أمينة النقاش
جريدة الأهالى
بدلاً من التحريض علي الفتن الطائفية
إعلام يديره متعصبون وحمقي وباحثون عن الإثارة بما ينتهي بإشعال النيران لا باطفائها، وبنشر الفتن لا القضاء عليهايحقق النائب العام اليوم الأربعاء مع الصحفي الذي استضافه ــ لسبب لا أعلمه ولا أفهمه ــ برنامج فضائي في قناة خاصة، لمناقشة قضية احتفالات البهائيين المصريين بعيد النيروز، بالرغم مما يعرف عنه من تعصب ديني.. ويأتي التحقيق استجابة لمطالب ست منظمات حقوقية، دعت النيابة العامة إلي أن تشمل التحقيقات مع المتهمين بالاعتداء علي منازل البهائيين في قرية الشارونية بمحافظة سوهاج، التي انتهت بحرقها وقطع المياه عنها لمنع إطفاء الحرائق عقب إذاعة البرنامج تحديد المسئولين عن التحريض المباشر علي ارتكاب تلك الجرائم وإدراجهم في قوائم الاتهام.
وفي تحد صارخ لحقوق المواطنة ولضمانات حرية الاعتقاد التي يكفلها الدستور، ولأحكام القضاء التي أقرت للبهائيين بالحق في إصدار بطاقات هوية بعد نزاع قضائي استمر نحو 5 سنوات، ولمؤسسات الدولة التي أعادت إليهم حقوقهم في ممارسة شعائرهم ببناء محافل خاصة بهم، بعد 49 عاماً من قرار إلغائها، لم يجد الصحفي حرجا - محمياً هنا بحياد في غير موضعه من مقدم البرنامج - من التحريض العلني علي قتل البهائيين، وكان هو نفسه الذي كتب في صحيفته الحكومية يعترض علي احتفالهم بعيد النيروز، ويطالب السلطات الرسمية بمنعهم من ممارسة تلك الاحتفالات العلنية، متذرعا بالدفاع عن الدين الإسلامي الذي لو كان يعرفه ويفهمه لما قال ولا كتب. وهو نفسه الذي أغلق مقر نقابة الصحفيين بالجنازير في مثل هذا التوقيت من العام الماضي، لمنع منظمة حقوقية من عقد مؤتمر ضد التمييز الديني يشارك به بهائيون، سبق للمنظمة أن اتفقت مع مجلس النقابة علي انعقاده.
هذه البلطجة السارحة عبر الصحف والفضائيات والمنتديات، والتي يفتي أصحابها بغير علم، ويصدرون أحكاماً مطلقة بالكفر والارتداد علي كل المخالفين في الرأي والعقيدة تطرح من جديد قضية القواعد المهنية والأخلاقية والوطنية التي تحكم العمل في المنابر الإعلامية.
فقد ظلت المسألة الطائفية لسنوات طويلة خطاً أحمر يتحاشي جميع وسائل الإعلام من الصحافة إلي الإذاعة، ومن التليفزيون إلي السينما والمسرح الاقتراب منها، أو نشر أخبار عنها، من باب الحرص علي الوحدة الوطنية أحياناً، ومن باب الخوف من الوقوع في المحظور غالباً.
وهكذا أصبحت كثير من الاحتكاكات الطائفية التي تقع كل يوم بعيدة عن دائرة الضوء والاهتمام. وساد الاعتقاد بأن كل الأمور علي صعيد العلاقة بين الطوائف هي علي ما يرام. ومع تعدد الاحتكاكات العنيفة وتحول بعضها إلي انفجارات ومواجهات، ومع الانفتاح الإعلامي الذي شهدته مصر خلال السنوات القليلة الأخيرة، سقطت كل الخطوط الحمراء، وأصبح الحديث عن المشكلة الطائفية أمراً عادياً في الصحف والإذاعة والتليفزيون وأفلام السينما وعلي خشبات المسارح.
وتفاءل البعض وقالوا إن مناقشة القضايا الطائفية علناً هي الوسيلة الوحيدة للتخفف من التوترات، وتشاءم آخرون وتوقعوا أن تؤدي المعالجة غير المهنية وغير المسئولة لبعض وسائل الإعلام للمسألة الطائفية، إلي مزيد من الشحن ترفع من حدة التوترات وتسرع من إيقاع المواجهات الطائفية.
ومن سوء الحظ أن ذلك ما حدث: تحول الموضوع الطائفي إلي موضوع للإثارة ولجذب القراء ولترويج الصحف ولجلب الإعلانات لشاشات الفضائيات. وبدلاً من الحوار الموضوعي العقلاني الذي يحترم فيه كل طرف معتقدات الآخر وحقوقه الوطنية، يسعي للبحث عن مشتركات للالتقاء معه ولتفهم وجهة نظره، تحولت المعالجات الصحفية والمناظرات التليفزيونية للمسألة الطائفية، إلي مبارزات، تتعمد بعض الصحف وبعض القنوات أن تدعو إلي حلبتها أكثر العناصر تعصباً وكراهية ضد الآخر من الطرفين، لتتحول المناظرة إلي كرة نار تزيد من اشتعال المسألة الطائفية وهو ما حدث بالضبط في مأساة قرية الشارونية.
وهكذا لم يعد الموضوع المفضل لبعض الصحف والقنوات سوي قضية الفتاة المسيحية التي أسلمت والفتاة المسلمة التي اعتنقت المسيحية، والشاب المسلم الذي أغوي فتاة مسيحية فهربت معه أو العكس، والتحريض علي قتل البهائيين.. إلخ.
ومن المؤكد أن إطلاق حرية الإعلام في تناول المسألة الطائفية، وإدارة الحوار من حولها ظاهرة إيجابية، لأن الحوار الديمقراطي حولها هو الوسيلة لمواجهتها، كما هو الوسيلة لمواجهة كل ما نعانيه من مشاكل. لكن هذا الحوار الديمقراطي يتطلب إعلاماً لديه من الوعي الوطني ومن المعرفة بالقانون والدستور ومن الالتزام بآداب المهنة وتقاليدها ما يجعله يعالج الأمر بهدف التوصل بطريقة تهدف إلي معالجة الأمر علي نحو ينتهي بالتوصل إلي مشتركات وطنية تقضي علي هذه التوترات، وليس كما هو الحال الآن إعلام يديره متعصبون وحمقي وباحثون عن الإثارة بما ينتهي بإشعال النيران لا باطفائها، وبنشر الفتن لا القضاء عليها.
جريدة الأهالى
بدلاً من التحريض علي الفتن الطائفية
إعلام يديره متعصبون وحمقي وباحثون عن الإثارة بما ينتهي بإشعال النيران لا باطفائها، وبنشر الفتن لا القضاء عليهايحقق النائب العام اليوم الأربعاء مع الصحفي الذي استضافه ــ لسبب لا أعلمه ولا أفهمه ــ برنامج فضائي في قناة خاصة، لمناقشة قضية احتفالات البهائيين المصريين بعيد النيروز، بالرغم مما يعرف عنه من تعصب ديني.. ويأتي التحقيق استجابة لمطالب ست منظمات حقوقية، دعت النيابة العامة إلي أن تشمل التحقيقات مع المتهمين بالاعتداء علي منازل البهائيين في قرية الشارونية بمحافظة سوهاج، التي انتهت بحرقها وقطع المياه عنها لمنع إطفاء الحرائق عقب إذاعة البرنامج تحديد المسئولين عن التحريض المباشر علي ارتكاب تلك الجرائم وإدراجهم في قوائم الاتهام.
وفي تحد صارخ لحقوق المواطنة ولضمانات حرية الاعتقاد التي يكفلها الدستور، ولأحكام القضاء التي أقرت للبهائيين بالحق في إصدار بطاقات هوية بعد نزاع قضائي استمر نحو 5 سنوات، ولمؤسسات الدولة التي أعادت إليهم حقوقهم في ممارسة شعائرهم ببناء محافل خاصة بهم، بعد 49 عاماً من قرار إلغائها، لم يجد الصحفي حرجا - محمياً هنا بحياد في غير موضعه من مقدم البرنامج - من التحريض العلني علي قتل البهائيين، وكان هو نفسه الذي كتب في صحيفته الحكومية يعترض علي احتفالهم بعيد النيروز، ويطالب السلطات الرسمية بمنعهم من ممارسة تلك الاحتفالات العلنية، متذرعا بالدفاع عن الدين الإسلامي الذي لو كان يعرفه ويفهمه لما قال ولا كتب. وهو نفسه الذي أغلق مقر نقابة الصحفيين بالجنازير في مثل هذا التوقيت من العام الماضي، لمنع منظمة حقوقية من عقد مؤتمر ضد التمييز الديني يشارك به بهائيون، سبق للمنظمة أن اتفقت مع مجلس النقابة علي انعقاده.
هذه البلطجة السارحة عبر الصحف والفضائيات والمنتديات، والتي يفتي أصحابها بغير علم، ويصدرون أحكاماً مطلقة بالكفر والارتداد علي كل المخالفين في الرأي والعقيدة تطرح من جديد قضية القواعد المهنية والأخلاقية والوطنية التي تحكم العمل في المنابر الإعلامية.
فقد ظلت المسألة الطائفية لسنوات طويلة خطاً أحمر يتحاشي جميع وسائل الإعلام من الصحافة إلي الإذاعة، ومن التليفزيون إلي السينما والمسرح الاقتراب منها، أو نشر أخبار عنها، من باب الحرص علي الوحدة الوطنية أحياناً، ومن باب الخوف من الوقوع في المحظور غالباً.
وهكذا أصبحت كثير من الاحتكاكات الطائفية التي تقع كل يوم بعيدة عن دائرة الضوء والاهتمام. وساد الاعتقاد بأن كل الأمور علي صعيد العلاقة بين الطوائف هي علي ما يرام. ومع تعدد الاحتكاكات العنيفة وتحول بعضها إلي انفجارات ومواجهات، ومع الانفتاح الإعلامي الذي شهدته مصر خلال السنوات القليلة الأخيرة، سقطت كل الخطوط الحمراء، وأصبح الحديث عن المشكلة الطائفية أمراً عادياً في الصحف والإذاعة والتليفزيون وأفلام السينما وعلي خشبات المسارح.
وتفاءل البعض وقالوا إن مناقشة القضايا الطائفية علناً هي الوسيلة الوحيدة للتخفف من التوترات، وتشاءم آخرون وتوقعوا أن تؤدي المعالجة غير المهنية وغير المسئولة لبعض وسائل الإعلام للمسألة الطائفية، إلي مزيد من الشحن ترفع من حدة التوترات وتسرع من إيقاع المواجهات الطائفية.
ومن سوء الحظ أن ذلك ما حدث: تحول الموضوع الطائفي إلي موضوع للإثارة ولجذب القراء ولترويج الصحف ولجلب الإعلانات لشاشات الفضائيات. وبدلاً من الحوار الموضوعي العقلاني الذي يحترم فيه كل طرف معتقدات الآخر وحقوقه الوطنية، يسعي للبحث عن مشتركات للالتقاء معه ولتفهم وجهة نظره، تحولت المعالجات الصحفية والمناظرات التليفزيونية للمسألة الطائفية، إلي مبارزات، تتعمد بعض الصحف وبعض القنوات أن تدعو إلي حلبتها أكثر العناصر تعصباً وكراهية ضد الآخر من الطرفين، لتتحول المناظرة إلي كرة نار تزيد من اشتعال المسألة الطائفية وهو ما حدث بالضبط في مأساة قرية الشارونية.
وهكذا لم يعد الموضوع المفضل لبعض الصحف والقنوات سوي قضية الفتاة المسيحية التي أسلمت والفتاة المسلمة التي اعتنقت المسيحية، والشاب المسلم الذي أغوي فتاة مسيحية فهربت معه أو العكس، والتحريض علي قتل البهائيين.. إلخ.
ومن المؤكد أن إطلاق حرية الإعلام في تناول المسألة الطائفية، وإدارة الحوار من حولها ظاهرة إيجابية، لأن الحوار الديمقراطي حولها هو الوسيلة لمواجهتها، كما هو الوسيلة لمواجهة كل ما نعانيه من مشاكل. لكن هذا الحوار الديمقراطي يتطلب إعلاماً لديه من الوعي الوطني ومن المعرفة بالقانون والدستور ومن الالتزام بآداب المهنة وتقاليدها ما يجعله يعالج الأمر بهدف التوصل بطريقة تهدف إلي معالجة الأمر علي نحو ينتهي بالتوصل إلي مشتركات وطنية تقضي علي هذه التوترات، وليس كما هو الحال الآن إعلام يديره متعصبون وحمقي وباحثون عن الإثارة بما ينتهي بإشعال النيران لا باطفائها، وبنشر الفتن لا القضاء عليها.