ولا نريد الجزم في الأمر، ولكن من المحتمل ان تكون هذه ديانات سماوية قديمة، طالما اعتمدت في أسس مبادئها على أمور روحانية، أدت الى نفس النتائج التي أثمرتها الديانات الثلاث الأخيرة المعروفة، وما جهل أمة العرب في ذاك الزمان السحيق بأصل هذه الحضارات ومؤسسيها إلا نتيجة لبعد المسافة وانعدام سبل الاتصال والمواصلات واختلاف اللغات واللهجات. أما تردّي أحوال أتباعها وعدم استساغة بعض تعاليمها في هذا الزمان، فيمكن إدراكه من المثال التالي:-
ان تعاليم الديانات مثل ماء عين صافٍ نقي، فعندما ينضح هذا الماء يكون نقياً خالصاً يمكن لأي كائن ان يشرب ويرتوي منه بدون تحفظ، إلا انه عند وفاة المؤسس وتقادم الزمان ومرور الدهور، يبدأ أتباع الديانات (كل الديانات) بالمشاركة في التفسير والتحوير والاستنباط والقياس والاجتهاد، فتبدأ الشرائع بحمل شيء من هذا وأخذ شيء من ذاك، ومع مرور الوقت والسنين يتغير لون ذلك الماء الصافي النقي ورائحته ومذاقه فيرى الناس الاختلاف الشاسع بين أصول الدين في زمن ظهوره وبين طقوسه في الأزمان اللاحقة، ويشاهدون الاختلاف الواسع بين تصرفات وأعراف المؤمنين وعاداتهم وطقوسهم في السابق وفي اللاحق. لكن الإنسان المنصف يمكنه إدراك حقيقة الموضوع ومعرفة تأثير الزمان والتطور على المجتمعات، وبالتالي لا يمكن نسبة تصرفات الأجيال الأخيرة الى حقيقة الدين الحق.
فالدين يخلق التربية والأخلاق، وهذه تولد الحضارة والعلم والمعرفة وترفع شأن الأمم. والدين معاملة، والمعاملة هي ما يسود الناس من علاقات إيجابية وعرف وتقاليد تنبع من التعاليم الإلهية الموجودة في نصوص أحكام الكتب المقدسة الإلهية، فكل الديانات تدعو الى الخير المحض والصدق والعلاقات الاجتماعية الحميدة والشرف وعزة الإنسان ورفعته وتحث على المثل السامية والأخلاق الطيبة والتحلي بالكمالات والمزايا الحسنة، بحيث لا نجد ديناً إلهيا يدعو الى ما يخالف هذه المفاهيم الإنسانية. ان حقيقة مفهوم الخير، هو المثل الإنسانية الجيدة وفيها يكمن سر تقدم البشرية، أما ما يسود بعض المجتمعات المتدينة اليوم من نقيض لهذه المفاهيم، فمرده الى قدم عهد تلك الديانات والتأثيرات الاجتماعية السلبية التي دخلت الى أخلاق المجتمعات فسحبتها رويداً رويداً نحو مسار غير مقدر لها. والمثال السابق أوضح الموضوع.
ان دور التربية في المجتمعات، يقود الى التساؤل التالي: من هو الأفضل، الإنسان المتعلم الشرير قليل الأخلاق. أم الجاهل الأمي الشريف؟ والجواب الذي يتفق عليه الجميع هو: ان الإنسان الجاهل الأمي المؤدب الخلوق، أفضل بكثير من الإنسان الأول. لماذا؟ لأن الإنسان المؤدب الجاهل ان لم ينفع نفسه والآخرين فهو لا يضرهم وإن أضرهم فضرره محدود. أما الإنسان العالم الشرير، فلا يمنعه مانع من تفضيل نفسه على غيره، ولا يردعه رادع عن ارتكاب ما يمكنه من أعمال مضرة بغيره ومجتمعه في سبيل مصلحته ونفسه مستغلاً في ذلك علمه وذكائه. فمن هذا الأخير، يتوقع صدور الشر بكل أشكاله وأحجامه، وما وُجِد واختُرع من آلات دمار ووسائل هلاك ومخدرات ورذائل، إلا من هذا النوع، بل ان عامة الناس والسواد الأعظم منهم كانوا أول المتضررين وأول الأهداف المستهدفة لشرور الصنف الأول.
[إذن ففيما يتصل بالمقياس الحضاري نجد ان المعيار الذي يقاس به هذا المستوى هو مقدار ما يتمتع به الإنسان مما ذكرنا، من أمان واطمئنان وكفاية وتعاون وتفاهم ومحبة واحترام متبادل بين الناس للشخص وحريته. ولا دخل هنا لما نسميه تقدما أو تأخرا ولا دخل فيه لمستوى علمي، فقد يكون الأمي البسيط أقرب الى مفهوم الحضارة من المتعلم بل المتبحر إذا كان الأول محتفظا بمستواه المعنوي وكرامته الإنسانية متمسكا بالفضائل خاليا - ما أمكن - من الأحقاد والمطامع، وإذا كان الثاني قد انتقل من يده ميزان القيم واضطرب مقياسه الخلقي والمعنوي. وإذا أردنا مقارنة الحضارات مقارنة صحيحة ونسبية، فإننا نزنها بقدر ما تحقق له من العناصر التي ذكرناها أو تحرمه منها أو من بعضها. أما عن قياس الحضارات على أساس ما لدى أهلها من أدوات الحضارة المادية أو الفنية أو الآلات وما وصلوا إليه من مستوى عال في العلوم والفنون. فإن المخترعات والمبتكرات والكماليات كثيرا ما تكون أعباء على الإنسان وقيودا عليه تحد من حريته وتحرمه من العيش السعيد](2).
اذن، يمكن القول ان الجيل الجاهل الملتزم بمبادئ الأخلاق، هو أفضل ألف مرة من جيل متعلم شرير، فلو أمكن بالتربية الحسنة المنبعثة من التعاليم الإلهية، خلق أمة مؤدبة متعلمة مثقفة، فهذا هو الخير بعينه، ولا أمل لنهوض المجتمعات إلا بسلوك هذا النهج.
لو جئنا بمائة طفل صغير في دور الجهالة، وعهدنا بهم الى مدرسين ومعلمين ومربين غاية في الأخلاق والأدب، واستمرت فترة تربيتهم سنوات عديدة حتى كبروا وأصبحوا رجالا، فكم يتوقع ان تكون نسبة الصالحين بينهم؟ من الطبيعي ان تكون نسبتهم أكبر بكثير من نسبة غير الصالحين. ولنفترض حسب رأي البعض (ولو إننا لا نوافقهم هذا الرأي) انه لابد من وجود نسبة من الطالحين بين الموجودين، لاعتقادهم بوجود بذرة الشر بين الناس، فمع ذلك، ستكون نسبتهم حتما أقل بكثير من نسبة الصالحين. ولو جئنا في نفس الوقت بعدد مماثل من الأطفال الصغار، وعهدنا بتربيتهم الى مجموعة من الأشرار لتربيتهم وتعليمهم، فمن المؤكد أن تكون نسبة الأشرار أكبر بكثير من نسبة الجيدين. ولنقبل مرة أخرى بقول بعض علماء النفس والتربية بظهور نسبة من الجيدين بين مجموعة الفاسدين، لنفس السبب السابق. ولا نناقش هذه الفرضية الآن، بل سنفرد لها فصلا كاملاً عن حقيقة الشر وسره وكيفية الانتهاء منه لاحقاً.
ان تعاليم الديانات مثل ماء عين صافٍ نقي، فعندما ينضح هذا الماء يكون نقياً خالصاً يمكن لأي كائن ان يشرب ويرتوي منه بدون تحفظ، إلا انه عند وفاة المؤسس وتقادم الزمان ومرور الدهور، يبدأ أتباع الديانات (كل الديانات) بالمشاركة في التفسير والتحوير والاستنباط والقياس والاجتهاد، فتبدأ الشرائع بحمل شيء من هذا وأخذ شيء من ذاك، ومع مرور الوقت والسنين يتغير لون ذلك الماء الصافي النقي ورائحته ومذاقه فيرى الناس الاختلاف الشاسع بين أصول الدين في زمن ظهوره وبين طقوسه في الأزمان اللاحقة، ويشاهدون الاختلاف الواسع بين تصرفات وأعراف المؤمنين وعاداتهم وطقوسهم في السابق وفي اللاحق. لكن الإنسان المنصف يمكنه إدراك حقيقة الموضوع ومعرفة تأثير الزمان والتطور على المجتمعات، وبالتالي لا يمكن نسبة تصرفات الأجيال الأخيرة الى حقيقة الدين الحق.
فالدين يخلق التربية والأخلاق، وهذه تولد الحضارة والعلم والمعرفة وترفع شأن الأمم. والدين معاملة، والمعاملة هي ما يسود الناس من علاقات إيجابية وعرف وتقاليد تنبع من التعاليم الإلهية الموجودة في نصوص أحكام الكتب المقدسة الإلهية، فكل الديانات تدعو الى الخير المحض والصدق والعلاقات الاجتماعية الحميدة والشرف وعزة الإنسان ورفعته وتحث على المثل السامية والأخلاق الطيبة والتحلي بالكمالات والمزايا الحسنة، بحيث لا نجد ديناً إلهيا يدعو الى ما يخالف هذه المفاهيم الإنسانية. ان حقيقة مفهوم الخير، هو المثل الإنسانية الجيدة وفيها يكمن سر تقدم البشرية، أما ما يسود بعض المجتمعات المتدينة اليوم من نقيض لهذه المفاهيم، فمرده الى قدم عهد تلك الديانات والتأثيرات الاجتماعية السلبية التي دخلت الى أخلاق المجتمعات فسحبتها رويداً رويداً نحو مسار غير مقدر لها. والمثال السابق أوضح الموضوع.
ان دور التربية في المجتمعات، يقود الى التساؤل التالي: من هو الأفضل، الإنسان المتعلم الشرير قليل الأخلاق. أم الجاهل الأمي الشريف؟ والجواب الذي يتفق عليه الجميع هو: ان الإنسان الجاهل الأمي المؤدب الخلوق، أفضل بكثير من الإنسان الأول. لماذا؟ لأن الإنسان المؤدب الجاهل ان لم ينفع نفسه والآخرين فهو لا يضرهم وإن أضرهم فضرره محدود. أما الإنسان العالم الشرير، فلا يمنعه مانع من تفضيل نفسه على غيره، ولا يردعه رادع عن ارتكاب ما يمكنه من أعمال مضرة بغيره ومجتمعه في سبيل مصلحته ونفسه مستغلاً في ذلك علمه وذكائه. فمن هذا الأخير، يتوقع صدور الشر بكل أشكاله وأحجامه، وما وُجِد واختُرع من آلات دمار ووسائل هلاك ومخدرات ورذائل، إلا من هذا النوع، بل ان عامة الناس والسواد الأعظم منهم كانوا أول المتضررين وأول الأهداف المستهدفة لشرور الصنف الأول.
[إذن ففيما يتصل بالمقياس الحضاري نجد ان المعيار الذي يقاس به هذا المستوى هو مقدار ما يتمتع به الإنسان مما ذكرنا، من أمان واطمئنان وكفاية وتعاون وتفاهم ومحبة واحترام متبادل بين الناس للشخص وحريته. ولا دخل هنا لما نسميه تقدما أو تأخرا ولا دخل فيه لمستوى علمي، فقد يكون الأمي البسيط أقرب الى مفهوم الحضارة من المتعلم بل المتبحر إذا كان الأول محتفظا بمستواه المعنوي وكرامته الإنسانية متمسكا بالفضائل خاليا - ما أمكن - من الأحقاد والمطامع، وإذا كان الثاني قد انتقل من يده ميزان القيم واضطرب مقياسه الخلقي والمعنوي. وإذا أردنا مقارنة الحضارات مقارنة صحيحة ونسبية، فإننا نزنها بقدر ما تحقق له من العناصر التي ذكرناها أو تحرمه منها أو من بعضها. أما عن قياس الحضارات على أساس ما لدى أهلها من أدوات الحضارة المادية أو الفنية أو الآلات وما وصلوا إليه من مستوى عال في العلوم والفنون. فإن المخترعات والمبتكرات والكماليات كثيرا ما تكون أعباء على الإنسان وقيودا عليه تحد من حريته وتحرمه من العيش السعيد](2).
اذن، يمكن القول ان الجيل الجاهل الملتزم بمبادئ الأخلاق، هو أفضل ألف مرة من جيل متعلم شرير، فلو أمكن بالتربية الحسنة المنبعثة من التعاليم الإلهية، خلق أمة مؤدبة متعلمة مثقفة، فهذا هو الخير بعينه، ولا أمل لنهوض المجتمعات إلا بسلوك هذا النهج.
لو جئنا بمائة طفل صغير في دور الجهالة، وعهدنا بهم الى مدرسين ومعلمين ومربين غاية في الأخلاق والأدب، واستمرت فترة تربيتهم سنوات عديدة حتى كبروا وأصبحوا رجالا، فكم يتوقع ان تكون نسبة الصالحين بينهم؟ من الطبيعي ان تكون نسبتهم أكبر بكثير من نسبة غير الصالحين. ولنفترض حسب رأي البعض (ولو إننا لا نوافقهم هذا الرأي) انه لابد من وجود نسبة من الطالحين بين الموجودين، لاعتقادهم بوجود بذرة الشر بين الناس، فمع ذلك، ستكون نسبتهم حتما أقل بكثير من نسبة الصالحين. ولو جئنا في نفس الوقت بعدد مماثل من الأطفال الصغار، وعهدنا بتربيتهم الى مجموعة من الأشرار لتربيتهم وتعليمهم، فمن المؤكد أن تكون نسبة الأشرار أكبر بكثير من نسبة الجيدين. ولنقبل مرة أخرى بقول بعض علماء النفس والتربية بظهور نسبة من الجيدين بين مجموعة الفاسدين، لنفس السبب السابق. ولا نناقش هذه الفرضية الآن، بل سنفرد لها فصلا كاملاً عن حقيقة الشر وسره وكيفية الانتهاء منه لاحقاً.