إنّ عالم الوجود كهيكل الإنسان، وإنّ هذه القوى المادّيّة لهي بمثابة أعضاء ذلك الهيكل وأجزائه. إلاّ أنّ جسد الإنسان لا بدّ له من روح بها يتحرّك وبها يحيا ويعيش، وبواسطتها تبرز لديه القوّة الباصرة والقوّة السّامعة والقوّة الحافظة والقوّة المدركة، ويسطع فيه نور العقل الّذي يتمكّن به من أن يكشف عن حقائق الأشياء ويحقّق التّقدّم والتّرقّي في العالم الإنسانيّ. فإذا فقد الجسد الرّوح فإنّه لا يمكن أن يصل إلى هذه النّتائج مهما كانت صباحته وملاحته. إنّه عندئذٍ يكون رسمًا محرومًا من الرّوح والإدراك والعقل والكمال. وكذلك شأن جسد الوجود، فإنّه مهما بلغ في النّاحية المادّيّة من الطّراوة واللّطافة إلاّ أنّه لا روح له. وروحه هو الدّين الإلهيّ. فالدّين الإلهيّ روح عالم الوجود، وبه يصبح الوجود نورانيّا، وتتزيّن الأكوان وتبلغ درجة الكمال. ولهذا فكما تتّجه أفكاركم إلى التّرقّيات المادّيّة يجب أن تتّجه إلى التّرقّيات الرّوحانيّة أيضًا. لا، بل يجب أن تسعوا في سبيل التّرقّيات الرّوحانيّة سعيًا أبلغ من سعيكم في المدنيّة المادّيّة. وكما تهتمّون بالجسد ينبغي لكم أن تهتمّوا بالرّوح. فإنّ جسد الإنسان إذا انعدمت منه الرّوح أصبح ميتًا. ولعمري ما الفائدة الّتي ترجى منه؟ وكذلك الحال في جسد الإمكان: إذا حرم من التّرقّيات المعنويّة أصبح جسدًا بلا روح. والإنسان يتّفق مع الحيوان في الصّورة إلاّ أنّ الفارق بين الإنسان والحيوان هو أنّ للإنسان قوى روحانيّة لا تتوفّر لدى الحيوان. من ذلك أنّ الإنسان على علم بالله، والحيوان لا علم له به. ومنها أنّ الإنسان يدرك حقائق الأشياء على حين أنّ الحيوان غافل عنها وجاهل بها. ومنها أنّ الإنسان يكشف حقائق الموجودات المكنونة بقوّة إرادته على حين أنّ الحيوان عاجز عن ذلك ولا نصيب له منها. ومنها أنّ الكمالات تظهر من الحقيقة الإنسانيّة ظهور الأنوار السّاطعة من السّراج. وكما أنّ النّور سبب ظهور كمال السّراج فإنّ الدّين سبب ظهور كمالات الإنسان. وهذه هي الفضائل الّتي يمتاز بها الإنسان على الحيوان، وهذه هي نفحات القدس الّتي تهب له الحياة الأبديّة. وعلى هذا فالعالم الإنسانيّ إذا حُرم من روح الدّين عاد جسدًا بلا روح، فظلّ محرومًا من نفثات الرّوح القدس، ولا نصيب له من التّعاليم الإلهيّة. وقد بلغ من صدق حكم الموت على الإنسان المحروم من التّعاليم الإلهيّة أنّ السّيّد المسيح قال: "دع الموتى يدفنون موتاهم". ذلك لأنّ المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الرّوح هو روح. والمقصود من الرّوح حقيقة الدّين **عن خطبة القاها حضرة عبد البهاء فى باريس **
ارجو الضغط على زر تسجيل ومليء البيانات
في حالة مواجهتك لاي مشكلة ارجو الاتصال فورا بالادارة على الايميل التالي
the_great_day@live.se
انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل