ويحدثنا حضرة عبدالبهاء عما ابتليت به البشرية من حروب فتاكة بسبب التعصب الديني بقوله
منذ أوّل تاريخ البشريّة إلى يومنا هذا كفر أتباع الأديان المختلفة في العالم بعضهم بعضاً ونسب بعضهم الباطل إلى البعض الآخر، وأخيراً قام بعضهم بمعاداة البعض الآخر بكلّ وسائل الجّفاء والبعاد. لاحظوا تاريخ الحروب الدّينيّة تروا أنّ الحروب الصليبيّة كانت إحدى هذه الحروب العظيمة... وكانت الحرب سجالاً مدّة قرنين بين شدّة وضعف، إلى أنْ رَحَلَ أصحاب تلك المذاهب الأوروبيّة عن الشّرق، وتركوا البلاد خراباً يباباً كما تترك النّيران أكوام الرّماد، ورجعوا إلى بلادهم، فشاهدوا أممهم في منتهى الفوضى والاضطراب والهياج. وخلاصة القول سمّيت هذه الحروب الصّليبيّة بالحروب المقدّسة، وكانت هناك حروب دينيّة كثيرة أخرى. فقد كان للمذهب البروتستانتي ٩٠٠ ألف شهيد نتيجة النّزاع والاختلاف بين المذهبين الكاثوليكي والبروتستانتي، وكم من أرواح أزهقت في السّجون، وكم من الأسرى عوملوا بقسوة لا هوادة فيها ولا شفقة. وكان كلّ ذلك يجري باسم الدّين. فعندما طلع حضرة بهاءالله من أفق الشّرق طلوع الشّمس المنيرة للآفاق أعلن بشارة وحدة العالم الإنساني، وخاطب عموم البشر متفضّلاً: "كلّكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد. فالشّجرة شجرة واحدة لا شجرتان رحمانيّة وشيطانيّة، لذا يجب أنْ يعامل بعضنا البعض الآخر بمنتهى المحبّة، فلا تعتبر طائفة طائفة أخرى شيطاناً، بل يجب علينا أنْ نؤمنَ أنّ جميع البشر عبيد الله وكلّ ما في الأمر أنّ بعضهم غافلون تجب تربيتهم، وبعضهم جهلاء يجب تعليمهم، وبعضهم أطفال تجب تربيتهم حتّى يصلوا مرحلة البلوغ. فهم مرضى فسدت أخلاقهم، ولا بُدّ من معالجتهم حتّى تتطهّر أخلاقهم. والمريض لا تجوز عداوته بسبب مرضه، وكذلك لا يجوز الابتعاد عن الطّفل بسبب طفولته، ولا يجوز احتقار الجّاهل بسبب جهله، بل تجب معالجته وتربيته وتـنشئته بمنتهى المحبّة، ويجب أنْ نبذلَ الجّهد حتّى يرتاح البشر في ظلّ الله، ويعيشوا في منتهى الرّاحة والاطمئنان والسّرور الموفور." - مترجم عن مجلة "نجمة الغرب"، المجلد الثامن، ص ٧٦
أمّا التّعصب السّياسي أو الوطني فلا يقلّ ضرراً ووبالاً عن التّعصب العنصري. وقد حان الوقت الّذي فيه تندمج الوطنيّة القوميّة في وطنيّة أوسع منها حين يكون العالم كلّه وطناً لها. ويقول حضرة بهاءالله في "لوح الدّنيا" ما ترجمته:
ولقد قيل سابقاً ’حبّ الوطن من الإيمان‘، ونطق لسان العظمة في يوم الظّهور’ليس الفخر لمن يحبّ الوطن بل لمن يحب العالم‘، فعلّم طيور الأفئدة بهذه الكلمات العاليات طيراناً جديداً، ومحا التحديد والتقليد من الكتاب.
ولقد قيل سابقاً ’حبّ الوطن من الإيمان‘، ونطق لسان العظمة في يوم الظّهور’ليس الفخر لمن يحبّ الوطن بل لمن يحب العالم‘، فعلّم طيور الأفئدة بهذه الكلمات العاليات طيراناً جديداً، ومحا التحديد والتقليد من الكتاب.