وهو يبتهل إلى الله أن يغفر لجلاديه 0

    وعادت مسز ستو إلى بيتها وقد ملأت الدموع عينيها شفقة على هؤلاء البؤساء0 وفاضت عواطفها الجياشة فإذا قلمها يجرى بوصف هذا المنظر وإذا زوجها وهو عالم فقير يشجعها على جعل هذا المنظر نواه لقصة مطولة وإذا هى تستمرفى الكتابة بعد أن إتفقت مع ناشر فى إحدى المجلات لنشر القصة على ثلاثة اسابيع0 ولكن مر ثلاثون أسبوعا وفصول القصة لم تنته , ولا يزال عشرات من القراء المتلهفين ينتظرون صدور الصحيفة التى عجزت مطابعها عن إصدار جميع النسخ المطلوبة 0

    صدرت القصة بعد ذلك فى كتاب كامل عام 1853 م فتلقف الناس نسخ قصة " كوخ العم توم " عند صدورها تلقفا , وتوالت طبعاتها وترجماتها شهراً بعد شهر0 ليس هذا فحسب بل أن خمسمائة ألف إمرأة انجليزية وقعن خطاب شكر موجها إلى المؤلفة0 وجمعت إسكتلندة ألف جنيه من أشد سكانها فقراً بنساً واحداً من كل شخص كمساعدة رمزية لحركة تحرير العبيد0 وطبع ناشرآخر القصة فى طبعة شعبية باع منها مائة وخمسين الف نسخة ثم طبعت فى فرنسا وإنجلترا وترجمت إلى شتى اللغات حتى بلغت جملة النسخ التى صدرت ما يقارب خمسة وعشرين مليون نسخة0 وفى خلال هذا كلة كانت هارييت المؤلفة ذات القلب الكبير تنفق معظم أرباحها على شراء العبيد وإطلاق سراحهم وإنشاء المنازل والملاجئ لهم ومواصلة الكفاح الأدبى فى سبيل تحريرهم 0

    كان ابراهام لنكولن وآحدا من النفوس الكريمة التى أحبت تلك الرواية وتركت أثرا عميقا فى نفسة وآمن بحق الانسان فى الحياة بحرية, وبمجرد أن أصبح – فيما بعد – رئيسا للولايات المتحدة حتى أصدرعلى الفور قراره التاريخى الحاسم بإلغاء الرق والعبودية 0 فكانت حرب التحرير " تحرير العبيد " التى إستمرت من سنة 1861م حتى سنة 1865 م وتم النصر فيها للولايات الشمالية على الولايات الجنوبية وغدا إسم هارييت بيتشو ستو رمزا للمحبة الخالدة وتباركه ملايين الشفاه وتعده نعمة من نعم الإله السابغة0

    لم تجتمع السيدة ستو إلا مرة واحدة بالرئيس ابراهام لنكولن وكان ذلك سنة 1862م والحرب الاهلية محتدمة أشد الإحتدام ولم تكد تدخل على الرئيس حتى هرع لإستقبالها باسما وقال وهو يصافحها لإول مرة0

    " أهذه أنت أيتها السيدة الصغيرة التى سببت كل هذه الحرب الكبيرة "

    ولما إنتهت الحرب بهزيمة الولايات الجنوبية وإنتهاء عهد الرق والإستعباد هرع مئات الألوف من الجماهير الى مؤلفة قصة كوخ العم توم لتحيتها والهتاف المدوي لها ولم تستطع السيدة أن ترد على هذا كلة إلا بإنحناء رأسها وقد إنسابت دموع الغبطة والشكر على وجنتيها0 وفى عام 1896م فاضت روحها الرحيمة وقضت السيدة نحبها بعد أن أضاءت للعالم شمعة كبيرة لن يخبو ضياؤها أو تفتر حرارتها على مر السنين, وجعلت العالم الانسانى يشدو لأول مرة بنشيد الحرية والحب والسلام تحت راية بهاء الله العظيم0

    على أن ما يجب أن تتذكره هو أن تعابير الجمال في هذه الدنيا ما هي إلا إنعكاس لجمال حضرة المحبوب. جميعها تفنى ويبقى الجمال المبارك خالدا أبدا. يقول حضرة عبداليهاء :

    " يزول الجمال الفاني ويظهر الشوك من الورود وتذهب ملاحتها وصباحتها وأوانها ولكن الجمال الحقيقي في تجلي أبدي وحسنه سرمدي دائما أبدا ، يخطف القلوب بتجليه وحسنه اللامنتاهي. ما أسعد ذلك الجبين الذي تنور بسطوع أنوار المحبوب. الحمدلله فقد تجلى عليك هذا النور وإكتسبت درر العرفان وتكلمت بكلمة صدق." (35

    الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى