المؤامرة
تعتبر هذه الأزمة مؤامرة بكل ما تعنيه الكلمة من دلالات وتوافرت لها كل أركان الجريمة الكاملة – وذلك بالتدبير والاتفاق بقصد إلحاق الأذى والضرر بآخرين باستخدام أساليب الغش والكذب والتزوير والتحريض - وصل إلى حد محاولة القتل وتم التخطيط لها بحنكة وذكاء حتى أنها " آذت هيبة الدين إيذاءً بليغا 00 وأحدثت صدعا لا يمكن رأبه في صفوف أسرة حضرة بهاء الله "(23)
وتعاون العديد من الشخصيات في التخطيط والتنفيذ وتراوحت أدوارهم المخزية التي لعبوها, وأثارها المدمرة على نفوس أفراد الجامعة في الأرض الأقدس والعالم 0
" فاتفقت زوجتا حضرة بهاء الله الباقيتان على قيد الحياة وولداه ميرزا ضياء الدين المذبذب وميرزا بديع الله الخائن مع أختيهما الشقيقة وغير الشقيقة وزوجيهما السيد علي الخبيث ( وهو من أقرباء حضرة الباب ) وميرزا مجد الدين الماكر مع أخته وإخوته غير الأشقاء أبناء المرحوم أقاي كليم المخلص النبيل"( 24)
لكن أهم الأدوار الرئيسة لتلك المؤامرة – في هذه الفترة - كانت من نصيب ثلاثة من الكبار في حياة حضرة بهاء الله هم ميرزا محمد على الأخ الغير شقيق لحضرة عبد البهاء ومحمد جواد قزوينى الذي اشتغل في استنساخ الألواح في أدرنه وجمال البروجردى المقيم في طهران0 حيث قدر لهذا الثالوث وغيرهم فيما بعد أن يحملوا وصمة عار هذه المؤامرة أبد الدهر0
بداية المؤامرة
* يحدثنا ميرزا حيدر علي في مذكراته القيمة كيف بدأت تتضح ملامح تلك الأزمة وكيف كشف الله ستر منفذيها وأبان خبيئة نفوسهم فيقول: -
" وصلنا عن طريق بعض السفارات الأجنبية وعن طريق صحيفة أخطار التي تطبع في استنبول والتي اشترك فيها عدد من الأحباء0 (وكان من زمرة الحاقدين ميرزا أقا خان يعمل محرراً في جريدة أخطار الفارسية التي استغلها في نشر المقالات المؤذية الكاذبة عن الأمر المبارك ومًؤسسه والأحباء لعدة سنين) خبرا عن إتحاد مجموعة من أفراد عائلة حضرة بهاء الله ضد حضرة المولى0
فلم نصدق ذلك, واعتبرنا كل ما جاء بالخبر مجرد افتراءات, ونفيناها جملة وتفصيلا, لعلمنا أن محرر الصحيفة من أعداء الأمر المبارك الألداء وتربطه بالأزليين علاقات قوية "0 (25)
"وبدخولي مدينة طهران استلمت لوحا من حضرة المولى المحبوب يأمرني فيه بالاستمرار على السفر وبمطالبة الأحباء في الثبات على العهد والميثاق مخافة انزلاقهم – دون علمهم – في هاوية المخططات الخادعة لطموحات بعض النفوس 0 فكان هذا اللوح دليلا على سعي بعض من حوله في سبيل رغباتهم النفسية وتفضيل ذلك على طاعة من عَيْنه واصطفاه حضرة بهاء الله مركزا لعهده وميثاقه "0(26)
" كان جواد قزوينى هو الواسطة لإستلام وتسليم مراسلاتي من وإلى البيت المبارك منذ أيام إقامة حضرة بهاء الله في أدرنه 0 واستلمت منه في تلك الأيام وهو في الأرض الأقدس- رسالة سرية كتب فيها تعليمات ثلاث تقول : -
1 - لا تستعمل كلمات التبجيل والاحترام أو صيغة (جعلت فداك) في مخاطبة عبد البهاء 0 ومن الأفضل أن يكون أسلوب رسائلك ورسائل من تكتب نيابة عنهم عادي وبسيط0
2 - لا تبدأ رسائلك بالمناجاة 0
3 - لا تذكر كلمة " الغصن " واستبدالها بكلمة " الأغصان " دائما0
كانت هذه الرسالة دليلا أخر على استمرار المؤامرات ضد حضرة عبد البهاء في الأرض الأقدس 0 وبما إنني شاهدت علامات الغرور والتكبر على جواد سابقا, فقد شككت بأصل الرسالة وافترضت معارضة جواد وجمال سرا لحضرة المولى 0 لذلك كتبت رداً واعتراضاً عليها وعلى تعليماتها الثلاث وأوضحت فيها الأسباب 0 وأضفت إن كانت هذه هي أوامر حضرة عبد البهاء, فأريد إستلامها بخط يده 0 وان كانت لا فلا أريد إستلام أية رسائل أخرى من جواد ولما لم استلم جوابا لرسالتي, فقد تأكدت من افتراضاتي في ابتداء تجمع خفافيش الليل0
لم يخطر في ذهني قط أن يكون المحرك الرئيسي لكل هذه المكائد هو الأخ غير الشقيق لحضرة المولى فأي , تصورات عقيمة تستنبطها أفئدة البشر؟! من ذا الذي يمكنه الاشاحه بوجهه عن سر الله ؟ لقد علم حضرة بهاء الله الأحباء , كيفية الثبات على الأمر وعلى الميثاق لمدة ثلاثين عاما 0 والآن وبعد رحيلهإلى عالمه العلوي , سلمنا " كتاب عهدي " – وصيته وميثاقه – الذي أجلس فيه حضرة عبد البهاء على كرسي عهده بكل عظمة وإجلال " (27)
" على القارئ الكريم أن يعلم أن محمد علي – أخ حضرة عبد البهاء غير الشقيق - قد جاوز حدود مقام العبودية حتى خلال أيام والده, وحاول استغلال صلة القرابة للخروج من ظلام المغمورية بادعائه مقاما لنفسه, وبعث برسائله إلى الخارج سرا 0 فسبب بذلك حزنا لا حدود له لقلب والده حضرة بهاء الله الذي كان يصف محمد علي دائما مثل ورقة تتحرك على شجرة السدرة الإلهية بحركة النسيم الإلهي , فان ابتعدت عن هذا النسيم اللطيف ذبلت وماتت0 لم يأسف محمد علي من كل قلبه على كتابته تلك الرسائل, وبقيت جرثومة الشقاق تنمو في داخلة وداخل بعض خواص رفاقه وصحبه, وظل هادئا نسبيا يعيش في كنف رحمة حضرة بهاء الله الذي لم يكشف موضوعة ولم يفضح أمره وستر عليه "0 (28)
" كان حضرة عبد البهاء يعامل تلك النفوس المتذبذبة بمحبة فائقة, لكن محمد علي وجماعته لم يعيروا ذلك اهتماما ولم يدخروا وسعا في تحقير شأن حضرة عبد البهاء والعمل على إذكاء نار الشكوك في قلوب أحباء الأرض الأقدس 0 ولعدة مرات ذهب عدد من الأحباء الأوفياء أمثال محمد رضا ومحمود كاشى لمقابلتهم وتوضيح معاني كلمات " كتاب عهدي " بجلاء لهم, وتحذيرهم علنا وبشجاعة من عواقب أعمالهم الشائنة, وأوضحوا لهم في نفس الوقت أن لهيب هذا العصيان سيحرق نفوسهم وسيلهب دخانه عيونهم قبل غيرهم 0
أما حضرة عبد البهاء, فبقى يعاني من أعدائه بصمت 0 ولم يقطع عنهم محبته واحترامه 0 وكانوا خلال الاحتفالات والمناسبات يحتلون كراسي الشرف حول الموائد, بينما يقف حضرته ليخدم الجميع 0 وكنا نسمع كلمات نصحه وتشجيعه للأحباء على خدمة الأمر المبارك, لكنها كانت لا تؤثر في آذان محمد علي الصماء وصحبة "(29)
" تآمر الناقضون باستمرار ضد حضرة عبد البهاء, وشكلوا مجموعات تحركت مثل الأفاعي السامة في كل الاتجاهات0 فوصلوا إلى الحاكم والشرطة السرية وكبار العلماء والموظفين والى كل شخص استطاعوا التأثير عليه وتحريضه في فلسطين وسوريا وتركيا000 ومع ذلك بقى حضرته ساكنا هادئا, ولم يتقرب من السلطات لتوضيح الموضوع ابدا0 وعانى في صمت وسكون وصلى من أجلهم بحرارة, عسى أن تفتح بصيرتهم ويكفواعن خلق المشاكل والمظالم ضد المؤمنين الأبرياء في عكاء 0 وكلما وصلته هدية أرسلها من فوره إلى عائلته الذين نقضوا عهد الله 0 وبدلا من الشكر والامتنان, كانوا يرسلونها بدورهم إلى الحاكم والى قادة الجيش وغيرهم من المسؤولين في محاولة لإقناعهم بالتحرك ضده0 قاصدين من ذلك نفيه إلى مكان بعيد مجهول فهم يعتقدون أن جميع الأحباء سيعتبرونهم مركزا للأمر طالما أنهم يمتلكون المقامات المتبركة " 0 (30)
" وفى مناسبة أخرى, قدم الناقضون إلى حاكم حيفا أحدى عباءات حضرة بهاء الله وزوجا من نظاراته, وطلبوا منه ارتداءها والذهاب لزيارة حضرة عبد البهاء 0 فأحزن منظر الرجل حضرته كثيرا وهو يشاهد ضيفه مرتديا أثارا تخص والده 0 ومع ذلك, لم يتفضل بكلمة واحدة حول الموضوع وعامل ضيفه بمحبته وأدبه الجم المعهود0 ومرت الأيام, وإذا بهذا الحاكم يلقى في السجن مقيدا بالأغلال 0 ولم يتقدم أحدا لمساعدته وإطلاق سراحه سوى حضرة عبد البهاء 0 فالتمس الرجل العفو والمغفرة بعدما شاهد عطف حضرته اللامحدود والغير متوقع, وقال : " أنها ليست غلطتي, لقد خدعـني أعداؤك لارتكــاب ذلك الخطــأ الجسيم "0 (31)
كان مجد الدين ابن عم حضرة المولى ( ابن ميرزا موسى كليم الأخ الوفي لحضرة بهاء الله ) أكثر الناقضين فاعلية, ومركزا ومحورا للأعمال القبيحة, وبقى يسخر من زوار حضرة عبد البهاء دائما, ويقول:
" إن وجودكم مؤقت هنا 0 قريبا ستعودون إلى دياركم0 وسيعود في النهاية كل شئ تحت تصرفنا وسيبحث الجميع عن الحماية تحت ظلنا000 اعتاد حضرة عبد البهاء زيارة مقام والده في قصر البهجة مرة كل اسبوع0 وفى محاولة منه لتهدئة عداوة محمد علي وأعوانه, قرر البقاء في عكاء وعدم الذهاب إلى هناك0 وكان كلما رغب قلبه في الزيارة, يصعد إلى سطح منزله ويتوجه بوجهه إلى المقام المبارك للصلاة0 واستمرت هذه الحالة لمدة سنتين0 وفى بعض الأحيان, كنا نسمعه وهو يرتل لوح الزيارة بصوت مرتفع, فتنفطر قلوبنا حزنا لذلك "0 (32)
" لكن العاصفة الرهيبة هاجمت أمر الله والأحباء بعد صعود حضرة بهاء الله في كل مكان وأشعلت نارا محرقة ودخانا خانقا اذبل واحرق العديد من الأغصان والأفنان والأوراق ممن ترعرعوا تحت ظل شجرة سدرة الأمرالمبارك فلم تعد عيونهم مبصرة ولا آذانهم سامعة ولا أفئدتهم واعية (33)
وحال اشتعال هذه النار وامتداد السنة لهيبها التهمت كل من تجرأ على التقرب منها والوقوف في طريقها, وسقط معهم أيضا كل من لم يتجنبهم 0 وفى النهاية, بقى حضرة المولى لوحده تقريبا 0 ورغم ذلك, مد يد المحبة لإنقاذ كل من تعرض لخطر ذلك اللهيب, ولم ينقطع عن محضره سيل الرسائل والخطابات والموفدين0
" ورغم انه زاد من محبته واحترامه لأعدائه, إلا انه ظل يقظا ومنتبها لأفعالهم كي لا تصل كلماتهم ورسائلهم للأحباء القاطنين بعيدا عن الأرض الأقدس ممن تتمركز أماله وطموحاتهم فيها ويتغذون برسائل الأحباء المخلصين الساكنين قرب المقامات المتبركة 0 ولم يود حضرته أن يصل الى الأحباء في جميع أنحاء العالم خبر التمرد القبيح ضد مركز العهد الذي لا يترأسه سوى أخيه غير الشقيق محمد علي 0 لذلك منع الأحباء من فض أي مظروف لا يحمل ختم حضرة المولى الشهير في مقابل ذلك, كان الأحباء منتبهين يقظين أيضا, فمثلا استلم طبيب لقبه حضرة عبد البهاء بـ ( حكـيم ألهى ) يسكن في مدينة قزوين, رسالة تحمل ختم حضرة المولى, وبعد قراءة محتوياتها, شك الطبيب في مصدرها, إذ أورد كاتبها تعليمات خاصة في كيفية عنونة المراسلات واقترح بعض الأفكار الشيطانية في محاولة قصد من ورائها تخريب سلطة حضرة المولى0 فأعاد هذا الطبيب الرسالة إلى الأرض الأقدس وهى متضمنة سؤالاً لحضرة المولى يقول : - " من يكون هذا الشخص حتى يصدر تعليماته للأحباء ؟ نحن جميعا متوجهون بقلوبنا وأرواحنا نحو نقطة واحدة هي حضرة المولى المحبوب " فكشفت رسالة حكيم ألهى, أن جواد قزوينى هو كاتب الرسالة 0 أما كيف فعل ذلك فلقد كتب في أول الأمر رسالة مقبولة ووضعها في مظروف وعرضها على حضرة المولى 0 وبعد أن زين حضرته مغلفها بختمه وتوقيعه, فتح جواد المغلف مرة ثانية وبدل الرسالة بأخرى تحتوى على اقتراحاته الشخصية وأفكاره الشيطانية 0(34)
ازدادت حياة الأحباء الروحانية وإدراكاتهم اعتمادا – في تلك الأيام– على الألواح المستلمة من حضرة عبد البهاء وعلى ما يجلبه زوار الأرض الأقدس من أخبار وعلى رسائل الأحباء المتمتعين بشرف السكنى والإقامة قرب المقامات المقدسة وشرف خدمة مركز العهد0
" أنقذ قلم حضرة عبد البهاء الدائم الافاضه الوضع في كل مكان, واستلم الأحباء في اصغر القرى والمدن وفى أقصى أنحاء الأرياف رسائله البديعة بانتظام, فاستنسخوها وتبادلوها مع مختلف الأحباء بكل محبة وسرور0 وبذلك ظهرت بين الأحباء حركة نشطه في تبادل الهدايا الإلهية بين مختلف أنحاء الشرق وحذروا بعضهم بعضا من خطر هجوم الناقضين الغاشم0 وهكذا تحصن أفراد الأحباء ضد تسلل ناقضي العهد ورغباتهم الخبيثة وتفسيراتهم الخاطئة للآثار المباركة000 أما الناقضون, فقد تنقلوا في طول البلاد وعرضها ليهاجموا الميثاق بعنف 0 فأوجدت نقاشاتهم القبيحة ومحاولاتهم الشيطانية لإضعاف الأمر بعض الأمواج البسيطة هنا وهناك 0 لكنهم لم يجنوا غير ثمار الفشل في النهاية, وهدأت مياه البحر وصفا وجهه وعاد ليعكس أشعة الشمس الحقيقية من جديد "0(35)